الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وإذا طيب القلب للعلم ظهرت بركته ونما، كالأرض إذا طيبت للزرع نما زرعها وزكا.
وقال سهل التستري: حرام على قلب أن يدخله النور وفيه شيء مما يكره الله عز وجل"1.
وقال الإمام الشافعي:
شكوت إلى وكيع سوء حفظي فأرشدني إلى ترك المعاصي
وأعلمني أن العلم نور ونور الله لا يؤتى لعاصي 2
1 تذكرة السامع والمتكلم ص 67.
2 ديوان الشافعي ص 54، جمع محمد عفيف الزعبي.
المطلب الثّاني: مراتب نيل العلم
لنيل العلم مراتب ينبغي لطالب العلم مراعاتها حتى يحصل له عن طريقها نيل العلم بأقرب طريق وأيسر سبيل، وقد ذكر العلماء تلك المراتب وأوضحوها لطلاب العلم حتى يأخذوا بها.
قال ابن المبارك: "أول العلم النية، ثم الاستماع، ثم الفهم، ثم الحفظ، ثم العمل، ثم النشر"1.
قال ابن القيم: "وللعلم ست مراتب:
أولها: حسن السؤال.
الثانية: حسن الإنصات والاستماع.
الثالثة: حسن الفهم.
الرابعة: الحفظ.
الخامسة: التعليم.
السادسة: وهي ثمرته وهي العمل به ومراعاة حدوده.
أما المرتبة الأولى: فهي حسن السؤال، فمن الناس من يحرم العلم لعدم حسن سؤاله، إما لأنه لا يسأل بحال، أو يسأل عن شيء وغيره أهم إليه منه كمن
1 جامع بيان العلم وفضله 1/476 رقم759.
يسأل عن فضوله التي لا يضر جهله بها ويدع ما لا غنى له عن معرفته، وهذه حال كثير من الجهال المتعلمين.
قالت عائشة رضي الله عنها: "رحم الله نساء الأنصار، لم يمنعهن الحياء أن يسألن عن أمر دينهن"1.
وسأل معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما دغفل بن حنظلة فقال: "يا دغفل من أين حفظت هذا؟ " قال: "حفظت هذا بقلب عقول ولسان سؤول"2.
وقال ابن عباس رضي الله عنهما: "ذللت طالباً فعززت مطلوباً"3، وقال:"وجدت عامة علم رسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذا الحي من الأنصار إن كنت لأَقِيْل عند باب أحدهم ولو شئت أذن لي ولكن أبتغي بذلك طيب نفسه"4، وقال أبو إسحاق:"قال علي كلمات لو رحلتم المطي فيهن لأفنيتموهن قبل أن تدركوا مثلهن: "لا يَرْجُوَنَّ عَبْدٌ إلا ربه، ولا يخافنَّ إلا ذنبه، ولا يستحي من لا يعلم أن يتعلم، ولا يستحي إذا سئل عما لا يعلم أن يقول لا أعلم، واعلموا أن منزلة الصبر من الإيمان كمنزلة الرأس من الجسد، فإذا ذهب الرأس ذهب الجسد: وإذا ذهب الصبر ذهب الإيمان"5، ومن كلام بعض العلماء: "لا ينال العلم مستحٍ ولا متكبر، هذا يمنعه حياؤه من التعلم وهذا يمنعه كبره"6، وإنما حمدت هذه الأخلاق في طلب العلم لأنها طريق إلى تحصيله فكانت من كمال الرجل ومفضية إلى كماله. ومن كلام الحسن: "من استتر عن طلب العلم بالحياء لبس للجهل سرباله، فاقطعوا سرابيل الجهل عنكم بدفع الحياء في العلم، فإنه من رق وجهه رق علمه"7، وقال الخليل: "منزلة الجهل بين الحياء والأنفة"8 ومن كلام علي - رضي الله
1 أخرجه مسلم في صحيحه رقم 332.
2 تقدم تخريجه.
3 جامع بيان العلم وفضله 1/474 رقم756.
4 أخرجه الدارمي في سننه 1/141، وأبو خيثمة في "العلم"133.
5 جامع بيان العلم وفضله 1/383 رقم547-548.
6 مفتاح دار السعادة 1/168.
7 جامع بيان العلم وفضله 1/383 رقم550.
8 نفس المصدر 1/384 رقم551.
