المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفصل الثاني: مجمل عقيدته - عقيدة محمد بن عبد الوهاب السلفية وأثرها في العالم الإسلامي - جـ ١

[صالح بن عبد الله العبود]

الفصل: ‌الفصل الثاني: مجمل عقيدته

‌الفصل الثاني: مجمل عقيدته

أصول الإيمان:

يقول الشيخ: "أصول الإيمان ستة أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره وشره"1.

ويقول يخاطب جماعة كتب إليهم عما يعتقده: "أشهد الله، ومن حضرني من الملائكة وأشهدكم أني أَعتقد ما اعتقدته الفرقة الناجية، أهل السنة والجماعة، من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله، والبعث بعد الموت، والإيمان بالقدر خيره وشره" 2 إهـ.

ويقول الشيخ يدعوإلى الإيمان: "وإذا قيل لك ما الإيمان فقل هو أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدرخيره وشره كله من الله والدليل قوله تعالى: {آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ} ودليل القدرقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} 3.

هذه العبارة التي عبر بها الشيخ بيانا واعتقادا ودعوة قد تضمنت

1 الدرر السنية، ج1ص 91، ومؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، تلقين أصول العقيدة للعامة، ص 372-373.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الرسائل الشخصية، ص 8.

3 الدررالسنية ط 2، ج1ص 88.

ص: 369

أصول الإيمان الستة المذكورة في حديث جبر يل1. وقد ألف الشيخ كتابا في أصول الإيمان، اشتمل على أبواب عديدة، يورد تحت كل باب ما يناسبه من النصوص وأكثرها من الحديث الشريف2.

ويقول الشيخ: "إن الإيمان بالأصول الستة هو الإيمان الشرعي"3.

الإيمان بالله تعالى:

إن الشيخ يؤمن بالله، يثبت وجوده، وأنه متصف بصفات الجلال والعظمة والكمال منزه من كل عيب ونقص، وأنه المستحق للعبادة كلها، لا إله غيره ولا رب سواه.

ويعتقد أن من الإيمان بالله الإيمان بما وصف الله به نفسه في كتابه وعلى لسان رسوله صلى الله عليه وسلم من غير تحريف ولا تعطيل ومن غير تشبيه ولا تمثيل- بل يعتقد أن الله سبحانه وتعالى كما قال عن نفسه {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} وقال تعالى: {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ وَسَلامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} .

1 انظر: مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة ص 192، ومؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، ص 84، 100.

2 انظر: مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، ص 229.

3 الدرر السنية، ط 2، ج1ص 104، مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، العلق، ص 372.

ص: 370

يقول الشيخ فنزه نفسه عما وصفه به المخالفون من أهل التكييف والتمثيل، وعما نفاه عنه النافون من أهل التحريف والتعطيل "فلا أنفي عنه ما وصف به نفسه ولا أحرف الكلم عن مواضعه، ولا ألحد في أسمائه وآياته، ولا أكيف، ولا أمثل صفاته تعالى بصفات خلقه لأنه تعالى أعلم بنفسه وبغيره، وأصدق قيلا وأحسن حديثا، لا سمي له، ولا كفو له ولا ند له، ولايقاس بخلقه" ليس كمثله شيء وهوالسميع البصير1، والله أحد وهو الصمد لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوا أحد2.

ويقول الشيخ: "التوحيد نوعان: توحيد الربوبية، وتوحيد الألوهية".

أما توحيد الربوبية فهو: أن الله سبحانه متفرد بالخلق والتدبير عن الملائكة والأنبياء وغيرهم، والإِقرار بهذا حق، لابد منه، لكن لا يدخل الرجل في الإسلام، لأن أكثر الناس مقرون به.

قال الله تعالى: {قُلْ مَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ أَمَّنْ يَمْلِكُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَمَنْ يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَمَنْ يُدَبِّرُ الْأَمْرَ فَسَيَقُولُونَ اللَّهُ فَقُلْ أَفَلا

1 انظر: مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية، 1 ص 8.

2 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، مسائل ملخصة رقم 10، ص 12، وانظر: الدرر السنية، ط 2، ج3 ص 07 2-262، جواب الشيخ حمد بن ناصر بن معمر وكان قد سئل عن اعتقاد الشيخ في بعض نصوص الصفات.

ص: 371

تَتَّقُونَ} (يونس: 31) .

ويقول الشيخ: "إن هذا التوحيد هو الذي أقر به الكفار، ويستدل بالآية المذ كورة".

ويقول الشيخ: "وأما توحيد الألوهية فهو: إِخلاص العبادة لله وحده عن جميع الخلق لأن الإله في كلام العرب هو الذي يقصد للعبادة، وكانوا يقولون: إن الله سبحانه هو إله الآلهة، لكن يجعلون معه آلهة أخرى، مثل الصالحين والملائكة وغيرهم، يقولون: إِن الله يرضى هذا ويشفعون لنا عنده. فإذا عرفت هذا معرفة جيدة تبين لك غربة الدين وقد استدل عليهم سبحانه باقرارهم بتوحيد الربوبية على بطلان مذهبهم، لأنه إِذا كان هو المدبر وحده، وجميع من سواه لا يملكون مثقال ذرة - فكيف يدعون معه غيره مع إِقرارهم بهذا؟ 1.

إِذاً فتوحيد الألوهية هو: أن لا يعبد العبد إلا الله وحد؟ ولا يشرك معه في العبادة أحدا لا ملكا مقربا ولا نبيا مرسلا، فضلا عن من دونهما. وهذا هو الذي يدخل الرجل في الإسلام2. وذلك أن من أتى به فقد أتى بتوحيد الربوبية لأنه متضمن له، وهو من نتائج توحيد الربوبية الواجبة3.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى مسألة رقم 7 ص 42.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية، رسالة 11 ص 64، 65 ورسالة 22 ص 150، 151.

3 المصدر السابق رقم 18 ص 120-122.

ص: 372

أما توحيد الأسماء والصفات: وهو الإِقرار بها كما وردت في الكتاب والسنة نفيا وإثباتا من غير تمثيل ولا تعطيل، ولا تحريف في اللفظ والمعنى عن ظاهره اللائق بالله تعالى ولا تكييف، فان الشيخ يجعله مع توحيد الربوبية بجامع أنهما نوع واحد هو: توحيد المعرفة والإِثبات.

ويقول الشيخ: وأما توحيد الصفات فلا يستقيم توحيد الربوبية، ولا توحيد الألوهية إلا بالإِقرار بالصفات، لكن الكفار أعقل ممن أنكر الصفات1. ذلك أن العلم بأسماء الله وصفاته هو أصل العلوم، وبمعرفتها يستدل على التوحيد2.

وأن التوحيد لا يكون إلا عن العلم بأنه لا إله إلا الله بيقين، والشهادة بذلك نطقاً باللسان مع تصديق القلب، وعمل الجوارح بمقتضاه، وهذا يعني المعرفة التامة بتفرد الله في ربوبيته وأسمائه وصفاته، كما عليه المسلمون من أهل السنة والجماعة، أتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم، الذي هو أعلم الأمة برب العالمين ووحدانيته.

وقد بين السلف أن العبادة إذا كانت كلها لله فلا تكون إلا بإِثبات الصفات والأفعال فمن شهد أن لا إله إلا الله، لابد أن يثبت الصفاث، لأنه يشهد أن لا معبود بحق إلا الله وكون الله تعالى هوالمعبود وحده، يدل

1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى رقم 7 ص 42.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، العلق ص 372.

ص: 373

على علمه العظيم، وقدرته العظيمة، وهاتان الصفتان أصل جميع الصفات، ومن هنا يثبت جميع الصفات، بخلاف من ظن أن معنى لا إله إلا الله، أي لا يقدر على الخلق إلا الله، فإن الأمر يؤول به إلى انكار الصفات أيضا1. لأن منكر الألوهية هو منكر لحقيقة الربوبية والأسماء والصفات ولا يغلط في توحيد الألوهية إلا من لم يعط توحيد الربوبية حقه2. وأهل الجاهلية وإن أقروا بتوحيد الربوبية فإنهم لم يعطوه حقه وهو توحيد العبادة فلذلك كانوا مشركين ولم ينفعهم توحيد الربوبية حيث لم يعطوا حقه3.

أما منكرالصفات فإنه منكر لحقيقة الألوهية فإن من شهد أن لا إله إلا الله صدقا من قلبه لابد أن يثبت الصفات والأفعال، ولذا آل الأمر بمن ينكر الصفات إلى إنكار الرب4 تعالى.

ويقرر الشيخ أن الربوبية والألوهية يجتمعان في اللفظ فيفترقان في المعنى، ويفترقان في اللفظ فيجتمع المعنيان في لفظ كل واحد من اللفظين المفترقين، أي يفترقان إذا ذكرا معا كما في قوله تعالى:{قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ مَلِكِ النَّاسِ إِلَهِ النَّاسِ} وكما يقال رب العالمين وإله العالمين وإله المرسلين

1 انظر: الدرر السنية، ج1، ص 69- 71 ومؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى، ص 42-43.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 18 ص 120-122.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية، رسالة رقم 18 ص 120-122.

4 انظر: الدرر السنية، ط 2، ج1 ص 70- 71.

ص: 374

ويجتمعان عند الإفراد كما في قوله: {الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ} (الحج: 164) . وقوله: {قُلْ أَغَيْرَ اللَّهِ أَبْغِي رَبّاً} (الأنعام: 164) . وقوله: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا} (فصلت: 30، الأحقاف:13) . وكما في قولهم: {رَبُّنَا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} (الكهف: 14) . وكما في قول القائل: من ربك؟ وقول الملكين في القبر من ربك؟ ومعناه من إلهك؟ لأن الربوبية التي أقربها المشركون ما يمتحن أحد بها.

فالربوبية في هذا ليست قسيمة لها كما تكون قسيمة لها عند الاقتران قال: فينبغي التفطن لهذه المسألة، مثاله الفقير والمسكين: نوعان في قوله: {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} (التوبة: 60) - ونوع واحد في قوله: "افترض الله عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فترد إلى فقرائهم"1.

فعلى هذا يقرر الشيخ أن الربوبية إذا قرن ذكر لفظها مع الألوهية تكون قسيمة للألوهية وتفسر بأشهر معانيها وهو أنها تعني فعل الرب مثل الخلق والرزق والإِحياء والإِماتة وإنزال المطر وإنبات النبات وتدبير الأمور.

وكذا الألوهية تفسر بأشهر معانيها، وهو أنها تعني فعل العبد التعبدي مثل الدعاء والخوف والرجاء والتوكل والإنابة والرغبة والرهبة

1 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 2 ص 17 والقسم الرابع، التفسير، الكهف، مسألة 7 ص 243.

ص: 375

والنذر والاستغاثة وغير ذلك من أنواع العبادة1.

ويقول الشيخ في تلازم الربوبية والألوهية في جواب حين سئل رحمه الله: ما قول الشيخ في تسمية المعبودات أربابا: إذ الرب يطلق على المالك، والمعبود على الإله وكل اسم من أسمائه جل وعلا له معنى يخصه بالتخصيص دون التداخل بالتعميم.

الجواب: الرب والإله في صفة الله تبارك وتعالى متلازمة غير مترادفة، الرب من الملك والتربية بالنعم، والإله من التأله وهو القصد. لجلب النفع ودفع المضرة بالعبادة. ولذلك صارت العرب تطلق الرب على الإله، فسموا معبوداتهم أربابا من دون الله لأجل ذلك أي لكونهم يسمون الله ربا بمعنى إلها2.

والإله اسم صفة لكل معبود بحق أو باطل ثم غلب على المعبود بحق وهو الله تعالى، وهو الذي يخلق ويرزق ويدبر الأمور، والتأله التعبد3.

وقول الله تعالى: {إِلَهِ النَّاسِ} أي معبودهم الذي لا معبود لهم غيره فلا يدعى ولا يرجى ولا يخلق ولا يرزق إلا هو، فخلقهم وصورهم وأنعم عليهم وحماهم مما يضرهم بربوبيته، وقهرهم وأمرهم ونهاهم، وصرفهم

1 مؤ لفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، الرسالة الرابعة، تلقين أصول العقيدة للعامة ص 371، والقسم الخامس، الشخصية رقم 7 ص 47.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى رقم 8 ص 43.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 16ص 106.

ص: 376

كما يشاء بملكه واستعبدهم بالإِلهية الجامعة لصفات الكمال كلها1.

ويقرر الشيخ أن النهي عن الشرك والأمر بلا إله إلا الله ليس أحدهما مكررا للآخر، بل هما أصلان كبيران، وإن كانا متلازمين.

والنهي عن الشرك يستلزم الكفر بالطاغوت ولا إله إلا الله تستلزم الإيمان بالله، وقد قرن الأنبياء بين النهي عن الشرك والأمربالتوحيد2.

والتوحيد مبني على أن الله واحد في ملكه وأفعاله لا شريك له، وهذا هو توحيد الربوبية وواحد في ذاته وصفاته لا نظير له، وهذا هو توحيد الأسماء والصفات، وواحد في إِلهيته وعبادته لا ند له، وهذا هو توحيد الألوهية، وهذه الأنواع على ترتيبها متلازمة، كل نوع منها لا ينفك عن الآخر، فمن أتى بنوع منها ولم يأت بالآخر فما ذاك إلا لأنه لم يأت به على وجه الكمال المطلوب، فهي وحدة مترابطة، وبهذا يتبين المراد بتنويع التوحيد وأنه ليس كل نوع يمكن أن يؤتى به منفصلا عن الآخر.

وإِن شئت قلت التوحيد نوعان: توحيد في المعرفة والاثبات وهوتوحيد الربوبية والأسماء والصفات، وتوحيد في الطلب والقصد، وهوتوحيد الإِلهية والعبادة، كما فعل الشيخ رحمه الله تعالى تبعا لشيخ الإسلام ابن تيمية3.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 387، 388.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 23 ص 163.

3 انظر التدمرية أولها، وإِبطال التنديد للشيخ حمد بن عتيق ص 3، ومؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 11 ص 64، 65 ورقم 18 ص 120-122: رقم 22 ص 150- 151.

ص: 377

ولا خلاف بين أهل السنة والجماعة أن التوحيد لابد أن يكون بالقلب واللسان والعمل فان اختل شيء من هذا لم يكن الرجل مسلما.

فإِن عرف التوحيد ولم يعمل به فهو كافر معاند كفرعون وإبليس وأمثالهما، وهذا يغلط فيه كثير من الناس.

وإن عمل بالتوحيد عملا ظاهرا، وهولا يعتقده بقلبه، فهو منافق خالص، وهو شر من الكافر {إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الْأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ} (النساء: 154) - وهذا كثير أيضا1.

وهكذا يقرر الشيخ التلازم بين توحيد الربوبية والأسماء والصفات وتوحيد الألوهية ويقول: بأن الله تعالى يعرف عباده بتقرير ربوبيته، ليرتقوا بها إلى معرفة إلهيته، التي هي مجموع عبادته على مراده نفيا وإثباتا، علما وعملا، جملة وتفصيلا، ويقول: "فاعلم أن أهم ما فرض على العباد معرفة أن الله رب كل شيء ومليكه ومدبره بإِرادته، فاذا عرفت هذا فانظرما حق من هذه صفاته عليك، بالعبودية، بالمحبة والإِجلال والتعظيم

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كشف الشبهات ص 179-180 والقسم الرابع، التفسير، الحجر ص 196 والقسم الخامس، الشخصية رقم 16 ص 96، والدرر السنية ج 2 ص 62، 63، جـ 8 ص 87.

ص: 378

والخوف والرجاء والتأله المتضمن للذل والخضوع لأمره ونهيه1، فإِن الله قد استعبد الناس بالإِلهية الجامعة لصفات الكمال كلها2.

ويقول الشيخ: في سورتي الاخلاص بيان العقيدة السلفية الصحيحة3، وهما الجامعتان لتوحيد العلم والعمل وتوحيد المعرفة والارادة وتوحيد- الاعتقاد والقصد4. وسميتا بسورتي الاخلاص لأن {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} خلصت قارءها من الشرك العلمي، كما خلصته {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} من الشرك العملي، ولما كان العلم قبل العمل وهو إمامه وسائقه والحاكم عليه، كانت {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} تعدل ثلث القرآن، و {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} تعدل ربع القرآن5.

وقد جعل السلف سورة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} أصلا في الرد على المشبهة والمعطلة، وفي التمييز بين مثبتي الرب الخالق الأحد الصمد، ومن المعطلين، من قوله:{اللَّهُ أَحَدٌ اللَّهُ الصَّمَدُ} 6.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 25 ص 174.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، الناس ص 387، 388.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، ص 378.

4 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص 35.

5 المصدر السابق ص 35، 36.

6 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، مسائل ملخصة، رقم 10 ص 12، ورقم 92 ص 80، 81.

ص: 379

فـ {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} السورة متضمنة لما يجب إِثباته له تعالى من الأحدية المنافية لمطلق الشركة بوجه من الوجوه.

ونفي الولد والوالد المقرر لكمال صمديته وغناه وأحديته.

ونفي الكفء المتضمن لنفي الشبيه والمثيل والنظير.

فتضمنت إثبات كل كمال، ونفي كل نقص، ونفي إثبات شبيه له أو مثيل في كماله، ونفي مطلق الشرك، وهذه الأصول هي مجامع التوحيد العلمي الذي يباين صاحبه جميع فرق الضلال والشرك1.

كما جعلوا سورة {قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ} أصلا في التمييز بين من يعبد الله وبين غيره وإن أقركل منهما بأن الله رب كل شيء ومليكه، والتمييز بين المخلصين وبين المشركين من قوله:{لا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ وَلا أَنْتُمْ عَابِدُونَ مَا أَعْبُدُ} 2. والتوحيد أعظم الفرائض، أعظم من فريضة الصلاة والزكاة والصوم، كما أن الشرك أعظم المحرمات، أعظم تحريما من الزنا والسرقة والكبائر.

