الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من تمام الرضى بالله رباً، وأما الذنوب فليس للعبد أن يذنب وإذا أذنب فعليه أن يستغفر ويتوب فيتوب من المعايب ويصبر عَلَى المصائب "
…
انتهى.
السؤال الثالث عشر:
هل الله عز وجل خالق الشر؟
بادئ ذي بدء ينبغي علينا أن نعلم أن فتح الباب لمثل هذه الأسئلة على أنفسنا قد يوقعنا في كثير من الشكوك والحيرة التي لا حدود لها .. والذي ينبغي في حق المؤمن أن يسلم بأقدار الله تعالى ويؤمن بها خيرها وشرها حلوها ومرها، فهذا أصل عظيم من أصول أهل السنة والجماعة ألا وهو الإيمان بالقدر. ثم اعلم أخي المسلم بأن أهل العلم قد ذكروا أنه ليس من الأدب أن يوصف الله بأنه أراد الشر بعباده وإن كان سبحانه هو خالقه وموجده. ويستدلون بمثل قول إبراهيم عليه الصلاة والسلام:(وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ)[الشعراء:80]، وبمثل قول الجن كما في سورة الجن:(وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ أَمْ أَرَادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً)[الجن:10]، فنبي الله إبراهيم لم يقل وإذا أمرضني، والجن لما ذكروا الشر ذكروه بالفعل المبني للمجهول، ولما ذكروا الخير أضافوه إلى ربهم وهذا من أدبهم، وقد ثبت في صحيح مسلم أن النبي صلى الله عليه وسلم كان يدعو بالدعاء المأثور في قيام الليل ومنه:"والشر ليس إليك". فإذا قال قائل: إننا نرى مثلاً بعض الشرور تحصل، وذلك كالأمراض وغيرها، فيقال إن الله سبحانه وتعالى منزَّه عن الشر، ولا يفعل إلا الخير، والقدر من حيث نسبته إلى الله لا شر فيه بوجه من الوجوه؛ فإنه علم الله، وكتابتُه، ومشيئته، وخلقُه، وذلك خير محض، وكمال من كل وجه، فالشر ليس إلى الرب بوجه من الوجوه، لا في ذاته، ولا في أسمائه ولا صفاته، ولا في أفعاله.
ولو فَعَلَ الشر سبحانه لاشتُق له منه اسم، ولم تكن أسماؤه كلها حسنى، ولعاد إليه من الشر حكمٌ تعالى وتقدس.
وإنما الشر يدخل في مخلوقاته، ومفعولاته، فالشر في المقضي، لا في القضاء، ويكون شرَّاً بالنسبة إلى محل، وخيراً بالنسبة إلى محل آخر، وقد يكون خيراً بالنسبة إلى المحل القائم به من وجه، كما هو شر من وجه آخر، بل هو الغالب، وهذا كالقصاص، وإقامة الحدود، وقتل الكفار؛ فإنه شرٌ بالنسبة إليهم لا من كل وجه، بل من وجه دون وجه، وخير بالنسبة إلى غيرهم لما فيه من مصلحة الزجر، والنكال، ودفع الناس بعضهم ببعض ، وكذلك الأمراض وإن كانت شروراً من وجه فهي خيرٌ من وجوهٍ عديدة.
والحاصل أن الشر لا يُنسب إلى الله تعالى ولهذا ثبت في صحيح مسلم أن النبي " كان يثني على ربه بتنزيهه عن الشر بدعاء الاستفتاح في قوله "لبيك وسعديك، والخير كله في يديك، والشر ليس إليك، أنا بك وإليك، تباركت وتعاليت"
قال الإمام الصابوني " في معنى هذا الحديث ومعناه والله أعلم والشر ليس مما يُضاف إلى الله إفراداً أو قصداً حتى يُقال: يا خالق الشر، ويا مقدر الشر وإن كان الخالق والمقدر لهما جميعاً؛ لذلك أضاف الخضر عليه السلام إرادة العيب إلى نفسه فقال فيما أخبر الله عنه في قوله [أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ يَعْمَلُونَ فِي
الْبَحْرِ فَأَرَدْتُ أَنْ أَعِيبَهَا] سورة الكهف:79.
ولمَّا ذكر الخير والبر والرحمة أضاف إرادتها إلى الله عز وجل فقال: [فَأَرَادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغَا أَشُدَّهُمَا وَيَسْتَخْرِجَا كَنزَهُمَا رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ] سورة الكهف: 82.
