الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ " إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ أَمْرٍ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ
"
1491 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، أَنَّهُ سَمِعَ سَعْدَ بْنَ أَبِي وَقَّاصٍ ، رضي الله عنه يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " إنَّ أَعْظَمَ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ حَرَامًا فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ "
1492 -
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ، قَالَ: حَدَّثَنَا سُلَيْمَانُ بْنُ دَاوُدَ الْهَاشِمِيُّ ،
⦗ص: 135⦘
قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ شِهَابٍ ، عَنْ عَامِرِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَهُ فَتَأَمَّلْنَا هَذَا الْحَدِيثَ لِنَقِفَ عَلَى الْمُرَادِ بِهِ إنْ شَاءَ اللهُ تَعَالَى فَوَجَدْنَا مَنْ كَانَ يَسْأَلُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ شَيْءٍ فَإِنَّمَا كَانَ يَطْلُبُ الْجَوَابَ مِنَ اللهِ فِيهِ ; لِأَنَّ الَّذِي كَانَ يُجِيبُهُمْ عَنْهُ بِهِ إنَّمَا هُوَ الَّذِي يُوحِيهِ اللهُ عز وجل إلَيْهِ وَقَدْ أَنْزَلَ اللهُ عز وجل عَلَيْهِ {وَلَا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضَى إلَيْكَ وَحْيُهُ} [طه: 114] فَأَمَرَهُ عز وجل بِالِانْتِظَارِ لِمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ مِنْ أَحْكَامِهِ حَتَّى يُنْزِلَهُ عَلَيْهِ وَمَا نَهَاهُ عَنْهُ مِنْ ذَلِكَ كَانَتْ أُمَّتُهُ مَنْهِيَّةً عَنْهُ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ مَا يَأْتِيهِ مِنَ اللهِ عز وجل جَوَابًا عَمَّا يُسْأَلُ عَنْهُ قَدْ يَكُونُ غَيْرَ قُرْآنٍ، فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى الْقُرْآنِ أَيْضًا وَكَانَ فِيمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] وَكَانَ الْقُرْآنُ يُنَزَّلُ بَعْدَ ذَلِكَ كَمَا كَانَ يُنَزَّلُ قَبْلَهُ فَعَقَلْنَا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ عز وجل {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: 38] بِمَعْنَى مَا نُفَرِّطُ فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ وَاللهُ أَعْلَمُ وَمِمَّا يَدُلُّ عَلَى مَا ذَكَرْنَا
مَا كَانَ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَوْلَهُ: " اللهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ،
⦗ص: 136⦘
فَنَزَلَتْ {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} [البقرة: 219] الْآيَةَ فَقَالَ: عُمَرُ اللهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ فَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ} [النساء: 43] فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: " اللهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ " فَنَزَلَتْ {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ} [المائدة: 90] إلَى قَوْلِهِ عز وجل {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] فَدُعِيَ عُمَرُ فَقُرِئَتْ عَلَيْهِ فَقَالَ: " انْتَهَيْنَا انْتَهَيْنَا "
1493 -
حَدَّثَنَاهُ الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ ، وَيُوسُفُ بْنُ يَزِيدَ ، قَالَا: حَدَّثَنَا أَسَدُ بْنُ مُوسَى ، قَالَ: حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شُرَحْبِيلَ ، وَهُوَ أَبُو مَيْسَرَةَ عَنْ عُمَرَ ، ثُمَّ ذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ،
⦗ص: 137⦘
وَكَانَ قَوْلُهُ عز وجل {فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ} [المائدة: 91] يُرِيدُ بِهِ السُّؤَالَ عَنْ مِثْلِ هَذَا حَتَّى يَكُونَ اللهُ عز وجل يُنَزِّلُهُ عَلَى رَسُولِهِ ابْتِدَاءً ; لِأَنَّ الْكِتَابَ الَّذِي هُوَ فِيهِ لَا يُفَرَّطُ فِيهِ حَتَّى يُجْمَعَ فِيهِ الْأَشْيَاءُ كُلُّهَا، وَلَمَّا كَانَ السُّؤَالُ عَمَّا ذَكَرْنَا قَدْ مُنِعَ مِنْهُ النَّاسُ كَانَ مَنْ سَأَلَ عَنْهُ مِنْهُمْ ظَالِمًا لِنَفْسِهِ ; لِأَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ سُؤَالُهُ ذَلِكَ أَمْرَ اللهِ عز وجل يَعْنِي الَّذِي لَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَتَقَدَّمَهُ
⦗ص: 138⦘
