الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَابُ بَيَانِ مُشْكِلِ مَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ قَوْلِهِ: " تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ عَتِيقَهَا ، وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي تُلَاعِنُ عَلَيْهِ
"
2870 -
حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عُثْمَانَ الْحِمْصِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو سَلَمَةَ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ سُلَيْمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ رُؤْبَةَ، عَنْ عَبْدِ الْوَاحِدِ النَّصْرِيِّ، عَنْ وَاثِلَةَ بْنِ الْأَسْقَعِ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: " تُحْرِزُ الْمَرْأَةُ ثَلَاثَةَ مَوَارِيثَ عَتِيقَهَا ، وَلَقِيطَهَا وَوَلَدَهَا الَّذِي تُلَاعِنُ عَلَيْهِ "
⦗ص: 310⦘
قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَفِي هَذَا الْحَدِيثِ عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّ الْمَرْأَةَ تُحْرِزُ وَلَاءَ مَنِ الْتَقَطَتْهُ ، فَتَأَمَّلْنَا ذَلِكَ ، فَوَجَدْنَاهُ مُحْتَمِلًا أَنْ يَكُونَ وَلَاءُ مَنِ الْتَقَطَتْهُ يَجِبُ لَهَا بِالْتِقَاطِهَا إِيَّاهُ ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِذْ كَانَ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ لِأَحَدٍ كَمَا لَا نَسَبَ لَهُ مِنْ أَحَدٍ يَكُونُ حُكْمُهُ كَحُكْمِ سَائِرِ النَّاسِ سِوَاهُ مِمَّنْ لَا وَلَاءَ عَلَيْهِ ، فَيَكُونُ لَهُ مُوَالِاةُ مَنْ شَاءَ مِنَ النَّاسِ وَيَكُونُ الْأَوْلَى بِهِ مِنْهُمْ فِي ذَلِكَ الَّذِي الْتَقَطَهُ وَكَفَلَهُ حَتَّى كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ سَبَبًا لِحَيَاتِهِ فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُوَالِيَ سِوَاهُ مِنَ النَّاسِ ، إِذْ لَا أَحَدَ مِنْهُمْ لَهُ عَلَيْهِ مِثْلُ الَّذِي لَهُ عَلَيْهِ مِمَّا ذَكَرْنَا ، فَيَكُونُ الْأَوْلَى بِهِ مُوَالِاتَهُ دُونَ غَيْرِهِ مِنَ النَّاسِ كَمِثْلِ الَّذِي قَدْ ذَكَرْنَاهُ فِي إِسْلَامِ الرَّجُلِ عَلَى يَدَيِ الرَّجُلِ أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مَوْلَاهُ ، وَمَا صَرَفْنَا إِلَيْهِ مِنَ التَّأْوِيلِ لَهُ فِي الْبَابِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ فِيهِ مِمَّا تَقَدَّمَ مِنَّا فِي كِتَابِنَا هَذَا ، وَيَكُونُ مَا حَرَزَتْهُ الْمَرْأَةُ مِنَ الَّذِي الْتَقَطَتْهُ هُوَ مَا يَلْزَمُهُ لَهَا فَيَكُونُ الْأَوْلَى بِهِ لِذَلِكَ أَنْ لَا يُوَالِيَ غَيْرَهَا إِلَّا أَنَّهُ يَكُونُ بِذَلِكَ مَوْلًى لَهَا قَبْلَ أَنْ يُوَالِيَهَا. وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه فِي هَذَا الْمَعْنَى
مَا قَدْ حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى قَالَ: أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ وَهْبٍ، أَنَّ مَالِكًا حَدَّثَهُ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ سُنَيْنٍ أَبِي جَمِيلَةَ رَجُلٍ مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ أَنَّهُ وَجَدَ مَنْبُوذًا فِي زَمَنِ
⦗ص: 311⦘
عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ، فَجَاءَ بِهِ إِلَى عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ ، فَقَالَ: مَا حَمَلَكَ عَلَى أَخْذِ هَذِهِ النَّسَمَةِ؟ فَقَالَ: وَجَدْتُهَا ضَائِعَةً فَأَخَذْتُهَا، فَقَالَ لَهُ عَرِيفِيٌّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، إِنَّهُ رَجُلٌ صَالِحٌ. قَالَ:" أَكَذَاكَ؟ " قَالَ: نَعَمْ. قَالَ عُمَرُ رضي الله عنه: " فَاذْهَبْ ، فَهُوَ حُرٌّ وَلَكَ وَلَاؤُهُ ، وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ " قَالَ: مَالِكٌ وَالْأَمْرُ عِنْدَنَا فِي الْمَنْبُوذِ أَنَّهُ حُرٌّ ، وَأَنَّ وَلَاءَهُ لِلْمُسْلِمِينَ يَرِثُونَهُ وَيَعْقِلُونَ عَنْهُ