والتوحيد رأس أعمال أهل الجنة، كما أن رأس أعمال أهل النار الشرك بالله تعالى 3.

1 مؤ لفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص 35، 36.

2 المصدر السابق، مسألة رقم 82 ص 57 ورقم 92 ص 80، 81.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص 30- مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كَشْفُ الشبهات ص 172، وص 381، ومعنى الطاغوت ص 376 والقسم الخامس، الشخصية رقم 28 ص 189. ومؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد باب الدعاء إلى شهادة أن لا إله إلا الله ص 20-22، وشرح ستة مواضيع من السيرة ص 353- 355.

ص: 380

والشيخ يعتقد: أن الإسلام: هو الاستسلام لله بالتوحيد والانقياد له بالطاعة والبراءة من الشرك وأهل الشرك1.

فالتوحيد هو دين الفطرة، التي فطر الله الناس عليها: قال تعالى:

{فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ} (الروم: 132) .

وهو الصراط2 المستقيم كما قال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (الأنعام:153) .

وهوشهادة الحق والعمل بمقتضاها، كما في الصحيح عن عمربن الخطاب رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال:"الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إِن استطعت إليه سبيلا".

وهو الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وبالقدر خيره

1 مؤ لفات الشيخ، القسم الأول، ثلاثة الأصول ص 189.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، فضل الإسلام ص 203-222.

ص: 381

وشره.

وهو أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك1.

وهو الذي بدأ غريبا وسيعود غريبا كما بدأ.

قال تعالى: {فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ} (هود: 116) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: "بدأ الإسلام غريبا وسيعود غريبا كما بدأ فطوبى للغرباء" رواه مسلم ورواه أحمد من حديث ابن مسعود وفيه: وَمَنِ الغرباء؟ قال: "النُزَّاعُ من القبائل، وفي رواية الغرباء الذين يصلحون إِذا فسد الناس - وللترمذي من حديث كثير بن عبد الله عن أبيه عن جده: "طوبى للغرباء الذين يصلحون ما أفسد الناس من- سنتي" 2.

وفي حديث عمرو بن عبسة السلمي الذي في صحيح مسلم (المجلد الأول ص 569، باب إِسلام عمرو بن عبسة) أنه لما جاء إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة قال له: وما أنت؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أنا نبي- فقال له: وما نبي؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسلني

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، ثلاثة الأصول ص 189- 191، فضل الإسلام ص 209.

2 المرجع السابق ص 223 وص 15-17 وأصول الإيمان ص 271-272، ومفيد المستفيد ص 284-285.

ص: 382

الله- فقال: بأي شيء أرسلك؟ قال: أرسلني بصلة الأرحام وكسر الأوثان، وأن يوحد الله لا يشرك به شيء- ققال له: ومن معك على هذا. قال: حر وعبد. قال الشيخ في هذا الحديث أن عمرو بن عبسة فهم المراد من التوحيد وأنه توحيد الله بعبادته وحده لا شريك له وكسر الأوثان ومعلوم أن كسرها لا يستقيم إلا بشدة العداوة وتجريد السيف، وأن هذا أمر كبير غريب، ولأجل هذا قال من معك على هذا؟ قال:"حر وعبد" فأجابه أن جميع العلماء والعباد والملوك والعامة مخالفون له، ولم يتبعه على ذلك إلا من ذكر، فهذا أوضح دليل على أن الحق قد يكون مع أقل القليل، وأن الباطل قد يملأ الأرض. ولله در الفضيل بن عياض رحمه الله حيث يقول: لا تستوحش من الحق لقلة السالكين، ولا تغتر بالباطل لكثرة الهالكين، وأحسن منه قوله تعالى:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} 1.

وهو ملة إبراهيم، الذي كان أمة قانتا لله حنيفا، ولم يك من المشركين، وهو الأسوة الحسنة التي أخبر بها الله في كتابه فقال تعالى: {قَدْ كَانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْرَاهِيمَ وَالَّذِينَ مَعَهُ إِذْ قَالُوا لِقَوْمِهِمْ إِنَّا بُرَآءُ مِنْكُمْ وَمِمَّا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ كَفَرْنَا بِكُمْ وَبَدَا بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمُ الْعَدَاوَةُ وَالْبَغْضَاءُ أَبَداً حَتَّى تُؤْمِنُوا

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، مفيد المستفيد، ص284- 285.

ص: 383

بِاللَّهِ وَحْدَهُ} (الممتحنة:4) .

وقد سفه نفسه من رغب عن هذه الملة، فلا خير إلا فيها، ولا شر إلا فيما خالفها، حنيفية في التوحيد سمحة في العمل إلى قيام الساعة، ووسعت جميع الناس، فأمروا باتباعها {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ} .

وأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم باتباعها كما قال تعالى: {ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (النحل: 123) .

وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إن لكل نبي ولاة من النبيين وان ولي أبي خليل ربي" ثم قرأ: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ} رواه الترمذي1 في التفسير والامام أحمد في المسند 2.

ويقول الشيخ: "وتأمل أن الإسلام لا يصح إلا بمعاداة أهل الشرك، وإن لم يعادهم فهو منهم وإِن لم يفعله"3.

ويزيد الشيخ هذا المعنى إيضاحا فى ثمان حالات استنبطها من قوله تعالى: {قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي فَلا أَعْبُدُ الَّذِينَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلَكِنْ أَعْبُدُ

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، فضل الإسلام ص 219.

2 انظر: تحفة الأحوذي ص 344 ومسند أحمد: 1/ 401، 430.

3 مؤلفات التوحيد، القسم الأول، مفيد المستفيد ص 297.

ص: 384

اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ وَأُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْ أَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً وَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَلا تَدْعُ مِنْ دُونِ اللَّهِ مَا لا يَنْفَعُكَ وَلا يَضُرُّكَ فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظَّالِمِينَ} (يونس: 104) .

قال رحمه الله: فيه ثمان حالات:

الأولى: ترك عبادة غير الله مطلقا ولو جادله أبوه وأمه بالطمع الجليل والإِخافة الثقيلة كما جرى لسعد رضي الله عنه مع أمه.

الحالة الثانية: أن كثيرا من الناس إذا عرف الشرك وأبغضه وتركه لا يفطن لما يريد الله من قلبه من إِجلاله ورهبته، فذكر هذه الحالة بقوله:{وَلَكِنْ أَعْبُدُ اللَّهَ الَّذِي يَتَوَفَّاكُمْ} .

الحالة الثالثة: إِنْ قدرنا أنه ظن وجود الترك والفعل فلابد من تصريحه بأنه من هذه الطائفة، ولولم يقض هذا الغرض إلا بالهرب عن بلد فيها كثير من الطواغيت الذين يبلغون الغاية فى العداوة، حتى يصرح أنه من هذه الطائفة المحاربة لهم.

الحالة الرابعة: إِن قدرنا أنه ظن وجود هذه الثلاث، فقد لا يبلغ الجد فى العمل بالدين، والجد والصدق هو إِقامة الوجه للدين.

الحالة الخامسة: إِن قدرنا أنه ظن وجود الحالات الأربع، فلا بد له من مذهب ينتسب إليه، فأمر أن يكون مذهبه الحنيفية، ويترك كل مذهب سواها، ولوكان صحيحا ففى الحنيفية عنه غنية.

الحالة السادسة: إنا إن قدرنا أنه ظن وجود الحالات الخمس فلابد أن يتبرأ من المشركين فلا يكثر سوادهم.

ص: 385

الحالة السابعة: إِنْ قدرنا أنه ظن وجود الحالات الست، فقد يدعو من غير قلبه نبياً أوغيره لشىء من مقاصده ولوكان ديناً يظن أنه إن نطق بذلك من غير قلبه لأجل كذا وكذا خصوصا عند الخوف أنه لا يدخل فى هذه الحال.

الحالة الثامنة: إِنْ ظن سلامته من ذلك كله، لكن غيره من إخوانه فعله - خوفا أو لغرض من الأغراض هل يصدق الله أن هذا ولوكان أصلح الناس قد صار من الظالمين، أو يقول كيف يكفر وهو يحب الدين ويبغض الشرك؟ وما أعز من يتخلص من هذا، بل ما أعز من يفهمه، وإِن لم يعمل به، بل ما أعز من لا يظنه جنونا1.

ومن ذلك يستنتج الشيخ أن أصل الدين وقاعدته أمران:

الأول: الأمر بعبادة الله وحده لا شريك له والتحر يض على ذلك والمولاة فيه وتكفير من تركه.

الثانى: الإِنذار عن الشرك فى عبادة الله والتغليظ في ذلك والمعاداة فيه وتكفير من فعله2.

وهذا هو الذي بعثت به الرسل إلى أممهم، كما قال تعالى: {وَلَقَدْ

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد باب "أيشركون ما لا يخلق شيئا" ص 47 والرسالة الحادية عشرة، ص 390-392 والقسم الرابع، التفسير، يونس ص 113-114، وتبت ص 381.

2 الدرر السنية، ط 2، ج 2 ص 12.

ص: 386

بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} 1 (النحل: 36) .

الإيمان بالملائكة:

والشيخ يؤمن بالملائكة ويصدق بوجودهم ويعتقد أنهم عباد لله مكرمون، لا يسبقون الله بالقول، وهم بأمره يعملون، والله يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يشفعون إلا لمن ارتضى وهم من خشية الله مشفقون2.

وقال الشيخ فى كتاب أصول الإيمان باب ذكر الملائكة والإيمان بهم: ثم يستدل على الإيمان بهم بقول الله تعالى: {لَيْسَ الْبِرَّ أَنْ تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ} 3 (البقرة: 177) .

ويستدل الشيخ بقول الله تعالى: {وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّمَاوَاتِ لا تُغْنِي شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللَّهُ لِمَنْ يَشَاءُ وَيَرْضَى} 4 (النجم: 26) .

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد، ص 7 وص 11.

2 القسم الرابع، التفسير، الأعراف ص 84، وتفسير آيات ص 377، والقسم الأول، مسائل الجاهلية، ص 350، وأُصول الإيمان، ص- ص 248-255. وانظر: تفسير ابن كثير ج3 ص 176.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أُصول الإيمان ص 248.

4 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، كتاب التوحيد ص 51.

ص: 387

ويؤمن الشيخ بكل ما ورد من وصفهم وذكرهم وأصنافهم وأعيانهم فى القرآن الكريم والسنة الشريفة. قال فى كتاب التوحيد باب قول الله تعالى: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ} (سبأ: 23) .

ثم أورد الشيخ حديثا من صحيح البخاري 1، عن أبى هريرة رضي الله عنه عن النبى صلى الله عليه وسلم قال:"إذا قضى الله الأمر فى السماء، ضربت الملائكة بأجنحتها خضعانا لقوله، كأنه سلسلة على صفوان ينفذهم ذلك، حتى إذا فزع عن قلوبهم، قالوا: ماذا قال ربكم؟ قالوا: الحق، وهو العلي الكبير" الحديث.

قال الشيخ فيه تفسير الآية وسبب سؤالهم عن ذلك، وأن الغشي يعم أهل السموات كلهم2.

ويقول الشيخ فى كلامه عن الفوائد من قصة آدم وإبليس: "ومن فوائدها الدلالة على الملائكة وعلى بعض صفاتهم3، وذكر الشيخ من صفاتهم أنهم يتنزلون على الذين قالوا: ربنا الله ثم استقاموا بأن لا يخافوا ولا يحزنوا ويبشروا بالجنة التي كانوا يوعدون - قال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا

1 صحيح البخاري، ج 5 ص 221.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص، ص 48- 50.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 84، 91.

ص: 388

اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ} (فصلت: 30) . ومنهم مقربون ومع ذلك، هم عبيد الله تعالى لا يستنكفون من ذلك كما قال تعالى:{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} (النساء: 172) . وقال تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِهِ وَلا يَسْتَحْسِرُونَ يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} (الأنبياء: 19، 20) . وجعلهم الله رسلا أولي أجنحة مثنى وثلاث ورباع قال تعالى: {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} (فاطر: 1) .

ومنهم حملة العرش ومن حوله يسبحون بحمد ربهم ويؤمنون به ويستغفرون اللذين آمنوا كما قال تعالى: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا} (غافر: 7) .

وقد خلقوا من نور كما فى الحديث عن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "خلقت الملائكة من النور، وخلق الجان من مارج من نار وخلق آدم مما وصف لكم" رواه مسلم وغيره1.

وهم كثيرون- قال الشيخ- لما ثبت فى بعض أحاديث المعراج أنه

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أُصول الإيمان، باب ذكر الملائكة عليهم السلام والإيمان بهم، ص 248. وانظر: البداية والنهاية فى التاريخ لابن كثير ج1/ ص 58، ورواه مسلم فى الزهد ج 4 ص 2294.

ص: 389

صلى الله عليه وسلم رفع له البيت المعمور الذي هو فى السماء السابعة وقيل السادسة بمنزلة الكعبة فى الأرض وهو بحيال الكعبة حرمته فى السماء كحرمة الكعبة فى الأرض وإذا هو يدخله كل يوم سبعون ألف ملك ثم لا يعودون إليه آخر ما عليهم1.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما فى السماء موضع قدم إلا عليه ملك ساجد، أوملك قائم"، فذلك قول الملائكة:{وَإِنَّا لَنَحْنُ الصَّافُّونَ وَإِنَّا لَنَحْنُ الْمُسَبِّحُونَ} (الصافات: 165، 166) .

قال الشيخ رواه محمد بن نصر وابن أبى حاتم وابن جرير وأبو الشيخ2.

وقد وصف بعضهم بعظمة خلقه، كما فى الحديث عن جابر رضي الله عنه قال- قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أذن لي أن أحدث عن ملك من ملائكة الله من حملة العرش ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، ص 248 وص 249- وانظر: صحيح البخاري، ج 4، كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ص 77 –87، والبداية والنهاية لابن كثير ج1/ ص 44، 45 وتفسير ابن كثير ج 3 ص 2-24.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أُصول الإيمان ص 249، وانظر: تفسير ابن جرير الطبري ج 23 ص 112- والبداية والنهاية لابن كثير، ج1ص 46، وقال البخاري: قال ابن عباس (لنحن الصافون) الملائكة، صحيح البخاري ج4 ص 77.

ص: 390

عام" رواه أبوداود، والبيهقي فى الأسماء والصفات والضياء فى المختارة1.

ومن سادتهم جبريل عليه السلام قد وصفه الله تعالى بالأمانة وحسن الخلق والقوة فقال تعالى: {عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى ذُو مِرَّةٍ فَاسْتَوَى} (النجم: 5، 6) . ومن شدة قوته رفع مدائن قوم لوط عليه السلام، وكن سبعا بمن فيهن من الأمم وكانوا قريبا من أربعمائة ألف وما معهم من الدواب والحيوانات، وما لتلك المدائن من الأراضي على طرف جناحه حتى بلغ بهن عنان السماء حتى سمعت الملائكة نباح كلابهم وصياح ديكتهم ثم قلبها فجعل عاليها سافلها فهذا هو شديد القوى وقوله ذومرة أى ذوخلق حسن وبهاء وسناء وقوة شديدة قال معناه ابن عباس رضي الله عنهما.

وقال غيره: ذو مرة أي ذو قوة.

وقال تعالى فى صفته: {إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ مُطَاعٍ ثَمَّ

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أُصول الإيمان، 249، وانظر: سنن أبى داود ج 2ص 534، وانظر: مختصر سنن أبى داود للمنذري ج 7 ص 117، رقم 4560، وفى عون المعبود حاشية سنن أبى داود قال:"والحديث إِسناده صحيح " ثم قال: "والحديث أخرجه أيضا، المقدسي فى المختارة والبيهقي فى كتاب الأسماء والصفات، وسكت عنه المنذري "(ج 4 ص 373) . وذكره ابن كثير فى البداية والنهاية، ج1ص 46، وص 13.

وقال الهيثمى فى مجمع الزوائد: "رواه الطبراني فى الأوسط ورجاله رجال الصحيح"، ج 1/ 80.

ص: 391

أَمِينٍ} (التكوير:19-. 2) .

أي له قوة وبأس شديد، وله مكانة ومنزلة عالية رفيعة عند ذي العرش المجيد، {مُطَاعٍ ثَمَّ} أى مطاع فى الملأ الأعلى {أَمِينٍ} أي ذي أمانة عظيمة.

ولهذا كان السفير بين الله وبين رسله.

وقد كان يأتي إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فى صفات متعددة، وقد رآه على

صفته التى خلقه الله عليها مرتين وله ستمائة جناح روى ذلك البخاري عن ابن مسعود رضي الله عنه.

وروى الإمام أحمد عن عبد الله رضي الله عنه قال: "رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم جبريل عليه السلام فى صورته له ستمائة جناح، كل جناح منها قد سد الأفق، يسقط من جناحه من التهاويل والدر والياقوت ما الله به عليم". قال الشيخ إسناده قوي1. وللبخاري عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لجبرائيل "ألا تزورنا أكثر مما تزورنا" فنزلت: {وَمَا نَتَنَزَّلُ إِلَّا بِأَمْرِ رَبِّكَ لَهُ مَا بَيْنَ أَيْدِينَا وَمَا خَلْفَنَا} 2 (مريم:64) .

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أُصول الإيمان، ص 250.

وانظر: تفسير ابن كثير، ج 4 ص 247-249، 479، 480.والبداية والنهاية له أيضا ج1 ص 47- وتفسير ابن جرير الطبري ج 27 ص 42،43، ج30 ص 80. وصحيح البخاري ج 4 كتاب بدء الخلق، باب ذكر الملائكة، ص80ـ 84.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أُصول الإيمان ص 251، وانظره: فى صحيح البخاري، كتاب بدء الخلق، باب ذكرالملائكة ج 4 ص 80.

ص: 392

ومن ساداتهم ميكائيل عليه السلام وهو موكل بالقطر والنبات1.

ومن ساداتهم إسرافيل وهو صاحب الصور أي الذي ينفخ فى الصور.

