الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
اختلاط المال الحلال بالحرام
المفتي
عطية صقر.
مايو 1997
المبادئ
القرآن والسنة
السؤال
رجل كسبه مختلط فيه الحلال والحرام هل يجوز أكل شىء منه؟
الجواب
قال الإمام الغزالى فى كتابه "إحياء علوم الدين"ج 2 ص 93: لو اختلط حرام لا يحصر بحلال لا يحصر، كحكم الأموال فى زماننا هذا لا يحرم تناول شىء منه ما دام محتملا الحلال والحرام، إلا أن يقترن بتلك العين علامة تدل على أنه من الحرام، والدليل:
1 -
أن أثمان الخمور ودراهم الربا من أيدى أهل الذمة مختلطة بالأموال، وكذلك غلول الأموال وغلول الغنيمة، ومن يوم أن نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الربا فى حجة الوداع ما ترك الناس الربا بأجمعهم، كما لم يتركوا شرب الخمور ولا تركوا المعاصى، وأدرك أصحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الأمراء الظلمة ولم يمتنع أحد منهم عن الشراء والبيع فى السوق بسبب نهب المدينة، وقد نهبها أصحاب يزيد ثلاثة أيام، والأكثرون لم يمتنعوا عن تلك الأموال مع الاختلاط وكثرة الأموال المنهوبة فى أيام الظلمة.
2 -
لو فتح هذا الباب لانسد باب جميع التصرفات وخرب العالم، إذ الفسق يغلب على الناس، ويتساهلون بسببه فى شروط البيع فى العقود، ويؤدى ذلك إلى الاختلاط، ولو قيل: إن الحرام كثر عن أيام السلف فيجب ترك المختلط بالحلال الآن أقول: ليس حراما وإنما الورع تركه.
وفى "ص 96": لو طبق الحرام الدنيا حتى علم يقينا أنه لم يبق فى الدنيا حلال كنت أقول نستأنف تمهيد الشروط من وقتنا ونعفو عما سلف ونقول: ما جاوز حده انعكس إلى ضده، فمهما حرم الكل حل الكل، وذلك لأن الناس لو تركوا الأكل منه ماتوا عن أخرهم، ولو اقتصروا على قدر الضرورة فسيئول أمرهم إلى الموت، فالذى نراه أن كل ذى يد على ما فى يده، وهو أولى به، لا يجوز أن يؤخذ منه سرقة وغصبا، بل يؤخذ برضاه، والتراضى هو طريق الشرع.
وقال فى صفحة 108: شخص معين خالط ماله الحرام مال حلال، فإن كان الأكثر حراما لا يجوز الأكل من ضيافته ولا قبول هديته وصدقته إلا بعد التفتيش، فإن ظهر أن المأخوذ من وجه حلال فذاك، وإلا ترك، وإن كان الحرام أقل والمأخوذ مشتبه فهذا فى محل النظر.
وفى ص 109 قال: فإن قيل: روى عن علىَّ الترخيص فى أخذ ما يعطيه السلطان له، وابن مسعود بجواز الأخذ من الجار صاحب المال الخبيث وقال: عليه المأثم ولك المهنأ، وقال بجواز الأكل من الجار الذى يتعامل بالربا، ورويت عنه روايات كثيرة مختلفة، وأخذ الشافعى ومالك جوائز الخلفاء والسلاطين، مع العلم بأنه خالطه حرام.
ويرد الغزالى بقوله: علىّ كان شديد الورع فليس معقولا أن يرخص فى ذلك، وإن كان يمكن الترخيص فى مال السلطان لكثرة ما فيه من حلال، وكذلك ما نقل عن الشافعى ومالك، لأن الحلال أكثر فى مال السلطان.
وأما قول ابن مسعود فنقله عنه خَوَّات التيمى، وهو ضعيف الحفظ، وابن مسعود اشتهر بتوقى الشبهات.
وفى ص 110 قال: ليس له أن يسأل صاحب الطعام والمال إذا لم يأمن غضبه إذا كان الحلال أكثر، أما إذا كان الحرام أكثر فعليه أن يسأل ولا يبالى بغضبه، لأنه ظالم.
وفى ص 117 قال: إن كان فى يده حلال وحرام أو شبهة وليس يفضل الكل عن حاجته فإذا كان له عيال فليختص نفسه بالحلال ويطعم أولاده الحرام بقدر الحاجة ويقدم الأهم على المهم.
هذه الصورة مفروضة فى أن الرجل محتاج، أما غير المحتاج فلا يطعم أولاده الحرام.
وفى ص 118 قال: إذا كان الحرام أو الشبهة فى يد أبويه فليمتنع من مؤاكلتهما، فإن كانا يسخطان فلا يوافقهما على الحرام المحض بل ينهاهما، فلا طاعة لمخلوق فى معصية الخالق، فإن كان شبهة وكان امتناعه للورع فقد عارضه أن الورع طلب رضاهما، بل هو واجب، فليتلطف فى الامتناع، فإن لم يقدر فليوافق وليقلل الأكل ولا يتوسع، ولو ألبسته أمه ثوبا من شبهة وكانت تسخط برده فليقبل وليلبسه بين يديها، ولينزعه فى غيبتها.
هذا، وقد جاء فى تفسير القرطبى"ج 2 ص 09 ا"ما نصه:
قال ابن خُوَيْزِ منداد: وأما أخذ الأرزاق "المرتبات " من الأئمة الظلمة فلذلك ثلاثة أحوال.
إن كان جميع ما فى أيديهم مأخوذا على موجب الشريعة فجائز أخذه، وقد أخذت الصحابة والتابعون من يد الحجاج وغيره.
وإن كان مختلطا حلالا وظلما كما فى أيدى الأمراء اليوم فالورع تركه، ويجوز للمحتاج أخذه، وهو كلصٍّ فى يده مال مسروق ومال جيد حلال قد وكَّلَه فيه رجل، فجاء اللص يتصدق به على إنسان، فيجوز أن تؤخذ منه الصدقة، وإن كان من الجائز أن يتصدق اللص ببعض ما سرق إذا لم يكن شىء معروف بنهب، وكذلك لو باع أو اشترى كان العقد صحيحا لازما، وإن كان الورع التنزه عنه، وذلك أن الأموال لا تحرم بأعيانها وإنما تحرم لجهاتها.
وإن كان ما فى أيديهم ظلما صراحا فلا يجوز أن يؤخذ من أيديهم، ولو كان ما فى أيديهم من المال مغصوبا غير أنه لا يعرف له صاحب ولا مطالب فهو كما لو وجد فى أيدى اللصوص وقطاع الطرق، ويجعل فى بيت المال وينتظر طالبه بقدر الاجتهاد، فإذا لم يعرف صرفه الإمام فى مصالح المسلمين