وَكَانَ عز وجل قَدْ ذَكَرَ فِيمَا عَاقَبَ بِهِ الْيَهُودَ بِظُلْمِهِمْ قَوْلَهُ عز وجل {فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هَادُوا حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ} [النساء: 160] الْآيَةَ فَكَانَ مَنْ عَادَ سُؤَالُهُ ظَالِمًا غَيْرَ مَأْمُونٍ عَلَيْهِ أَنْ يُحَرَّمَ عَلَيْهِ بِظُلْمِهِ ذَلِكَ مَا قَدْ كَانَ حَلَالًا لَهُ ; لِأَنَّ الْأَشْيَاءَ كُلَّهَا عَلَى طَلْقِهَا وَعَلَى حِلِّهَا حَتَّى يُحْدِثَ اللهُ سبحانه وتعالى فِيهَا التَّحْرِيمَ فَتَعُودَ حَرَامًا ، وَإِذَا عَادَ ذَلِكَ الَّذِي سَأَلَ عَنْهُ السَّائِلُ الَّذِي ذَكَرْنَا حَرَامًا مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ عَلَيْهِ عَادَ حَرَامًا عَلَى النَّاسِ جَمِيعًا فَكَانَ فِي ذَلِكَ عَظِيمَ الْجُرْمِ فِيهِمْ، وَلَمْ نَجِدْ لِتَأْوِيلِ هَذَا الْحَدِيثِ مَعْنًى هُوَ أَوْلَى بِهِ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ، وَاللهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ بِهِ فِيهِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَهَلْ تَدْخُلُ سُؤَالِاتُ عُمَرَ رضي الله عنه الْمَذْكُورَاتُ فِي حَدِيثِ أَبِي مَيْسَرَةَ عَنْهُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى جَوَابَاتٍ لَهَا مَا أَنْزَلَ مِنَ الْآيِ الْمَذْكُورَاتِ فِي ذَلِكَ الْحَدِيثِ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي حَدِيثِ سَعْدٍ رضي الله عنه " أَعْظَمُ الْمُسْلِمِينَ فِي الْمُسْلِمِينَ جُرْمًا مَنْ سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ لَمْ يَكُنْ مُحَرَّمًا فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ " قِيلَ لَهُ: لَيْسَ بِدَاخِلٍ ذَلِكَ فِي شَيْءٍ مِنْ حَدِيثِ سَعْدٍ هَذَا ; لِأَنَّ حَدِيثَ سَعْدٍ إنَّمَا هُوَ فِيمَنْ سَأَلَ عَنْ مَا كَانَ حَلَالًا فَحُرِّمَ مِنْ أَجْلِ مَسْأَلَتِهِ وَعُمَرُ رضي الله عنه فِي حَدِيثِ أَبِي مَيْسَرَةَ الَّذِي ذَكَرْنَا إنَّمَا سَأَلَ عَنْ شَيْءٍ قَدْ تَقَدَّمَ تَحْرِيمُ اللهِ لَهُ قَبْلَ ذَلِكَ أَلَا تَرَاهُ يَقُولُ فِيهِ لَمَّا نَزَلَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ قَالَ: عُمَرُ رضي الله عنه اللهُمَّ بَيِّنْ لَنَا فِي الْخَمْرِ بَيَانَ شِفَاءٍ وَذَلِكَ مِنْهُ رضي الله عنه يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ أَرَادَ بِهِ
⦗ص: 139⦘
مَا بَيَّنَّ اللهُ عز وجل جَوَابًا لَهُ فِي أَعْلَامِ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَانَ عَظُمَ تَحْرِيمُ الْخَمْرِ فِي قُلُوبِهِمْ لِجَلَالَةِ مِقْدَارِهَا كَانَ عِنْدَهُمْ قَبْلَ ذَلِكَ أَنَّ اللهَ عز وجل إنَّمَا حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ لِمَا لَهُمْ مِنْ ذَلِكَ مِنَ الصَّلَاحِ ; لِأَنَّهَا رِجْسٌ وَلِأَنَّ فِيهَا إثْمًا كَبِيرًا؛ وَلِأَنَّهَا تَمْنَعُ مِنَ الصَّلَاةِ أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ قَدْ كَانَ مُنَادِي رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذَا حَضَرَتِ الصَّلَاةُ يُنَادِي لَا يَحْضُرَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ
1494 -
حَدَّثَنَاهُ عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ السَّلُولِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ بْنُ يُونُسَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ عَمْرِو بْنِ مَيْمُونٍ ، عَنْ عُمَرَ ، رضي الله عنه قَالَ:" سَمِعْتُ مُنَادِيَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يُنَادِي: " إذَا أُقِيمَتِ الصَّلَاةُ فَلَا يَقْرَبَنَّ الصَّلَاةَ سَكْرَانُ "
فَأَخْبَرَ رضي الله عنه أَنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَصِيرُونَ بِشُرْبِهَا إلَى حَالٍ يُمْنَعُونَ لِأَجْلِهَا قُرْبَ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّهَا قَدْ كَانَتْ تُوقِعُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ بَيْنَهُمْ إذْ كَانَتْ سَبَبًا لِمَا نَزَلَ بِسَعْدٍ رضي الله عنه عِنْدَ شُرْبِهِ هُوَ وَنَفَرٌ مِنَ الْأَنْصَارِ إيَّاهَا وَتَفَاخُرِهِمْ عِنْدَ ذَلِكَ حَتَّى قَالَ بَعْضُهُمْ: الْمُهَاجِرُونَ أَفْضَلُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: الْأَنْصَارُ أَفْضَلُ فَأَخَذَ لَحْيَ جَزُورٍ فَفَزَرَ بِهِ أَنْفَ
⦗ص: 140⦘
سَعْدٍ فَكَانَ أَنْفُهُ مَفْزُورًا
1495 -