وروى الترمذي وحسنه والحاكم عن أبى سعيد الخدرى رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كيف أنعم وصاحب الصور قد التقم القرن وحنى جبهته، وأصغى سمعه ينتظرمتى يؤمر فينفخ قالوا: فما نقول يا رسول الله؟ قال: قولوا: حسبنا الله ونعم الوكيل، على الله توكلنا"2.

وجبرائيل وميكائيل وإسرافيل من المختارين المصطفين من الملائكة كما قال النبى صلى الله عليه وسلم: "اللهم رب جبر يل وميكائيل وإسرافيل فاطر السموات والأرض، عالم الغيب والشهادة" 3 قال ومن ساداتهم ملك

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أُصول الإيمان، ص 252، وانظر: البداية والنهاية لابن كثير، ج1 ص 49،50.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أُصول الإيمان ص 252، وانظر: مسند أحمد 3/73، والترمذي فى أعلا صحائف تحفة الأحوذى ج 7 ص 117-118 وقال صاحب تحفة الأحوذى: وأخرجه الحاكم وصححه (نفس الجزء والصفحة) .

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد، ص 8، وانظر: صحيح مسلم كتاب صلاة المسافرين وقصرها، ج1ص 534.

ص: 393

الموت ولم يجىء مصرحا باسمه فى القرآن ولا فى الأحاديث الصحيحة وقد جاء فى بعض الآثار تسميته بعزرائيل والله أعلم.

قال الحافظ ابن كثير: "وقال إنهم بالنسبة إلى ما هيأهم الله له أقسام، فمنهم حملة العرش ومنهم الكروبيون الذين هم حول العرش وهم مع حملة العرش أشرف الملائكة وهم المقربون كما قال تعالى:{لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلَّهِ وَلا الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ} (سورة النساء الآية: 172) .

ومنهم سكان السماوات السبع يعمرونها عبادة دائمة ليلا ونهارا- كما قال تعالى: {يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لا يَفْتُرُونَ} (سورة الأنبياء الآية: 20) .

ومنهم الذين يتعاقبون إلى البيت المعمور. قال الشيخ: "قلت: الظاهر أن الذين يتعاقبون إلى البيت المعمور سكان السموات، ومنهم موكلون بالجنان وإعداد الكرامات لأهلها وتهيئة الضيافة لساكنيها، من ملابس ومآكل ومشارب ومصاغ ومساكن وغير ذلك مما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر.

ومنهم الموكلون بالنار"أعاذنا الله منها" وهم الزبانية ومقدموهم تسعة عشر وخازنها مالك وهو مقدم على الخزنة وهم المذكورون فى قوله تعالى: {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِنَ الْعَذَابِ} (سورة المؤمن الأية: 49) .

وقال تعالى: {وَنَادَوْا يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} (الزخرف: الآية 77) .

ص: 394

وقال تعالى: {عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ} 1 (سورة التحريم الآية: 6) .

وقال تعالى: {عَلَيْهَا تِسْعَةَ عَشَرَ وَمَا جَعَلْنَا أَصْحَابَ النَّارِ إِلَّا مَلائِكَةً} - إلى قوله:- {وما يعلم جنود وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ} (سورة المدثر الآية: 30- 31) .

ومنهم الموكلون بحفظ بنى آدم كما قال تعالى: {لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} (سورة الرعد الأية: 11) .

قال ابن عباس ملائكة يحفظونه من بين يديه ومن خلفه فإذا جاء أمر الله خلوا عنه.

وقال مجاهد ما من عبد إلا وملك موكل يحفظه فى نومه ويقظته من الجن والإِنس والهوام فما منها شىء يأتيه يريده، إلا قال له: وراءك، إلا شيء يأذن الله تعالى فيه فيصيبه.

ومنهم الموكلون بحفظ أعمال العباد كما قال تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} (سورة ق الآية:17) .

وقال تعالى: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} (سورة الانفطار الآية: 10-12) .

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أصول الإيمان ص 253. وانظر: البداية والنهاية ج1 /ص 50.

ص: 395

قال الحافظ بن كثير ومعنى إِكرامهم أن يستحي منهم فلا يملي عليهم الأعمال القبيحة التي يكتبونها فإن الله خلقهم في خلقهم وأخلاقهم. ثم قال ما معناه إن من كرمهم أنهم لا يدخلون بيتا فيه كَلْبٌ ولا صورة ولا جنب ولا تمثال ولا يصحبون رفقة معهم كلب أوجرس1.

وروى مالك والبخاري ومسلم عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهوأعلم بهم: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون" وفي رواية أن أبا هريرة قال: اقرأوا ان شئتم: {وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً} (سورة الأسراء الآية: 78) .

وروى الإمام أحمد ومسلم حديث: " ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم إلا نزلت عليهم السكينة وغشيتهم الرحمة وحفتهم الملائكة وذكرهم الله فيمن عنده، ومن بطأ به عمله لم يسرع به نسبه".

وفي المسند والسنن حديث: "إن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاء بما يصنع" والأحاديث في ذكرهم عليهم السلام كثيرة جدا2.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أُصول الإيمان ص 254، وانظر: البداية والنهاية فى التاريخ لابن كثير 1/54- 55

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أُصول الإيمان ص 255. وانظر: تاريخ ابن كثير البداية والنهاية ج 1 ص 53، 58 حيث اقتبس منه الشيخ كثيرا مما هنا وصحيح البخاري ج 4 ص 81 وصحيح مسلم ج 4 ص 2074.

ص: 396

الإيمان بكتب الله:

والشيخ يؤمن بكتب الله ويصدق بأنها كلام الله، وأنها حق ونور وهدى، وما سمى الله منها كالتوراة والانجيل والزبور يؤمن بها بأسمائها، كما يؤمن بأن لله كتباً أخرى لا يعلم أسماءها وعددها إلا الله سبحانه وتعالى كما قال تعالى:{قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (البقرة: 136-137) .

قال الشيخ رحمه الله فيها أمر الله أن نقول ما ذكرفي الآية وليس هذا من إظهار العمل الذي إخفاؤه أفضل، والإيمان بجميع المنزل وعدم التفريق بين أحد منهم والتصريح بالإسلام وبإخلاص ذلك لله وليس هذا من الثناء على النفس، بل من بيان الدين الذي أنت عليه، ولهذا قال بعض السلف ينبغي لكل أحد أن يعلم هذه الآية أهل بيته وخدمه، وفيها التصريح بأن الإيمان هو العمل1.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، والتفسير ص 39، 40، والقسم الأول، العقيدة، مسائل الجاهلية ص 350.

ص: 397

ويعتقد الشيخ أن القرآن، هو الكتاب لا ريب فيه، كلام الله منزل غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود، وأنه تكلم به حقيقة، وأنزله على عبده ورسوله وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده نبينا محمد صلى الله عليه وسلم 1.

وأنه الكتاب الكامل المهيمن على الكتب السابقة لا ريب فيه هدي للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة، وينفقون مما رزقهم الله وقول الله تعالى:{وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ} .

قال الشيخ: "هذا من عطف الخاص على العام"2.

وفي قوله تعالى: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَذِكْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (الأعراف: 2، 3) .

يقول الشيخ: في ذلك وصف القرآن بأنه كتاب منزل إلى النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن الحرج بفاء التفريع: {كِتَابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ} وذكر الحكمة في ذلك وهي الإنذار العام والذكر الخاص، والأمر باتباعه والتحريض على ذلك بأنه منزل إلينا من ربنا: اتبعوا ما أنزل إليكم من ربكم، والنهي عن اتباع ماسواه3.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 1ص 9.

2 الدرر السنية، ج10 ص 39، 40.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، ص 96.

ص: 398

وقول الله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِمَا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ هَذَا الْقُرْآنَ وَإِنْ كُنْتَ مِنْ قَبْلِهِ لَمِنَ الْغَافِلِينَ} (يوسف: 1-3) .

يستنبط الشيخ من هذه الآيات أن القرآن كاف عما سواه من الكتب، وأنه المراد بأحسن القصص لا قصة يوسف وحدها، وأن قوله:{تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ الْمُبِينِ} أي هذه آيات الكتاب المبين الواضح الذي يوضح الأشياء المبهمة- وقوله: {لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي تفهمون معانيه والقصص مصدر قَصَّ الحديث يقصه قصصا أي بإيحائنا إليك هذا القرآن- وقوله: {لَمِنَ الْغَافِلِينَ} أي الجاهلين به. وهذا مما يبين جلالة القرآن، لأن فيه دلالة على أن علمه صلى الله عليه وسلم من القرآن، وفيه دلالة على جلالة الله وقدرته، ودلالة على عظيم نعمته على نبيه صلى الله عليه وسلم وفيه دلالة على كذب من ادعى أن غيره من الكتب أوضح منه1.

وفي قوله تعالى: {الر تِلْكَ آيَاتُ الْكِتَابِ وَقُرْآنٍ مُبِينٍ رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} (الحجر: 1، 2) .

يقول الشيخ ما معناه بأن فيها الترغيب في القرآن بجمعه بين الوصفين:

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 127-128.

ص: 399

الكتاب وقرآن مبين، فقوله الكتاب معرف بالألف واللام لاستغراقه معنى الكتاب وقرآن مبين1. والذكر هو القرآن، وقد حفظه الله عن شياطين الجن والإنس، حفظاً كافياً في تصديق الرسول وشييه عن إِنزال الملائكة كما يقترح المعاندون، قال تعالى: {وَقَالُوا يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ لَوْ مَا تَأْتِينَا بِالْمَلائِكَةِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصَّادِقِينَ مَا نُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ إِلَّا بِالْحَقِّ وَمَا كَانُوا إِذاً مُنْظَرِينَ إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} 2 (الحجر: 96) .

وفي قوله تعالى: {وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعاً مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ} (الحجر: 87) .

قال الشيخ: فيها: المنة بايتاء السبع المثاني والقرآن العظيم، وفيه التعزية عما أصابه وعما صرف عنه3. والقرآن الكريم تبيان لكل شيء كما قال الله تعالى:{وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ} (النحل: 89) .

فمن ابتغى الهدى من غيره ضل كما قال تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} 4 (الزخرف: 36-37) .

ويقول الشيخ: وقد من الله تعالى علينا بكتابه الذي جعله {تِبْيَاناً لِكُلِّ

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 183.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير 184- 185.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 195.

4 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، فضائل القرآن ص 22.

ص: 400

شَيْءٍ وَهُدىً وَرَحْمَةً وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ} (النحل: 89) . فلا يأتي صاحب باطل

بحجة إلا وفي القرآن ما ينقضها ويبين بطلانها، كما قال تعالى:{وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلَّا جِئْنَاكَ بِالْحَقِّ وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً} (الفرقان: 33) .

قال بعض المفسرين هذه الآية عامة في كل حجة يأتي بها أهل الباطل إلى يوم القيامة1.

ويبين الشيخ موقف المؤمن من متشابه القرآن فيقول: "إن الأمر العظيم والفائدة الكبيرة لمن عقلها قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ} (آل عمران:7) .

وقد صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: "إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سمى الله فاحذروهم" 2 وهو عن عائشة رضي الله عنها متفق عليه.

ففي هذا نعلم أن الله ذكر في كتابه أن الذين في قلوبهم زيغ يتركون المحكم ويتبعون المتشابه.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كشف الشبهات ص 160، 161.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، أُصول الإيمان ص 258، والقسم الرابع، التفسير، فضائل القرآن ص 27.

ص: 401

ونقطع أن كلام الله لا يتناقض، وأن كلام النبي صلى الله عليه وسلم لا يخالف كلام الله

فالشيخ يرد المتشابه إلى المحكم، ويؤمن بالجميع ويعلم أن المتشابه لا يناقض المحكم.

ويستدل الشيخ بما رواه ابن جريرعن سعد ابن أبي وقاص قال: أنزل الله على النبي صلى الله عليه وسلم القرآن فتلاه زمانا فقالوا يا رسول الله لو حدثتنا فنزل:

{اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَاباً مُتَشَابِهاً مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ} 1 (الزمر: 23) .

ويقول الشيخ: "ومما يدل على أن القرآن كاف عما سواه من الكتب أن عمر أتى النبي صلى الله عليه وسلم بكتاب فقرأه عليه فغضب فقال: "أمتهوكون فيها يا ابن الخطاب؟ والذي نفسي بيده لقد جئتكم بها بيضاء نقية، لاتسألوهم عن شيء فيخبروكم بحق فتكذبونه أو بباطل فتصدقونه، والذي نفسي بيده لو كان موسى حيا ما وسعه إلا اتباعي" رواه أحمد وفي لفظ أنه استكتب جوامع من التوراة وقال:"ألا أعرضها عليك"، وفيه:

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، يوسف ص 127.

والحديث أخرجه ابن حبان كما فى موارد الظمآن ص 432 وابن جرير فى التفسير ج 12 ص 150 والحاكم في المستدرك ج2 ص 345 وقال فيه صحيح الإِسناد ووافقه الذهبي.

ص: 402

"لو أصبح فيكم موسى حيا ثم اتبعتموه وتركتموني لضللتم إنكم حظي من الأمم وأنا حظكم من النبيين"

قال الشيخ: وقد انتفع عمر بهذا فقال للذي نسخ كتاب دانيال امحه بالحميم والصوف الأبيض، وقرأ عليه أول هذه السورة، وقال:"لئن بلغني أنك قرأته أو أقرأته أحدا من الناس لأنهكنك عقوبة"1.

وقال الشيخ في حديث نحو حديث قصة عمر هذه عن أبي هريرة رواه الإسماعيلي في معجمه وابن مردويه.

وقال الشيخ في حديث آخر تضمن قصة عمر بأسلوب آخر. عن عبد الله بن ثابت بن الحارث الأنصاري رواه عبد الرزاق وابن سعد والحاكم في الكنى2.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، يوسف ص 127-128.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة أُصول الإيمان ص 258-259.

وانظر: تفسير ابن كثير، ج2 ص 466 - 468، فقد خرج الروايات هناك، ومسند أحمد ج3/387 عن جابر، وروى نحوه البيهقي والديلمي وأبو نصر السجزي فى الإبانة عن جابر أيضا ورواه أحمد وابن ماجه عن ابن عباس وروى نحوه ابن عساكر عن ابن مسعود وعن أنس (كنز العمال ج1ص 200-201) وقد ذكر الحافظ ابن حجر أن هذا الحديث أخرجه أحمد والبزار من حديث جابر بنحوه ولأحمد أيضا وأبي يعلى من وجه آخر عن جابر نحوه وأَخرجه الطبراني عن أبي الدرداء وأخرجه أحمد والطبراني من حديث عبد الله بن ثابت، وأخرج أبو يعلى من طريق خالد بن عرفطة قال كنت عند عمر فذكر قصة إِنكاره على من نسخ كتاب (دانيال وذكر الحديث) ثم قال الحافظ ابن حجر وهذه جميع طرق هذا الحديث وهي وإن لم يكن فيها ما يحتج به لكن مجموعها يقتضي أن لها أصلا (فتح البارى، ج 13 ص 525) .

ومع ذلك فالحافظ ابن حجر لم يذكر من هذه الطرق ما خرجه الشيخ من كتاب معجم الإسماعيلي ومن كتاب ابن مردويه عن أبي هريرة، وما خرجه الشيخ رحمه الله، من مصنف عبد الرزاق وطبقات ابن سعد والكنى للحاكم عن عبد الله بن ثابت كما ذكرنا.

ولم يذكر تخريج مؤلف كنز العمال عند البيهقي والديلمي وأَبو نصر السجزي فى الإبانة عن جابر، وتخريج مثله عند أحمد وابن ماجة عن ابن عباس، وتخريج نحوه عند ابن عساكر عن ابن مسعود وعن أَنس وتخريجات أخر (انظر: كنز العمال ج1ص 200- 201) .

والقصة بهذا لها أصل كما قال الحافظ بن حجر ذلك رحمه الله فيستدل بها على أن القرآن كاف عما سواه من الكتب السابقة السماوية، مع دلالة الواقع الواضحة، والأدلة الأخرى من القرآن والسنة وقدمنا ذكر بعضها قبل قليل، وسيأتي ذكر بعض آخر.

ص: 403

وفي كتاب أصول الإيمان عقد الشيخ باباً سماه باب الوصية بكتاب الله عزوجل وقوله تعالى: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (الأعراف: 3) .

وأورد في ذلك أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم منها ما رواه مسلم عن زيد ابن أرقم رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب فحمد الله وأثنى عليه ثم

ص: 404

قال: "أما بعد أيها الناس فإِنما أنا بشر يوشك أن يأتيني رسول ربي فأجيب وأنا تارك فيكم ثقلين أولهما كتاب الله فيه الهدى والنور فخذوا بكتاب الله وتمسكوا به فحث على كتاب الله ورغب فيه ثم قال وأهل بيتي" وفي لفظ "كتاب الله هو حبل الله المتين من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة" رواه مسلم1.

وله في حديث جابر، الطويل، أنه صلى الله عليه وسلم قال في خطبة يوم عرفه:"وقد تركت فيكم ما لن تضلوا إن اعتصمتم به- كتاب الله وأنتم تسألون عني فما أنتم قائلون؟ قالوا نشهد أنك قد بلغت وأديت ونصحت".

قال بأصبعه السبابة يرفعها إلى السماء وينكبها إلى الناس " اللهم اشهد" ثلاث مرات 2.

وقد ألف الشيخ في فضائل القرآن الكريم كتاباً طبع مقدمة لما جمع من تفسيره فذكرالشيخ فيه باب فضائل تلاوة القرآن وتعلمه وتعليمه، وباب ما جاء في تقديم أهل القرآن وإكرامهم وباب وجوب تعلم القرآن وتفهمه واستماعه، والتغيلظ على من ترك ذلك، وباب الخوف على من

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أُصول الإيمان ص 256 والقسم الرابع، فضائل القرآن ص 22، 24. وانظر صحيح مسلم ج2 ص 890 وج4/1873، 1874.

