المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الصَّلِيب والاستعمار الصليبي.. هَذَا هُوَ الْغَرَض الَّذِي يَرْمِي إِلَيْهِ كل - علاقة المعسكر النصراني الصليبي بالمسلمين عبر التاريخ ومنطلقاتها الأساسية

[زهير الخالد]

الفصل: الصَّلِيب والاستعمار الصليبي.. هَذَا هُوَ الْغَرَض الَّذِي يَرْمِي إِلَيْهِ كل

الصَّلِيب والاستعمار الصليبي.. هَذَا هُوَ الْغَرَض الَّذِي يَرْمِي إِلَيْهِ كل من يُنَادي بالتدويل..

أَيهَا الْأُخوة: نخرج من هَذَا الْعرض الموجز أَن المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي يشْعر بِأَن لَهُ فِينَا ثأر قديم ينْتَظر أَيَّة فرْصَة وبادرة كي يثأر لنَفسِهِ وينتقم منا وَهَذَا الثأر من الرّوح الصليبية يشكلان مُنْطَلقًا جوهرياً وأساسياً لنظرته إِلَيْنَا ومعاملته لنا، وعلاقته بِنَا..

ص: 104

‌الْمصَالح الْآنِية:

أَيهَا الْإِخْوَة: لقد كَانَ للمعسكر النَّصْرَانِي فِي صراعه مَعَ الْمُسلمين لَا سِيمَا فِي الحَدِيث جولات اجتاح فِيهَا الْعَالم الإسلامي بجيوشه من عسكريين ومبشرين وفنيين وخبراء وَسوى ذَلِك، وَقد أجْرى خلال ذَلِك - وَمَا زَالَ يجْرِي دراسات هَامة ودقيقة عَن الْعَالم الإسلامي، وطبيعة أرضه وشعوبه وثرواته، خدمَة لأغراضه هُوَ ومصالحه قبل غَيره، ولتمديد فَتْرَة وجوده وبقائه فِيهِ، واستعماره لَهُ، واستغلاله لخيراته أطول فَتْرَة مُمكنَة، وَذَلِكَ فِي حَال عَجزه عَن رد الْمُسلمين عَن دينهم أَو إبادتهم وتصفيته تصفية جسدية، وَقد خرج من هَذِه الدراسات بنتائج جد هَامة.

1 -

وجد أَن الْعَالم الإسلامي يَمْتَد على رقْعَة من الأَرْض كَبِيرَة جدا تمتد من أواسط أوروبا حَتَّى أواسط روسيا فأواسط الصين، ثمَّ ينحدر نَحْو الْجنُوب الشَّرْقِي ليشْمل جنوب شَرْقي آسيا حَتَّى أستراليا ثمَّ يتَّجه نَحْو الْجنُوب ليشْمل إفريقيا كلهَا تَقْرِيبًا حَتَّى أسبانيا (الأندلس الفردوس الْمَفْقُود) .

وَوجد أَن هَذَا الْعَالم الإسلامي المترامي الْأَطْرَاف يضم جوانحه على أهم

ص: 104

الْبحار الَّتِي تجْرِي على سطحها مُعظم تِجَارَة الْعَالم، وَأَنه يملك مُعظم سواحلها ومداخلها، كالمحيط الْهِنْدِيّ وَالْبَحْر الْأَحْمَر والأبيض، وَالْأسود، والساحل الشَّرْقِي للمحيط الأطلسي من رَأس الرَّجَاء الصَّالح حَتَّى مضيق جبل طَارق، وَأَنه إِذا كَانَت بعض دوَل المعسكرات الْجَاهِلِيَّة الْأُخْرَى تشاركه فِي السيطرة على الْقَلِيل من سواحل هَذِه الْبحار، فَإِنَّهُ ينْفَرد دونهَا بامتلاك مداخلها والسيطرة عَلَيْهَا..فمثلاً:

الْمُحِيط الْهِنْدِيّ: مدخله من الشرق: مضيق مالقا بَين جَزِيرَة سومطرة مشبه جَزِيرَة الملايو من إندونيسيا الْمسلمَة.

وَأما مدخله من الشمَال الغربي فَهُوَ مضيق بَاب المندب، بَين الجزيرة الْعَرَبيَّة والصومال الْمسلمَة.

الْبَحْر الْأَحْمَر: مدخله الجنوبي: هُوَ مضيق بَاب المندب الْمَذْكُور آنِفا، أما مدخله الشمالي فقناة السويس (الشريان الحيوي لرفاهية أوروبا وأمريكا) .

الْبَحْر الْأَبْيَض الْمُتَوَسّط: مدخله من الْجنُوب قناة السويس. وَمن الشمَال البوسفور والدردنيل فِي أَرض مسلمة (تركيا) .

الْبَحْر الْأسود: مدخله الوحيد هُوَ من الْجنُوب وَهُوَ من الْجنُوب مضيقا البوسفور والدردنيل الْمَذْكُورين.