حَدَّثَنَا بِذَلِكَ إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا وَهْبُ بْنُ جَرِيرٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ سِمَاكِ بْنِ حَرْبٍ ، عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدٍ ، عَنْ سَعْدٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَفِي ذَلِكَ عَظُمَ مَنْفَعَةُ سُؤَالِ عُمَرَ رضي الله عنه اللهَ عز وجل لِلْمُسْلِمِينَ حَتَّى عَلِمُوا مِنْ أَجْلِ سُؤَالِهِ أَنَّ تَحْرِيمَ اللهِ عز وجل الْخَمْرَ كَانَ عَلَيْهِمْ خَيْرًا لَهُمْ مِنْ بَقَاءِ حِلِّهَا لَهُمْ إذْ كَانَ حِلُّهَا يُوقِعُ بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ وَالْجِنَايَاتِ مِنْ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ " وَتَحْرِيمُهَا لَيْسَ ذَلِكَ فِيهِ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ ذَلِكَ نِعْمَةٌ مِنَ اللهِ عز وجل عَلَيْهِمْ كَانَ سَبَبُهَا سُؤَالَ عُمَرَ رضي الله عنه إيَّاهُ عز وجل لَا عُقُوبَةً مِنْهُ إيَّاهُمْ كَانَ بِذَلِكَ، وَبِاللهِ التَّوْفِيقُ
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي السَّبَبِ الَّذِي نَزَلَتْ فِيهِ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] بَعْدَ أَنْ نَزَلَ قَبْلَهَا: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]{وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمُ وَأَنْفُسِهِمْ} [النساء: 95] الْآيَةَ
1496 -
حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ الْمُغِيرَةِ ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ الْكَرِيمِ ، أَنَّ مِقْسَمًا ، مَوْلَى عَبْدِ اللهِ بْنِ الْحَارِثِ يُحَدِّثُ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ سَمِعَهُ يَقُولُ:" لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ بَدْرٍ وَالْخَارِجُونَ إلَى بَدْرٍ قَالَ: لَمَّا نَزَلَ غَزْوُ بَدْرٍ قَالَ: عَبْدُ بْنُ جَحْشٍ الْأَسَدِيُّ أَبُو أَحْمَدَ وَابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إنَّا أَعْمَيَانِ يَا رَسُولَ اللهِ، فَهَلْ لَنَا مِنْ رُخْصَةٍ؟ فَنَزَلَتْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] "
1497 -
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ أَبِي دَاوُدَ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ عَبْدِ اللهِ الْأُوَيْسِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنِي إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، قَالَ: حَدَّثَنِي صَالِحُ بْنُ كَيْسَانَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ: " رَأَيْتُ مَرْوَانَ بْنَ الْحَكَمِ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ إلَى جَنْبِهِ فَأَخْبَرَنَا أَنَّ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَمْلَى عَلَيْهِ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]{وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} [النساء: 95] قَالَ: فَجَاءَهُ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَهُوَ
⦗ص: 143⦘
يُمْلِيهَا عَلَيَّ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، وَاللهِ لَوْ أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ لَجَاهَدْتُ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى، فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَى رَسُولِهِ، وَفَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَثَقُلَتْ حَتَّى خِفْتُ أَنْ تَرُضَّ فَخِذِي ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ، فَأَنْزَلَ اللهُ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]
1498 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ دَاوُدَ الْبَغْدَادِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ حَمْزَةَ الزُّبَيْرِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، ثُمَّ ذَكَرَ بِإِسْنَادٍ مِثْلَهُ
1499 -
حَدَّثَنَا الرَّبِيعُ بْنُ سُلَيْمَانَ الْمُرَادِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ
⦗ص: 144⦘
اللهِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ: وَأَخْبَرَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي الزِّنَادِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ خَارِجَةَ بْنِ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم " أَنَّ السَّكِينَةَ غَشِيَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: زَيْدٌ: وَأَنَا إلَى جَنْبِهِ ، فَوَقَعَتْ فَخِذُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى فَخِذِي فَمَا وَجَدْتُ ثِقَلَ شَيْءٍ هُوَ أَثْقَلُ مِنْ فَخِذِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ سُرِّيَ عَنْهُ فَقَالَ لِي: اكْتُبْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]{وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [النساء: 95] الْآيَةَ كُلَّهَا قَالَ زَيْدٌ فَكَتَبْتُ ذَلِكَ فِي كَتِفٍ، فَقَامَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ وَكَانَ رَجُلًا أَعْمَى حِينَ سَمِعَ تَفْضِيلَهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ كَيْفَ بِمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ خَارِجَةُ قَالَ زَيْدٌ: فَمَا قَضَى ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ كَلَامَهُ أَوْ قَالَ: فَمَا هُوَ إلَّا أَنْ قَضَى كَلَامَهُ فَغَشِيَتْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم السَّكِينَةُ فَوَقَعَتْ فَخِذُهُ عَلَى فَخِذِي، فَوَجَدْتُ مِنْ ثِقَلِهَا الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ مِثْلَ مَا وَجَدْتُ مِنْهَا فِي الْمَرَّةِ الْأُولَى ثُمَّ سُرِّيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ:" اقْرَأْ " فَقَرَأْتُ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]{وَالْمُجَاهِدُونَ} [النساء: 95] فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] فَأَلْحَقْتُهَا فَكَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى مُلْحَقِهَا عِنْدَ صَدْعٍ مِنَ الْكَتِفِ "
1500 -
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ ، وَرَوْحُ بْنُ عُبَادَةَ الْقَيْسِيُّ ، قَالَا: حَدَّثَنَا شُعْبَةُ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] جَاءَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَشَكَا ضَرَارَتَهُ فَنَزَلَتْ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95]
1501 -
حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ غُلَيْبٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا يُوسُفُ بْنُ عَدِيٍّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحِيمِ بْنُ سُلَيْمَانَ ، عَنْ زَكَرِيَّا بْنِ أَبِي زَائِدَةَ ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ
⦗ص: 146⦘
الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]{وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} [النساء: 95]، فَقَالَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ: يَا رَسُولَ اللهِ فَمَا تَأْمُرُنِي، فَإِنِّي لَا أَسْتَطِيعُ الْجِهَادَ؟ فَأَنْزَلَ اللهُ مَكَانَهُ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] "
1502 -
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ سَعِيدِ بْنِ أَبِي مَرْيَمَ ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا إسْرَائِيلُ ، قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو إِسْحَاقَ ، عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ ، قَالَ:" لَمَّا نَزَلَتْ {لَا يَسْتَوِي} [النساء: 95] الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} [النساء: 95] ، دَعَا رَسُولُ اللهِ رَجُلًا فَجَاءَ وَمَعَهُ اللَّوْحُ وَالدَّوَاةُ أَوِ الْكَتِفُ فَقَالَ: " اكْتُبْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]{وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} [النساء: 95] وَخَلْفَ ظَهْرِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ الْأَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَنَا ضَرِيرُ الْبَصَرِ قَالَ: فَنَزَلَتْ مَكَانَهَا {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي} [النساء: 95] الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ "
وَحَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي مَرْيَمَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْفِرْيَابِيُّ قَالَ: ثَنَا سُفْيَانُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنِ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ فِي قَوْلِهِ عز وجل {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي} [النساء: 95] الضَّرَرِ قَالَ: " ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ "
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْوَلِيدِ الطَّيَالِسِيُّ، وَمُسْلِمُ بْنُ إبْرَاهِيمَ الْأَزْدِيُّ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو عَقِيلٍ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نَضْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِهِ عز وجل {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] الْآيَةَ، قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" أَقَوَامٌ حَبَسَتْهُمْ أَمْرَاضٌ وَأَوْجَاعٌ وَكَانَ أُولَئِكَ أُولِي الضَّرَرِ وَكَانَ الْقَاعِدُ الْمَرِيضُ أَعْذَرَ مِنَ الْقَاعِدِ الصَّحِيحِ "
