الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
صفة نزوله عليه السلام
-:
بعد خروج الدجال وإفساده في الأرض، يبعث الله عيسى عليه السلام فينزل إلى الأرض، ويكون نزوله عند المنارة البيضاء شرقي دمشق الشام، وعليه مهرودتان
(1)
، واضعاً كفية على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفعه تحدر منه جمان كاللؤلؤ، ولا يحل لكافر يجد ريح نَفَسِهِ إلا مات، وَنَفَسُهُ ينتهي حيث ينتهي طرفه.
ويكون نزوله على الطائفة المنصورة، التي تقاتل على الحق، وتكون مجتمعة لقتال الدجال، فينزل وقت إقامة الصلاة، يصلي خلف أمير تلك الطائفة. ففي حديث النواس بن سمعان الطويل في ذكر خروج الدجال ثم نزول عيسى عليه السلام، قال صلى الله عليه وسلم:«إذ بعث الله المسيح ابن مريم، فينزل عند المنارة البيضاء شرقي دمشق، بين مهرودتين، واضعاً كفيه على أجنحة ملكين، إذا طأطأ رأسه قطر، وإذا رفع تحدر منه جمان كاللؤلؤ، فلا يحل لكافر يجد ريح نَفَسِهِ إلا مات، وَنَفَسُهُ ينتهي حيث ينتهي طرفه، فيطلبه -أي: يطلب الدجال- حتى يدركه بباب لد، فيقتله، ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه، فيمسح وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة»
(2)
.
بم يحكم عيسى عليه السلام
-:
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «كيف أنتم إذا نزل فيكم ابن مريم وأَمَّكُم منكم؟ ! » . قال ابن أبي ذئب
(3)
: تدري ما أَمَّكُمْ منكم؟ قلت: تخبرني؟ قال: فأمكم بكتاب ربكم تبارك وتعالى وسنة نبيكم صلى الله عليه وسلم
(4)
-.
فليس المراد أنه أمهم في الصلاة، بل المراد أنه حكم فيهم كتاب الله تبارك وتعالى، أي أمهم بكتاب الله عز وجل
(5)
.
وزمن عيسى عليه السلام زمن أمن وسلام ورخاء يرسل الله فيه المطر الغزير، وتخرج الأرض ثمرتها وبركتها، ويفيض المال وتذهب الشحناء والتباغض والتحاسد، عن أبي هريرة رضي الله أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «والله لينزلن عيسى بن مريم حكماً عادلاً، فليكسرن الصليب، وليقتلن الخنزير، وليضعن الجزية، ولتتركن القلاص
(6)
فلا يسعي عليها، ولتذهبن الشحناء والتباغض والتحاسد، وليدعون إلى المال، فلا يقبله أحد»
(7)
.
مدة بقائه بعد نزوله ثم وفاته:
وأما مدة بقاء عيسى عليه السلام في الأرض بعد نزوله، فقد جاء في بعض الروايات أنه يمكث سبع سنين، وفي بعضها أربعين سنة.
عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما: «فيبعث الله عيسى بن مريم
…
ثم يمكث الناس سبع سنين ليس بين اثنين عداوة، ثم يرسل الله ريحاً باردة من قبل الشام، فلا يبقى على وجه الأرض أحد وفي قلبه مثقال ذرة من خير أو إيمان إلا قبضته»
(8)
.
وفي أبي داود: «فيمكث في الأرض أربعين سنة، ثم يتوفى، ويصلي عليه المسلمون»
(9)
.
وكلا هاتين الروايتين صحيحة، وهذا مشكل؛ إلا أن تحمل رواية السبع سنين على مدة إقامته بعد نزوله، ويكون ذلك مضافاً إلى مكثه في الأرض قبل رفعه إلى السماء، وكان عمره إذ ذاك ثلاثاً وثلاثين سنة على المشهور
(10)
والله أعلم.
3 - يأجوج ومأجوج:
وأصل يأجوج ومأجوج من البشر، من ذرية آدم وحواء عليهما السلام، والذي يدل على أنهم من ذرية آدم عليه السلام ما رواه البخاري عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:«يقول الله تعالى: يا آدم! فيقول لبيك وسعديك والخير في يديك، فيقول: أخرج بعث النار، قال وما بعث النار؟ قال: من كل ألف تسعمائة وتسعة وتسعين فعنده يشيب الصغير، وتضع كل ذات حمل حملها، وترى الناس سكارى وماهم بسكارى ولكن عذاب الله شديد» قالوا: وأينا ذلك الواحد؟ قال: «أبشروا فإن منكم رجلاً ومن يأجوج ومأجوج ألف»
(11)
.
وقد أخبر الله تبارك وتعالى أن السد الذي أقامه ذو القرنين مانعهم من الخروج {اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا (97)} [الكهف: 97] وأخبر أن ذلك مستمر إلى آخر الزمان عندما يأتي وعد الله، ويأذن لهم بالخروج، وعند ذلك يُدك السد، ويخرجون على الناس {فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكَّاءَ وَكَانَ وَعْدُ رَبِّي حَقًّا (98)} [الكهف: 98]، وعند ذلك يخرجون أفواجاً {وَتَرَكْنَا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ} [الكهف: 99] وذلك قرب القيامة والنفخ في الصور {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْنَاهُمْ جَمْعًا (99)} [الكهف: 99].
