المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌فصل: فيما يغنى القلب ويسد الفاقة - طريق الهجرتين وباب السعادتين - ط الدار السلفية

[ابن القيم]

فهرس الكتاب

- ‌مقدمة

- ‌فصل: فى أن الله هو الغنى المطلق والخلق فقراء محتاجون إليه

- ‌فصل: في تفسير الفقر ودرجاته

- ‌فصل: في أن حقيقة الفقر توجه العبد بجميع أحواله إلى الله

- ‌فصل: فى تقسيم الغنى إِلى عال وسافل

- ‌فصل: فى الغني العالي

- ‌فصل: فى تفسير غنى النفس

- ‌فصل: فيما يغنى القلب ويسدُ الفاقة

- ‌فصل: فى بيان الدرجة الثانية من درجات الغنى بالله عز وجل

- ‌فصل: فى بيان الدرجة الثالثة من درجات الغنى بالرب

- ‌فصل: فى ذكر كلمات عن أرباب الطريق فى الفقر والغني

- ‌فصل: فى تحقيق نعت الفقير

- ‌فصل: فى بيان أصلين عظيمين مبنى عليهما ما تقدم

- ‌فصل: فى بيان منفعة الحق، ومنفعة الخلق، وما بينهما من التباين

- ‌فصل: فى بيان أن المنفعة والمضرة لا تكون إلا من الله وحده

- ‌فصل: فى تفصيل ما أجمل فيما مر وتوضيحه

- ‌فصل: فى إِثبات الحمد كله لله عز وجل

- ‌فصل: فى بيان أن حمده تعالى شامل لكل ما يحدثه

- ‌فصل: فى أن الله خلق داريْن وخصَّ كل دار بأهل

- ‌فصل: فى بيان ما للناس فى دخول الشر فى القضاء الإلهي من الطرق والأصول التى تفرعت عنها هذه الطرق

- ‌الفصل السادس: فى كيفية دخول الشر فى القضاءِ الإِلهى

- ‌فصل: فى تقسيم الناس من حيث القوة العلمية والعملية

الفصل: ‌فصل: فيما يغنى القلب ويسد الفاقة

فكمال الدفع والمدافعة بحسب قوة الإيمان وضعفه، فإذا صارت النفس حرة طيبة مطمئنة غنية بما أغناها به مالكها وفاطرها من النور الذي وقع في القلب ففاض منه إليها استقامت بذلك الغنى على الأمر الموهوب، وسلمت به عن الأمر المسخوط وبرئت من المراءاة، ومدار ذلك كله على الاستقامة باطنا وظاهرا، ولهذا كان الدين كله في قوله تعالى:{فاستقم كما أمرت} [هود: 112]، وقال سبحانه:{إن الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون} [الأحقاف: 13] .

ص: 41

‌فصل: فيما يغنى القلب ويسدُ الفاقة

وهذه الاستقامة ترقيها إِلى الدرجة الثالثة من الغنى، وهو الغنى بالحق تبارك وتعالى عن كل ما سواه، وهى أَعلى درجات الغنى. فأَول هذه الدرجة أَن تشهد ذكر الله عز وجل إِياك قبل ذكرك له، وأَنه تعالى ذكرك فيمن ذكره من مخلوقاته ابتداءً قبل وجودك وطاعتك وذكرك، فقدر خلقك ورزقك وعملك وإِحسانه إِليك ونعمه عليك حيث لم تكن شيئاً البتة، وذكرك سبحانه بالإٍِسلام فوفقك له واختارك له دون من خذله، قال تعالى:{هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ} [الحج: 78]

فجعلك أهلاً لما لم تكن أهلاً له قط، وإِنما هو الذى أَهلك بسابق ذكره، فلولا ذكره لك بكل جميل أَولاكه لم يكن لك إِليه سبيل، ومن الذى ذكرك سواه باليقظة حتى استيقظت وغيرك فى رقدة الغفلة مع النوام؟ ومن الذى ذكرك سواه بالتوبة حتى وفقك لها، وأَوقعها فى قلبك، وبعث دواعيك عليها، وأَحيى عزماتك الصادقة عليها، حتى تُبْتَ إِليه وأَقبلت عليه، فذقت حلاوة التوبة وبردها ولذاتها؟ ومن الذى ذكرك سواه بمحبته حتى هاجت من قلبك لواعجها وتوجهت نحوه سبحانه ركائبها، وعمر قلبك بمحبته بعد طول الخراب، وآنسك بقربه بعد طول الوحشة والاغتراب ومن تقرب إِليك أَولاً حتى تقربت إِليه، ثم أَثابك على هذا التقرب تقرباً آخر فصار التقرب منك محفوفاً بتقربين منه تعالى: تقرب بعده وتقرب قبله، والحب منك محفوفاً بحبين منه: حب قبله وحب بعده، والذكر منك محفوفاً بذكرين: ذكر قبله وذكر بعده، فلولا سابق ذكره إِياك لم يكن من ذلك كله شيء، ولا وصل إِلى قلبك ذرة مما وصل إِليه من معرفته وتوحيده ومحبته وخوفه

ص: 41