ولذلك قال مخبراً عن إبراهيم عليه السلام أنه قال: [وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ] سورة الشعراء: 80.
فأضاف المرض إلى نفسه، والشفاء إلى ربه، وإن كان الجميع منه"
قال ابن القيم تعليقاً على هذا الحديث"فتبارك وتعالى عن نسبة الشر إليه، بل كل ما نسب إليه فهو خير، والشر إنما صار شرَّاً لانقطاع نسبته وإضافته إليه؛ فلو أُضيف إليه لم يكن شرَّاً، وهو سبحانه خالق الخير والشر، فالشر في بعض مخلوقاته، لا في خلقه وفعله.
وخلقُهُ، وفعلُه، وقضاؤه، وقدره خيرٌ كله؛ ولهذا تنزَّه سبحانه عن الظلم، الذي حقيقته وضع الشيء في غير موضعه، فلا يضع الأشياء إلا في مواضعها اللائقة بها، وذلك خير كله، والشر وضع الشيء في غير محله، فإذا وُضِع في محله لم يكن شرَّاً، فعُلم أن الشر ليس إليه، وأسماؤه الحسنى تشهد بذلك.
وقال أيضاً: فأسماؤه الحسنى تمنع نسبة الشر، والسوء، والظلم إليه، مع أنه سبحانه الخالق لكل شيء؛ فهو الخالق للعباد، وأفعالهم، وحركاتهم، وأقوالهم، والعبد إذا فعل القبيحَ المنهيَّ عنه، كان قد فعل الشرَّ والسوءَ.
والربُّ سبحانه هو الذي جعله فاعلاً لذلك، وهذا الجَعْل منه عدلٌ وحكمةٌ، وصوابٌ، فَجَعْلُهُ فاعلاً خيرٌ، والمفعولُ شرٌّ قبيح؛ فهو سبحانه بهذا الجعل قد وضع الشيء في موضعه؛ لما له في ذلك من الحكمة البالغة التي يحمد عليها، فهو خير وحكمة، ومصلحة، وإن كان وقوعه من العبد عيباً، ونقصاً، وشرَّاً.
والحاصل أن الله تعالى لا يُنسب إليه الشر؛ لأنه إن أريد بالشر وضع الشيء في غير موضعه فهو الظلم، ومقابله العدل، والله منزَّه عن الظلم.
وإن أُريد به الأذى اللاحق بالمحل بسبب ذنب ارتكبه فإيجاد الله للعقوبة على ذنب لا يُعد شرَّاً له؛ بل ذلك عدلٌ منه تعالى.
وإن أُريد به عدم الخير، وأسبابه الموصلة إليه فالعَدَمُ ليس فعلاً حتى ينسب إلى الله، وليس للعبد على الله أن يوفقه، فهذا فضل الله يؤتيه من يشاء، ومنع الفضل ليس بظلم ولا شر.
علماً بأن الفضل له أسباب وموجبات وليس فضل الله يقع على خلقه عبثاً.
وعموماً عليك أخي المسلم بمعرفة هذا القدر، ثم اعلم أن الله تعالى قد أرشدنا في كتابه أن لا نقحم أنفسنا بمثل هذه التساؤلات وإنما علينا الانقياد والتسليم، قال الله تعالى:(لا يُسْأَلُ عَمَّا يَفْعَلُ وَهُمْ يُسْأَلُونَ)[الأنبياء:23] فهو لا يسأل عما يفعل لكمال حكمته وعلمه لا لقهره وسلطانه ، والله أعلم.
ختاماً: هذا ما من الله به، ثم ما وسعه الجهد، وسمح به الوقت، وتوصل إليه الفهم المتواضع، فإن يكن صوابا فمن الله، وإن يكن فيه خطأ أو نقص فتلك سنة الله في بني الإنسان، فالكمال لله وحده، والنقص والقصور واختلاف وجهات النظر من صفات الجنس البشري، ولا أدعي الكمال، وحسبي أني قد حاولت التسديد والمقاربة، وبذلت الجهد ما استطعت بتوفيق الله - تعالى-، وأسأل الله أن ينفعني بذلك، وينفع به جميع المسلمين؛ فإنه على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير ، وصلى الله وسلم على نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
تنبيه: أعتذر لكل الأخوة القراء لعدم عزو المعلومات المسطرة في هذه الرسالة إلى مصادرها كما ينبغي ، والسبب في ذلك أن أصل هذه الرسالة كان ملخصاً شخصياً ولم أكن أنوي وقتها نشرها بين الناس وبالتالي لم أهتم بمصادر المعلومات ولكن لمَا كثرت المادة لدي ارتأيت نشرها لتعم الفائدة للجميع ، فجزى الله كل من ساهم في هذه الرسالة مساهمة مباشرة أو غير مباشرة كالذين نقلت عنهم ولم أذكر أسماءهم للسبب المذكور أعلاه وجعلها في موازين حسناتهم.