وقد أخبر الرسول صلى الله عليه وسلم أنه فتح من ردم يأجوج ومأجوج في عصره، عن زينب بنت جحش رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم دخل عليها يوما فزعاً، يقول: «لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب،
(1)
مهرودتان: روي بالدال المهملة والذال المعجمة والمهملة أكثر والمعنى: لابس مهرودتين، أي: ثوبين مصبوغين بورس ثم زعفران. انظر: شرح النووي لصحيح مسلم (18/ 67).
(2)
صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال (1867 - 68 - مع شرح النووي).
(3)
هو محمد بن عبدالرحمن بن المغيرة بن أبي ذئب القرشي العامري أبو الحارث المدني، ثقة فقيه فاضل من السابعة، مات سنة 58 وقيل سنة تسع. تقريب التهذيب ص 427.
(4)
صحيح البخاري، كتاب أحاديث الأنبياء، باب نزول عيسى بن مريم عليه السلام (6/ 491 - مع الفتح)، وصحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب نزول عيسى بن مريم حاكماً (2/ 193 - مع شرح النووي).
(5)
انظر: اليوم الآخر - القيامة الصغرى، ص 261.
(6)
القلاص: بكسر القاف جمع قلوص بفتح القاف، وهي الناقة الشابة، انظر: النهاية في غريب الحديث (4/ 88).
(7)
صحيح مسلم، كتاب الإيمان، باب نزول عيسى عليه السلام (2/ 192 - مع شرح النووي).
(8)
صحيح مسلم كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذكر الدجال (18/ 75 - 76 - مع شرح النووي).
(9)
صحيح سنن أبي داود، كتاب الملاحم، باب خروج الدجال (3/ 815).
(10)
انظر: النهاية في الفتن و الملاحم، ص 99.
(11)
صحيح البخاري، كتاب الأنبياء، باب قصة يأجوج ومأجوج (6/ 382 - مع الفتح).
فتح من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه» - وحلق بأصبعيه: الإبهام والتي تليها- قالت زينب، فقلت يا رسول الله، أفنهلك، وفينا الصالحون؟ قال:«نعم، إذا كثر الخبث»
(1)
.
وخروجهم يقع بعد نزول عيسى عليه السلام وهزيمته للدجال، عن النواس بن سمعان في حديثه الطويل، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ثم يأتي عيسى بن مريم قوم قد عصمهم الله منه -أي من الدجال - فيمسح وجوههم، ويحدثهم بدرجاتهم في الجنة، فبينما هو كذلك إذ أوحى الله إلى عيسى أني قد أخرجت عباداً لي لا يدان لأحد بقتالهم
(2)
، فحرّز عبادي إلى الطور، ويبعث الله يأجوج ومأجوج، وهم من كل حدب
(3)
ينسلون، فيمر أوائلهم على بحيرة طبرية، فيشربون ما فيها، ويمر أخرهم، فيقولون: لقد كان بهذه مرة ماء، ويحصر نبي الله عيسى وأصحابه، حتى يكون رأس الثور لأحدهم خيراً من مائة دينار لأحدكم اليوم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه، فيرسل الله عليهم النغف
(4)
في رقابهم، فيصيحون فرسى
(5)
كموت نفس واحدة، ثم يهبط نبي الله عيسى وأصحابه إلى الأرض، فلا يجدون في الأرض موضع شبر إلا ملأه زهمهم
(6)
ونتنهم، فيرغب نبي الله عيسى وأصحابه إلى الله، فيرسل مطراً كأعناق البخت
(7)
، فتحملهم فتطرحهم حيث شاء الله، ثم يرسل الله مطراً، لا يكن منه بيت مدر
(8)
ولا وبر، فيغسل الأرض حتى يتركها كالزلقة»
(9)
.
(1)
صحيح البخاري، كتاب الفتن، باب يأجوج ومأجوج (13/ 106 - مع الفتح).
(2)
أي: لا قدرة ولا طاقة. انظر: شرح النووي لصحيح مسلم (18/ 68).
(3)
الحدب: وهو كل موضع غليظ مرتفع، والمعنى يظهرون من غليظ الأرض ومرتفعها. انظر: النهاية في غريب الحديث (1/ 336).
(4)
النغف: بالتحريك دود يكون في أنوف الإبل والغنم، واحدتها نغفة. النهاية في غريب الحديث (5/ 75).
(5)
فرسي بفتح الفاء، أي: قتلى، الواحد فريس من فرس الذئب الشاة وافترسها إذا قتلها. النهاية في غريب الحديث (3/ 384).
(6)
بفتح الهاء أي دسمهم ورائحتهم الكريهة. شرح النووي على مسلم (17/ 69).
(7)
البخت هي جمال طوال الأعناق، وهي لفظة معربة. النهاية في غريب الحديث (1/ 101).
(8)
أي: لا يمنع من نزول المطر بيت. المدر بفتح الميم والدال وهو الطين الصلب. شرح النووي لصحيح مسلم (18/ 69).
(9)
صحيح مسلم، كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب ذکر الدجال (18/ 68 - 69 - مع شرح النووي).