الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بالقرآن فيقول: " ملاك ذلك أمران: أحدهما: أن تنقل قلبك من وطن الدنيا فتسكنه في وطن الآخرة، ثم تقبل به كله على معاني القرآن واستجلائها، وتدبر وفهم ما يراد منه، وما نزل لأجله، وأخذ نصيبك من كل آياته، وتنزلها على داء قلبك، فإذا نزلت هذه الآية على داء القلب برئ القلب بإذن الله ".
2 -
استشعار عظمة الله عز وجل
، ومعرفة أسمائه وصفاته، والتدبر فيها، وعقل معانيها، واستقرار هذا الشعور في القلب وسريانه إلى الجوارح لتنطق عن طريق العمل بما وعاه القلب فهو ملكها وسيدها وهي بمثابة جنوده وأتباعه فإذا صلح صلحت وإذا فسد فسدت.
والنصوص من الكتاب والسنة في عظمة الله كثيرة إذا تأملها المسلم ارتجف قلبه وتواضعت نفسه للعلي العظيم وخضعت أركانه للسميع العليم وازداد خشوعاً لرب الأولين والآخرين فمن ذلك ما جاء من أسمائه الكثيرة وصفاته سبحانه فهو العظيم المهيمن الجبار المتكبر القوي القهار الكبير المتعال، هو الحي الذي لا يموت والجن والإنس يموتون، وهو القاهر فوق عباده ويسبح الرعد بحمده والملائكة من خيفته، عزيز ذو انتقام، قيوم لا ينام، وسع كل شيء علماً، يعلم خائنة الأعين وما تخفي الصدور، وقد وصف سعة علمه بقوله:{وعنده مفاتح الغيب لا يعلمها إلا هو ويعلم ما في البر والبحر وما تسقط من ورقة إلا يعلمها ولا حبة في ظلمات الأرض ولا رطب ولا يابس إلا في كتاب مبين} (1)
(1) الأنعام /59.
ومن عظمته ما أخبر عن نفسه بقوله: {وما قدروا الله حق قدره والأرض جميعاً قبضته يوم القيامة والسماوات مطويات بيمينه} (1)
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يقبض الله الأرض يوم القيامة ويطوي السماوات بيمينه ثم يقول أنا الملك أين ملوك الأرض)(2)
ويتضعضع الفؤاد ويرجف القلب عند التأمل في قصة موسى عليه السلام لما قال: {رب أرني أنظر إليك} فقال الله: {لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكاً وخر موسى صعقاً (3)
ولما فسر النبي صلى الله عليه وسلم هذه الآية قرأها وقال بيده: (هكذا - ووضع الإبهام على المفصل الأعلى من الخنصر - ثم قال عليه الصلاة والسلام: (فساخ الجبل)(4)
والله سبحانه وتعالى: (حجابه النور، لو كشفه لحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)(5)
ومن عظمة الله ما
(1) الزمر/67.
(2)
رواه البخاري 6947.
(3)
} الأعراف/143.
(4)
الحديث رواه الترمذي برقم 3074 وأحمد 3/ 125، 209 وساق ابن كثير طرق الحديث في تفسيره 3/ 466، قال ابن القيم: إسناده صحيح على شرط مسلم، وخرجه الألباني وصححه في تخريج السنة لابن أبي عاصم حديث 480.
(5)
رواه مسلم برقم 197.
حدث به الرسول صلى الله عليه وسلم، فقال:(إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها خضعاناً لقوله كأنه سلسلة على صفوان فإذا فزع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربكم قالوا للذي قال الحق وهو العلي الكبير)(1)
والنصوص في هذا كثيرة والمقصود أن استشعار عظمة الرب بالتأمل في هذه النصوص وغيرها من أنفع الأشياء في علاج ضعف الإيمان ويصف ابن القيم رحمه الله عظمة الله بكلام عذب جميل فيقول: (يدبر أمر الممالك ويأمر وينهى ويخلق ويرزق ويميت ويحيي ويعز ويذل ويقلب الليل والنهار، ويداول الأيام بين الناس، ويقلب الدول فيذهب بدولة ويأتي بأخرى، وأمره وسلطانه نافذ في السماوات وأقطارها وفي الأرض وما عليها وما تحتها وفي البحار والجو، قد أحاط بكل شيء علماً وأحصى كل شيء عدداً .. ووسع سمعه الأصوات فلا تختلف عليه ولا تشتبه عليه، بل يسمع ضجيجها باختلاف لغاتها على تفنن حاجاتها، فلا يشغله سمع عن سمع، ولا تغلطه كثرة المسائل، ولا يتبرم بإلحاح الملحين ذوي الحاجات، وأحاط بصره بجميع المرئيات فيرى دبيب النملة السوداء على الصخرة الصماء في الليلة الظلماء، فالغيب عنده شهادة والسر عنده علانية .. (يسأله من في السماوات والأرض كل يوم هو في شأن) يغفر ذنباً، ويفرج هماً، ويكشف كرباً، ويجبر
(1) رواه البخاري 7043.
كسيراً، ويغني فقيراً، ويهدي ضالاً، ويرشد حيراناً، ويغيث لهفاناً، ويشبع جائعاً، ويكسو عارياً، ويشفي مريضاً، ويعافي مبتلى، ويقبل تائباً، ويجزي محسناً، وينصر مظلوماً، ويقصم جباراً، ويستر عورة، ويؤمن روعة، ويرفع أقواماً، ويضع آخرين
…
لو أن أهل سماواته وأهل أرضه، وأول خلقه وأخرهم، وإنسهم وجنهم، كانوا على أتقى قلب رجل منهم، ما زاد ذلك في ملكه شيئاً ولو أن أول خلقه وأخرهم وإنسهم وجنهم كانوا على أفجر قلب رجل منهم ما نقص ذلك من ملكه شيئاً، ولو أن أهل سماواته وأهل أرضه، وأول خلقه وأخرهم، وإنسهم وجنهم، وحيهم وميتهم، ورطبهم ويابسهم، قاموا على صعيد واحد فسألوه فأعطى كلا منهم ما سأله، ما نقص ذلك مما عنده مثقال ذرة .. هو الأول الذي ليس قبله شيء، والآخر الذي ليس دونه شيء، تبارك وتعالى أحق من ذكر، وأحق من عبد، وأولى من شكر، وارأف من ملك، وأجود من سئل
…
هو الملك الذي لا شريك له، والفرد فلا ند له، والصمد فلا ولد له، والعلي فلا شبيه له، كل شيء هالك إلا وجهه، وكل شيء زائل إلا ملكه .. لن يطاع إلا بأذنه، ولن يعصى إلا بعلمه، يطاع فيشكر، ويعصى فيغفر، كل نقمة منه عدل، وكل نعمة منه فضل، أقرب شهيد، وأدنى حفيظ، أخذ بالنواصي، وسجل الآثار، وكتب الآجال، فالقلوب له مفضية، والسر عنده علانية، عطاؤه كلام وعذابه كلام (إنما أمره إذا أراد شيئاً