فَمَاذَا يَعْنِي هَذَا الْموقع الاستراتيجي للْعَالم الإسلامي؟

إِنَّه يَعْنِي أَن الْأمة الْمسلمَة عملاق كَبِير يجلس على رقْعَة كَبِيرَة من الكرة الأرضية وتمر من تَحْتَهُ كل قوافل التِّجَارَة العالمية وكل وَسَائِل الرفاه الدولي، وَإِن المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي لَا يَسْتَطِيع الِاسْتِغْنَاء عَن هَذِه الطّرق البحرية، وَمعنى ذَلِك أَن تِجَارَته العالمية ورفاهية شعوبه متعمدة اعْتِمَادًا كَبِيرا على الْعَالم الإسلامي.. هَذِه وَاحِدَة..

ص: 105

2 -

والنتيجة الثَّانِيَة الَّتِي وجدهَا المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي عقب دراسته الْمشَار إِلَيْهَا: أَن الله سُبْحَانَهُ قد حبا الْعَالم خيرات كَثِيرَة هائلة وكنوزاً ضخمة ظَاهِرَة وباطنة، تشكل عصب الْحَيَاة لصناعاته وحياته.. فالعالم الإسلامي يملك نِسْبَة عالية من الثروات العالمية المعدنية والنباتية والحيوانية.. فمثلاً: ينْتج الْعَالم الإسلامي 31

من جملَة الإنتاج العالمي للبترول، وَيملك فِي جَوْفه3 ،69

من احتياطي البترول العالمي، وينتج أَكثر من 28

من جملَة الإنتاج العالمي للكروم و 23

من الانتاج العالمي من الفوسفات، وَنسبَة كَبِيرَة من اليورانيوم والنوريوم، وَهَذَا كُله سوى الْحَدِيد وَالذَّهَب وَالْفِضَّة والنحاس، وَكَذَلِكَ الثروات النباتية كالأخشاب والقطن والمطاط وَأَيْضًا الثروات الحيوانية..

هَذِه الإحصائيات هِيَ مَا يَقُوله خبراء الْعَالم فَمَاذَا يَعْنِي هَذَا؟ إِنَّه يَعْنِي أَن الْعَالم يَأْتِي إِلَيْنَا ليستجدي منا لقْمَة الْعَيْش وكفاف الْحَيَاة1.

وَهَذَا يَعْنِي أَيْضا: أَن صناعات المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي تقوم على مَا ينتجه الْعَالم الإسلامي ويملكه الْمُسلمُونَ من مواد أولية..هَذَا من جِهَة..

وَمن جِهَة أُخْرَى تقوم صناعاته أَيْضا على أسواق تصريفها فِي الْعَالم الإسلامي، لِأَن المصنوعات إِذا لم تَجِد لَهَا أسواقاً فَإِنَّهَا تقف.. فالعالم الإسلامي إِذن هُوَ مصدر أَو نبع للمواد الخام الَّتِي يحتاجها المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي2 لصناعاته، وَهُوَ - أَي الْعَالم الإسلامي - سوق لتصريف صناعات المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي3.

أَيهَا الْإِخْوَة: إِن هَذَا الْموقع الممتاز للْعَالم الإسلامي وسيطرته على طرق التِّجَارَة البحرية ومدخلها وَهَذِه الثروات الضخمة الَّتِي يملكهَا الْمُسلمُونَ

1 - انْظُر مجلة الْبَلَاغ الكويتية عدد 186 تَارِيخ 26/12/92 هـ ص35 - 36 عَن كتاب: الْإِسْلَام خلاصنا للأستاذ هادي المدرسي.

2 -

3 وَكَذَلِكَ المعسكرات الْأُخْرَى إِلَّا أَن حديثنا هُنَا عَن المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي.

ص: 106

واعتماد المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي على هَذَا الْموقع وَهَذِه الثروات لَهُ دلَالَته عَنْهُم.. وَهِي: أَن مَصَالِحه الحيوية مرتبطة ارتباطاً وثيقاً بالعالم الإسلامي، وَلَكِن هَذَا المعسكر بدافع الرّوح الصليبية الحاقدة، والثأر الْقَدِيم، لَا يُرِيد أَن يُعَامل الْمُسلمين مُعَاملَة كَرِيمَة لائقة أَو مُعَاملَة الْمثل بِالْمثلِ على الْأَقَل، وَإِنَّمَا يُرِيد استعمارهم واستعبادهم وإذلالهم والانفراد بخيرات بِلَادهمْ دونهم! وَمن ثمَّ فَهُوَ يدْرك أَنه لن يصل إِلَى مَا يُريدهُ من استعمار الْمُسلمين بخيرات أَرضهم دونهم إِلَّا فِي غَفلَة مِنْهُم وَفِي حَال بعدهمْ عَن مصدر قوتهم وَهُوَ إسْلَامهمْ الْعَظِيم، وَمن ثمَّ يعْمل جاهداً للإبقاء على الْمُسلمين فِي حَالَة نوم عميق وغفلة طَوِيلَة.. ويحذر حذرا شَدِيدا أَيَّة صحوة لَهُم، ويحارب بِلَا هوادة كل شخص أَو حَرَكَة تُرِيدُ تَنْبِيه الْمُسلمين عملاق مَتى مَا صَحا وعادت إِلَيْهِ قوته بعودته إِلَى دينه ووحدته سيطرة وبقوة على التِّجَارَة العالمية وتحكم فِي صناعات الْعَالم، وَأمْسك بلقمة عيشهم وَفرض هيبته وسلطانه وأخضع كَافَّة المعسكرات الْجَاهِلِيَّة لإرادته وَسَهل عَلَيْهِ بعد ذَلِك نشر دينه بَين شعوبها، وَهَذَا مَا تحذره وتخافه أَشد الْخَوْف والحذر - كَمَا سَيَأْتِي إِن شَاءَ الله تَعَالَى مَعنا فِي الْفَقْرَة الثَّالِثَة والأخيرة -

وَيضمن لَهُ استعمار الْعَالم الإسلامي واستعباد شعوبه والانفراد دونهم بخيراتهم هُوَ نشر النَّصْرَانِيَّة وأفكارها بَين الْمُسلمين وتغريبهم (أَي نشر الأفكار الغربية بَينهم) 1 وكل مَا من شَأْنه أَن يضعف صلَة الْمُسلمين بِإِسْلَامِهِمْ ويردهم عَنهُ..وَمن هُنَا كَانَ الاهتمام الْكَبِير من الحكومات والمؤسسات الاقتصادية والهيئات السياسية فِي المعسكر النَّصْرَانِي الصليبي بالتبشير والأعمال التبشيرية فِي الْعَالم الإسلامي، والإنفاق بسخاء على المبشرين الَّذين يعْملُونَ بَين الْمُسلمين، وينشرون الْفساد والإنحلال فِي مجتمعاتهم.

ورد فِي كتاب الْغَارة على الْعَالم الإسلامي مَا يَلِي:

1 - انْظُر خطاب القسيس زويمر فِي نِهَايَة هَذِه المحاضرة.

ص: 107

" وَلما انْتَهَت اللجنة من أَعمالهَا قَالَ اللورد بلفور1، رَئِيس الشّرف: إِن المبشرين ساعد لكل الحكومات فِي أُمُور هَامة، ولولاها لتعذر عَلَيْهَا أَن تقاوم كثيرا من العقبات، وعَلى هَذَا فَنحْن فِي حَاجَة إِلَى لجنة دائمة يناط بهَا التَّوَسُّط وَالْعَمَل لما فِيهِ مصلحَة المبشرين.

"فَأُجِيب اللورد بلفور إِلَى اقتراحه وتشكلت لجنة مختلطة ولجنة لمواصلة الْعَمَل وَقَالَ: م. ن. اكسنفلد عَن المؤتمر الاستعماري الألماني:

"إِن المؤتمر الاستعماري امتاز بميزتين:

الأولى: أَنه بحث فِي الشؤون الصناعية والاقتصادية.

وَالثَّانيَِة: إجماعه على وجوب ضم الْمَقَاصِد السياسية والاقتصادية إِلَى الْأَعْمَال الأخلاقية والدينية فِي سياسة الاستعمار الألماني.

ثمَّ اسْتشْهد بقول (شنكال) رَئِيس غرفَة التِّجَارَة فِي همبرغ: إِن نمو ثروة الاستعمار مُتَوَقف على أهمية الرِّجَال الَّذين يذهبون إِلَى المستعمرات، وأهم وَسِيلَة للحصول على هَذِه الأمنية إِدْخَال الدّين المسيحي فِي الْبِلَاد المستعمرة، لِأَن هَذَا هُوَ الشَّرْط الْجَوْهَرِي للحصول على هَذِه الأمنية المنشودة حَتَّى من الوجهة الاقتصادية ".

ثمَّ قَالَ: " وتوسعوا فِي القَوْل حَتَّى خيّل للْجَمِيع أَن المؤتمر الاستعماري تحول إِلَى مؤتمر تبشيري..".

وَورد فِي الْكتاب الْمَذْكُور أَيْضا وَهُوَ (الْغَارة على الْعَالم الإسلامي) ذكر لبَعض الإحصائيات الَّتِي تبين مدى الاهتمام والمساعدات الْكَبِيرَة الَّتِي يلقاها المبشرون الأمريكان من أَغْنِيَاء أمتهم ومتمولي بِلَادهمْ الَّذين يمدونهم بالأموال الطائلة لأَدَاء مهمتهم التبشيرية فِي الْعَالم الإسلامي..

1 - اللورد بلفور هُوَ نَفسه صَاحب الْوَعْد المشؤوم للْيَهُود بإنشاء كيان لَهُم فِي فلسطين الْمسلمَة.

ص: 108