الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اقسام ما يجري صفة أو خبرا على الرب
…
النص المحقق
بسم الله الرحمن الرحيم
قال الإمام العلامة المحقق شمس الدين أبو عبد الله محمد ابن أبي بكر الزرعي الشهير بابن قيم الجوزية رحمه الله تعالى في كتابه القيم "بدائع الفوائد"ما نصه:
فائدة جليلة: ما يجري صفةً أو خبراً على الرب تبارك وتعالى أقسامٌ:
أحدها: ما يرجعُ إلى نفس الذات؟ كقولك: ذات وموجود وشيء.
الثاني: ما يرجعُ إلى صفاتٍ معنويةٍ، كالعليم والقدير والسميع.
الثالث: ما يرجعُ إلى أفعاله؛ نحو: الخالق والرزاق.
الرابع: ما يرجعُ إلى التنزيه المحض. ولابد من تضمنه ثبوًا إذ لا كمال في العدم المحض؟ كالقدوس السلام.
الخامس: ولم يذكره أكثرُ الناس، وهو الاسم الدال على جملة أوصافٍ عديدةٍ لا تختصُ بصفةٍ معينةٍ، بل هو دالٌ على معانٍ1 لا على معنى مفردٍ؛ نحو: المجيد العظيم الصمد، فإنَّ المجيد من اتصف بصفاتٍ متعددةٍ من صفات الكمال، ولفظه يدل على هذا، فإنَّه موضوعٌ للسعة والكثرة والزيادة،
1 في (المطبوعة)"معناه"وفي (ص)"معاني".
ومنه قولهم: "في كل شجر نار واستمجد المَرْخُ والعَفارُ"1 وأمجد الناقة علفًا، ومنه {ذُو الْعَرْشِ الْمَجِيدُ} 2 صفة للعرش لسعته وعظمه وشرفه.
وتأمل كيف جاء هذا الاسمُ مقترنًا بطلب الصلاة من الله على رسوله كما علمناه صلى الله عليه وسلم3؛ لأنه في مقام طلب المزبد
1 في جميع النسخ الخطية والمطبوعة "فمنه استمجد المرخ والعفار"والمثبت من لوامع الأنوار (1/ 123) . وقد وقع في المطبوعة "الغفار"بإعجام العين، وفي (ب)"العقار"وكلاهما خطأ.
قال الأزهري في تهذيب اللغة (10/ 683) : "ومن أمثال العرب: في كل الشجر نار، واستمجد المَرْخُ والعَفارُ؛ أي: استكثرا من النار فصلحا للاقتداح بهما"اهـ. والمَرْخُ: شجر سريع الوري، والعَفارُ: شحر يتخذ منه الزِّناد.
2 سورة البروج، الآية:15. وقد جاء في المطبوعة وجميع النسخ الخطية (رب العرش المجيد) وهو خطأ.
3 يشير رحمه الله إلى ما ثبت في الصحيحين وغيرهما عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: "لقني كعب بن عُجرة فقال: ألا اهدي لك هدية؟ إن النبي صلى الله عليه وسلم، خرج علينا فقلنا يا رسول الله، فد علمنا كيف نسلم عليك، فكيف نصلي عليك؟ قال: "قولوا اللهمَّ صلِّ على محمد وعلى آل محمد كما صلَّيت على إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيدٌ، البخاري (رقم: 57 63) ومسلم: (رقم406) .
والحديث مرويٌ عن غبر واحد من الصحابة منهم: عقبة بن عمرو، وأبو مسعود الأنصاري، وأبو حميد الساعدي وغيرهم رضي الله عنهم. وانظر "فضل الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم: لإسماعيل بن إسحاق القاضي بتحقيق العلامة الألباني رحمه الله، انظر رسالة الوالد الشيخ عبد المحسن العباد "الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم فضلها وكيفيتها". وهي مطبوعة متداولة.
والتعرض لسعة العطاء وكثرته ودوامه، فأتى في هذا المطلوب باسم يقتضيه1؛ كما تقول: اغفر لي وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم، ولا يحسن إنك أنت السميع البصير، فهو راجعٌ إلى المتوسل إليه2 بأسمائه وصفاته، وهو من أقرب الوسائل وأحبها إليه.
ومنه الحديث الذي في المسند والترمذي: "أَلِظُّوا بياذا الجلال والإكرام " 3 ومنه: "اللهم إني أسألك بأن لك الحمد
1 في (المطبوعة)"تقتضيه".
2 في (ص)"التوسل إليه"
3 رواه أحمد (4/ 177) والحاكم (1/ 498) وابن منده في التوحيد (2/ 202) من طريق عبد الله بن المبارك عن يحيى بن حسان عن ربيعة بن عامر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: فذكره.
وقال الحاكم "صحيح الإسناد ولم يخرجاه"، ووافقه الذهبي وصححه الألباني. انظر السلسلة الصحيحة (4/ 49) . ورواه الترمذي (رقم 3524) من حديت أنس بن مالك، وقال:"حديت غريب".
لا إله إلا أنت المنان بديعُ السموات والأرض يا ذا الجلال والإكرام " 1.
فهذا سؤالٌ له وتسولٌ إليه بحمده2، وأنه الذي لا إله إلا هو المنان، فهو توسلٌ إليه بأسمائه وصفاته، وما أحق ذلك بالإجابة وأعظمه موقعًا عند المسؤول، وهذا بابٌ عظيمُ من أبواب التوحيد أشرنا إليه إشارةً، وقد فتح لمن بصره الله.