عنه -: "قرنت الهيبة بالخيبة والحياء بالحرمان"1، وقال إبراهيم للمنصور:"سل مسألة الحمقى واحفظ حفظ الأكياس"2، وكذلك سؤال الناس هو عيب ونقص في الرجل وذلة تنافي المروءة إلا في العلم فإنه عين كماله ومروءته وعزه كما قال بعض أهل العلم:"خير خصال الرجل السؤال عن العلم"3، وقال علي رضي الله عنه: "سلوني
…
" فقام ابن الكواء فسأل عن أشياء فقال علي: "ويلك سل تفقها ولا تسل تعنتا
…
"4.
وأنشد ابن الأعرابي
فسل الفقيه تكن فقيها مثله من يسع في علم بذلٍ يَمْهَرُ5
أما المرتبة الثانية: فهي حسن الإنصات، فمن الناس من يحرم العلم لسوء إنصاته، فيكون الكلام والممارات آثر عنده وأحب إليه من الإنصات وهذه آفة كامنة في أكثر النفوس الطالبة للعلم وهي تمنعهم علما كثيراً ولو كان حَسَنَ الفهم. ذكر ابن عبد البر عن بعض السلف أنه قال:"من كان حسن الفهم رديء الاستماع لم يقم خيره بشره"6.
وقال الزهري: "كان أبو سلمة يسأل ابن عباس فكان يعرض عنه وكان عبيد الله بن عبد الله بن عتبة يلاطفه فيغره غراً، وقال أبو سلمة: لو رفقت بابن عباس لاستخرجت منه علماً كثيراً"7. وقال ابن جريج: " م أستخرج العلم الذي استخرجت من عطاء إلا برفقي به"8، وقال بعض السلف: "إذا جالست العالم فكن على أن تسمع أحرص منك على أن تقول"9.
1 نفس المصدر 1/383 رقم549.
2 نفس المصدر 1/387 رقم560.
3 مفتاح دار السعادة 168.
4 جامع بيان العلم وفضله 1/464 رقم 726.
5 نفس المصدر 1/381، وانظر مفتاح دار السعادة 1/168-169.
6 جامع بيان العلم وفضله 1/448 رقم699.
7 الجامع للخطيب 1/317 رقم 384-385.
8 جامع بيان العلم وفضله 1/423 رقم625.
9 نفس المصدر 1/521 رقم845.
والمرتبة الثالثة: حسن الفهم، فقد قال الله تعالى:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَذِكْرَى لِمَنْ كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ} [ق 37] فتأمل ما تحت هذه الألفاظ من كنوز العلم وكيف تفتح مراعاتها للعبد أبواب العلم والهدى وكيف ينغلق باب العلم من إهمالها وعدم مراعاتها، فإنه سبحانه أمر عباده أن يتدبروا آياته المتلوة المسموعة والمرئية المشهودة بما تكون تذكرة لمن كان له قلب فإن من عدم القلب الواعي عن الله لم ينتفع بكل آية تمر عليه ولو مرت به كل آية ومرور الآيات عليه كطلوع الشمس والقمر والنجوم وكمرورها على من لا بصر له، فإذا كان له قلب كان بمنزلة البصير إذا مرت به المرئيات، فإنه يراها.
ولكن صاحب القلب لا ينتفع بقلبه إلا بأمرين:
أحدهما: أن يحضره ويشهده لما يلقى إليه فإن كان غائباً عنه مسافراً في الأماني والشهوات والخيالات لا ينتفع به فإذا أحضره وأشهده لم ينتفع إلا بأن يلقي سمعه ويصغى بكليته إلى ما يوعظ به ويرشد إليه.
وههنا ثلاثة أمور: أحدها سلامة القلب وصحته وقبوله.
الثاني: إحضاره وجمعه ومنعه من الشرود والتفرق، الثالث: إلقاء السمع وإصغاؤه والإقبال على الذكر. فذكر - الله تعالى - الأمور الثلاثة في هذه الآية "1.
والمرتبة الرابعة: هي الحفظ، قال الخليل بن أحمد:"ما سمعت شيئاً إلا كتبتهُ، ولا كتبته إلا حفظته، ولا حفظته إلا نفعني"2.
وعن الشعبي أنه قال: "كنا نستعين على حفظ الحديث بالعمل به"3.
وأما المرتبة الخامسة: فهي العمل به، قال بعض السلف:"كنا نستعين على حفظ العلم بالعمل به". وقال بعض السلف أيضاً: "العلم يهتف بالعمل فإن أجابه حل وإلا ارتحل"4. فالعمل به من أعظم أسباب حفظه، وثباته، وترك العمل به إضاعة له فما
1 مفتاح دار السعادة (1/169-170) .
2 جامع بيان العلم وفضله 1/335 رقم447.
3 نفس المصدر 1/709 رقم1284.
4 جامع بيان العلم وفضله 1/707 رقم1274.