الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الفصل الخامس
في بيانِ مفاهيمَ خاطئةٍ في تحديد العبادة
العبادات توقيفية: بمعنى: أنه لا يشرع شيء منها إلا بدليل من الكتاب والسنة، وما لم يشرع يعتبر بدعة مردودة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:«من عمل عملًا ليس عليه أمرنا فهو رد» أي مردود عليه عمله، لا يقبل منه، بل يأثم عليه؛ لأنه معصية وليس طاعة، ثم إن المنهج السليم في أداء العبادات المشروعة هو: الاعتدال بين التساهل والتكاسل؛ وبين التشدد والغلو. قال تعالى لنبيه صلى الله عليه وسلم: {فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا} [هود: 112] .
فهذه الآية الكريمة فيها رسم لخطة المنهج السليم في فعل العبادات، وذلك بالاستقامة في فعلها على الطريق المعتدل؛ الذي ليس فيه إفراط ولا تفريط؛ حسب الشرع (كما أمرت) ثم أكد ذلك بقوله:(ولا تطغوا) والطغيان: مجاوزة الحد بالتشدد والتنطع، وهو الغلو. ولما علم صلى الله عليه وسلم بأن ثلاثة من أصحابه تقالوا في أعمالهم، حيث قال أحدهم: أنا أصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أنا أصلي ولا أرقد، وقال الثالث: أنا لا أتزوج النساء. قال صلى الله عليه وسلم: «أما أنا فأصوم وأفطر وأتزوج النساء، فمن رغب عن سُنَّتي فليس مني» .
وهناك الآن فئتان من الناس على طرفي نقيض في أمر العبادة.
الفئة الأولى: قصَّرت في مفهوم العبادة وتساهلت في أدائها حتى عطلت كثيرًا من أنواعها، وقصرتها على أعمال محدودة، وشعائر قليلة تؤدى في المسجد فقط، ولا مجال للعبادة في البيت، ولا في المكتب، ولا في المتجر، ولا في الشارع، ولا في المعاملات، ولا في السياسة، ولا الحكم في المنازعات، ولا غير ذلك من شئون الحياة.
نعم للمسجد فضلٌ، ويجب أن تؤدى فيه الصلوات الخمس، ولكن العبادة تشمل كل حياة المسلم؛ داخل المسجد وخارجه.
الفئة الثانية: تشددت في تطبيق العبادات إلى حد التطرف، فرفعت المستحبات إلى مرتبة الواجبات، وحرَّمت بعض المباحات، وحكمت بالتضليل أو التخطئة على من خالف منهجها، وخطَّأ مفاهيمها. وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم وشر الأمور محدثاتها.