المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ الاستكثار من الأعمال الصالحة - ظاهرة ضعف الإيمان

[محمد صالح المنجد]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌أولاً: مظاهر ضعف الإيمان

- ‌ الوقوع في المعاصي وارتكاب المحرمات:

- ‌ الشعور بقسوة القلب وخشونته:

- ‌ عدم إتقان العبادات:

- ‌ التكاسل عن الطاعات والعبادات

- ‌ ضيق الصدر وتغير المزاج وانحباس الطبع حتى كأن على الإنسان ثقلاً كبيراً ينوء به

- ‌ عدم التأثر بآيات القرآن

- ‌ الغفلة عن الله عز وجل في ذكره ودعائه سبحانه وتعالى:

- ‌ عدم الغضب إذا انتهكت محارم الله عز وجل

- ‌ حب الظهور

- ‌ الشح والبخل

- ‌ أن يقول الإنسان ما لا يفعل

- ‌ السرور والغبطة بما يصيب إخوانه المسلمين من فشل أو خسارة أو مصيبة أو زوال نعمة

- ‌ النظر إلى الأمور من جهة وقوع الإثم فيها أو عدم وقوعه فقط وغض البصر عن فعل المكروه

- ‌ احتقار المعروف

- ‌ عدم الاهتمام بقضايا المسلمين ولا التفاعل معها بدعاء ولا صدقة ولا إعانة

- ‌ انفصام عرى الأخوة بين المتآخيين

- ‌ عدم استشعار المسئولية في العمل لهذا لدين

- ‌ الفزع والخوف عند نزول المصيبة أو حدوث مشكلة فتراه مرتعد الفرائص

- ‌ كثرة الجدال والمراء المقسي للقلب

- ‌ التعلق بالدنيا

- ‌ أن يأخذ كلام الإنسان وأسلوبه الطابع العقلي البحت ويفقد السمة الإيمانية

- ‌ المغالاة في الاهتمام بالنفس مأكلاً ومشرباً وملبساً ومسكناً ومركباً

- ‌ثانياً: أسباب ضعف الإيمان

- ‌ الابتعاد عن الأجواء الإيمانية

- ‌ الابتعاد عن القدوة الصالحة

- ‌ الابتعاد عن طلب العلم الشرعي

- ‌ وجود الإنسان المسلم في وسط يعج بالمعاصي

- ‌ الإغراق في الاشتغال بالدنيا

- ‌ الانشغال بالمال والزوجة والأولاد

- ‌ طول الأمل:

- ‌(الإفراط في الأكل والنوم والسهر والكلام والخلطة

- ‌ثالثاً: علاج ضعف الإيمان

- ‌ تدبر القرآن العظيم الذي أنزله الله عز وجل

- ‌ استشعار عظمة الله عز وجل

- ‌ طلب العلم الشرعي:

- ‌ لزوم حلق الذكر

- ‌ الاستكثار من الأعمال الصالحة

- ‌ تنويع العبادات:

- ‌ الخوف من سوء الخاتمة

- ‌ الإكثار من ذكر الموت:

- ‌ تذكر منازل الآخرة

- ‌ التفاعل مع الآيات الكونية

- ‌ ذكر الله تعالى وهو جلاء القلوب وشفاؤها

- ‌ مناجاة الله والانكسار بين يديه عز وجل

- ‌ قصر الأمل:

- ‌ التفكر في حقارة الدنيا

- ‌ تعظيم حرمات الله

- ‌ الولاء والبراء

- ‌ التواضع

- ‌ محبة الله

- ‌محاسبة النفس

- ‌ دعاء الله عز وجل

الفصل: ‌ الاستكثار من الأعمال الصالحة

رسول الله صلى الله عليه وسلم: (والذي نفسي بيده إن لو تدومون على ما تكونون عندي وفي الذكر لصافحتكم الملائكة على فرشكم وفي طرقكم ولكن يا حنظلة ساعة وساعة (1)