2 المصدر السابق.

ص: 405

لم يفهم القرآن أن يكون من المنافقين، وباب قول الله تعالى:{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ} وباب إثم من فجر بالقرآن وباب إثم من تأكل بالقرآن وباب الجفاء عن القرآن وباب من ابتغى الهدى من غير القرآن، وباب الغلو في القرآن، وباب ما جاء في اتباع المتشابه، وباب وعيد من قال في القرآن برأيه وبما لا يعلم، وباب ما جاء في الجدال في القرآن، وباب ما جاء في الاختلاف في القرآن في لفظه أو معناه، وباب إذا اختلفتم فقوموا، وباب قوله تعالى:{وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ فَأَعْرَضَ عَنْهَا} ، وباب ما جاء في التغني بالقرآن1.

وقد ذكرنا في منهج الشيخ أنه يعتبر القرآن المرجع الأصلي الذي يجب الرجوع إليه ولا يجوز الاعراض عنه لقوله تعالى: {وَقَدْ آتَيْنَاكَ مِنْ لَدُنَّا ذِكْراً مَنْ أَعْرَضَ عَنْهُ فَإِنَّهُ يَحْمِلُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وِزْراً} (طه: 99-100) .

وقوله تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طه: 124) .

وقوله تعالى: {وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ وإنهم وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ} 2 (الزخرف: 36-37) .

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، أوله ص1-40.

2 الدرر السنية ط 2 ج 4/ 6.

ص: 406

والحاصل أن الشيخ، يؤمن بكتب الله المنزلة ويصدق بأنها كلام الله حقيقة، ويصدق بأسماء ما سمي منها، ويخص القرآن الكريم بالتعبد بتلاوته وقراءته وتدبره، واتباع ما فيه وتنفيذ أوامره واجتناب نواهيه، وتحليل ما أحل وتحريم ما حرم، لأنه بيان لكل شيء وخاتم لكل كتاب، ومهيمن عليه، وصراط مستقيم وأحسن الحديث، وحبل الله المتين، فالاعتصام به عصمة، وهو كلام الله الذي لا نظير له من الكلام في دفع الشر، وأنه صالح لكل زمان ومكان1.

1 انظر: مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات رقم 47 ص 34 وص 72، 73-75 والقسم الرابع، التفسير ص 337 وص 317 وص 4 32 وص 0 5 وص 49 وص 68 وص 181، 182 وص 240وص 228 وص 326، 327 وص 332 وص 200 وص 249 وص 281 وص 227 وص 291 وص 224 وص 263، 265، 266. والقسم الأول، العقيدة، ستة أُصول عظيمة ص 396-397 ومسائل الجاهلية ص 341، 344. والقسم الثالث، الفتاوى ص 75، 76 وص 24.

ص: 407

الإيمان بالرسل:

ويؤمن الشيخ بالرسل الذين أرسلهم الله والأنبياء الذين نبأهم الله. ومن الإيمان بهم، معرفة مراد الله في بعثتهم كما قال تعالى:{كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} الآية.

وأما الحكمة الأخرى فذكرها أيضا في غير موضع، منها قوله تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ} إلى قوله تعالى: {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} .

فقوله: {مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ} وقوله: { {لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} هما حكمة الله في إيجاد الخليقة وإليهما ترجع كل حقيقة1.

ويعتقد أنهم صادقون فيما أخبر وا به، وأنهم بلغوا الرسالة وأدوا الأمانة، وأنه يجب احترامهم وعدم التفريق بينهم وأن من كذب واحدا منهم فقد كذب جميع الرسل، ويؤمن الشيخ بمن سمى الله منهم في كتابه باسمه كإبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وموسى وعيسى ومن قبلهم نوح وخاتمهم محمد صلى الله عليه وعليهم وسلم تسليما كثيراً، وكل من صرح باسمه في القرآن الكريم والسنة يؤمن به باسمه وما لم يصرح باسمه فيؤمن به على الإطلاق كما ورد.

1 الدرر السنية ط 2، ج1ص 104.

ص: 408

وأول الرسل نوح وآخرهم محمد عليهم الصلاة والسلام، والدليل على أن أولهم نوح عليه السلام قوله تعالى:{إِنَّا أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ كَمَا أَوْحَيْنَا إِلَى نُوحٍ وَالنَّبِيِّينَ مِنْ بَعْدِهِ وَأَوْحَيْنَا إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَعِيسَى وَأَيُّوبَ وَيُونُسَ وَهَارُونَ وَسُلَيْمَانَ وَآتَيْنَا دَاوُدَ زَبُوراً وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ وَرُسُلاً لَمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلَّمَ اللَّهُ مُوسَى تَكْلِيماً رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزاً حَكِيماً لَكِنِ اللَّهُ يَشْهَدُ بِمَا أَنْزَلَ إِلَيْكَ أَنْزَلَهُ بِعِلْمِهِ وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً} 1 (النساء: 162-166)

وأن إبراهيم عليه السلام خليل الرحمن وجعله الله للناس إماما في التوحيد وما كان من المشركين2.

وقد أعطى موسى عليه الصلاة والسلام قوة في جسمه أخذا من قصته في القرآن وبطشه بالعدو وقدرته على السقاية للمرأتين من ماء مدين. ومن خصوصياته التي اشتهر بها تكليم الله إياه، ولذلك يذكرها إبراهيم عليه السلام حين يحيل إذا طلبت منه الشفاعة وقد أرسل إلى فرعون وقومه بتسع آيات بينات، ولأصحابه فضيلة على من سواهم من

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كشف الشبهات ص 155 وثلاثة الأُصول وأدلتها، ص193، 195- والدرر السنية ج1ص 82.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص 194 وص 234-235، وص 237.

ص: 409

قومه1.

وأن يوسف جميل الظاهر بالحسن وجميل الباطن بالعفة، وهوكريم عارف، صرف الله عنه السوء والفحشاء وكان من المخلصين2.

وأن عيسى عبد الله ورسوله وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه3.

وأن الأنبياء يتفاوتون في الفضل وأنهم أشد الناس بلاء4. وأن قصص الرسل ممدوح فيه عبرة لا يفهمها إلا أولوا الألباب5

ولا نبي إلا رعى الغنم، ورعي الغنم صفة كمال6.

وأن الرسل من البشر كلهم رجال، وليس في الجن ولا في النساء رسل، وأنهم من أهل القرى7.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 39-40 وص194، 195، ص 253، 286، 288 وص 297، 302 وص291، 292، والقسم الأول، العقيدة، مسائل الجاهلية ص 350- 351، وكتاب التوحيد ص 17. وانظر: تاريخ نجد للألوسي ص 44.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، ص 129-130 وص 143وص 137 وص 141وص 145 وص 151 وص 176-77 1.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 14.

4 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 166وص 131 وص 162 وص 169 وص 171.

5 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 181.

6 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 290.

7 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 179 وص 211-212 وص 253.

ص: 410

وأنه يجوز عليهم الخطأ والنسيان فيما لا تعلق له بتبليغ الرسالة، ولا تنكر إصابة الشيطان للأنبياء بما لا يقدح في النبوة، وأنهم على بشريتهم وإِن كانوا أنبياء، وهذا من أدلة التوحيد1 وهم يحتاجون إلى التنبيه على فضل لا إله إلا الله، كما في قصة موسى حين قال: يارب علمني شيئا أذكرك به20 الحديث.

وأن دينهم التوحيد، وأن الدعوة إلى توحيد الله سبيلهم وسبيل من اتبعهم3 وبذلك أرسلوا ورسالتهم حق4.

وخلاصة رسالتهم: هي أن يدعوا المخالفين إلى أن يوحدوا الله تعالى ويتركوا الشرك به كما قال تعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} (النحل: 36)5.

وأن رسالة الرسل عمت كل أمة من بني آدم، وكل أمة لها رسولها يخصها، وأن الله يثيب من أطاع الرسل بالجنة، ويعاقب من عصاهم

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 253.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 13.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 144 والقسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 9.

4 المصدرالسابق ص 117 وص 101-103وص 107 وص 84 وص 180.

5 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 7، 9 وثلاثة الأُصول ص 195.

ص: 411

بالنار1.

وأرسل الله الرسل مبشرين ومنذرين والدليل قوله تعالى: {رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ} (النساء: 165) 2، وأنهم ما أتوا أممهم إلا بالوحي3.

ويرى أن الله سبحانه اختار الأنبياء من ولد آدم، واختار الرسل من الأنبياء، واختار من الرسل أولي العزم منهم، وهم الخمسة المذكورون في سورتي الأحزاب والشورى4.

والشيخ يشير بهذا إلى قوله تعالى: {وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النَّبِيِّينَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِنْ نُوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَأَخَذْنَا مِنْهُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً} (الأحزاب: 8) .

وإلى قوله تعالى: {شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ مَا وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ وَمَا وَصَّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى وَعِيسَى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللَّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ} (الشورى: 13) .

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 209 وص 180 وص 185 وص 342، والقسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 7، 9.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة ثلاثة الأُصول ص 195.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 179.

4 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص 8.

ص: 412

ويقول الشيخ: "واختارمن أولي العزم الخليلين: إبراهيم ومحمدا صلى الله عليهما وسلم وعليهم أجمعين"1.

وأن الله أخذ الميثاق الشديد على الرسل لئن بعث فيهم رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ليؤمنن به ولينصرنه، فأقروا بذلك- قال تعالى:{وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ النَّبِيِّينَ لَمَا آتَيْتُكُمْ مِنْ كِتَابٍ وَحِكْمَةٍ ثُمَّ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَكُمْ لَتُؤْمِنُنَّ بِهِ وَلَتَنْصُرُنَّهُ قَالَ أَأَقْرَرْتُمْ وَأَخَذْتُمْ عَلَى ذَلِكُمْ إِصْرِي قَالُوا أَقْرَرْنَا قَالَ فَاشْهَدُوا وَأَنَا مَعَكُمْ مِنَ الشَّاهِدِينَ فَمَنْ تَوَلَّى بَعْدَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} (آل عمران: 81-82)2.

ويقول الشيخ في كلامه على قصة آدم وإبليس ومن فوائدها أنها من أدلة الرسل عامة، ومن أدلة نبوة محمد صلى الله عليه وسلم خاصة3. ويؤمن بأن نبينا محمدا صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين والمرسلين وأنه لا يصح إيمان عبد حتى يؤمن برسالته ويشهد بنبوته. والدليل قوله تعالى:{لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} 4 (التوبة: 128) .

ويقول الشيخ: "والدليل على أَنه رسول الله صلى الله عليه وسلم من العقل والنقل:

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص 8.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 46-47.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 84 والدرر السنية ج1 ص 97، 98.

4 الدرر السنية ط 2 ج1، ص 29 وص 95 ومؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 1ص 10، والقسم الأول، العقيدة، ثلاثة الأُصول ص 190.

ص: 413

أما النقل فواضح، وأما العقل فنبه عليه القرآن، من ذلك ترك الله خلقه بلا أمر ولا نهي لا يناسب في حق الله ونبه عليه في قوله:{وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ إِذْ قَالُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى بَشَرٍ مِنْ شَيْءٍ قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتَابَ الَّذِي جَاءَ بِهِ مُوسَى نُوراً وَهُدىً لِلنَّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَرَاطِيسَ تُبْدُونَهَا وَتُخْفُونَ كَثِيراً وَعُلِّمْتُمْ مَا لَمْ تَعْلَمُوا أَنْتُمْ وَلا آبَاؤُكُمْ} 1 ومنها أن قول الرجل: إني رسول الله إما أن يكون خير الناس، وإما أن يكون شرهم وأكذبهم، والتمييز بين ذلك سهل يعرف بأمور كثيرة، ونبه على ذلك بقوله:{هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلَى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّيَاطِينُ تَنَزَّلُ عَلَى كُلِّ أَفَّاكٍ أَثِيمٍ} الآيات2، ومنها شهادة الله بقوله:{قُلْ كَفَى بِاللَّهِ شَهِيداً بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ وَمَنْ عِنْدَهُ عِلْمُ الْكِتَابِ} 3 ومنها شهادة أهل الكتاب بما في كتبهم كما في الآية، ومنها- وهي أعظم الآيات العقلية- هذا القرآن الذي تحداهم الله بسورة من مثله، ونحن إِن لم نعلم وجه ذلك من جهة العربية فنحن نعلمها من معرفتنا بشدة عداوة أهل الأرض له علمائهم وفصحائهم، وتكريره هذا واستعجازهم به، ولم يتعرضوا لذلك على شدة حرصهم على تكذيبه، وإِدخال الشبه على الناس، ومنها تمام ما ذكرنا وهو إِخباره سبحانه أنه لا يقدر أحد أن يأتي بسورة مثله إلى يوم القيامة، فكان كما ذكر مع كثرة

1 1لأ نعام: 91.

2 الشعراء:222.

3 الأحقاف: 8.

ص: 414

أعدائه في كل عصر، وما أعطوا من الفصاحة والكمال والعلوم".

ثم استمر الشيخ يذكر الأدلة العقلية فيقول: "ومنها نصرة من اتبعه، ولوكانوا أضعف الناس، ومنها خذلان من عاداه وعقوبته في الدنيا، ولو كانوا أكثر الناس وأقواهم، ومنها أَنه رجل أمي لا يخط ولا يقرأ الخط ولا أخذ عن العلماء، ولا ادعى ذلك أحد من أعدائه مع كثرة كذبهم وبهتانهم، ومع هذا أتى بالعلم الذي في الكتب الأولى، كما قال تعالى:{وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ} 1 (العنكبوت: 48) .

ومن ذلك ما استدلت به خديجة من صفاته الكريمة حيث قالت: أبشر فو الله لا يخزيك الله أبدا. ثم استدلت بما فيه من الصفات على أن من كان كذلك، لم يخزه الله أبدا، فعلمت بفطرتها وكمال عقلها أن الأعمال الصالحة، والأخلاق الفاضلة تناسب كرامة الله وإحسانه، ولا تناسب الخزي2.

وقد عصم الله رسوله صلى الله عليه وسلم من الناس، فاجتهدت قريش في قتله

1 الدرر السنية، ط 2، ج 2، ص 46، 48. وانظر مؤلفات الشيخ، القسم الأول، التوحيد ص، ص 17، 22، 34، 70- 71 والقسم الرابع، التفسير ص، ص 46، 124، 178، 180، 181، 331، 332، 243، 370، 372، 380، 381 والقسم الثالث، مختصر السيرة ص 101،218 والقسم الخامس، الشخصية رقم 2 ص 17، 18..

2 مؤلفات الشيخ، الفسم الرابع، مختصر زاد المعاد، ص 167.

ص: 415

وأخفاه الله عنهم وحفظه وصاحبه في الغار1.

وفي معرض إيراد الشيخ أدلة تحت باب ما جاء أن بعض هذه الأمة تعبد الأوثان أورد حديث ثوبان رضي الله عنه لمسلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "إِن الله زوى لي الأرض، فرأيت مشارقها ومغاربها. وإن أمتي سيبلغ ملكها ما زُوِيَ لي منها وأعطيت الكنزين: الأحمر والأبيض وإني سألت ربي لأمتي أن لا يهلكها بسنة عامة، وأن لا يسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم، فيستبيح بيضتهم. وإن ربي قال: يا محمد، إذا قضيت قضاء فإنه لا يرد. وإني أعطيتك لأمتك أن لا أهلكهم بسنة عامة. وأن لا أسلط عليهم عدوا من سوى أنفسهم فيستبيح بيضتهم، ولواجتمع عليهم من بأقطارها حتى يكون بعضهم يهلك بعضا ويسبي بعضهم بعضا" 2 رواه البرقاني في صحيحه3، وزاد: " وإنما أخاف على أمتي الأئمة المضلين. وإذا

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص 185-187.

2 صحيح مسلم، كتاب الفتن، باب هلاك هذه الأمة بعضهم ببعض، ج4 ص 2215، 2216.

3 قوله: البرقانى. قال الشيخ سليمان بن عبد الله فى شرحه تيسير العزيز الحميد: "هو الحافظ الكبير أبو بكر محمد بن أحمد بن غالب الخوارزمى الشافعى، ولد سنة ست وثلاثين وثلاثمائة، ومات سنة خمس وعشرين وأربعمائة. قال الخطيب: كان ثبتا ورعا، لم نر فى شيوخنا أثبت منه، عارفا بالفقه، كثير التصنيف، صنف مسندا ضمنه ما اشتمل عليه الصحيحان وجمع حديث الثورى، وحديث شعبة، وطائفة، وكان حريصا على العلم منصرف الهمة إليه" ثم قال الشيخ سليمان: "قلت وهذا المسند الذي ذكره الخطيب هو صحيحه الذي عَزَى إليه المصنف". انتهى. تيسير العزيز الحميد فى شرح كتاب التوحيد ص 325.

ص: 416

وقع عليهم السيف لم يرفع إلى يوم القيامة ولا تقوم الساعة حتى يلحق حي من أمتي بالمشركين وحتى تعبد فئام من أمتي الأوثان. وأنه سيكون في أمتي كذابون ثلاثون، كلهم يزعم أنه نبي، وأنا خاتم النبيين لا نبي بعدي. ولا تزال طائفة من أمتي على الحق منصورة، ولا يضرهم من خذلهم، ولا من خالفهم حتى يأتي أمر الله تبارك وتعالى".

قال الشيخ فيها من الآيات العظيمة: إخباره بأن الله زوى له المشارق والمغارب وأخبر بمعنى ذلك فوقع كما أخبر، بخلاف الجنوب والشمال، وإخباره بأنه أعطى الكنزين وإخباره بإجابة دعوته لأمته في الاثنتين، وإخباره بأنه منع الثالثة، وإخباره بوقوع السيف، وأنه لا يرفع إذا وقع، وإخباره بظهور المتنبئين في هذه الأمة، وإخباره ببقاء الطائفة المنصورة وكل هذا وقع كما أخبر، مع أن كل واحدة منها أبعد ما يكون في العقول1.

