الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ عز وجل: {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ}
1626 -
حَدَّثَنَا إسْمَاعِيلُ بْنُ يَحْيَى الْمُزَنِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ ، عَنْ إبْرَاهِيمَ بْنِ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنِ ابْنِ مَرْجَانَةَ ، قَالَ: ذُكِرَ لِابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ ، تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} [البقرة: 284] فَبَكَى ثُمَّ قَالَ: وَاللهِ لَئِنْ آخَذَنَا اللهُ بِهَا لَنَهْلِكَنَّ ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" يَرْحَمُ اللهُ أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَدْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا حِينَ نَزَلَتْ مَا وَجَدَ ، فَذَكَرُوا ذَلِكَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَنَزَلَتْ {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] مِنَ الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ، وَكَانَ حَدِيثُ النَّفْسِ مِمَّا لَا يَمْلِكُهُ أَحَدٌ، وَلَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ أَحَدٌ "
1627 -
حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ ، قَالَ: أَخْبَرَنِي يُونُسُ بْنُ يَزِيدَ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ مَرْجَانَةَ ، يُحَدِّثُ بَيْنَمَا هُوَ جَالِسٌ مَعَ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} الْآيَةَ فَقَالَ: وَاللهِ لَئِنْ آخَذَنَا اللهُ بِهَذَا لَنَهْلِكَنَّ ، ثُمَّ بَكَى عَبْدُ اللهِ بْنُ عُمَرَ حَتَّى سُمِعَ نَشِيجُهُ ، فَقَالَ ابْنُ مَرْجَانَةَ: فَقُمْتُ حَتَّى أَتَيْتُ عَبْدَ اللهِ بْنَ عَبَّاسٍ ، فَذَكَرْتُ لَهُ مَا تَلَا ابْنُ عُمَرَ وَمَا فَعَلَ حِينَ تَلَاهَا ، فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ:" يَغْفِرُ اللهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، لَعَمْرِي لَقَدْ وَجَدَ الْمُسْلِمُونَ مِنْهَا حِينَ أُنْزِلَتْ مِثْلَ مَا وَجَدَ ابْنُ عُمَرَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ بَعْدَهَا {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] إلَى آخِرِ السُّورَةِ " فَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: وَكَانَتْ هَذِهِ
⦗ص: 313⦘
الْوَسْوَسَةُ مِمَّا لَا طَاقَةَ لِلْمُسْلِمِينَ بِهَا ، فَصَارَ الْأَمْرُ إلَى أَنْ قَضَى الله عز وجل أَنَّ لِلنَّفْسِ مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ فِي الْقَوْلِ وَالْفِعْلِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ شِهَابٍ عَنْ سَعِيدِ ابْنِ مَرْجَانَةَ يُحَدِّثُ ، فَأَوْقَعَ ذَلِكَ فِي الْقُلُوبِ أَنْ يَكُونَ ابْنُ شِهَابٍ لَمْ يُحَدِّثْ بِهِ عَنِ ابْنِ مَرْجَانَةَ سَمَاعًا ، فَنَظَرْنَا إلَى ذَلِكَ لِنَقِفَ عَلَى الْحَقِيقَةِ فِيهِ ، إنْ شَاءَ اللهُ
1628 -
فَوَجَدْنَا أَحْمَدَ بْنَ حَمَّادٍ التُّجِيبِيَّ أَبَا جَعْفَرٍ قَدْ حَدَّثَنَا، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ الْعُثْمَانِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا إبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ ، عَنْ مَنْ حَدَّثَهُ، عَنْ سَعِيدِ ابْنِ مَرْجَانَةَ ، ثُمَّ ذَكَرَ مِثْلَ حَدِيثِ يُونُسَ هَذَا قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَوَقَفْنَا بِذَلِكَ عَلَى أَنَّ ابْنَ شِهَابٍ إنَّمَا حَدَّثَ بِهَذَا الْحَدِيثِ عَنِ ابْنِ مَرْجَانَةَ بَلَاغًا ، وَلَمْ يُحَدِّثْ بِهِ عَنْهُ سَمَاعًا ، فَبَطَلَ بِذَلِكَ هَذَا الْحَدِيثُ لِبُطْلَانِ إسْنَادِهِ ثُمَّ نَظَرْنَا ، هَلْ رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 314⦘
