الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإعتراض الرابع:
فإن قال قائل: قد ثبت إجماع ينقض هذا الكلام من أصله والإجماع عند المسلمين حجة
فقد جاء في كتاب الإقناع في مسائل الإجماع لابن قطان الفاسي طـ دار الفاروق الحديثة:
قال المصنف صـ 37:
فأما ما أجمعوا عليه أنه من صفات الذات فنحو وصفنا له بأنه قديم.
وقد عزاه المحقق إلى كتاب الاستذكار لابن عبد البر 8 / 151 رقم 10840.
قال المصنف صـ 39:
فإن قيل: فهل ورد لفظ التوقيف بأنه - سبحانه - موجود في الكتاب أو السنة؟ قيل هو إجماع الأمة وإجماع الأمة إحدى الطرق في اثبات أسمائه.
نقول وبالله تعالى العصمة من الزلل والتوفيق إلى الرشد:
يُفْهَمُ من كلام ابن قطان رحمه الله أن الإجماع حجة في اثبات أسماء الله ، وأن الله يُوصَفُ بالقدم ونجيب على ذلك فنقول:
أولا: الرد على القول بأن الإجماع حجة في اثبات أسماء الله
إطلاق القول بأن " إجماع الأمة إحدى الطرق في إثبات أسمائه سبحانه " فيه نظر؛ لأنه مخالف لمذهب السلف ونتوقف قليلا عند هذه النقطة لأهميتها فنقول وبالله تعالى التوفيق والهدى:
يعتبر الإجماع حجة في دين الإسلام سواء في الأمور العلمية الخبرية - الإعتقادات - أوالمسائل الفقهية العملية ، لكن هناك بعض المسائل العلمية الخبرية التي لا يمكن إثباتها تفصيليا من خلال الإجماع مجردا عن نصوص الكتاب والسنة ، بل لا بد من النص من الكتاب والسنة على هذه المسألة بعينها إذ لا يكون الإجماع مستقلا في ذلك بل يذكر إعتضادا.
فالإجماع في المسائل الخبرية الغيبية التي لا دخل للعقل ولا للاجتهاد فيها لا يعتبر دليلا منفصلا عن الوحيين ، ولكن قد يدل الإجماع بشكل إجمالي عليها ، وسنضرب أمثلة على ذلك
فيما يلي:
في باب الأسماء والصفات:
أجمع المسلمون على أن الله متصف بصفات الكمال ومنزه عن النقائص ، لكن تفصيل هذه الصفات فلا بد من وجود نص بذلك.
في باب الإيمان بالملائكة:
هل يمكن القول بأن الإجماع قد ثبت بوجود الملائكة مستقلا عن النص سواء جاء النص بذلك أم لا؟ أم أن الإجماع قد ثبت بعد ورود النص بذلك.
في باب الرسالات والنبوات:
أجمع المسلمون على أن الله قد أرسل الرسل وأنزل الكتب على سبيل الإجمال والذي يمكن أن يدرك بالعقل ، أما تفصيل ذلك فلا بد من النص من قرآن وسنة.
في باب اليوم الآخر والبعث والنشور:
أجمع المسلمون على أن الله يبعث الناس إلى يوم القيامة ليجازي كلا بعمله كما سبق على سبيل الإجمال والذي يمكن أن يدرك بالعقل ، لكن تفصيل النعيم والعذاب لا بد فيه من النص.
الرد على ذلك القول من خلال الأدلة العقلية في ضوء القرآن والسنة:
يدل العقل على أن الإجماع لا يمكن به إثبات شيئا تفصيليا من الأمور الغيبية بدون النص من القرآن والسنة وذلك من وجوه:
الأول:
أجمع أهل السنة أن الله سبحانه سمى نفسه بأسماء ووصف نفسه بصفات لم يزل ولا يزال أبدا متسمي بها ومتصفا بها ، فهل قال أحدهم أن إثبات ذلك أو نفيه متوقف على ثبوت إجماع بها من عدمه؟.
فإن قال قائل: لا نقول ذلك ، بل نقول أن الإجماع وسيلة من وسائل العلم بالأسماء والصفات فنقول وبالله تعالى التوفيق:
الثاني:
أجمع المسلمون أن النبي محمد صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية
فهل جهل النبي صلى الله عليه وسلم شيئا من أسماء الله أو صفاته فلم يعلمها ، وبالتالي لم يقم بالتأله لله بمقتضى ذلك الاسم أو تلك الصفة ، وجاءت الأمة من بعده فعلمت ذلك فقامت بعبودية لم يقم بها نبيها؟ لا يستريب مسلم عاقل في فساد هذا.
الثالث:
نفى الله عن النبي صلى الله عليه وسلم علم الغيب إلا ما أعلمه سبحانه ، فلم يثبت النبي صلى الله عليه وسلم لله صفة أو اسما إلا بما أوحاه إليه ربه.
الرابع:
وُزِنَ أبو بكرالصديق رضي الله عنه بالأمة فرجح ، ووزن عمر بالأمة فرجح ، وهذا الرجحان في العلم والعمل ، وأشرف العلم هو العلم بأسماء الله وصفاته فهل ورد عن أحدهما نص بسند صحيح أو حتى عن غيرهما من الصحابة بإثبات اسما أو صفة لله لم تأت في القرآن ولا السنة؟ فيما نعلم حتى الآن أن الإجابة: لا ، وما ثبت عنهم هو من باب الإخبار عن الله.
فهل تعلم الأمة أمراً من الدين متعلقا بأسماء الله وصفاته بعد أن جهله الصحابة؟ فالصحابة إما أن علموا وكتموا ، أو جهلوا فلم يعلموا؟ وكلاهما باطل.