ويقول الشيخ رحمه الله في قوله تعالى في آخر سورة يوسف خطابا

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد، ص 70-71، ويقصد الشيخ أن هذه الأخبار غيبية لا تدركها العقول وإن كانت لا تحيلها لكنه بعد أن يأتي الشرع بالخبر عن مغيب فلابد من اعتقاد أن ذلك سيقع وفقاً لما أخبر به. وقد حصل من المؤمنين.

ص: 417

لرسول الله صلى الله عليه وسلم: {ذَلِكَ مِنْ أَنْبَاءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَهُمْ يَمْكُرُونَ} إلى قوله تعالى: {وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ} .

فيه تنبيه الله على آية الرسالة بأن هذه القضية غيب لا يتوصل إليه الرسول صلى الله عليه وسلم إلا بالوحي لكونه لا يقرأ ولا يخط، ولا أخذ عن عالم، وتقريرهذه الحجة بقوله:{وَمَا كُنْتَ لَدَيْهِمْ} لأن هذا لا سبيل إلى العلم به إلا بالوحي أو بحضوره وأن مكرهم خفى حتى لو حضرهم أحد لخفي عليه.

ويقول الشيخ في قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ إِلَّا رِجَالاً نُوحِي إِلَيْهِمْ مِنْ أَهْلِ الْقُرَى أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَدَارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا أَفَلا تَعْقِلُونَ} (يوسف: 109) .

يقول الشيخ فيها: رد شبهتهم في كونه بشرا وذلك واضح لأنهم إن كانوا ممن يقر بالرسالة في الجملة كأهل الكتاب والمشركين فواضح، وإن أنكروها كالمجوس فالنكال الذي أوقع الله بمن خالف الرسل الذي سمعوه وشاهدوه حجة عليهم، وفيها الرد عليهم في قولهم:{لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ} أو نحو ذلك، لأن الرسل ما أتوا الأمم إلا بالوحي، وفيها استجهال الله إياهم حيث لم يسيروا في الأرض فيعتبروا بمن قبلهم، فدل ذلك على أن فهم ذلك مقدور لهم1.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 177- 179.

ص: 418

ويذكر الشيخ ان رسول الله صلى الله عليه وسلم اقتصر من الأدلة على الوحي ففيه كفاية، وتبرأ من دعوى أن عنده خزائن الله أو أنه يعلم الغيب أوأنه ملك كما قال تعالى:{قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمَى وَالْبَصِيرُ أَفَلا تَتَفَكَّرُونَ} (الأنعام: 50) . ويقول الشيخ: إن الذي يقتصر على الوحي هو البصير، وضده الأعمى1.

ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله هي طاعته فيما أمر، وتصديقه فيما أخبر، واجتناب ما نهى عنه وزجرو أن لا يعبد الله إلا بما شرع، وأن محمدا عبد لا يعبد، ورسول لا يكذب، بل يطاع ويتبع، وهو خيرة الله من خلقه، وأمينه على وحيه، وسفيره بينه وبين عباده وكل ما قاله حق وكل ما أخبر عنه صدق.

وتتضمن هذه الشهادة الإيمان بأن خاتم الرسل هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم، وهاشم من قريش، وقريش من العرب من ذرية إسماعيل بن إبراهيم الخليل، عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام، [انتقل إلى الرفيق الأعلى] وله من العمر ثلاث وستون سنة، أربعون منها قبل النبوة، وثلاث عشرون نبياً رسولاً، نُبئ بـ (إقرأ) ، وأرسل بـ (المدثر) وبلده مكة، وهاجر إلى المدينة، بعثه الله بالنذارة عن الشرك،

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 56.

ص: 419

ويدعوا إلى التوحيد، فلما أخذ على هذا عشر سنين؛ عرج به إلى السماء، وفرضت عليه الصلوات الخمس، وصلى في مكة ثلاث سنين. وبعدها أمر بالهجرة إلى المدينة فلما استقر بالمدينة أمر ببقية شرائع الإسلام مثل الزكاة والصوم والجهاد والحج والأذان والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر وغير ذلك من شرائع الإسلام أخذ على هذا عشر سنين أيضا وبعدها توفي صلوات الله وسلامه عليه، ودينه باق، لا خير إلا دل الأمة عليه، ولا شر إلا حذرها منه، والخير الذي دل عليه التوحيد وجميع ما يحبه الله ويرضاه، والشر الذي حذر منه الشرك وجميع ما يكرهه الله ويأباه. بعثه الله إلى الناس كافة، وكل ما قاله حق وافترض الله طاعته على جميع الثقلين: الجن والإنس ودعوته عامة لكل زمان ومكان إلى قيام الساعة، وهذه من فضيلته على الأنبياء والدليل قوله تعالى:{قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً} (الأعراف: 158) .

وأكمل الله به الدين. والدليل قوله تعالى: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} (المائدة: 3) .

والدليل على موته صلى الله عليه وسلم قوله تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} (الزمر: 30، 31) .

وهو يوم القيامة صاحب الحوض المورود، والمقام المحمود، أول شافع، وأول مشفع، ولا ينكر شفاعته إلا أهل البدع فله الشفاعة الكبرى

ص: 420

وهي المقام المحمود، وأسعد الناس بها أهل التوحيد الخالص، ولا تكون لمن أشرك بالله1.

وطريق رسول الله صلى الله عليه وسلم هو صراط الذين أنعم الله عليهم، فالمنعم عليهم هم رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، والمسلم في كل ركعة من صلاته يسأل الله أن يهديه طريقهم والمراد بذلك الدين الذي أنزله الله على رسوله صلى الله عليه وسلم وكل من خالفه من طريق أو علم أو عبادة، فليس بمستقيم2.

ويعتقد الشيخ أن الإيمان به صلى الله عليه وسلم حقيقة يقتضي نصرته وطاعته والهدى في ذلك، فإِن من حقوقه صلى الله عليه وسلم طاعته كما قال الله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ} (النساء: 59) .

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، التوحيد ص 51-53 وص 67 وكشف الشبهات ص 166 وثلاثة الأُصول ص 190، 192-195 وتلقين أُصول العقيدة للعامة ص 373، 374، والقسم الثالث، مختصر السيرة ص 51 وص80- 81 وص 142، الفتاوى رقم 9 ص 44، والقسم الخامس، الشخصية رقم 29 ص 196 ورقم 22 ص 154 ورقم 17 ص 113، 114 ورقم 19 ص 124 ورقم1ص 9-10 ورقم 14 ص 94. والقسم الرابع، التفسير ص 223 وص 253-254 وص 196،197، ص 46-47 وص 353 وص 178. ومختصر زاد المعاد ص163-164، ص 177-179 وص 180-187 وص 299.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، ص 17، ص 47، ص 279.

ص: 421

وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7) .

وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، ويؤمنوا بى وبما جئت به فإذا فعلوا ذلك عصموا منى دماءهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله عزوجل" رواه مسلم1.

ولهما عن أنس رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار"2.

ولهما عن أنس مرفوعا: "لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالديه والناس أجمعين"3.

وعن المقدام بن معدى كرب الكندي رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "يوشك الرجل متكئا على أريكته يحدث بحديث من حديثي فيقول بيننا وبينكم كتاب الله عز وجل فما وجدنا فيه من حلال استحللناه وما وجدنا فيه من حرام حرمناه ألا وإن ما حرم رسول الله صلى الله عليه وسلم

1 ج1 كتاب الإيمان باب 8 ص 52 رقم 34 ترتيب فؤاد عبد الباقى.

2 صحيح البخاري، ج1 كتاب الإيمان باب 9 ص 9 وباب 14 ص 10 وصحيح مسلم كتاب الايمان باب 15 ص 66 رقم 67.

3 البخاري، الايمان باب 8 ص 9، ومسلم، الايمان باب 16 ص 67 رقم70.

ص: 422

مثل ما حرم الله" رواه الترمذي وابن ماجه1.

ورسول الله صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم وعدل وتواضع يعرف ذلك حتى أعداؤه2. وكان صلى الله عليه وسلم أشرح الخلق صدرا وأطيبهم نفسا (لما جبل عليه صلى الله عليه وسلم من الكرم العظيم) بالإِضافة إلى ما خصه الله به من شرح صدره بالرسالة وخصائصها وتوابعها، وشرح صدره حسا، وإِخراج حظ الشيطان منه3. وله صلى الله عليه وسلم الفضائل العظيمة وقول الحق الذي لا يقدر غيره أن يقوله4.

وهو الرسول النبي الأمي حبيب الله وصفيه من خلقه صلى الله عليه وسلم 5.

وأقرب الخلائق منزلة عند الله تعالى6.

ويقول فى قول الله تعالى: {وَكَيْفَ تَكْفُرُونَ وَأَنْتُمْ تُتْلَى عَلَيْكُمْ آيَاتُ اللَّهِ وَفِيكُمْ رَسُولُهُ وَمَنْ يَعْتَصِمْ بِاللَّهِ فَقَدْ هُدِيَ إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ} (آل عمران:101)

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أُصول الايمان، باب حقوق النبي صلى الله عليه وسلم ص 260- 261. وهو فى سنن ابن ماجة، المقدمة رقم 12 باب 2. وفى الترمذي كتاب العلم باب 10 رقم 2664.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 46 والقسم الأول، كتاب التوحيدص 17 وص 11.

3 المصدر السابق القسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص 76 والقسم الثالث مختصر السيرة ص64- 68 وص143، 179، 180، 203، 213، 214.

4 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص381 وص250.

5 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 16 ص104، 107.

6 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 339.

ص: 423

فيها: أن آيات الله لا نظير لها فى دفع الشر فى سائر الكلام، كما أن رسوله صلى الله عليه وسلم لا نظير له فى الأشخاص فى دفع ذلك1. وهو سيد المرسلين2، وسيد ولد آدم على الحقيقة من غير افتخار3.

وقد أكرمه الله بالخلة وهي أعلى من المحبة كما كان إبراهيم4.

ولابد من الأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وتعظيم حرمته، وعدم التقدم بين يديه وقد نزل تغليظ فى ذلك فى أول سورة الحجرات ووصف الله الذين ينادون رسول الله صلى الله عليه وسلم من وراء الحجرات، بأن أكثرهم لا يعقلون5

وكان صلى الله عليه وسلم فى حياته يسأله المسلمون الاستسقاء ويتوسلون بدعائه ويستشفعون6.

وهو صلى الله عليه وسلم في البرزخ تعرض عليه أعمال أمته من الصلاة والسلام عليه7.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 49.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص235.

3 المرجع السابق، ص 170.

4 المرجع السابق، القسم الأول، التوحيد ص 63.

5 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص350، 351، والقسم الثالث، مختصر السيرة، ص238-241.

6 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص145.

7 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 67.

ص: 424

وهو صلى الله عليه وسلم أفضل جميع الخلائق والأنام وسيد ولد آدم عليه وعلى آله وصحبه الصلاة والسلام 1

ويرى الشيخ فضيلة أمة محمد صلى الله عليه وسلم على غيرها من الأمم بالكمية والكيفية2، وأن الله سبحانه اختار ولد إسماعيل من أجناس بنى آدم، ثم اختار عنهم بنى كنانة من خزيمة، ثم اختار من ولد كنانة قريشا، ثم اختار من قريش بنى هاشم ثم اختار من بنى هاشم سيد ولد آدم محمد صلى الله عليه وسلم كما في المسند عن معاوية بن حيدة مرفوعا "أنتم توفون سبعين أمة، أنتم خيرها وأكرمها على الله"3.

فهم أفضل الأمم واختار لهم أفضل القبل، كما اختار لهم أفضل الرسل، وأفضل الكتب وأخرجهم من خير القرون، وخصهم بأفضل الشرائع، ومنحهم خير الأَخلاق، وأسكنهم خير الأرض4.

ويؤمن بأن أفضل أمة محمد صلى الله عليه وسلم أبو بكر الصديق، وفي قول النبي صلى الله عليه وسلم:"ولو كنت متخذا من أمتى خليلا، لاتخذت أبا بكر خليلا".

يرى الشيخ في هذا التصريح بأن الصديق أفضل الصحابة وفيه الإِشارة إلى خلافته5.

1 انظر: تاريخ نجد للألوسى، ص 43-44.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، كتاب التوحيد ص 17.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص 8، 9.

4 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص، ص 194، 195.

5 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 61، 63.

ص: 425

ويقول الشيخ في تلخيصه عن ابن تيمية رحمه الله: "ذكر غير واحد الإِجماع على أن الصديق أعلم الأمة، وهذا بين فإِنهم لم يختلفوا في مسألة في ولايته إلا فصلها بحجة من الكتاب والسنة، كما بين لهم موته صلى الله عليه وسلم، وموضع دفنه، وقتال مانعي الزكاة، وأن الخلافة في قريش، واستعمله صلى الله عليه وسلم على أول حجة حجت من مدينته، وعلم المناسك- أدق العبادات- ولولا سعة علمه بها لم يستعمله، ولم يستخلف غيره، لا في حج ولا في صلاة وكتاب الصدقة التي فرضها رسول الله صلى الله عليه وسلم أخذه أنس من أبي بكر وهو أصح ما رُويَ فيها، وفي الجملة لا يعرف مسألة غلط فيها، وعرف لغيره مسائل كثيرة، وتنازعوا بعده في مسائل الجد والإِخوة، والعمريتين والعول، وغير ذلك من مسائل الفرائض ومسألة الحرام والطلاق الثلاث بكلمة، والخلية، والبرية، والبته، وغير ذلك من مسائل الطلاق، وفي مسائل صارت نزاعا إلى اليوم لكنه في خلافة عمر نزاع محض وقوي النزاع في خلافة عثمان حتى حصل كلام غليظ من بعضهم لبعض، وفي خلافة علي صار النزاع بالسيف، ولم يعلم أنه استقر بينهم نزاع في خلافة أبي بكر في مسألة واحدة، وذلك لكمال علمه، ثم التي خولف فيها بعد موته قوله فيها أرجح1.

ويشرح الشيخ مثلا من ذلك وهو: "أنه لما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم ارتد

1 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، مسائل ملخصة رقم 76، ص 53-54.

ص: 426

غالب من أسلم وحصلت فتنة عظيمة ثبت الله فيها من أنعم عليهم بالثبات بسبب أبي بكر الصديق رضي الله عنه فإِنه قام فيها قياما لم يدانه فيه أحد من الصحابة، ذكَّرهم فيه ما نسوا وعلمهم ما جهلوا، وشجعهم لما جبنوا- فثبت الله به دين الإسلام".

قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (المائدة: 54) .

يقول الشيخ: "قال الحسن: هم والله أبو بكر وأصحابه1- ويقول: جعلنا الله من أتباعه وأتباع ما حمله وأصحابه"2.

ثم عمر الفاروق رضي الله عنه فهو الثاني بعد أبي بكر رضي الله عنه

في الخلافة والفضل3 وهوالمحدث الملهم الذي أمرنا باتباع سنته وله الفضائل المشهورة، والسوابق المأثورة4.

ثم عثمان ذو النورين هو ثالث الخلفاء في الخلافة والفضل رضي الله

1 قال ابن كثير: رواه ابن أبي حاتم، انظر: التفسير، ج 2 ص 70.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، مختصر السيرة ص 36، 37 وص 56 2-59 2 وص 261-300.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، مختصر السيرة ص 302-309.

4 المصدر السابق، الفتاوى ص 35.

ص: 427

عنه1.

كان من ذوي السابقة والشرف والعلم، هاجر الهجرتين، وصلى القبلتين. وزوجه رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنتيه، لما توفيت الأولى معه، زوجه الأخرى. وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقدمه ويستحي منه2.

ثم علي المرتضى هو رابع الخلفاء الراشدين في الخلافة والفضل- ومن فضائله قتل الخوارج رضي الله عنه3، ومن فضيلته رضي الله عنه ما ورد في الحديث المتفق عليه عن سهل بن سعد رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال يوم خيبر: "لأعطين الراية غدا رجلا يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله يفتح الله على يديه، فبات الناس يدوكون ليلتهم أيهم يعطاها؟ فلما أصبحوا غدوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، كلهم يرجو أن يعطاها. فقال: أين علي بن أبي طالب؟ فقيل: هو يشتكي عينيه، فأرسلوا إليه فأتى به. فبصق في عينيه، ودعا له. فبرأ كأن لم يكن به وجع، فأعطاه الراية فقال انفذ على رسلك حتى تنزل بساحتهم، ثم ادعهم إلى الإسلام. وأخبرهم بما يجب عليهم من حق الله تعالى فيه، فوالله لأن يهدي الله بك

1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، مختصر السيرة ص 309-316.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، مختصر السيرة ص 9.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، مختصر السيرة ص 316-322، والقسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 22. ومؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم (1) ص 10، وملحق المصنفات، الخطب المنبر ية، ص 36.

ص: 428

رجلا واحدا، خير لك من حمر النعم". قال الشيخ فيه فضيلة علي رضي الله عنه1.

ثم بقية العشرة المبشرين بالجنة وهم2: طلحة والزبير وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيدة بن الجراح "وهو أمين الأمة"3.

ثم أهل بدر رضي الله عنهم4.

ثم أهل الشجرة، أهل بيعة الرضوان5 رضي الله عنهم.

ثم سائرالصحابة رضي الله عنهم6.

ويترضى عن أمهات المؤمنين، زوجات النبي صلى الله عليه وسلم، المطهرات من كل سوء ويعتقد فضلهن على مراتبهن7.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 21-22.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 1ص 10.

3 انظر: الطحاوية وشرحها لابن أبي العز الحنفي ص 549-553.

4 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 1ص10. والقسم الثالث، مختصر السيرة ص 197.

5 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 1ص 10.

6 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 1ص 10 والقسم الأول، العقيدة،

كتاب التوحيد ص 1 1 وص 17 والقسم الثالث، مختصرالسيرة ص 78،79، ص 260- 261 وص 322، 323.