وكان الصحابة رضوان الله عليهم يحرصون على الجلوس للذكر ويسمونه إيماناً، قال معاذ رضي الله عنه لرجل:(اجلس بنا نؤمن ساعة) إسناده صحيح: أربع مسائل في الإيمان، (2)

5 -

ومن الأسباب التي تقوي الإيمان‌

‌ الاستكثار من الأعمال الصالحة

وملء الوقت بها، وهذا من أعظم أسباب العلاج وهو أمر عظيم وأثره في تقوية الإيمان ظاهر كبير، وقد ضرب الصديق في ذلك مثلاً عظيماً لما سأل الرسول صلى الله عليه وسلم، أصحابه (من أصبح منكم اليوم صائماً؟ قال أبو بكر أنا، قال فمن تبع منكم اليوم جنازة؟ قال أبو بكر أنا، قال، فمن أطعم منكم اليوم مسكيناً، قال أبو بكر أنا، قال فمن عاد منكم اليوم مريضاً؟ قال أبو بكر أنا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم، ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة)(3)

فهذه القصة، تدل على أن الصديق رضي الله عنه كان حريصاً على اغتنام الفرص، وتنويع العبادات ولما وقع السؤال من النبي صلى

(1)) ثلاث مرات صحيح مسلم رقم 2750 ..

(2)

تحقيق الألباني ص: 72.

(3)

رواه مسلم كتاب فضائل الصحابة باب1حديث 12 ..

ص: 45

الله عليه وسلم مفاجئاً دل ذلك على أن أيام أبي بكر رضي الله عنه كانت حافلة بالطاعات، وقد بلغ السلف رحمهم الله في ازديادهم من الأعمال الصالحة وملء الوقت بها مبلغاً عظيماً، ومثال ذلك عبارة كانت تقال عن جماعة من السلف منهم حماد بن سلمة قال فيه الإمام عبد الرحمن بن مهدي:" لو قيل لحماد بن سلمة: أنك تموت غداً ما قدر أن يزيد في العمل شيئاً "(1)

وينبغي أن يراعي المسلم في مسألة الأعمال الصالحة أموراً منها:

المسارعة إليها لقوله تعالى: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض} وقال تعالى: {سابقوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها كعرض السماء والأرض} ومدلول هذه الآيات كان محركاً للمسارعة عند أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وروى الإمام مسلم رحمه الله تعالى في صحيحه عن أنس بن مالك في قصة غزوة بدر لما دنا المشركون قال، فقال النبي صلى الله عليه وسلم:{قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض} قال يقول عمير بن الحمام الأنصاري يا رسول الله جنة عرضها السموات والأرض قال: نعم قال: بخ بخ - كلمة تطلق لتفخيم الأمر وتعظيمه -

(1) سير أعلام النبلاء 7/ 447 ..

ص: 46

فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما يحملك على قولك بخ بخ) قال: لا والله يا رسول الله إلا رجاءة أن أكون من أهلها قال: فإنك من أهلها، فاخرج تمرات من قرنه فجعل يأكل منهن ثم قال: لئن أنا حييت حتى أكل تمراتي هذه لحياة طويلة قال: فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قتل. (1)

ومن قبل أسرع موسى للقاء الله وقال: (وعجلت إليك ربي لترضى) وامتدح الله زكريا وأهله فقال: (إنهم كانوا يسارعون في الخيرات ويدعوننا رغباً ورهباً وكانوا لنا خاشعين) وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (التؤدة في كل شيء -وفي رواية خير -إلا في عمل الآخرة)(2)

الاستمرار عليها بقول الرسول صلى الله عليه وسلم، عن ربه في الحديث القدسي:(ما يزال عبدي يتقرب إليَّ بالنوافل حتى أحبه)(3)

وكلمة (ما يزال) تفيد الاستمرارية، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:(تابعوا الحج والعمرة)(4)

وهو في السلسلة الصحيحة 1200. والمتابعة تعني كذلك الاستمرار وهذا المبدأ مهم في تقوية الإيمان وعدم إهمال النفس حتى لا تركن وتأسن، والقليل الدائم خير من الكثير المنقطع.