وَمَا قَدْ حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ يَحْيَى النَّيْسَابُورِيُّ قَالَ: حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنِ الزُّهْرِيِّ قَالَ: سَمِعْتُ: سُنَيْنًا أَبَا جَمِيلَةَ، يُحَدِّثُ سَعِيدَ بْنَ الْمُسَيِّبِ قَالَ: وَجَدْتُ مَنْبُوذًا عَلَى عَهْدِ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ رضي الله عنه ، فَذَكَرَهُ عَرِيفِيٌّ، لِعُمَرَ ، فَقَالَ:" ادْعُهُ " فَجِئْتُهُ ، فَقَالَ:" مَا لَكَ وَلِهَذَا؟ " قُلْتُ: وَجَدْتُ نَفْسًا
⦗ص: 312⦘
مُضَيَّعَةً ، فَأَحْبَبْتُ أَنْ يَأْجُرَنِي اللهُ فِيهَا. فَقَالَ:" هُوَ حُرٌّ ، وَلَكَ وَلَاؤُهُ وَعَلَيْنَا نَفَقَتُهُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: وَقَدْ كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ رحمه الله يَذْهَبُ إِلَى أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ رضي الله عنه لِأَبِي جَمِيلَةَ فِي لَقِيطِهِ هَذَا: " هُوَ حُرٌّ ، وَلَكَ وَلَاؤُهُ " أَيْ بِجَعْلِي إِيَّاهُ لَكَ ; لِأَنَّ لِلْإِمَامِ الَّذِي يَدُهُ عَلَى الصَّبِيِّ الَّذِي لَا وَلَاءَ لَهُ أَنْ يَجْعَلَ وَلَاءَهُ لِمَنْ شَاءَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ ، فَيَكُونَ بِذَلِكَ مَوْلَاهُ كَمَا يَكُونُ مَوْلَاهُ لَوْ وَالِاهُ وَهُوَ بَالِغٌ صَحِيحُ الْعَقْلِ ، وَهَذَا مُحْتَمِلٌ لِمَا قَالَ. وَكَذَلِكَ كَانَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله وَأَصْحَابُهُ جَمِيعًا يَقُولُونَ فِي اللَّقِيطِ: إِنَّهُ حُرٌّ وَيُوَالِي مَنْ شَاءَ إِذَا كَبُرَ ، فَإِنْ لَمْ يُوَالِ أَحَدًا حَتَّى مَاتَ كَانَ وَلَاؤُهُ لِجَمِيعِ الْمُسْلِمِينَ ، وَكَانَ مِيرَاثُهُ يُوضَعُ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ ، وَإِنْ جَنَى جِنَايَةً قَبْلَ أَنْ يُوَالِيَ أَحَدًا فَعَقْلُهُ عَلَى الْمُسْلِمِينَ فِي بَيْتِ مَالِهِمْ. وَمَعْنَى مَا فِي حَدِيثِ عُمَرَ رضي الله عنه هُوَ حُرٌّ لَيْسَ وَجْهُهُ عِنْدَنَا
⦗ص: 313⦘
وَاللهُ أَعْلَمُ بِحَقِيقَةِ الْحُرِّيَّةِ لَهُ ; لِأَنَّهُ قَدْ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ عَبْدًا فِي الْحَقِيقَةِ ، وَلَكِنَّ قَوْلَهُ رضي الله عنه هُوَ حُرٌّ عَلَى ظَاهِرِهِ ; لِأَنَّ النَّاسَ جَمِيعًا عَلَى الْحُرِّيَّةِ حَتَّى تَقُومَ الْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ بِخِلَافِهَا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه فِي اللَّقِيطِ أَيْضًا
مَا قَدْ حَدَّثَنَا فَهْدُ بْنُ سُلَيْمَانَ قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ بْنُ إِسْحَاقَ الْعَطَّارُ قَالَ: حَدَّثَنَا حَاتِمُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه: " الْمَنْبُوذُ حُرٌّ " يَعْنِي اللَّقِيطَ، " فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ الَّذِي الْتَقَطَهُ وَالِاهُ ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ وَالِاهُ " قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ: فَمَعْنَى قَوْلِ عَلِيٍّ رضي الله عنه هُوَ حُرٌّ كَمَعْنَى قَوْلِ عُمَرَ رضي الله عنه هُوَ حُرٌّ فِي حَدِيثِهِ الَّذِي رَوَيْنَاهُ قَبْلَ هَذَا الْحَدِيثِ. وَفِي قَوْلِ عَلِيٍّ فَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ الَّذِي الْتَقَطَهُ وَالِاهُ ، وَإِنْ أَحَبَّ أَنْ يُوَالِيَ غَيْرَهُ وَالِاهُ مَا قَدْ دَلَّ أَنَّ قَوْلَ عُمَرَ رضي الله عنه لِأَبِي جَمِيلَةَ لَكَ وَلَاؤُهُ بِمَعْنًى: بِجَعْلِنَا إِيَّاهُ لَكَ لَا أَنَّ لَكَ وَلَاءَهُ بِالْتِقَاطِكَ إِيَّاهُ دُونَ مُوَالِاتِهِ إِيَّاكَ ، وَاللهَ عز وجل نَسْأَلُهُ التَّوْفِيقَ