7 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 1ص 10، والقسم الثالث، مختصر السيرة ص 64، ص 78، وص 167- 171 وص 322.

ص: 429

ويقول في تلخيصه عن ابن تيمية رحمه الله: "لآله صلى الله عليه وسلم على الأمة حق لا يشركهم فيه غيرهم، ويستحقون من زيادة المحبة والموالاة ما لا يستحق سائر قريش وقريش يستحقون ما لا يستحق غيرهم من القبائل، كما أن جنس العرب يستحقون من ذلك ما لا يستحقه سائرأجناس بنى آدم، على هذا دلت النصوص: وتفضيل الجملة على الجملة لا يقتضى تفضيل كل فرد كالقرن الأول على الثاني، والثاني على الثالث، وأما نفس ترتيب الثواب والعقاب على القرابة ومدح الله للمعين وكرامته عنده فهذا لا يؤثر فيه النسب، وهذا لا ينافي ما ذكرنا قبله، كما قال:(الناس معادن.. الخ) فالأرض إذا كان فيها معدن ذهب ومعدن فضة فالأول خير، لأنه مظنة وجود أفضل الأمرين فإن تعطل ولم يخرج ذهبا كان ما يخرج الفضة أفضل منه، ولهذا كان في بني هاشم النبي صلى الله عليه وسلم الذي لا يماثله أحد في قريش، وفي قريش الخلفاء وغيرهم ما لا نظير له في العرب وفي العرب من السابقين الأولين ما لا نظير له في سائر الأجناس.. فالأصل المعتبر هو الإيمان والتقوى، دون من ألغى فضيلة الأنساب مطلقا، ودون من ظن أن الله مفضل الإنسان بنسبه على من هو مثله في التقوى وكلا القولين خطأ وهما متقابلان، فالفضل بالنسب للمظنة والسبب، وبالتقوى لليقين.. والتحقيق والغاية فالأول سبب

ص: 430

وعلامة، والثانى يفضل به لأنه تحقيق وغاية، والثواب يقع على هذا لأن الحقيقة قد وجدت فلم يعلق الحكم بالمظنة، ولأن الله يعلم الأشياء على ما هي عليه، ولهذا كان رضى الله عن السابقين أفضل من الصلاة على آل محمد، لأن الأول إِخبار بما حصل والثانى سؤال ما لم يحصل، ومحمد أخبر الله تعالى أنه يصلي عليه وملائكته فالفضيلة بنوع لا يستلزم الأفضلية مطلقا، ولهذا كان في الأغنياء من هوأفضل من جمهور الفقراء1.

وعلى العموم فالشيخ يعتقد في الآل والأصحاب ومن تبعهم بإحسان، ما ورد به الكتاب والسنة والأصل المعتبر: هو الإيمان والتقوى، فيؤمن بفضائل الصحابة الواردة، وشمائلهم المروية وعمق علمهم، على مراتبهم، ويترضى عن كل واحد منهم لأنه صحابي من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويرفض مسلك الرافضة في الصحابة لما في قصة الحديبية فلقد ذكر الله رسوله وحزبه ومدحهم بأحسن المدح فقال تعالى:{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْأِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً} (الفتح: 29) .

1 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات رقم 74 ص 51، 52.

ص: 431

قال الشيخ: "والرافضة تصفهم بضده"1.

ويرفض مسلك الخوارج أيضا ويتبرأ منهم- ويقول رحمه الله في وقعة الجمل إِن مقصود الصحابة الإصلاح بين الناس واجتماع الكلمة، ولكن كان في العسكرين ناس من الخوارج فخافوا من تمالىء العسكرين عليهم، فتحيل الخوارج حتى أثاروا الحرب بينهما من غير رأي فكانت وقعة الجمل المشهورة.

وقال في الحكمين بين علي ومعاوية رضي الله عنهما، لم يتفق الحكمان على شيء.

وقال الشيخ في الحسن لما ترك الأمر لمعاوية مراعاة لمصلحة المسلمين، لقد جرى مصداق ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في الحسن:"إِن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين"2.

ثم أورد الشيخ ما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال في الخوارج: "يخرجون على حين فرقة بين الناس، تقتلهم أقرب الطائفتين إلى الحق"3.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص 257 والتفسير ص 22 والقسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 17 وص 22 وانظر تاريخ نجد للألوسى ص 44، 45.

2 هو في صحيح البخاري في ج 8 كتاب الفتن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم للحسن بن علي إن ابني هذا لسيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ص 98،99.

3 قال الحاكم: هذا حديث صحيح ولم يحرجاه بهذه السياقة ووافقه الذهبي- انظر: المستدرك مع التلخيص ج 2/ 154-155، وانظر: صحيح البخاري ج 7 ص 111 ك 78/ ب 5 9 وج 8 ص 51 -53 ك 88/ ب 6-7 ففيه صفة الخوارج وأنهم يخرجون على حين فرقة من الناس.

ص: 432

وأورد أنه صح عنه صلى الله عليه وسلم في أحاديث كثيرة: أنه نهى عن القتال في الفتنة وأخبر صلى الله عليه وسلم بوقوعها وحذر منها1.

قال الشيخ فحصل بمجموع ما ذكرنا: أن الصواب مع سعد بن أبي وقاص وابن عمر وأسامة بن زيد وأكثر الصحابة الذين قعدوا واعتزلوا الطائفتين، وأن علي بن أبي طالب وأصحابه أقرب إلى الحق من معاوية وأصحابه، وأن الفريقين كلهم لم يخرجوا من الإيمان، وأن الذين خرجوا من الإيمان: إنما هم أهل النهروان.

ثم قال الشيخ: "وأجمع أهل السنة على السكوت عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم ولا يقال فيهم إلا الحسنى- فمن تكلم في معاوية أو غيره من الصحابة فقد خرج عن الاجماع2.

- والخلاصة- أن الشيخ يتولى أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم جميعا ويذكر محاسنهم، ويترضى عنهم ويستغفر لهم، ويكف عن مساويهم، ويسكت عما شجر بينهم ويعتقد فضلهم عملا بقوله تعالى: {وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ

1 انظر: ما في صحيح البخاري مثلا، ج 8 كتاب الفتن، ص 86 ـ 99.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، مختصر سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم ص 316، 318، 321-322.

ص: 433

يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْأِيمَانِ وَلا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلّاً لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ} (الحشر:10) .

ويقول الشيخ في تلخيصه عن ابن تيمية رحمه الله: "إذا تكلم فيمن دون الصحابة كالملوك المختلفين وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل، فإن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال والظلم محرم مطلقا لا يباح بحال، قال الله تعالى:{وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا} (المائدة: 8) وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار وهو بغض مأمور به فاذا كان هذا قد نهي صاحبه أن يظلم من أبغضه، فكيف في بغض مسلم بتأويل أو شبهة أو هوى، والعدل مما اتفق أهل الأرض على مدحه، والظلم مما اتفقوا على ذمه، والله أرسل الرسل ليقوم الناس بالقسط، وأخبر أنه لا يكلف نفسا إلا وسعها، وأمر بتقواه بقدر الاستطاعة، ودعا المؤمنون بقوله:{رَبَّنَا لا تُؤَاخِذْنَا إِنْ نَسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا} (البقرة: 286) . فقال قد فعلت فدلت هذه النصوص على أنه لا يكلف نفساً إلا وسعها وأن المخطىء والناسي لا يؤاخذه وقال: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا} (الأحزاب: 58) . فمن آذى مؤمنا حيا أو ميتا بغير ذنب يوجب ذلك دخل في الآية ومن كان مجتهدا لا إثم عليه فآذاه مؤذ فقد آذاه بغير ما اكتسب، ومن أذنب وتاب أو غفرله بسبب آخر فآذاه مؤذ فقد آذاه بغير

ص: 434

ما اكتسب1.

ويقر الشيخ بكرامات الأولياء والصالحين، وما لهم من المكاشفات، وهم على صلاحهم رضي الله عنهم وهم كما قال الله فيهم:{أَلا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} (يونس: 62) ، إلا أنهم لا يستحقون من حق الله شيئا، ولا يطلب منهم ما لا يقدر عليه إلا الله، وهم بريئون ممن أشرك بالله كبراءة عيسى من النصارى وموسى من اليهود وعلي من الرافضة، وكذلك عبد القادر الجيلانى رحمه الله برىء من أتباع الشيطان الذين ينتسبون إليه، ويتسمون بالفقراء الجيلانية.

ثم يبين الشيخ أن هؤلاء الذين يزعمون حب الصالحين وهم يخالفونهم ويشركونهم مع الله في الدعاء والنذر والذبح وغير ذلك من العبادة التى لا تصلح إلا لله أن هؤلاء في الحقيقة أعداء الصالحين، أما من هداه الله فلم يدع إلا الله هو والله الذي يحبهم لأن من أحب قوما أطاعهم فمن أحب الصالحين حقيقة يطيعهم فلا يعتقد إلا في الله كما في طريقتهم2.

1 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، مسائل ملخصة رقم 75، ص 52،53.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 21 ص 147 ورقم 8 ص 52 وص 54- 55 ورقم 15 ص 101 ومؤلفات الشيخ، القسم الثالث، مختصر السيرة ص 296. ومؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 282، 283. ومؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كشف الشبهات ص 169، وستة أصول عظيمة ص 395، 396.

ص: 435

ويقول الشيخ في استنباطاته من قصة آدم وإبليس في خوارق العادة، وما هو منها كرامة وغير كرامة: إِنه لا ينبغى للمؤمن أن يغتر بخوارق العادة إذا لم يكن مع صاحبها استقامة على أمر الله، فان اللعين أنظره الله تعالى، ولم يكن ذلك إلا إِهانة له وشقاء له، وحكمة بالغة يعلمها الحكيم الخبير، فينبغي للمؤمن أن يميز بين الكرامات وغيرها، ويعلم أن الكرامة هي لزوم الاستقامة ومن ذلك يعلم أن الأمور التى يحرص عليها أهل الدنيا قد تكون عقوبة ومحنة، والجاهل يظنها نعمة مثل المال والجاه وطول العمر، فإن الله أعطى اللعين من النظرة ما أعطاه.

وكذلك الفاجر قد يعطيه الله سبحانه مثلا من القوى والإِدراكات في العلوم والأعمال حتى في صحة الفراسة، كما ذكر عن اللعين حين تفرس فيهم أن يغويهم إلا المخلصين، فصدق الله فراسته في قوله:{وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ} (سبأ: 25) . فإِن قيل في الحديث: "اتقوا فراسة المؤمن فانه ينظر بنور الله" فلا يناقض ما ذكرناه، بل يدل على أن المؤمن أتم هذه الخصلة من غيره وأصدق، كما كان في العلم والإيمان والأعمال والحلم والصبر وغير ذلك، ولوكان للفجار شيء من ذلك1.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 95، 98 والحديث رواه الطبراني

والترمذي من حديث أبي أمامه وأخرجه الترمذي أيضا من حديث أبي سعيد وراجع تخريجه في كشف الخفاء ومزيل الإِلباس عما اشتهر من الأحاديث على ألسنة الناس للشيخ إِسماعيل العجلونى، ج1 ص 41-42.

ص: 436

ويذكرالقول الفصل في عطاء الدنيا بعد أن ذكرخطأ كثير من الناس في نظره إلى ذلك فقال: "بعضهم يظن أن هذا كله نقص أو مذموم، وأن التجرد من المال مطلقا هو الصواب، وبعض يظن أن عطاء الدنيا يدل على رضا الله، وكلاهما على غير الصواب. وذلك أن من أنعم الله عليه بولاية أومال فجعلها طريقا إلى طاعة الله فهو ممدوح، وهو أحد الرجلين الذين يغبطهما المؤمن، وإن كان غير هذا فلا"1 فإِن العطاء ما أغنى أصحاب الحجر: {وَكَانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتاً آمِنِينَ فَمَا أَغْنَى عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (الحجر: 82-84) . ما أغنى عنهم ذلك وقت البلاء كما أغنت الأعمال الصالحة عن أهلها برحمة الله تعالى2. ولا يشهد لأحد من المسلمين بجنة ولا نار إلا من شهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكنه يرجو للمحسن ويخاف على المسىء، ولا يكفر أحدا من المسلمين بذنب ولا يخرجه به من دائرة الإسلام3.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، يوسف ص 157، وقوله أحد الرجلين الذين يغبطهما المؤمن إِشارة إلى حديث (لا حسد إلا في اثنتين) . متفق عليه.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، الحجر، ص 191، 194.

3 الدرر السنية، ج1، ص30. وص 11 من مؤلفات الشيخ، القسم الخامس. ومؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 8 ص 52 وص54، وص 55 ورقم 15 ص 101 ورقم 21 ص 147 والقسم الرابع، التفسير، البقرة ص 25 والأعراف ص 95-104.

ص: 437

ويرى أن الفرقة الناجية وسط في باب أفعال الله تعالى بين القدرية والجبرية.

وهم وسط في باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية. وهم وسط في باب الإيمان والدين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وهم وسط في باب أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الروافض والخوارج1.

ويرى الجهاد ماضيا مع كل إمام برا كان أو فاجرا، وصلاة الجماعة خلفهم جائزة، والجهاد ماضيا منذ بعث الله محمداً صلى الله عليه وسلم إلى أن يقاتل آخر هذه الأمة الدجال، لا يبطله جور جائر، ولا عدل عادل.

ويرى وجوب السمع والطاعة لأئمة المسلمين برهم وفاجرهم ما لم يأمروا بمعصية الله، ومن ولي الخلافة واجتمع عليه الناس ورضوا به، أو غلبهم بسيفه حتى صار خليفة وجبت طاعته، وحرم الخروج عليه2.

ويقول الشيخ في تلخيصه عن ابن تيمية: مذهب أهل السنة أن الأمراء الظلمة مشاركون فيما يحتاج إليهم فيه من طاعة الله فيصلي خلفهم، ويجاهد معهم، ويستعان بهم في الأمر بالمعروف والنهي عن

1 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 1 ص 8.

2 المصدر السابق، الدرر ج1ص 30، ومؤلفات الشيخ ص 11.

ص: 438

المنكر، ومن حكم منهم بعدل نفذ حكمه، وإن أمكن تولية بر، لم يجز تولية فاجر، فيجتهدون في الطاعة بحسب الإِمكان، كما قال الله:{فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ} (التغابن: 16) ويعلمون أن الله بعث محمدا صلى الله عليه وسلم بصلاح العباد فإِذا اجتمع صلاح وفساد رجحوا الراجح منهما وقل من خرج على سلطان إلا كان ما تولد عن فعله من الشر أعظم من الخير، فلا أقاموا دينا ولا أبقوا دنيا، وإِن كان فيهم خلق من أهل العلم والدين، وهذا مما يبين أن ما أمربه صلى الله عليه وسلم من الصبر على جور الأئمة هو الأصلح، فالشارع أمركلا بما هو أصلح له وللمسلمين، فأمر الولاة بالعدل والنصح لرعيتهم، وأمر بالصبر على استيثارهم وعدم منازعتهم الأمر، والفتن في كل زمان بحسب رجاله، والفتنة تمنع معرفة الحق وقصده والقدرة عليه ففيهما من الشبهات ما يلبس الحق بالباطل، حتى لا يتميز لكثير من الناس، ومن الشهوات ما يمنع قصد الحق، ومن قوة الشر ما يضعف القدرة على الخير، ولهذا يقال:"فتنة عميا صما"1.

ويرى أن الإمام نائب عن المسلمين يتصرف في مصالحهم وقيام الدين، فإِن تعين للدفع عن الإسلام، والذب عن حوزته استجلاب أعداء الإسلام إليه ليأمن شرهم ساغ ذلك بل تعين ومبنى الشريعة باحتمال أدنى المفسدتين لدفع أعلاهما، وتحصيل أكمل المصلحتين بتفويت أدناهما، بل

1 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، مسائل ملخصة رقم 73، ص 50-51.

ص: 439

بناء مصالح الدنيا والدين على هذين1.

ويرى هجر أهل البدع ومباينتهم حتى يتوبوا، ويحكم عليهم بالظاهر، ويكل سرائرهم إلى الله. ويعتقد أن كل محدثة في الدين بدعة، ويرى خلع جميع البدع 2. لأن الله سبحانه وتعالى أخبر بأنه أكمل الدين وأتمه على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم وأمرنا بلزوم ما أنزل إلينا من ربنا وترك البدع والتفرق والاختلاف فقال تعالى:{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْأِسْلامَ دِيناً} (الما ئد ة: 3) .

وقال: {اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلاً مَا تَذَكَّرُونَ} (الأعراف: 3) .

وقال تعالى: {قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ} (آل عمران: 31) .

وقال تعالى: {قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَمَا أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ} (يوسف: 108) .

وقال تعالى: {وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص 267-268، والتفسير، البقرة ص 23.

2 المصدر السابق، الدرر ج1ص 30، ومؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 1 ص 11 ورقم 16 ص 107.

ص: 440

سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} (الأنعام:153) .

وقال تعالى: {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا} (الحشر:7)1.

ويرى وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ما توجبه الشريعة المحمدية الطاهرة2.

ويؤمن بكل ما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم من أخبار الفتن والحوادث، وأشراط الساعة وما جاء في المهدي، وخروج الدجال ونزول عيسى، وأنه لا يزال حيا، وسكنى المدينة وعمارتها وخروج الدابة ونحو ذلك وقد ألف الشيخ في ذلك كتابا بعنوان. هذه أحاديث في الفتن والحوادث التى أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنها ستكون بعده3.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 17 ص110- 111.

2 الدرر السنية، ط 2، ج1ص 30، مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الثسخصية رقم 1 ص 11 ورقم 17 ص 114.

3 مؤلفات الشيخ، قسم الحديث، المجلد الثالث، من أوله إلى آخره في هذه الموضوعات.