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: حَدَّثَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِسْحَاقَ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ أَبِي عَقِيلٍ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ قَالَ: سَأَلْتُ ابْنَ عَبَّاسٍ عَنْ قَوْلِ اللهِ عز وجل {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] قَالَ: " كَانَ قَوْمٌ يَعْرِضُ لَهُمْ أَوْجَاعٌ وَأَمْرَاضٌ "
⦗ص: 148⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَيَكُونُ مَا فِي حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مُخَالِفًا لِمَا فِي حَدِيثِ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الَّذِي قَدْ رَوَيْتَهُ فِي هَذَا الْبَابِ ; لِأَنَّ فِي ذَلِكَ أَنَّهُ نَزَلَتْ: {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]{وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} [النساء: 95]، ثُمَّ أُنْزِلَ بَعْدَهَا {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] وَفِي حَدِيثِ أَبِي نَضْرَةَ ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ نَسَقًا فَظَاهِرُهُ يُوجِبُ أَنَّ نُزُولَهَا كُلَّهَا كَانَ مَعًا؟ قِيلَ لَهُ: مَا بَيْنَهُمَا اخْتِلَافٌ ; لِأَنَّ حَدِيثَ مِقْسَمٍ إنَّمَا فِيهِ إخْبَارُ ابْنِ عَبَّاسٍ عَنْ سَبَبِ نُزُولِهَا عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم كَيْفَ كَانَ وَحَدِيثُ أَبِي نَضْرَةَ إنَّمَا فِيهِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ الْإِخْبَارُ بِتَأْوِيلِهَا الَّذِي اسْتَقَرَّ عَلَيْهِ أَمْرُهَا، وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُ بَعْدَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُ وَمِنْ حَدِيثِ مِقْسَمٍ فِي مَعْنًى غَيْرِ الْمَعْنَى الَّذِي فِيهِ صَاحِبُهُ وَإِنْ كَانَ مَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْآيَةُ فِيهِمَا جَمِيعًا مُؤْتَلِفًا غَيْرَ مُخْتَلِفٍ
1503 -
حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ ، وَعَلِيُّ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، جَمِيعًا قَالَا: حَدَّثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَاحِدِ بْنُ زِيَادٍ ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَاصِمُ بْنُ كُلَيْبٍ ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنِ الْفَلَتَانِ بْنِ عَاصِمٍ الْجَرْمِيِّ ، أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا قُعُودًا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأُنْزِلَ عَلَيْهِ، وَكَانَ إذَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ دَامَ بَصَرُهُ مَفْتُوحَةً عَيْنَاهُ وَفَرَّغَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ لِمَا جَاءَهُ مِنَ اللهِ عز وجل فَلَمَّا فَرَغَ قَالَ لِلْكَاتِبِ: " اكْتُبْ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95] {وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ فَضَّلَ اللهُ
⦗ص: 149⦘
الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً} ، فَقَامَ الْأَعْمَى فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ مَا ذَنْبُنَا؟ فَأَنْزَلَ اللهُ عَلَيْهِ، فَقُلْنَا لِلْأَعْمَى: إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أُنْزِلَ عَلَيْهِ قَالَ: فَبَقِيَ قَائِمًا يَقُولُ: أَتُوبُ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لِلْكَاتِبِ: " اكْتُبْ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] " فَقَالَ قَائِلٌ: كَيْفَ تَقْبَلُونَ هَذِهِ الْأَخْبَارَ وَتُثْبِتُونَ بِهَا أَنَّ نُزُولَ هَذِهِ الْآيَةِ كَانَ فِي الْبَدْءِ لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ ، وَفِي ذَلِكَ تَفْضِيلُ الْمُجَاهِدِينَ فِي سَبِيلِ اللهِ عَلَى الْقَاعِدِينَ بِعُذْرٍ ، وَبِغَيْرِ عُذْرٍ وَالْقَاعِدُونَ بِعُذْرٍ لَمْ يَقْعُدُوا اخْتِيَارًا لِتَرْكِ الْجِهَادِ، وَإِنَّمَا قَعَدُوا عَجْزًا عَنِ الْجِهَادِ، فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوِيَ فِي ذَلِكَ فَضْلُ
⦗ص: 150⦘
الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ الْمَعْذُورِينَ وَيَكُونُونَ فِي ذَلِكَ مَعَ الْعُذْرِ الَّذِي مَعَهُمْ كَمَنْ سِوَاهُمْ مِنَ الْقَاعِدِينَ مِمَّنْ لَا عُذْرَ مَعَهُمْ وَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَوُو الضَّرَرِ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُمْ فِي الْفِقْهِ عَلَى مَا هُمْ عَلَيْهِ مِنْهُ وَالْقُرْآنُ أَيْضًا نَزَلَ بِلُغَتِهِمْ يَظُنُّونَ بِاللهِ عز وجل أَنَّهُ سَوَّى فِي ذَلِكَ بَيْنَهُمْ مَعَ الْعُذْرِ الَّذِي مَعَهُمْ وَبَيْنَ غَيْرِهِمْ مِنَ الْقَاعِدِينَ عَنِ الْجِهَادِ مِمَّنْ لَا عُذْرَ مَعَهُ وَقَدْ سَمِعُوا اللهَ عز وجل يَقُولُ {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا مَا آتَاهَا} [الطلاق: 7] وَلَمْ يُؤْتِهِمُ اللهُ تَعَالَى الْقُوَّةَ عَلَى الْجِهَادِ وَسَمِعُوهُ يَقُولُ {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا} [البقرة: 286] وَأَعْظَمُ أَنْ تَكُونَ هَذِهِ الْأَخْبَارُ عَلَى مَا قَدْ ذُكِرَ فِيهَا ، وَقَالَ: مُحَالٌ أَنْ يَكُونَ كَانَ نُزُولُ هَذِهِ الْآيَةِ إلَّا كَمَا يَقْرَؤُهَا {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ} [النساء: 95] الْآيَةَ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ أَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ الَّتِي رَوَيْنَاهَا آثَارٌ صِحَاحٌ ثَابِتَةٌ لَا يَدْفَعُ الْعُلَمَاءُ صِحَّتَهَا ، وَلَا يَطْعَنُونَ فِي أَسَانِيدِهَا ، وَلَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ فِيهَا كَانَ بَدْءُ نُزُولِهَا: لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ وَأَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبَا أَحْمَدَ بْنَ جَحْشٍ لَمَّا ذَكَرَا لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَجْزَهُمَا عَنِ الْجِهَادِ بِالضُّرِّ الَّذِي بِهِمَا أَنْزَلَ اللهُ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] فَصَارَتِ الْآيَةُ {لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} [النساء: 95] وَلَمْ يَكُنْ ذَلِكَ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّ اللهَ عز وجل أَرَادَهُمَا وَأَمْثَالَهُمَا بِهَذِهِ الْآيَةِ مَعَ عَجْزِهِمَا عَنِ
⦗ص: 151⦘
الْمَعْنَى الَّذِي فِيهَا مِمَّا يُفَضَّلُ بِهِ الْمُجَاهِدُونَ عَلَى الْقَاعِدِينَ غَيْرِ أُولِي الضَّرَرِ وَلَكِنَّهُمَا ذَهَبَ ذَلِكَ عَنْهُمَا حَتَّى كَانَ مِنْهُمَا مِنَ الْقَوْلِ مَا ذُكِرَ عَنْهُمَا فِي هَذِهِ الْآثَارِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل عِنْدَ ذَلِكَ عَلَى رَسُولِهِ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ إعْلَامًا مِنْهُ إيَّاهُمَا أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُمَا ، وَلَا أَمْثَالَهُمَا بِذَلِكَ التَّفْضِيلِ الَّذِي فَضَّلَ بِهِ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْأَمْرُ بِخِلَافِ ذَلِكَ، وَقَدْ سَمِعُوا اللهَ عز وجل يَقُولُ:{لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] يَعْنِي فِي تَخَلُّفِهِمْ عَنِ الْجِهَادِ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: أَفَيَجُوزُ أَنْ يَذْهَبَ عَنْهُمَا مِثْلُ هَذَا مِنْ مُرَادِ اللهِ عز وجل بِهَذِهِ الْآيَةِ؟ قِيلَ لَهُ: وَمَا تُنْكِرُ مِنْ هَذَا وَقَدْ كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَمَّا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فِي الصِّيَامِ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] وَتَلَاهَا عَلَيْهِمْ حَمَلُوهَا عَلَى مَا قَدْ ذَكَرَهُ سَهْلُ بْنُ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ مِنْ حَمْلِهِمْ إيَّاهَا عَلَيْهِ حَتَّى أَنْزَلَ اللهُ عز وجل عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَعْلَمَهُمْ بِهِ أَنَّ مُرَادَهُ جَلَّ وَعَزَّ غَيْرُ مَا ظَنُّوهُ بِهِ جَلَّ وَعَزَّ
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُدَ قَالَ: حَدَّثَنَا الْمُقَدَّمِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْفُضَيْلُ بْنُ سُلَيْمَانَ النُّمَيْرِيُّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ السَّاعِدِيُّ قَالَ: " لَمَّا نَزَلَتْ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] جَعَلَ الرَّجُلُ يَأْخُذُ خَيْطًا أَبْيَضَ وَخَيْطًا أَسْوَدَ فَيَجْعَلُهُمَا تَحْتَ وِسَادَةٍ فَيَنْظُرُ مَتَى يَتَبَيَّنُهُمَا
⦗ص: 152⦘