(1) صحيح مسلم 1901.

(2)

رواه أبو داود في سننه 5/ 157وهو في صحيح الجامع 3009.

(3)

صحيح البخاري 6137.

(4)

رواه الترمذي رقم 810.

ص: 47

والمداومة على الأعمال الصالحة تقوي الإيمان وقد سئل النبي صلى الله عليه وسلم: أي الأعمال أحب إلى الله؟ قال: (أدومها وإن قل)(1)

وكان النبي صلى الله عليه وسلم، إذا عمل عملاً أثبته. (2)

الاجتهاد فيها: إن علاج قسوة القلب لا يصلح أن يكون علاجاً مؤقتاً يتحسن فيه الإيمان فترة من الوقت ثم يعود إلى الضعف بل ينبغي أن يكون نهوضاً متواصلاً بالإيمان وهذا لن يكون إلا بالاجتهاد في العبادة. وقد ذكر الله في كتابه من اجتهاد أوليائه في عبادته أحولاً عدة فمنها: {إنما يؤمن بآياتنا الذين إذا ذكروا بها خروا سجداً وسبحوا بحمد ربهم وهم لا يستكبرون، تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفاً وطمعاً ومما رزقناهم ينفقون} . وقال الله تعالى عنهم: {كانوا قليلاً من الليل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون وفي أموالهم حق للسائل والمحروم} . والاطلاع على حال السلف في تحقيق صفات العابدين شيء يبعث على الإعجاب ويقود إلى الاقتداء فمن ذلك أنه كان لهم سُبُع من القرآن يختمونه كل يوم وكانوا يقومون الليل في الغزو والقتال ويذكرون الله ويتهجدون، حتى في السجن، يصفون أقدامهم، تسيل دموعهم على

(1) رواه البخاري فتح11/ 194.

(2)

رواه مسلم كتاب صلاة المسافرين، باب 18 حديث 141.

.

ص: 48

خدودهم، يتفكرون في خلق السموات والأرض، يخادع أحدهم زوجته كما تخادع المرأة صبيها، فإذا علم أنها نامت انسل من لحافها وفراشها لصلاة القيام، يقسمون الليل على أنفسهم وأهليهم ونهارهم في الصيام والتعلم والتعليم واتباع الجنائز وعيادة المرضى وقضاء حوائج الناس تمر على بعضهم السنون لا تفوتهم تكبيرة الإحرام مع الإمام ينتظرون الصلاة بعد الصلاة يتفقد أحدهم عيال أخيه بعد موته سنوات ينفق عليهم، ومن هذا حاله فإيمانه في ازدياد.

عدم إملال النفس: ليس المقصود من المداومة على العبادات أو الاجتهاد فيها إيقاع النفس بالسآمة وتعريضها للملل وإنما المقصود عدم الانقطاع عن العبادات ما يطيق ويسدد ويقارب وينشط إذا رأى نفسه مقبلة ويقصد عند الفتور، ويدل على هذه التصورات مجموعة من الأحاديث منه قوله صلى الله عليه وسلم:(إن الدين يسر، ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا .. )(1)

وفي رواية: (والقصد القصد تبلغوا)(2)

، وقال البخاري رحمه الله باب ما يكره من التشديد في العبادة، عن أنس رضي الله عنه قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم فإذا حبل ممدود بين الساريتين فقال: (ما هذا الحبل) قالوا هذا

(1) صحيح البخاري 39.

(2)

صحيح البخاري 6099.