ص: 441

الإيمان باليوم الآخر:

والشيخ يؤمن بالبعث بعد الموت وبإِعادة الأرواح إلى الأجساد وقيام الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا يوم تأتي الساعة- كما قال تعالى: {وَإِنَّ السَّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلَّاقُ الْعَلِيمُ} 1 (الحجر: 85-86) . وكما قال تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى فَلا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى} (طه: 15-16) .

قال الشيخ ما مضمونه: "فيها ذكر الإيمان باليوم الآخر بعد ذكر الإيمان بالله تعالى مما يبين أنه علة للإيمان بالله فمن لم يؤمن باليوم الآخر لا يؤمن بالله تعالى ولا يؤمن بلقائه يوم القيامة2.

ويقول الشيخ في صدر سورة هود فيه من العلوم، علم الإيمان باليوم الآخر، وذكر أنه إلى الله المرجع كما قال تعالى:{وَلَئِنْ قُلْتَ إِنَّكُمْ مَبْعُوثُونَ مِنْ بَعْدِ الْمَوْتِ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هَذَا إِلَّا سِحْرٌ مُبِينٌ} الآيات- يقول الشيخ فيها ذكر الجنة والنار وذكر العرض على الله وكلام الأشهاد وأن افتراء الكفار ضل عنهم، وكانوا هم الأخسرون في الآخرة3.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 195 وص 51 وص 295، 296، الدرر السنية ج1ص 97.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 295-296. والقسم الأول، العقيدة، مسائل الجاهلية ص 350.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 116.

ص: 442

وفي قول الله تعالى: {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَنْ نَفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ} (النحل: 111) .

قال الشيخ فيها: "تعظيم ذلك اليوم، وذكر الأمر الهائل في كل نفس، ونفي الظلم ولو عن الأشرار"1.

وفي قوله تعالى: {إِنَّ إِلَى رَبِّكَ الرُّجْعَى} (العلق: 8) .

قال الشيخ فيها الإيمان باليوم الآخر، والوعظ بذلك عن الطغيان، وتسلية المطغى عليه بذلك، وكونه إلى رب محمد صلى الله عليه وسلم ففيه الجزاء على الأعمال2.

ويقول الشيخ: "والناس اذا ماتوا يبعثون" والدليل قوله تعالى: {مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} (طه: 55) .

وقوله تعالى: {وَاللَّهُ أَنْبَتَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ نَبَاتاً ثُمَّ يُعِيدُكُمْ فِيهَا وَيُخْرِجُكُمْ إِخْرَاجاً} (نوح: 17، 18) .

وبعد البعث محاسبون ومجزيون بأعمالهم - والدليل قوله تعالى: {لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَسَاءُوا بِمَا عَمِلُوا وَيَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى} (النجم: 31) .

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 231.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 371 وص 249 وص 195 وص 337، القسم الخامس، الشخصية رقم 4 ص 33.

ص: 443

ومن كذب بالبعث كفر- والدليل قوله تعالى: {زَعَمَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ لَنْ يُبْعَثُوا قُلْ بَلَى وَرَبِّي لَتُبْعَثُنَّ ثُمَّ لَتُنَبَّؤُنَّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} (التغابن: 7)1.

ويقول الشيخ في كلامه على قصة آدم وإبليس: "وفي القصة فوائد عظيمة، وعبر لمن اعتبر بها، منها أن خلق آدم من تراب من أبين الأدلة على المعاد، كما استدل عليه سبحانه في غير موضع وعلى قدرته سبحانه وعظمته ورحمته وعقوبته وإِنعامه وكرمه وغير ذلك من صفاته التى تدل على البعث2.

وفي قول الله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} - الآية. (الكهف: 21) .

قال الشيخ فيها إن الإعثار عليهم لحكمة ومعرفة المؤمن إذا أعثر عليهم.

{أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} كما رد الله موسى إلى أمه لتعلم أن وعد الله حق، فتأمل هذا العلم ما هو؟

وقوله: {وَأَنَّ السَّاعَةَ لا رَيْبَ فِيهَا} أى لما وقع بينهم النزاع، وذلك أن

بعض الناس زعم أن البعث للأرواح خاصة، فأعثر عليهم ليكون دليلا

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، ثلاثة الأصول ص 194، 195 وتلقين أصول العقيدة للعامة ص 373.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 84.

ص: 444

على بعث الأجساد1.

ومن قصة موسى والخضرعليهما السلام يستنبط مسائل في الأصول منها:

الدليل على اليوم الآخر، لأن من أعظم الأدلة إحياء الموتى في دار الدنيا2.

ومن دليل المعاد المبدأ كما قال تعالى: {كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} (الأعراف: 29) .

قال الشيخ فيه ذكر المعاد والاستدلال عليه بالمبدأ3، أي لابد أن يخلقكم للبعث كما بدأ خلقكم من نطفة4.

ومن الإيمان باليوم يؤمن الشيخ بما أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت، فيؤمن بفتنة القبر، وبعذاب القبر ونعيمه. وبإِعادة الأرواح إلى الأجساد وحالتها في البرزخ وحالة الأموات ونحو ذلك.

فأما الفتنة: فالناس يفتنون في قبورهم فيقال للرجل: من ربك؟ وما دينك؟ ومن نبيك؟

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 245، 246.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 253.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 78.

4 المصدر السابق ص 150.

ص: 445

يقول الشيخ: "فمن لم يعرف ربه، بمعنى معبوده، ودينه، ورسوله، الذي أرسله الله إليه بدلائله في الدنيا ولم يعمل به سئل عنه في القبر، فلم يعرفه، ومن لم يعرفه في القبر ضربته الملائكة بمرزبة من حديد لو اجتمع عليها الجن والإنس ما أَطاقوا حملها، ومن عرفه بدليله وعمل به في الدنيا ومات عليه سئل في القبر فيجيب بالحق، فإنه ذكر في الحديث "إِن العبد المؤمن أو الموقن إذا وضع في قبره سألته الملائكة عن ربه وعن دينه، وعن نبيه، فيقول ربي الله ودينى الإسلام ونبي محمد، جاءنا بالبينات والهدى فأجبنا وصدقنا واتبعنا، فيقال له نم صالحا قد علمنا أنك مؤمن، وأعظم البينات الذي جاء به الرسول كتاب الله كما قال تعالى:{وَإِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمَّا نَزَّلْنَا عَلَى عَبْدِنَا فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِّنْ مِثْلِهِ وَادْعُوا شُهَدَاءَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} وأما المنافق والمرتاب إذا سئل عن ذلك يقول هاه هاه لا أدري سمعت الناس يقولون شيئا فقلته فتعذبه الملائكة1.

ويؤمن الشيخ بالحساب، وأن الحساب متوقف على الرسالة، وأنه عام حتى المرسلين كما قال تعالى:{فَلَنَسْأَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَلَنَسْأَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ فَلَنَقُصَّنَّ عَلَيْهِمْ بِعِلْمٍ وَمَا كُنَّا غَائِبِينَ} (الأعراف: 6،7) .

1 الدرر السنية ج2 ص 42 وج1ص 97، ومؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 183، القسم الثالث، الفتاوى، مسألة رقم 16 ص 78. وانظر: شرح الطحاوية ص 449.

ص: 446

قال الشيخ: "وفي ذلك أن الله يقص عليهم ما فعلوا بعلمه وأنه شهيد على الجزئيات".

كما يؤمن الشيخ: بالميزان وأنه الحق وأن له كفتين. وأن الفلاح بسبب ثقله، والخسارة بسبب خفته، وأن سبب الخفة الظلم بآيات الله تعالى- كما قال تعالى:{وَالْوَزْنُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ وَمَنْ خَفَّتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ بِمَا كَانُوا بِآياتِنَا يَظْلِمُونَ} (الأعراف: 8، 9) .

ويؤمن بالحوض المورود1.

والناس يرون أعمالهم كلها يوم القيامة بدليل قوله تعالى: {فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرّاً يَرَهُ} .

وقد أشار الشيخ إلى أن هذه الآية: "الآية الجامعة الفاذة" ويقرر الشيخ أن الجزاء من جنس العمل2.

وأن كل أمة تحشر وحدها مع نبيها3.

ومن مشاهد القيامة - في قوله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ وَأَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّهَا

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص70- 71، وص 378. ومؤلفات الشيخ، القسم الأول، كتاب التوحيد ص14.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 97، وص 377.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، التوحيد ص 17.

ص: 447

وَوُضِعَ الْكِتَابُ وَجِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَالشُّهَدَاءِ وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَهُمْ لا يُظْلَمُونَ وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ} (الزمر: 68-70) .

يقول الشيخ فيها: صعق أهل السموات والأرض إلا من استثنى الله وفيها النفخة الثانية فإذا هم قيام ينظرون، ويلاحظ إذا الفجائية وفيها إتيان الرب سبحانه وإِشراق الأرض بنوره وإِضافة الأرض إليه ووضع الكتاب والإِتيان بالنبيين والشهداء، والقضاء بينهم بالحق وتوفية كل نفس عملها وبيان أنه لايقع في الخصومات شىء مما يقع في الدنيا لكونه سبحانه وتعالى أعلم1.

وفي شأن الجنة والنار يؤمن الشيخ بهما، وأنهما موجودتان الآن وأن للإِيمان بهما فضلا عظيما.

وأن الدور ثلاث، فدار أخلصت للطيب، ودار أخصلت للخبيث، ودار امتزج فيها الخبيث بالطيب، وهي هذه الدار الدنيا، فإذا كان يوم المعاد ميز الله الخبيث من الطيب فجعل الطيب بحذافيره في الجنة، وجعل الخبيث بحذافيره في النار، فعاد الأمر إلى دارين فقط2.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 0 34، 341.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، التوحيد ص 14 وص 37، وص 18-19

وص 144. ومؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصة رقم 1ص10. والقسم الرابع، التفسير ص 189 وص 329 وص 376-377، 380 ومختصر زاد المعاد ص 11.

ص: 448

وفي قوله تعالى: {وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا} لآيات (الزمر: 71- 5 7) .

قال الشيخ فيها: سياقه الكفار، وكونهم زمرا وفتح أبوابها وقت مجيئهم وتقريع الخزنة لهم وكون كل رسول يتلو الآيات وينذر بذلك اليوم، وكون الرسالة عمت واعترافهم، وأن الذي منعهم كون كلمة العذاب حقت على من كفر، وقول الخزنة ادخلوها خالدين، وبيان أن التكبر سبب الكفر، وفيها سوق أهل الجنة وكونهم زمرا، وفتح الأبواب لهم وتسليم الملائكة وقولهم طبتم فادخلوها خالدين، وقولهم الحمد لله. الخ، حمدوه على صدق الوعد وعلى أنه أورثهم الأرض يتبوؤن منها حيث شاءوا وإِثبات دخولها بالعمل وأنها أجر العاملين ورؤية الملائكة حافين من حول العرش، والقضاء بالحق وقول الخلائق كلهم:(الحمد لله رب العالمين)1.

- وبالجملة- فان الشيخ: يؤمن بكل ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم به مما يكون بعد الموت، فيؤمن بفتنة القبر ونعيمه، وبإِعادة الأرواح إلى الأجساد فيقوم الناس لرب العالمين حفاة عراة غرلا تدنو منهم الشمس، وتنصب الموازين، وتوزن بها أعمال العباد فمن ثقلت موازينه فأولئك هم المفلحون، ومن

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 1 24-243 وص 17 1 وص 19 1 وص 183 وص 190.

ص: 449

خفت موازينه فأولئك الذين خسروا أنفسهم في جهنم خالدون وتنشر الدواوين فآخذ كتابه بيمينه وآحذ كتابه بشماله. ويؤمن بحوض نبينا محمد صلى الله عليه وسلم بعرصة القيامة، ماؤه أشد بياضا من اللبن وأحلى من العسل من شرب منه شربة لم يظمأ بعدها أبداً.

ويؤمن بأن الصراط منصوب على شفير جهنم يمر به الناس على قدر أعمالهم.

ويؤمن بشفاعة النبي صلى الله عليه وسلم وأنه أول شافع وأول مشفع.

ويؤمن بأن الجنة والنار مخلوقتان، وأنهما اليوم موجودتان وأنهما لا يفنيان.

وأن المؤمنين يرون ربهم بأبصارهم يوم القيامة كما يرون القمر ليلة البدر لا يضامون في رؤيته1.

1 الدرر السنية، ط 2، ج1، ص 29. مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم1ص 9، 10. والقسم الثالث، الفتاوى ص 44. والقسم الرابع، التفسير، القصص 313. والقسم الأول العقيدة، مسائل الجاهلية ص 351.

ص: 450

الإيمان بالقدر:

يقول الشيخ: وأومن بأن الله فعال لما يريد، ولا يكون شىء إلا بإِرادته ولا يخرج شىء عن مشيئته، وليس شىء في العالم يخرج عن تقديره، ولايصدر إلاعن تدبيره، ولا محيد لأحد عن القدر المحدود، ولا يتجاوز ما خط له في اللوح المسطور1. والصبر على أقدار الله من الإيمان

بالله لقوله تعالى: {وَمَنْ يُؤْمِنْ بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} .

قال علقمة: "هو الرجل تصيبه المصيبة فيعلم أنها من عند الله: فيرضى ويسلم"2.

ويذكر الشيخ كيفية الإيمان بالقدر وهي أن تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك وما أخطأك لم يكن ليصيبك.

وأن الإيمان بذلك فرض، ولا يجد أحد طعم الإيمان ولن يبلغ حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى حتى يؤمن بالقدر خيره وشره ومن لم يؤمن به أحرقه الله بالنار، ولوكان لأحدهم مثل أحد ذهبا، ثم أنفقه في سبيل الله ما قبل الله منه، حتى يؤمن بالقدر وبدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم:"الإيمان أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره". وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم تبرأ ممن لم يؤمن به.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية ص 9.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، كاب التوحيد ص 96-97، وقول علقمة في صحيح البخاري ج6 ص 67.

ص: 451

أخذاً من حديث عبادة بن الصامت أنه قال لابنه: "يابنى، إنك لن تجد طعم الإيمان حتى تعلم أن ما أصابك لم يكن ليخطئك، وما أخطأك لم يكن ليصيبك، سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "إن أول ما خلق الله القلم، فقال له: اكتب- فقال: رب وماذا أكتب؟ قال: اكتب مقاديركل شىء حتى تقوم الساعة - يابنى سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من مات على غير هذا فليس مني" 1.

وفي كتاب أصول الإيمان للشيخ بعد أن ذكر باب الإيمان بالله ومعرفته أردفه مباشرة بباب الإيمان بالقدرقبل ذكر الملائكة والرسل والكتب مما يشير إلى أن القدرمن شأن الله تعالق ومن صفته، ولأن الإيمان بالقدر من حقيقة العلم بالله تبارك وتعالى2.

يذكر الشيخ في كتاب الإيمان أدلة القدرمن القرآن الكريم، مثل قول الله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنَى أُولَئِكَ عَنْهَا مُبْعَدُونَ} (الأنبياء: 101) .

وقوله تعالى: {وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَراً مَقْدُوراً} (الأحزاب: 38) .

وقوله تعالى: {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} (الصافات: 96) .

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد باب ما جاء في منكري القدرص 135-137. وأصول الإيمان، باب الإيمان بالقدر ص 247. والقسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص 306. والقسم الخامس، الشخصية رقم 2 ص 19.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أصول الإيمان ص 247.

ص: 452

وقوله تعالى: {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ} (القمر: 49) .

ويذكر أدلته أيضا من السنة المطهرة مثل قوله: في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إِن الله قدر مقادير الخلائق قبل أن يخلق السموات والأرض بخمسين ألف سنة وكان عرشه على الماء". وعن علي بن أبي طالب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ما منكم من أحد إلا وقد كتب مقعده من النار ومقعده من الجنة" قالوا: يارسول الله، أفلا نتكل على كتابنا وندع العمل، قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له- أما من كان من أهل السعادة فسييسر لعمل أهل السعادة، وأما من كان من أهل الشقاوة فسييسر لعمل أهل الشقاوة، ثم قرأ:{فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى} (الليل: 6) - متفق عليه1.

ومثل حديث ابن مسعود رضي الله عنه قال: حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهوالصادق المصدوق: "إن أحدكم يجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما نطفة ثم يكون علقة مثل ذلك ثم يكون مضغة مثل ذلك ثم يبعث الله إليه ملكا بأربع كلمات فيكتب عمله وأجله ورزقه وشقي أو سعيد ثم ينفخ فيه الروح فو الذي لا إله غيره إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل النار

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أصول الإيمان ص 243.

ص: 453

فيدخلها وإِن أحدكم ليعمل بعمل أهل النار حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع فيسبق عليه الكتاب فيعمل بعمل أهل الجنة فيدخلها" متفق عليه.

ومثل حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "كل شىء بقدرحتى العجز والكيس" رواه مسلم1.

وعن قتادة في قوله تعالى: {تَنَزَّلُ الْمَلائِكَةُ وَالرُّوحُ فِيهَا بِإِذْنِ رَبِّهِمْ مِنْ كُلِّ أَمْرٍ} (القدر: 4) - قال: يقضى فيها ما يكون في السنة إلى مثلها، رواه عبد الرزاق وابن جرير وقد روى معنى ذلك عن ابن عباس والحسن وأبي عبد الرحمن السلمي وسعيد بن جبير ومقاتل2.

وفيما يروى عن ابن عباس في تفسير قوله تعالى: {كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ} قال: يخلق ويرزق ويحى ويميت ويعز ويذل ويفعل ما يشاء- رواه عبد الرزاق وابن المنذر والطبرانى والحاكم3.

ثم نقل الشيخ كلام ابن القيم لما ذكر هذه الأحاديث وما في معناها ومحصله: أن الأدلة دلت على تقدير يومي، وتقدير حولى، وتقدير عمرى عند تعلق الروح وعند أول تخليقه وتقدير سابق على وجوده لكن بعد خلق السموات والأرض، وتقدير سابق على خلق السموات والأرض

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أصول الإيمان ص 244- 245.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة أصول الإيمان ص 245.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، أصول الإيمان ص 246.