لإبداء الملاحظات والاقتراحات فيرجى التواصل على البريد الإليكتروني:
wBadrany@hotmail.com
أخوكم أبو فيصل البدراني.
قائمة ببعض مراجع هذه الرسالة
- القرآن الكريم.
- كتب الصحاح والسنن والمسانيد.
- تفسير الإمام الطبري "جامع البيان عن تأويل آي القرآن ".
- تفسير ابن كثير.
- تفسير البغوي: معالم التنزيل.
- تفسير الإمام ابن الجوزي "زاد المسير في علم التفسير.
- فتح القدير الجامع بين فني الرواية والدراية من علم التفسير للمؤلف: محمد بن علي بن محمد الشوكاني رحمه الله.
- تفسير الإمام القرطبي المالكي (الجامع لأحكام القرآن والمبين لما تضمنه من السنة وآي الفرقان).
- تفسير الجلالين.
- تيسير الكريم الرحمن في تفسير كلام المنان للشيخ عبد الرحمن بن ناصر السعدي رحمه الله.
- تفسير التحرير والتنوير للمؤلف: محمد الطاهر بن عاشور.
- أضواء البيان في إيضاح القرآن بالقرآن للشيخ: محمد الأمين بن محمد المختار الجكني الشنقيطي.
- تفسير المنار للمؤلف: محمد رشيد رضا.
- تطريز رياض الصالحين للمؤلف: فيصل بن عبد العزيز آل مبارك رحمه الله.
- دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين لابن علان الصديقى.
- عالم الجن والشياطين للمؤلف: عمر بن سليمان الأشقر حفظه الله.
- عالم الملائكة الأبرار للمؤلف: عمر بن سليمان الأشقر حفظه الله.
- الأسباب التي يعتصم بها العبد من الشيطان للمؤلف: عبد الله جار الله بن إبراهيم الجار الله رحمه الله.
- فتاوى سليمان الماجد حفظه الله.
- فتاوى ابن باز رحمه الله.
- مجموع فتاوى ابن تيمية رحمه الله.
- مركز الفتوى من موقع إسلام ويب.
- سلسلة أعمال ومفسدات القلوب القلوب للمؤلف: محمد بن صالح المنجد حفظه الله.
- متن الطحاوية.
- الإرشاد إلى صحيح الاعتقاد للمؤلف: صالح بن فوزان الفوزان حفظه الله.
- قاعدة جامعة في توحيد الله وإخلاص الوجه والعمل له عبادة واستعانة للمؤلف: شيخ الإسلام أحمد بن عبد الحليم بن تيمية رحمه الله.
- إحياء علوم الدين للمؤلف أبي حامد الغزالي رحمه الله.
- القدر للمؤلف: أبي عبد الله مصطفى العدوي حفظه الله.
- القضاء والقدر للمؤلف: عمر بن سليمان الأشقر حفظه الله.
- ما هو القضاء والقدر؟ للمؤلف: محمد بن محمود عجاج حفظه الله.
- القضاء والقدر حقٌ وعدل للمؤلف: هشام بن عبدالرزاق الحمصي حفظه الله.
- فتاوى تتعلق بالقضاء والقدر لأصحاب الفضيلة العلماء (محمد بن إبراهيم آل الشيخ _ عبد العزيز بن عبد الله بن باز_ محمد بن صالح العثيمين _ عبد الله بن عبد الرحمن الجبرين_ صالح بن فوزان الفوزان _ اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء) جمع وترتيب: دخيل الله بن بخيت المطرفي.
- الإيمان بالقضاء والقدر للمؤلف: محمد بن إبراهيم الحمد حفظه الله.
- التوكل على الله تأليف: أسماء بن راشد الرويشد حفظها الله.
- التوكل على الله وأثره في حياة المسلم للمؤلف: عبد الله بن جار الله آل جار الله رحمه الله.
- الانترنت وبعض المصادر الأخرى التي لم يتيسر لي استحضارها.