فِي هَذَا السَّبَبِ حَدِيثٌ غَيْرَ هَذَا الْحَدِيثِ
1629 -
فَوَجَدْنَا إبْرَاهِيمَ بْنَ أَبِي دَاوُدَ قَدْ حَدَّثَنَا قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْمِنْهَالِ الضَّرِيرُ ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ زُرَيْعٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا رَوْحُ بْنُ الْقَاسِمِ ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ، قَالَ:" لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الْآيَةُ {لِلَّهِ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} الْآيَةَ جَثَوْا عَلَى الرُّكَبِ، فَقَالُوا: لَا نُطِيقُ لَا نَسْتَطِيعُ ، كُلِّفْنَا مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا نُطِيقُ، وَلَا نَسْتَطِيعُ فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: 285] إلَى قَوْلِهِ جَلَّ وَعَزَّ: {وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ} [البقرة: 285] فَقَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ فَأَنْزَلَ اللهُ عز وجل {لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قَالَ: " نَعَمْ ": {وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] الْآيَةَ ، قَالَ: " نَعَمْ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ هَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنَ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ شِهَابٍ وَأَصَحَّ إسْنَادًا ، ثُمَّ تَأَمَّلْنَاهُ فَوَجَدْنَا فِيهِ عَنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم
⦗ص: 315⦘
قَوْلَهُمْ: لَا نُطِيقُ ، لَا نَسْتَطِيعُ ، كُلِّفْنَا مِنَ الْعَمَلِ مَا لَا نُطِيقُ ، وَمَا لَا نَسْتَطِيعُ وَكَانَ ذَلِكَ مِنْهُمْ عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ عَلَى أَنَّهُ وَقَعَ فِي قُلُوبِهِمْ أَنَّ اللهَ عز وجل أَعْلَمَهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يُؤَاخِذُهُمْ بِخَوَاطِرِ قُلُوبِهِمْ ، الَّتِي لَا يَسْتَطِيعُونَهَا وَلَا يَمْلِكُونَهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَبَيَّنَ لَهُمْ عز وجل فِيمَا أَنْزَلَ بَعْدَ ذَلِكَ ، فَقَالَ:{لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا إلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْهَا مَا اكْتَسَبَتْ} [البقرة: 286] أَيْ لَا يُكَلِّفُ اللهُ نَفْسًا مَا لَا تَمْلِكُهُ ، وَبَيَّنَ بِذَلِكَ أَنَّهُ عز وجل إنَّمَا كَانَ أَرَادَ بِقَوْلِهِ:{وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللهُ} [البقرة: 284] إنَّمَا هُوَ مَا يُخْفُونَهُ مِمَّا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ لَا يُخْفُوهُ وَمَا يُبْدُونَهُ مِمَّا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُخْفُوهُ ، لَا الْخَوَاطِرُ الَّتِي لَا يَسْتَطِيعُونَ فِيهَا إبْدَاءً وَلَا إخْفَاءً، وَلَا يَمْلِكُونَهَا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَقَدْ رُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ غَيْرِ حَدِيثِ ابْنِ مَرْجَانَةَ فِي تَأْوِيلِ هَذِهِ الْآيَةِ قَوْلٌ يُخَالِفُ هَذَا الْقَوْلَ