ص: 454

بخمسين ألف سنة وكل واحدة من هذه التقادير كالتفصيل من التقدير السابق.

وينقل الشيخ تفصيلا لقدر الله السابق فيقول ما حاصله: وتقدير الله السابق هو ثبوت الشىء في العلم والتقدير ليس هو ثبوت عينه في الخارج، بل العالم يعلم الشىء ويكتبه ويتكلم به وليس لذاته في الخارج وجود، وهذا العلم والكتاب هو الذي ينكره القدرية الذين كفرهم الأئمة، حين ناظروهم بالعلم فجحدوه أما من أقر به فقد خصم، وقد بينه الكتاب والسنة وأجاب النبي صلى الله عليه وسلم عن السؤال الوارد عليه وهو:

- أنترك العمل لأجله؟ فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له1.

وسيأتى مزيد بيان لموضوع القدر من الله تعالى في فصل التوحيد الجانب العلمي إن شاء الله تعالى.

من مباحث الإيمان:

ويعتقد الشيخ أن حقيقة الإيمان هي التصديق وأنه قول باللسان وعمل بالأركان واعتقاد بالجنان كما قال الحسن البصرى: "ليس الإيمان بالتحلي ولا بالتمني، ولكن ما وقر في القلوب وصدقته الأعمال" 2 وأن

1 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، مسائل ملخصة رقم 29 ص 25.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، مختصر السيرة، ص 35. وانظر: اقتضاء العلم العمل للبغدادي ضمن رسائل أربع مجموعة بتحقيق الألباني ص 177، والفتاوى مسألة 11 ص 51 من القسم الثالث، من مؤلفات الشيخ.

ص: 455

الأعمال من الإيمان1. والإيمان بضع وسبعون شعبة أعلاها شهادة أن لا إله إلا الله، وأدناها إماطة الأذى عن الطريق2.

ويقول الشيخ إن الله سبحانه قد أمرنا أن نقول آمنا كما قال تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالْأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِنْ رَبِّهِمْ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ} (البقرة: 136) .

قال الشيخ: وليس هذا من إِظهار العمل الذي إِخفاؤه أفضل، وفي ذلك الإيمان بجميع المنزل وعدم التفريق بين الرسل والتصريح بالإسلام والتصريح بإِخلاص ذلك لله، وليس هذا من الثناء على النفس بل من بيان الدين الذي أنت عليه، ولهذا قال بعض السلف ينبغى لكل أحد أن يعلم هذه الآية أهل بيته وخدمه3.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، النحل ص 226، والحجرات ص 353.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 1ص 11 ورقم 14 ص 96-97 ورقم 18 ص 122 وملحق المصنفات ص 11، وص 70- 71 وص 139-140. ومؤلفات الشيخ، القسم الرابع، القصص ص 283 ومختصر زاد المعاد ص 256، القسم الثالث، الفتاوى مسألة 11 ص 51 والمسألة الخامسة عشرة ص 73، 74.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 39.

ص: 456

وأن قول الله تعالى: {فَإِنْ آمَنُوا بِمِثْلِ مَا آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ اهْتَدَوْا} (البقرة: 137) . بعد قوله تعالى: {قُولُوا آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا} الآية (البقرة: 136) . فيه التصريح أن الإيمان هوالعمل1.

وأجاب الشيخ عن سؤال حول أبيات تضمنت خمس مسائل من مسائل العقيدة التى يسمونها أصول الدين هي: ما هو أول واجب؟ وهل يكتفي في مسائل الأصول بالتقليد أو غلبة الظن أو لابد من اليقين؟ وهل يشترط في الواجب النطق بالشهادتين أو يصير مسلما بالمعرفة؟ وهل الإيمان قول باللسان من غير عقيدة القلب؟ - وهل الأعمال من الإيمان يزيد وينقص بها؟ وفيما يلي السؤال والجواب:

سئل الشيخ عن معنى هذه الأبيات:

معرفة الإله باستيقان؟

أول واجب على الإنسان

معرفة الإله باستيقان؟

فأجاب: تمام الكلام يعين على فهم معناه.

أول واجب على الإنسان

معرفة الإله باستيقان؟

والنطق بالشهادتين اعتبرا

لصحة الإيمان ممن قدرا

إِن صدق القلب وبالأعمال

يكون ذا نقص وذا إكمال

فذكر في هذا الكلام خمس مسائل من مسائل العقائد التى يسمونها أصول الدين:

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 39.

ص: 457

الأولى: اختلف في أول واجب فقيل النظر وقيل القصد إلى النظر وقيل المعرفة.

الثانية: هل يكتفي في مسائل الأصول بالتقليد أو غلبة الظن أو لابد من اليقين فذكر أن الواجب في معرفة الله هو اليقين.

الثالثة: هل يشترط في الواجب النطق بالشهادتين أو يصير مسلما بالمعرفة فذكر أنه لا يصير مسلما إلا بالنطق للقادر عليه والمخالف في ذلك جهم من تبعه وقد أفتى الإمام أحمد وغيره من السلف بكفر من قال إِنه يصير مسلما بالمعرفة. وتفرع على هذه مسائل (منها) من دُعيَ إلى الصلاة فأبي مع الإِقرار بوجوبها هل يقتل كفرا أوحدا.

الرابعة: إن ابن كرام وأتباعه يقولون إن الإيمان قول باللسان من غير عقيدة القلب مع أنهم يوافقون أهل السنة أَنه مخلد في النار فذكر أَنه لابد مع النطق بتصديق القلب.

الخامسة: المسألة المشهورة هل الأعمال من الإيمان ويزيد وينقص بها أم ليست من الإيمان والمخالف في ذلك أبوحنيفة ومن تبعه الذين يسمون مرجئة الفقهاء فرجح الناظم مذهب السلف أن الأعمال من الإيمان وأنه يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية.

إذا ثبت هذا فكل هذه المسائل واضحة إلا المسألة الأولى المسئول عنها وهي معرفة الإله ما هي؟ فينبغى التفطن لهذه فانها أصل الدين وهي الفارقة بين المسلم- والكافر وبيان ذلك أنه ليس المراد معرفة الإله

ص: 458

الإجمالية يعني معرفة الإنسان أن له خالقا فإنها ضرورية فطرية بل معرفة الإله هل هذا مختص بالله لا يشركه فيه ملك مقرب ولا نبي مرسل؟ أولغيره قسط منه فأما المسلمون أتباع الأنبياء، فإجماعهم على أنه مختص كما قال تعالى:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} (الأنبياء: 25) والكافرون يزعمون أنه هو الإله الأكبر ولكن معه آلهة. أخرى تشفع عنده وهذا باطل1.

وفي تفاوت الإيمان ومراتبه وعلو إيمان بعض المؤمنين على بعض- يقول الشيخ في جوابه عن سؤال استفتى به:

وأما قوله: {رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِي الْمَوْتَى} فمن أعظم الأدلة على تفاوت الإيمان ومراتبه، حتى الأنبياء: فهذا طلب الطمأنينة مع كونه مؤمنا، فإِذا كان محتاجا إلى الأدلة التى توجب الطمأنينة فكيف بغيره؟ ولذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيح "نحن أحق بالشك من إبراهيم".

وأما قوله في كلام البقرة والذيب "آمنت به أنا وأبو بكر وعمر" وليسا في ذلك المكان، فكان هذا من الإيمان بالغيب المخالف للمشاهدة، وذلك أن الناس يشاهدون البهائم لا تتكلم فلما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أن هذا جرى فيما مضى تعجبوا من ذلك مع إيمانهم فقال:"آمنت به أنا وأبو بكر وعمر" فلما ذكرهما لهذا المقام العظيم الذي طلب إبراهيم في مثله العيان

1 الدرر السنية، ج1ص 69، 70.

ص: 459

ليطئمن قلبه مع كونهما ليسا في المجلس دل ذلك، على أن إيمانهما أعلى من إيمان غيرهما خصوصا لما قرنهما بإيمانه صلى الله عليه وسلم 1.

ويعتقد الشيخ أن للإيمان حلاوة قد يجدها الإنسان وقد لا يجدها2، للحديث الذي رواه البخاري ومسلم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "ثلاث من كن فيه وجد بهن حلاوة الإيمان- أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله وأن يكره أن يعود في الكفر بعد إذ أنقذه الله منه كما يكره أن يقذف في النار".

وفي رواية: "لا يجد أحد حلاوة الإيمان حتى" إلى آخره. وعن ابن عباس رضي الله عنهما قال: "من أحب في الله، وأبغض في الله ووالى في الله، وعادى في الله، فإِنما تنال ولاية الله بذلك. ولن يجد عبد طعم الإيمان وإِن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك وقد صارت عامة مؤ اخاة الناس على أمر الدنيا وذلك لا يجدي على أهله شيئا" رواه ابن جرير- وقال ابن عباس في قوله تعالى: {وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبَابُ} (البقرة: 166) قال: المودة.

قال الشيخ فيه أعمال القلب الأربع التى لا تنال ولاية الله إلا بها ولا يجد أحد طعم الإيمان إلا بها3.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى رقم 15 ص 73، 74. (2) مؤلفات الشيخ، القسم الأول، كتاب التوحيد ص 89.

2 المصدر السابق ص 88، 89.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير ص 158، ص 172.

ص: 460

ويفسر الإيمان والتقوى في قوله تعالى: {لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ} (يوسف: 57) . فيقول: الإيمان يدخل فيه الدين كله، وأيضا يدخل كله في التقوى، أما إذا فرق بينهما كما هنا فالإيمان الأمور الباطنة، والتقوى الأمور الظاهرة. وإذا قلت: الإيمان فعل الواجبات والتقوى ترك المحرمات فقد أصبت1، ثم يذكرأن تفسير التقوى جاء في قوله تعالى:{وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ} (الزمر: 33) . وأن هذا أحسن ما فسرت به، فالمتقى يأتى بالصدق إن كان مخبرا، ويصدق بالصدق إن كان سامعا، وهذا هو الإحسان كما تبين بالآية بعده:{لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ} (الزمر: 34)2.

وفي قوله تعالى: {إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} (يوسف: 90) الجمع بين التقوى والإيمان ومعرفة الفرق بينهما، وأن من جمع بينهما فهو من المحسنين لقوله تعالى:{إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَيَصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} 3 (يوسف:90) .

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، ص 329.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، ص 158، وص 172.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 12 وص 213-214 وص 342، 351.

ص: 461

ويعتقد أن الإيمان بجميع شعبه حق، وما ناقضه باطل، فمن آمن الإيمان كله، ولم يلبس إيمانه بشرك كان من أهل الأمن في الآخرة والاهتداء في الدنيا لقوله تعالى:{الَّذِينَ آمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ} (الأ نعام:82)1.

ويدخل الإسلام في الإيمان، فإذا أفرد كقوله في الجنة:{أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} (الحديد: 21) فيدخل فيه الإسلام، وإذا ذكر الإسلام والإيمان كقوله:{إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} (الأحزاب: 35) - فالإسلام الأعمال الظاهرة والأيمان في القلب.

والإيمان أعلى من الإسلام، فيخرج الإنسان من الإيمان إلى الإسلام، ولا يخرجه من الإسلام إلى الكفر فيخرج الإنسان من الإيمان إلى الإسلام الذي ينفعه وإِن كان ناقصا كما في آية الحجرات:{وَإِنْ تُطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ لا يَلِتْكُمْ مِنْ أَعْمَالِكُمْ شَيْئاً} (الحجرات: 14) .

وحقيقة الأمر أن الإيمان يستلزم الإسلام قطعا، وأما الإسلام فقد يستلزم الإيمان وقد لا يستلزمه2.

ويعتقد الشيخ أن الإيمان بجميع شعبه وأركانه مرتبة عالية من مراتب

1 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى، المسألة رقم 13 ص 56، 57.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، ثلاثة الأصول ص 191.

ص: 462

دين الإسلام1.

ودين الإسلام وسط بين طرفين، وهدى بين ضلالتين، وحق بين باطلين2.

واذا لاح واتضح لم يضره كثرة المخالف ولاقلة الموافق3.

وأن الإيمان يزيد بالطاعة والأعمال الصالحة وينقص بالمعصية، وهو يتجزأ ولا يلزم إذا ذهب بعضه أن يذهب كله. ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه أدنى مثقال ذرة من إيمان.

قال الشيخ فيما لخصه عن شيخ الإسلام ابن تيمية: "تواترات الأحاديث بخروج من قال: لا إله إلا الله من النار إذا كان في قلبه من الخير ما يزن شعيرة أوخردلة أو ذرة، وكثير منهم أو أكثرهم يدخلها، وتواترت أنه يحرم على النار من قال لا إله إلا الله، لكن جاءت مقيدة بالإِخلاص، واليقين، ويموت عليها، فكلها مقيدة بهذه القيود الثقال، وأكثر من يقولها لا يعرف الإخلاص ولا اليقين، ومن لا يعرف ذلك يخشى عليه أن يفتن عنها عند الموت، وغالبهم إنما يقولها تقليدا أو عادة، وغالب ما يفتن عند الموت أو في القبر أمثال هؤلاء، كما في الحديث

1 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، ثلاثة الأصول ص 191.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كشف الشبهات ص 169.

3 مؤلفات الشيخ، القسم الثالث، الفتاوى ص 88، 89.

ص: 463

سمعت الناس يقولون شيئا فقلته، وغالب أعمال هؤلاء إنما هو تقليد أواقتداء بأمثالهم، وهم أقرب الناس من قوله:{إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ} الآية (الزخرف: 22) - فلا منافاة بين الأحاديث، فإنه إذا قالها بإخلاص ويقين ومات عليها امتنع أن تَرْجَحَ سيئاته، فإن كان قالها على الكمال المانع من الشرك الأصغر والأكبر فهو غير مصر على ذنب، وإِن كان على وجه خلص به من الأكبر ولم يأت بعدها بما يناقض ذلك فهذه الحسنة لا يقاومها شىء من السيئات فترجح بها الحسنات كما في حديث البطاقة وهذا خلاف من رجحت سيئاته، لأنه معه الشرك الأصغر وأتى بعد ذلك بسيئات تنضم إلى ذلك الشرك فترجح سيئاته، فإن السيئات تضعف الإيمان واليقين، فيضعف قول لا إله إلا الله، فيمتنع الإخلاص في القلب، فيصير المتكلم بها كالهاذي، أوالنائم أو من يحسن صوته بآية من القرآن من غير ذوق طعم ولا حلاوة فالذي قالها بيقين وصدق تام إما ألا يكون مصرا على سيئة أو يكون توحيده المتضمن لصدقه ويقينه رجح حسناته، والذين دخلوا النار فاتهم أحد الشرطين1.

ويرى أن قلب الإنسان يجتمع فيه الضدان، المعرفة والإِنكار، والعلم والجهل، والإيمان والكفر، والحكم للغالب منهما2.

1 مؤلفات الشيخ، ملحق المصنفات، مسائل ملخصة، ص 70- ا 7.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الأول، العقيدة، كتاب التوحيد ص 108 والقسم الخامس، الشخصية رقم 18 ص 122 والقسم الرابع التفسير، البقرة ص 24.

ص: 464

فقد يكون في الرجل مادتان، فأيهما غلبت عليه كان من أهلها، فإِن أراد الله بعبده خيرا طهره قبل الموافاة فلا يحتاج إلى تطهيره بالنار. وحكمته تعالى تأبى أن يجاوره العبد في داره بخبائثه، فيدخل النار طهرة له وإِقامة هذا النوع فيها على حسب سرعة زوال الخبائث وبطئها ولما كان المشرك خبيث الذات لم تطهره النار، كالكلب إذا دخل البحر. ولما كان المؤمن الطيب بريئا من الخبائث، كانت النار حراما عليه إذ ليس فيه ما يقتضى تطهيره، فسبحان من بهرت حكمته العقول1.

ويفرق بين الكفر الأكبر المخرج من الملة والكفر الذي هو دونه ولا يخرج من الملة وكذلك الشرك ويقول: كيف تعجبون من كلامي في رجل من المتأخرين غلط في قوله يا أكرم الخلق، ولا تفطنون لمثل قول أنس بن مالك في أهل زمانه: ما أعرف فيهم شيئا مما أدركت إلا هذه الصلاة وهذه الصلاة قد ضيعت. هل تظنون هذا المتأخر خيرا وأعلم من أولئك؟ ولكن هذه الأمور لا علم لكم بها وتظنون أن من وصف شركا أو كفرا أنه الكفر الأكبر المخرج عن الملة2.

ويعتقد الشيخ أنه: لا بد من استدامة حال الإيمان حتى يموت عليه

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، مختصر زاد المعاد ص 12.

2 مؤلفات الشيخ، القسم الخامس، الشخصية رقم 11 ص 66 وص 71 والقسم الثالث الفتاوى، المسألة 13، ص 56، 57.

ص: 465

كما قال الله تعالى: {وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ} 1 (الحجر: آخرها) .

فإن الأعمال بالخواتيم2، والعبرة بكمال النهاية لا نقص البداية3 ونسأل الله حسن الختام.

هذا ومن خلال ما مر بنا في هذا الفصل عن مجمل عقيدة الشيخ السلفية تبين لنا أنها الإيمان بأركان الإيمان الستة، وهذا هو الإيمان الشرعى ونظرا لأهمية الإيمان بالله تعالى، بأنه الله الذي لا إله إلا هو وحده لا شريك له سنتاول ذلك بشىء من التفصيل لأن ذلك أصل الأصول، وقد آن لنا أن ننتقل إلى التعرف على عقيدة الشيخ في توحيد الله من مقاميه مقام الخبر، ومقام الطلب، وإلى ذلك في الفصل التالي.

1 مؤلفات الشيخ، القسم الرابع، التفسير، الأعراف ص 49 والحجر ص 197، والزمر ص 322.

2 المصدر السابق، القسم الأول، كتاب التوحيد ص 55.

3 المصدر السابق، القسم الرابع التفسير، العلق ص 370.

ص: 466