فَيَتْرُكُ الطَّعَامَ قَالَ: فَبَيَّنَ اللهُ تَعَالَى ذَلِكَ وَنَزَلَتْ {مِنَ الْفَجْرِ} [البقرة: 187] " فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ تِبْيَانُ اللهِ أَنَّ الَّذِي أَرَادَ بِالْخَيْطِ الْأَبْيَضِ وَالْخَيْطِ الْأَسْوَدِ غَيْرُ الَّذِي ظَنُّوا أَنَّهُ أَرَادَهُ بِهِمَا، وَكَذَلِكَ عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ الطَّائِيُّ فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ فِي هَذَا الْمَعْنَى
1504 -
كَمَا حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ خُزَيْمَةَ ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَجَّاجُ بْنُ الْمِنْهَالِ ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُصَيْنُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ ،
1505 -
وَكَمَا حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ دَاوُدَ بْنِ مُوسَى ، قَالَ: حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ سَالِمٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا هُشَيْمٌ ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حُصَيْنٌ ، وَمُجَالِدٌ ، عَنِ الشَّعْبِيِّ ، قَالَ:
⦗ص: 153⦘
أَخْبَرَنَا عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ ، قَالَ:" لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ} [البقرة: 187] مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ عَمَدْتُ إلَى عِقَالَيْنِ أَحَدُهُمَا أَسْوَدُ فَجَعَلْتُ أَنْظُرُ إلَيْهِمَا فَلَا يَتَبَيَّنُ لِي الْأَبْيَضُ مِنَ الْأَسْوَدِ، فَلَمَّا أَصْبَحْتُ غَدَوْتُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بِالَّذِي صَنَعْتُ فَقَالَ: " إنَّ وِسَادَكَ لَعَرِيضٌ، إنَّمَا ذَلِكَ بَيَاضُ النَّهَارِ وَسَوَادُ اللَّيْلِ " أَفَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمَّا سَمِعُوا قَوْلَهُ عز وجل {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ} [البقرة: 187] حَمَلُوا ذَلِكَ عَلَى مَا حَمَلُوهُ عَلَيْهِ حَتَّى بَيَّنَ اللهُ عز وجل لَهُمْ فِي كِتَابِهِ وَعَلَى لِسَانِ رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الَّذِي أَرَادَهُ خِلَافُ مَا ظَنُّوهُ وَكَذَلِكَ مَا كَانَ مِنْ قِصَّةِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ وَأَبِي أَحْمَدَ لَمَّا تَلَا عَلَيْهِمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا تَلَا ظَنَّا أَنَّهُمَا مِنَ الْمَفْضُولِينَ فِيمَا تَلَاهُ عَلَيْهِمَا فَبَيَّنَ اللهُ عز وجل لَهُمَا بِإِنْزَالِهِ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] أَنَّهُ لَمْ يُرِدْهُمَا ، وَلَا أَمْثَالَهُمَا مِنْ ذَوِي الضَّرَرِ وَإِنَّمَا أَرَادَ غَيْرَهُمَا مِمَّنْ لَا ضَرَرَ بِهِ وَفِيمَا ذَكَرْنَا مَا قَدْ دَلَّ عَلَى أَنَّ الْقِرَاءَةَ فِي ذَلِكَ كَمَا قَرَأَهَا مَنْ قَرَأَهَا بِالرَّفْعِ وَهُمْ عَاصِمٌ وَالْأَعْمَشُ وَأَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ لَا كَمَا قَرَأَهَا
⦗ص: 154⦘
مُخَالِفُوهُمْ: (غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ)، بِالنَّصْبِ وَهُمْ أَبُو جَعْفَرٍ وَشَيْبَةُ وَنَافِعٌ وَابْنُ كَثِيرٍ وَعَبْدُ اللهِ بْنُ عَامِرٍ وَقَدْ كَانَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ ذَهَبَ إلَى قِرَاءَةِ هَؤُلَاءِ الْمَدَنِيِّينَ وَقَالَ: مَعَ ذَلِكَ إنَّ الرَّفْعَ وَجْهٌ فِي الْعَرَبِيَّةِ مُمْكِنٌ غَيْرُ مُسْتَنْكَرٍ ، وَكَذَلِكَ كَانَ الْفَرَّاءُ يَذْهَبُ إلَى صِحَّتِهِ فِي الْعَرَبِيَّةِ وَيَقُولُ: هُوَ عَلَى النَّعْتِ لِلْقَاعِدِينَ، قَالَ: وَمَا كَانَ مِنْ نَعْتِهِمْ كَانَ كَذَلِكَ إعْرَابُهُ بِالرَّفْعِ لَا بِغَيْرِهِ كَمَا قَالَ عز وجل: {أَوِ التَّابِعِينَ غَيْرِ أُولِي الْإِرْبَةِ} [النور: 31] فَكَانَ نَعْتُهُ إيَّاهُمْ بِمِثْلِ مَا ذَكَرَهُمْ بِهِ مِنَ الْجَرِّ لَا مَا سِوَاهُ وَاللهَ سُبْحَانَهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ وَقَدْ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ الْقَاسِمُ بْنُ سَلَّامٍ فِي السَّبَبِ الَّذِي بِهِ اخْتَارَ: " غَيْرَ أُولِي الضَّرَرِ " بِالنَّصْبِ، فَقَالَ: وَرَوَى عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ وَاحِدٍ ذَكَرَهُمْ أَنَّ نُزُولَهَا كَانَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَوَجَبَ بِذَلِكَ أَنْ تَكُونَ مَنْصُوبَةً فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ أَنَّهُ لَمْ يُرْوَ عَنْ وَاحِدٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: إنَّمَا نَزَلَتْ لِلِاسْتِثْنَاءِ مِمَّا كَانَ نَزَلَ قَبْلَهَا، وَإِنَّمَا رُوِيَ عَنْهُ مِنْهُمَا فِي سَبَبِ نُزُولِهَا مَا قَدْ رَوَيْنَاهُ فِي ذَلِكَ فِي صَدْرِ هَذَا الْبَابِ ، وَلَوْ كَانَتْ كُلُّهَا نَزَلَتْ مَعًا لَجَازَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ عَلَى الِاسْتِثْنَاءِ فَيَكُونَ النَّصْبُ فِيهِ أَوْلَى مِنَ الرَّفْعِ، وَلَكِنَّهُ إنَّمَا كَانَ الَّذِي نَزَلَ أَوَّلًا مِنْهَا هُوَ قَوْلُهُ عز وجل:{لَا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} [النساء: 95]{وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللهِ} [النساء: 95] ، وَنَحْنُ نُحِيطُ عِلْمًا أَنَّ اللهَ عَزَّ
⦗ص: 155⦘
وَجَلَّ لَمْ يَعْنِ الْقَاعِدِينَ بِالزَّمَانَةِ مَعَ النِّيَّةِ أَنَّهُمْ لَوْ أَطَاقُوا الْجِهَادَ لَجَاهَدُوا، وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنِ الْمُجَاهِدُونَ أَفْضَلَ مِنْهُمْ ; لِأَنَّهُمْ جَاهَدُوا بِقُوَّتِهِمْ وَتَخَلَّفَ الْآخَرُونَ عَنِ الْجِهَادِ بِعَجْزِهِمْ عَنْهُ وَقَدْ قَالَ: اللهُ عز وجل {لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَاللهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ وَلَا عَلَى الَّذِينَ إذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ} [التوبة: 92] ثُمَّ اعْلَمْ بَعْدَ ذَلِكَ أَنَّ السَّبِيلَ عَلَى خِلَافِ هَؤُلَاءِ بِقَوْلِهِ عز وجل {إنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَهُمْ أَغْنِيَاءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوَالِفِ} [التوبة: 93] وَقَالَ عز وجل: {لَيْسَ عَلَى الْأَعْمَى حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ} [الفتح: 17] وَمَنْ حَمَلَ الْأَمْرَ عَلَى غَيْرِ مَا ذَكَرْنَا كَانَ قَدْ قَالَ قَوْلًا عَظِيمًا وَنَسَبَ اللهَ عز وجل إلَى أَنَّهُ قَدْ تَعَبَّدَ خَلْقَهُ بِمَا هُمْ عَاجِزُونَ عَنْهُ، وَإِذَا كَانَ نُزُولُ مَا قَدْ تَلَوْنَا عَلَى مَا قَدْ ذَكَرْنَا كَانَ مَا أَنْزَلَ اللهُ عز وجل بَعْدَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ {غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ} [النساء: 95] تِبْيَانًا لِمَا كَانَ أَنْزَلَهُ قَبْلَ ذَلِكَ مِنَ الْقَاعِدِينَ الَّذِينَ فَضَّلَ عَلَيْهِمُ الْمُجَاهِدِينَ فَكَانَ الرَّفْعُ أَوْلَى بِهِ مِنْ غَيْرِهِ وَقَدْ سَأَلَ سَائِلٌ فَقَالَ: قَدْ كَانَ مِنَ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ مَا كَانَ مِنَ الِاعْتِذَارِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ إلَيْهِ، وَقَدْ كَانَ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ عَلَى حَالِهِ الَّتِي اعْتَذَرَ بِهَا إلَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَحْمِلُ الرَّايَةَ فِي قِتَالِهِ الْكُفَّارَ فَكَيْفَ لَمْ يَبْذُلْ ذَلِكَ مِنْ نَفْسِهِ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَذَكَرَ مَا قَدْ حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ مَرْزُوقٍ قَالَ: ثَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ
⦗ص: 156⦘
قَالَ: ثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ قَالَ: ثَنَا سَعِيدٌ وَهُوَ ابْنُ أَبِي عَرُوبَةَ عَنْ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ عَبْدَ اللهِ بْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ يَوْمَ الْقَادِسِيَّةِ كَانَتْ مَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ وَعَلَيْهِ دِرْعٌ وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو نُعَيْمٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ عُيَيْنَةَ ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: رَأَيْتُ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ فِي بَعْضِ مَشَاهِدِ الْمُسْلِمِينَ فِي يَدِهِ اللِّوَاءُ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ أَنَّهُ قَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ يَوْمَ كَانَ مِنْهُ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَا كَانَ لَمْ يَكُنْ يُحْسِنُ يَوْمَئِذٍ حَمْلَ الرَّايَةِ، ثُمَّ أَحْسَنَهُ بَعْدَ ذَلِكَ فَتَكَلَّفَهُ لَمَّا أَحْسَنَهُ لِلْمُسْلِمِينَ وَتَرَكَ أَنْ يَتَكَلَّفَهُ قَبْلَ ذَلِكَ لَمَّا كَانَ لَا يُحْسِنُهُ. وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