ولنرجع إلى المقصود وهو وصفه تعالى بالاسم المتضمن لصفاتٍ عديدةٍ، فالعظيم من اتصف بصفات كثيرة من صفات الكمال وكذلك الصمد، قال ابن عباس:"هو السيد الذي كمل ني سؤدده"3. وقال أبو وائل4: "هو السيد الذي
1 رواه أحمد (3/ 120) وأبو داود (رقم: 1495) وابن ماجه (رقم: 3858) والنسائي (3/52) والحاكم (1/504) وصحح الألباني إسناده. انظر "التوسل أنواعه وأحكامه"(ص 30) .
2 في (المطبوعة) و (ب) و (خ)"وبحمده"
3 رواه ابر جرير في تفسيره (15/346) .
4 في (المطبوعة) و (خ) و (ب)"ابن وائل"، وهو خطأ، وأبو وائل هو: شقيق بن سلمة الأسدي ثقة مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة "التقريب".
انتهى سؤدده"1.
وقال عكرمة: "الذي ليس فوقه أحد"2.
وكذلك قال الزجاج: "الذى ينتهي إليه السؤدد ففد صمد له كل شيء"3.
وقال ابن الأنبارى: "لا خلاف بين أهل اللغة أنَّ الصمد السيد الذي ليس فوقه أحد الذي يصمد إليه الناس في حوائجهم وأمورهم"4 واشتقاقه يدل على هذا، فإنَّه من الجمع والقصد، فهو5 الذي اجتمع القصد نحوه، واجتمعت فيه صفات السؤدد، وهذا أصله في اللغة كما قال6:
1 رواه ابن جرير (15/ 346) .
2 ذكره ابن تيمية في تفسير سورة الإخلاص. الفتاوى (17/ 216) .
3 انظر معاني القرآن وإعرابه للزجاج (5/ 377، 378) .
4 نقله ابن تيمية في تفسير سورة الإخلاص. الفتاوى (17/ 216) .
5 "فهو"ساقطة من (المطبوعة) و (ب) و (خ) .
6 القائل هو: سبرة بن عمرو الأسدي، وقيل هو لهند بنت معبد بن نضلة تبكي عميها اللذين قتلهما النعمان انظر "مجاز اللغة"لأبي عبيدة (2/ 316) وهامشه.
ألا بكر الناعي بخيري بني أسد
…
بعمرو بن يربوع1 وبالسيد الصمد
والعرب تسمي أشرافها بالصمد؛ لاجتماع قصد القاصدين إليه، واجتماع صفات السيادة فيه.
السادس: صفة تحصل من اقتران أحد الاسمين والوصفين بالآخر، وذلك قدرٌ زائدٌ على مفرديهما؛ نحو: الغني الحميد، العفو القدير، الحميد المجيد، وهكذا عامة الصفات المقترنة والأسماء المزدوجة في القرآن. فإنَّ الغني صفة كمال، والحمد كذلك، واجتماع الغني مع الحمد كمال آخر، فله ثناءٌ من غناه، وثناءٌ من حمده، وثناءٌ من اجتماعهما. وكذلك العفو القدير، والحميد المجيد2، والعزيز الحكيم، فتأمله فإنَّه من أشرف المعارف.
وأما صفات السلب المحض فلا تدخل في أوصافه تعالى إلا
1 ورد البيت في "مجار اللغة"و"تفسير الطبري"وغيرهما بلفظ: "بعمرو بن مسعود".
2 من قوله: "وهكذا عامة
…
"إلى قوله: "
…
والحميد المجيد، ساقط من (ب)
أن تكون متضمنةً لثبوتٍ؛ كالأحد المتضمن لانفراده بالربوبية والإلهية، والسلام المتضمن لبراءته من كل نقص يضاد كماله، وكذلك الإخبار عنه بالسلوب إنما1 هو لتضمنها ثبوتًا كقوله تعالى:{لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ} 2 فإنَّه متضمنٌ لكمال حياته وقيوميته، وكذلك قوله تعالى:{وَمَا مَسَّنَا مِنْ لُغُوبٍ} 3 متضمنٌ لكمال قدرته، وكذلك قوله:{وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ} 4 متضمنٌ لكمال علمه، وكذلك قوله:{لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ} 5 متضمنٌ لكمال صمديته وغناه، وكذلك قوله:{وَلَمْ يَكُنْ لَهُ كُفُواً أَحَدٌ} 6 متضمنٌ لتفرده بكماله وأنه لا نظير له، وكذلك قوله تعالى:{لا تُدْرِكُهُ الأَبْصَارُ} 7 متضمنٌ لعظمته وأنَّه جلَّ عن أن يُدرك بحيث يحاط به، وهذا مطردٌ في كلِّ ما وصف به نفسه من السلوب.
1 "إنما"زيادة من لوامع الأنوار.
2 سورة البقرة، الآية:255.
3 سورة ق، الآية:38.
4 سورة يونس، الآية:61. وقع في (خ) و (المطبوعة) : "لا يعزب ".
5 سورة الإخلاص، الآية:3.
6 سورة الإخلاص، الآية:4.
7 سورة الأنعام، الآية:103.