المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌سورة المدثر هي خمس أو ست وخمسون آية وهي مكيّة في - فتح البيان في مقاصد القرآن - جـ ١٤

[صديق حسن خان]

الفصل: ‌ ‌سورة المدثر هي خمس أو ست وخمسون آية وهي مكيّة في

‌سورة المدثر

هي خمس أو ست وخمسون آية وهي مكيّة في قول الجميع، قال ابن عباس نزلت بمكة، وعن ابن الزبير مثله.

ص: 399

بسم الله الرحمن الرحيم

يَا أَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (1) قُمْ فَأَنْذِرْ (2) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (3) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (4) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (5) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (6) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (7) فَإِذَا نُقِرَ فِي النَّاقُورِ (8) فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (9) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (10) ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيدًا (11)

قال الواحدي قال المفسرون لما بدىء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالوحي أتاه جبريل فرآه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على سرير بين السماء والأرض كالنور المتلألىء ففزع ووقع مغشياً عليه، فلما أفاق دخل على خديجة ودعا بماء فصبه عليه، وقال دثروني، فدثروه بقطيفة فقال

ص: 401

(يا أيها المدثر) أي يا أيها الذي قد تدثر بثيابه، أي تغشى بها من الرعب الذي حصل له من رؤية الملك عند نزول الوحي، وأصله المتدثر فأدغمت التاء في الدال لتجانسهما، وقد قرأ الجمهور بالإدغام، وقرأ أبيّ على الأصل، والدثار هو ما يلبس فوق الشعار، والشعار هو الذي يلي الجسد، وفي الحديث الأنصار شعار، والناس دثار، وسيف داثر بعيد العهد بالصقال، ومنه قيل للمنزل الدارس داثر لذهاب أعلامه، وقال عكرمة المعنى يا أيها المدثر بالنبوة وأثقالها، قال ابن العربي وهذا مجاز بعيد لأنه لم يكن نبياً إذ ذاك.

أخرج البخاري ومسلم وغيرهما عن جابر بن عبد الله أن أبا سلمة بن عبد الرحمن قال إن أول ما نزل من القرآن (يا أيها المدثر) فقال له يحيى بن أبي كثير يقولون إن أول ما نزل من القرآن (اقرأ باسم ربك الذي خلق) فقال أبو سلمة سألت جابر بن عبد الله عن ذلك وقلت له مثل ما قلت فقال جابر لا أحدثنك إلا ما حدثنا رسول الله صلى الله عليه وسلم قال " جاورت بحراء فلما قضيت جواري هبطت فنوديت فنظرت عن يميني فلم أر شيئاً،

ص: 401

ونظرت عن شمالي فلم أر شيئاًً، ونظرت خلفي فلم أر شيئاًً فرفعت رأسي فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فجئثت منه رعباً فرجعت فقلت دثروني فنزلت (يا أيها المدثر) إلى قوله (والرجز فاهجر)(1) " وعن ابن عباس قال دثر هذا الأمر فقم به، وعنه قال المدثر النائم، وسيأتي في سورة اقرأ ما يدل على أنها أول سورة أنزلت، والجمع ممكن.

قال الخطيب اختلف في أول ما نزل من القرآن اختلافاً طويلاً، وتحقيق المعتمد منه وطريق الجمع بين الأحاديث المتناقضة فيه أن أول ما نزل على الإطلاق (اقرأ باسم ربك) إلى (ما لم يعلم)، وأول ما نزل بعد فترة الوحي يا أيها المدثر إلى فاهجر، وفي صدر حاشية سليمان الجمل استيفاء الكلام على ترتيب القرآن نزولاً نقلاً عن الخازن فراجعه إن شئت.

(1) رواه البخاري 8/ 520 ومسلم 1/ 144 وأحمد في " المسند " 3/ 306 والطبري 29/ 143 والواحدي في " أسباب النزول " 333 وأورده السيوطي في " الدر " 6/ 280 وزاد نسبته للطيالسي، وعبد الرزاق، وعبد بن حميد، والترمذي، وابن الضريس، وابن المنذر، وابن مردويه، وابن الأنباري في " المصاحف " عن جابر رضي الله عنه.

ص: 402

(قم فأنذر) أي انهض فخوف أهل مكة وحذرهم العذاب إن لم يسلموا، أو قم من مضجعك واترك الدثر بالثياب واشتغل بهذا المنصب الذي نصبك الله له وهو الإنذار، أو قم قيام عزم وتصميم، وقيل الإنذار هنا هو إعلامهم بنبوته، وقيل إعلامهم بالتوحيد، وقال الفراء المعنى قم فصل وأمر بالصلاة.

ص: 402

(وربك فكبر) أي واختص سيدك ومالكك ومصلح أمورك بالتكبير، وهو وصفه سبحانه بالكبرياء والعظمة عقداً وقولاً، وأنه أكبر من أن يكون له شريك كما يعتقده الكفار، وأعظم من أن تكون له صاحبة أو ولد، قال ابن العربي المراد به تكبير التقديس والتنزيه لخلع الأضداد والأنداد والأصنام، ولا

ص: 402

تتخذ ولياً غيره، ولا تعبد سواه، ولا ترى لغيره فعلاً إلا له ولا نعمة إلا منه.

قال الزجاج إن الفاء في (فكبر) دخلت على معنى الجزاء كما دخلت في قوله فأنذر، وقال ابن جني هو كقولك زيداً فاضرب أي زيداً اضرب فالفاء زائدة وعبارة الكرخي دخلت الفاء لمعنى الشرط كأنه قيل وأياماً كان فلا تدع تكبيره.

ص: 403

(وثيابك فطهر) المراد بها الثياب الملبوسة على ما هو المعنى اللغوي، أمره الله سبحانه بتطهير ثيابه وحفظها عن النجاسات وإزالة ما وقع فيها منها، وقال مجاهد وابن زيد وأبو رزين أي عملك فأصلح وقال قتادة نفسك فطهر من الذنب، والثياب عبارة عن النفس، وقال سعيد بن جبير قلبك فطهر، وقال الحسن والقرطبي أخلاقك فطهر، لأن خلق الإنسان مشتمل على أحواله اشتمال ثيابه على نفسه.

وقال الزجاج المعنى وثيابك فقصر، لأن تقصير الثوب أبعد من النجاسات إذا انجر على الأرض، وبه قال طاوس، وذلك لأن العرب كانت عادتهم تطويل الثياب وجر الذيول ولا يؤمن معه إصابة النجاسة، وفي الثوب الطويل من الخيلاء والكبر والفخر ما ليس في الثوب القصير، فنهى عن تطويل الثوب وأمر بتقصيره لذلك.

وقال أبيّ ابن كعب معناه لا تلبسها على غدر ولا على ظلم ولا على إثم، البسها وأنت بر طاهر، وقال ابن عباس أي لا تكن ثيابك التي تلبس من مكسب باطل، وعنه قال فطهر من الإثم قال وهي في كلام العرب نقي الثياب، وعنه قال من الغدر لا تكن غداراً، وفي لفظ لا تلبسها على غدرة، والأول أولى لأنه المعنى الحقيقي، وليس في استعمال الثياب مجاز عن غيرها لعلاقة مع قرينة ما يدل على أنه المراد عند الإطلاق، وليس في مثل هذا الأصل أعني الحمل على الحقيقة عند الإطلاق خلاف.

ص: 403