كَمَا قَدْ حَدَّثَنَا أَبُو قُرَّةَ مُحَمَّدُ بْنُ حُمَيْدٍ الرُّعَيْنِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مَعْبَدٍ قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ أَعْيَنَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي زِيَادٍ عَنْ مِقْسَمٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، فِي هَذِهِ الْآيَةِ {إنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ} [البقرة: 284] الْآيَةَ قَالَ: " مِنَ الشَّهَادَةِ "
⦗ص: 316⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَكَانَ هَذَا التَّأْوِيلُ عِنْدَنَا غَيْرَ صَحِيحٍ ، وَكَانَ التَّأْوِيلُ الْأَوَّلُ أَوْلَاهُمَا بِالْآيَةِ ; لِأَنَّ كِتْمَانَ الشَّهَادَةِ مِمَّا لَا يُغْفَرُ ; لِأَنَّهُ حَقٌّ مِنَ الْمَشْهُودِ لَهُ وَفِي الْآيَةِ مَا قَدْ مَنَعَ مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ قَوْلُهُ عز وجل:{فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 284] ، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ
بَابٌ بَيَانُ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِيمَا كَانَ مِنْ أَصْحَابِهِ رُضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ ، عِنْدَمَا يُتْلَى عَلَيْهِمْ {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: 285] إلَى آخِرِ سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَمَا كَانَ مِنَ اللهِ مِمَّا أَنْزَلَهُ عَلَى رَسُولِهِ صلى الله عليه وسلم لِذَلِكَ جَوَابًا لَهُمْ
حَدَّثَنَا أَبُو أُمَيَّةَ قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّلْتِ الْأَسَدِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو كُدَيْنَةَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: 285] إلَى قَوْلِهِ عز وجل: {لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ قَالَ اللهُ: قَدْ فَعَلْتُ {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] ، قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ ، قَالَ: قَدْ فَعَلْتُ {رَبَّنَا وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] قَالَ: اللهُ: قَدْ فَعَلْتُ ، {وَاعْفُ عَنَّا} [البقرة: 286] الْآيَةَ، قَالُوا مِثْلَ ذَلِكَ ، قَالَ اللهُ: قَدْ فَعَلْتُ
1630 -
حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْهَرَوِيُّ ، قَالَ: حَدَّثَنَا آدَمُ بْنُ أَبِي إيَاسٍ ، قَالَ: حَدَّثَنَا وَرْقَاءُ ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ ، عَنْ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ: لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ} [البقرة: 285] قَرَأَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَلَمَّا قَالَ:{غُفْرَانَكَ رَبَّنَا} [البقرة: 285] قَالَ: اللهُ عز وجل: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَلَمَّا قَالَ: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا
⦗ص: 319⦘
إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] قَالَ اللهُ عز وجل: لَا أُؤَاخِذْكُمْ فَلَمَّا قَالَ: {رَبَّنَا وَلَا تَحْمِلْ عَلَيْنَا إصْرًا كَمَا حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنَا} [البقرة: 286] قَالَ اللهُ عز وجل لَا أَحْمِلُ عَلَيْكُمْ قَالَ: فَلَمَّا قَالَ: عز وجل: {وَلَا تُحَمِّلْنَا مَا لَا طَاقَةَ لَنَا بِهِ} [البقرة: 286] قَالَ اللهُ عز وجل: لَا أُحَمِّلُكُمْ فَلَمَّا قَالَ: {وَاعْفُ عَنَّا} [البقرة: 286] قَالَ اللهُ: قَدْ عَفَوْتُ عَنْكُمْ فَلَمَّا قَالَ: {وَاغْفِرْ لَنَا} [البقرة: 286] قَالَ: قَدْ غَفَرْتُ لَكُمْ فَلَمَّا قَالَ: {وَارْحَمْنَا} [البقرة: 286] قَالَ: قَدْ رَحِمْتُكُمْ فَلَمَّا قَالَ: {فَانْصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ} [البقرة: 286] قَالَ: قَدْ نَصَرْتُكُمْ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَسَأَلَ سَائِلٌ عَنِ الْمُرَادِ بِقَوْلِهِ عز وجل: {رَبَّنَا لَا تُؤَاخِذْنَا إنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] وَقَالَ: النِّسْيَانُ لَيْسَ مِمَّا يَمْلِكُونَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ ، فَكَيْفَ يَسْأَلُونِ أَنْ لَا يُؤَاخَذُوا بِهِ؟ فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ ، أَنَّ النِّسْيَانَ الَّذِي لَا يَمْلِكُونَهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ هُوَ النِّسْيَانُ مِنَ الْأَشْيَاءِ الَّتِي هِيَ أَضْدَادٌ لِلذِّكْرِ لَهَا ، فَذَلِكَ مِمَّا لَا يُؤَاخَذُونَ بِهِ ، وَمِمَّا لَا يَجُوزُ مِنْهُمْ سُؤَالُهُمْ رَبَّهُمْ أَنْ لَا يُؤَاخِذَهُمْ بِهِ وَأَمَّا النِّسْيَانُ الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ ، فَإِنَّمَا هُوَ التَّرْكُ عَلَى الْعَمْدِ بِذَلِكَ ، كَقَوْلِهِ عز وجل:{نَسُوا اللهَ فَنَسِيَهُمْ} [التوبة: 67] فِي مَعْنَى تَرَكُوا اللهَ فَتَرَكَهُمْ قَالَ: فَمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِ اللهِ عز وجل حِكَايَةً {أَوْ أَخْطَأْنَا} [البقرة: 286] وَالْخَطَأُ فَهْمٌ غَيْرُ مَأْخُوذِينَ بِهِ كَمَا قَالَ اللهُ عز وجل: {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] فَكَانَ جَوَابَنَا لَهُ فِي ذَلِكَ ، بِتَوْفِيقِ اللهِ عز وجل وَعَوْنِهِ ، أَنَّ الْخَطَأَ الَّذِي فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَاهَا عَلَيْنَا الَّذِي لَا جُنَاحَ فِيهِ ، هُوَ ضِدُّ مَا يَتَعَمَّدُونَهُ كَمَا قَالَ: عز وجل: {وَلَكِنْ مَا تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ} [الأحزاب: 5] وَالْخَطَأُ الَّذِي فِي الْآيَةِ الَّتِي تَلَوْنَاهَا نَحْنُ عَلَيْهِ ، هُوَ الْخَطَأُ الَّذِي يَفْعَلُهُ مَنْ يَفْعَلُهُ ، عَلَى أَنَّهُ بِهِ مُخْطِئٌ فِي اخْتِيَارِهِ لَهُ ، وَفِي قَصْدِهِ إلَيْهِ ، وَفِي عَمَلِهِ بِهِ وَمِنْهُ قِيلَ: خَطِئْتُ فِي كَذَا مَهْمُوزٌ أَيْ عَمِلْتُ كَذَا خَطِيئَةً ، فَذَلِكَ مِمَّا عَامِلُهُ مَأْخُوذٌ بِهِ مُعَاقَبٌ عَلَيْهِ ، أَوْ مَعْفُوٌّ لَهُ عَنْهُ ، إنْ كَانَ مِمَّا يَجُوزُ أَنْ يُعْفَى لَهُ عَنْ مِثْلِهِ ، فَبَانَ بِحَمْدِ اللهِ أَنَّهُمْ رُضْوَانُ اللهِ عَلَيْهِمْ سَأَلُوا رَبَّهُمْ عز وجل فِي مَوْضِعِ سُؤَالٍ ، وَأَنَّهُ عز وجل غَفَرَ لَهُمْ فِي شَيْئَيْنِ قَدْ كَانَ لَهُ عز وجل أَخْذُهُمْ بِهَا ، وَعُقُوبَتُهُمْ عَلَيْهَا ، وَهُوَ الْمَحْمُودُ عَلَى فَضْلِهِ فِي ذَلِكَ عَلَيْهِمْ ، وَرَحْمَتِهِ لَهُمْ ، وَإِيَّاهُ نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