فبقي أنه لم يثبتوا اسما أو صفة لله خارج الكتاب والسنة.
الخامس:
ثبت الإجماع عن السلف بالجهل بكيفية صفات الله الثابتة بالنَّص ، فكيف يتم إثبات صفة غير منصوص عليها أصلا في القرآن والسنة؟ .
السادس:
ثبوت الاسم أو الصفة توقيفي؛ لأنه يترتب على ذلك عبوديات لله من دعاء وحلف وغير ذلك ، والعبادات توقيفية فلا بد من وجود نَص.
فهل قال أحد من أهل السنة: أن الإجماع قد ثبت على فرض طاعة معينة أو نهي عن معصية معينة بدون نص من قرآن أو سنة؟
والجواب: لا ، فكيف نُثْبِتُ اسما لله أو صفة بذلك الإجماع؟
أننا لا نسلم بأن مذهب السلف هو اثبات الاسم لله أو الصفة خارج الكتاب والسنة بل مذهبهم المنقول عنهم التقيد بالكتاب والسنة في هذا الباب خاصة ، وقد سبق أن ذكرناه في الباب الأول ونضيف إليه ما يلي:
قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى 11 / 250:
" واجمع سلف الأمة وأئمتها على ان الرب تعالى بائن من مخلوقاته يوصف بما وصف به نفسه ، وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ، يوصف بصفات الكمال دون صفات النقص "
وقال أيضا في العقيدة الأصفهانية (1) 1 / 24 – 25:
" فالذي اتفق عليه سلف الأمة وأئمتها أن يوصف الله بما وصف به نفسه وبما وصفه به رسوله من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تكييف ولا تمثيل ".
قال ابن بطال كما نقل الحافظ ابن حجر في (فتح الباري 13 / 567) :
" أجمعت الأمة على أن الله تعالى لا يوصف بأنه شخص لأن التوقيف لم يرد به ". انتهى
إذاً فما ذكره الشيخ ابن قطان رحمه الله بأن الإجماع إحدى طرق إثبات أسماء الله وصفاته هو قول مردود بما ثبت من الإجماع من السلف على اشتراط النص من القرآن والسنة في ذلك.
ثانيا:
أما ما ذكره الشيخ ابن قطان بأن الله موصوف بالقدم وأن الإجماع منعقد على ذلك فالرد على ذلك من وجوه:
الأول:
راجعت ما عزاه المحقق إلى مصدر هذا الإجماع من كتاب الاستذكار فلم أجده.
الثاني:
يجب اثبات أن هذا الإجماع غير مُنْتَقِضُ وثابت عن السلف حتى نُسَّلِم لذلك ، لكن هذا الإجماع مُنْتَقِض فقد اختلف العلماء في كون القديم ثابت كاسم لله أم لا.
جاء في هامش شرح القواعد المثلى طـ دار الآثار صـ 75: قال شيخ الاسلام في كتاب الصفدية 2 / 85:
وقد تنازع الناس في القديم هل يجعل من أسماء الله؟ فذهبت طائفة كابن حزم إلى أنه لا يسمى قديما بناء على أن الأسماء توقيفية ، ولم يثبت هذا الاسم عن النبي صلى الله عليه وسلم.
قال ابن أبي العز في شرح العقيدة الطحاوية 1 /79 / 80 طـ مؤسسة الرسالة:
(1) العقيدة الأصفهانية لشيخ الإسلام ابن تيمية الناشر: مكتبة الرشد - الرياض الطبعة الأولى، 1415 تحقيق: إبراهيم سعيداي.
وقد أدخل المتكلمون في أسماء الله تعالى القديم وليس هو من الأسماء الحسنى فإن القديم في لغة العرب التي نزل بها القران: هو المتقدم على غيره فيقال: هذا قديم للعتيق وهذا حديث للجديد ، ولم يستعملوا هذا الإسم إلا في المتقدم على غيره لا فيما لم يسبقه عدم كما قال تعالى:" حتى عاد كالعرجون القديم " والعرجون القديم: الذي يبقى إلى حين وجود العرجون الثاني فإذا وجد الجديد قيل للأول: قديم ، وقال تعالى:" وإذ لم يهتدوا به فسيقولون هذا إفك قديم " أي متقدم في الزمان ، وقال تعالى:" أفرأيتم ما كنتم تعبدون * أنتم وآباؤكم الأقدمون " فالأقدم مبالغة في القديم ، ومنه: القول القديم والجديد للشافعي رحمه الله تعالى وقال تعالى: " يقدم قومه يوم القيامة فأوردهم النار " أي يتقدمهم ويستعمل منه الفعل لازما ومتعديا كما يقال: أخذت ما قدم وما حدث ، ويقال: هذا قدم هذا وهو يقدمه ، ومنه سميت القدم قدما لأنها تقدم بقية بدون الإنسان.
وأما إدخال القديم في أسماء الله تعالى فهو مشهور عند أكثر أهل الكلام وقد أنكر ذلك كثير من السلف والخلف منهم ابن حزم ، ولا ريب أنه إذا كان مستعملا في نفس التقدم فإن ما تقدم على الحوادث كلها فهو أحق بالتقدم من غيره ، لكن أسماء الله تعالى هي الأسماء الحسنى التي تدل على خصوص ما يمدح به ، والتقدم في اللغة مطلق لا يختص بالتقدم على الحوادث كلها فلا يكون من الأسماء الحسنى وجاء الشرع بإسمه الأول وهو أحسن من القديم؛ لأنه يشعر بأن ما بعده آيل إليه وتابع له بخلاف القديم والله تعالى له الأسماء الحسنى لا الحسنة.