ص: 49

حبل لزينب فإذا فترت تعلقت قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، حلوه ليصل أحدكم نشاطه فإذا فتر فليقعد)(1)

ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم أن عبد الله بن عمرو بن العاص يقوم الليل كله ويصوم النهار متتابعاً نهاه عن ذلك وبين السبب بقوله: (فإنك إذا فعلت هجمت عينك - يعني غارت أو ضعفت لكثرة السهر - ونفهت نفسك - يعني كلت). وقال الرسول صلى الله عليه وسلم: (اكلفوا من العمل ما تطيقون فإن الله عز وجل لا يمل حتى تملوا وإن أحب الأعمال إلى الله عز وجل أدومه وإن قل)(2)

استدراك ما فات منها: فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نام عن حزبه من الليل، أو شيء منه فقرأه فيما بين صلاة الفجر وصلاة الظهر، كتب له كأنما قرأه من الليل)(3)

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا صلى صلاة داوم عليها وكان إذا فاته القيام من الليل غلبته

(1) صحيح البخاري 1099.

(2)

رواه البخاري، فتح 3/ 38 ..

(3)

رواه النسائي وغيره، والمجتبي: 2/ 68، صحيح الجامع 1228.

ص: 50

عيناه بنوم أو وجع صلى ثنتي عشرة ركعة من النهار) (1)

ولما رأته أم سلمة رضي الله عنها يصلي ركعتين بعد العصر وسألته أجابها عليه الصلاة والسلام بقوله: (يا ابنة أبي أمية سألت عن الركعتين بعد العصر وإنه أتاني ناس من عبد القيس فشغلوني عن الركعتين اللتين بعد الظهر فهما هاتان)(2)

(وكان إذا لم يصل أربعاً قبل الظهر صلاهن بعده)(3)

(وكان إذا فاته الأربع قبل الظهر صلاها بعد الظهر)(4)

فهذا الأحاديث تدل على قضاء السنن الرواتب، وقد ذكر ابن القيم رحمه الله في صومه صلى الله عليه وسلم شعبان أكثر من غيره ثلاث معان أولها: أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فربما شغل عن الصيام أشهراً فجمع ذلك في شعبان ليدركه قبل صيام الفرض " أي رمضان"تهذيب سنن أبي داود 3/ 318، وكان صلى الله عليه وسلم يعتكف العشر الأواخر من رمضان، فلما فاته الاعتكاف مرة

(1) رواه أحمد 6/ 95.

(2)

رواه البخاري فتح 3/ 105.

(3)

رواه الترمذي رقم 427 وصحيح سنن الترمذي رقم 350.

(4)

صحيح الجامع 4759.

ص: 51

لعارض السفر اعتكف في العام المقبل عشرين يوماً. (1)

رجاء القبول مع الخوف من عدم القبول، وبعد الاجتهاد في الطاعات، ينبغي الخوف من ردها على صاحبها، عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن هذه الآية: {والذين يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة} قالت عائشة: هم الذين يشربون الخمر ويسرقون؟ قال: (لا يا ابنة الصديق ولكنهم الذين يصومون ويصلون ويتصدقون وهم يخافون أن لا يقبل منهم أولئك الذين يسارعون في الخيرات)(2)

وقال أبو الدرداء رضي الله عنه: " لأن أستيقن أن الله قد تقبل مني صلاة واحدة أحب إلي من الدنيا وما فيها، إن الله يقول:{إنما يتقبل الله من المتقين} (3)

. ومن صفات المؤمنين احتقار النفس أمام الواجب من حق الله تعالى: قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لو أن رجلاً يجر على وجهه من يوم ولد إلى يوم يموت هرماً في مرضاة الله عز وجل لحقره يوم القيامة)(4)

فمن عرف الله وعرف النفس يتبين له أن ما معه من البضاعة لا يكفي ولو جاء بعمل الثقلين، إنما يقبله سبحانه وتعالى بكرمه وجوده وتفضله ويثيب

(1) فتح الباري 4/ 285.

(2)

رواه الترمذي 3175 وهو في السلسلة الصحيحة 1/ 162.

(3)

تفسير ابن كثير 3/ 67.

(4)

رواه الإمام أحمد، المسند 4/ 185 وهو في صحيح الجامع 5249.

ص: 52