الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سورة ألم نشرح
هي ثمان آيات وهي مكية بلا خلاف، عن عائشة قالت نزلت سورة ألم نشرح بمكة ومثله عن ابن عباس وزاد بعد الضحى.
بسم الله الرحمن الرحيم
أَلَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ (1) وَوَضَعْنَا عَنْكَ وِزْرَكَ (2) الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (3) وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) فَإِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (5) إِنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا (6) فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ (7) وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ (8)
(ألم نشرح لك صدرك) معنى شرح الصدر فتحه بإذهاب ما يصدر عن الإدراك، والإستفهام التقريري إذا دخل على النفي قرره فصار المعنى قد شرحنا لك صدرك حتى وسع مناجاة الحق، ودعوة الخلق، فكان غائباً عنهم بروحه، وحاضراً معهم بجسده الشريف.
والمعنى ألم نفسحه بما أودعنا فيه من الحكم وأزلنا عنه ضيق الجهل، أو بما يسرنا لك من تلقي الوحي بعد ما كان يشق عليك.
قال الراغب أصل الشرح بسط اللحم ونحوه يقال شرحت اللحم وشرحته، ومنه شرح الصدر وهو بسطه بنور إلهي وسكينته من جهة الله وروح منه وإنما خص الصدر لأنه محل أحوال النفس من العلوم والإدراكات، وقيل لأن الصدر محل الوسوسة كما قال تعالى (يوسوس في صدور الناس) فإزالة تلك الوسوسة وإبدالها بدواعي الخير هي الشرح.
والقلب محل العقل والمعرفة وهو الذي يقصده الشيطان فيجىء أولاً إلى الصدر الذي هو حصن القلب فإذا وجد مسلكاً نزل فيه هو وجنده وبث فيه الغموم والهموم والحرص، فيضيق القلب حينئذ ولا يجد للطاعة لذة ولا للإسلام حلاوة، وإذا لم يجد له مسلكاً وطرد حصل الأمن وانشرح الصدر، وتيسر القيام بأداء العبودية.
ولم يقل نشرح صدرك تنبيهاً على أن منافع الرسالة عائدة عليه صلى الله عليه وآله وسلم كأنه يقول إنما شرحنا صدرك لأجلك لا لأجلي، والمراد بالامتنان عليه صلى الله عليه وآله وسلم بفتح صدره وتوسيعه حتى قام بما قام به من الدعوة وقدر على ما قدر عليه من حمل أعباء وحفظ الوحي. وقد مضى القول في هذا عند تفسير قوله (أفمن شرح الله صدره للإسلام فهو على نور من ربه) قال ابن عباس في الآية شرح الله صدره للإسلام.
قرأ الجمهور نشرح بسكون الحاء بالجزم، وبفتحها قرأ أبو جعفر المنصور العباسي قال الزمخشري قالوا: لعله بين الحاء وأشبعها في مخرجها فظن السامع أنه فتحها.
وقال ابن عطية أن الأصل ألم نشرحن بالنون الخفيفة ثم إبدالها ألفاً ثم حذفها تخفيفاً، وهذا مبني على جواز توكيد المجزوم بلم وهو قليل جداً، وخرجها بعضهم على لغة بعض العرب الذين ينصبون بلم ويجزمون بلن، وهذه ما أظنها تصح. وإن صحت فليست من اللغات المعتبرة فإنها جاءت بعكس ما عليه لغة العرب بأسرها.
وعلى كل حال فقراءة هذ الرجل مع شدة جوره ومزيد ظلمه وكثرة جبروته وقلة علمه ليست بحقيقة بالاشتغال بها.
(ووضعنا عنك وزرك) معطوف على معنى ما تقدم لا على لفظه أي قد شرحنا لك صدرك ووضعنا الخ والوزر الذنب أي وضعنا عنك ما كنت فيه من أمر الجاهلية، قال الحسن وقتادة والضحاك ومقاتل المعنى حططنا عنك الذي سلف منك في الجاهلية، وهذا كقوله (ليغفر الله ما تقدم من ذنبك وما تأخر) وعنك متعلق بوضعنا وتقديمه على المفعول الصريح مع أن حقه التأخر عنه لتعجيل المسرة والتشويق إلى المؤخر.
ولما أن في وصفه نوع طول فتأخير الجار والمجرور عنه مخل بتجاوب أطراف النظم الكريم.
ثم وصف هذا الوزر فقال
(الذي أنقض ظهرك) قال المفسرون: أي ثقل ظهرك، قال الزجاج: أثقله حتى سمع له نقيض أي صوت. وهذا مثل معناه أنه لو كان حملاً يحمل لسمع نقيض ظهره، وأهل اللغة يقولون، أنقض الحمل ظهر الناقة إذا سمع له صرير من شدة الحمل، قال قتادة: كان للنبي صلى الله عليه وآله وسلم ذنوب قد أثقلته فغفرها الله له.
وقوم يذهبون إلى أن هذا تخفيف أعباء النبوة التي تثقل الظهر من القيام بأمرها سهل الله ذلك عليه حتى تيسرت له، وكذا قال أبو عبيدة وغيره، وقرأ ابن مسعود (وحللنا عنك وقرك) وقيل معناه عصمناك من الوزر الذي ينقض ظهرك ولو كان ذلك الوزر حاصلاً، قاله الرازي وفيه استعارة تمثيلية حيث سمى العصمة وضعاً مجازاً.
ثم ذكر سبحانه منته وكرامته عليه فقال
(ورفعنا لك ذكرك) وزيادة لك في الموضعين وعنك في موضع تفيد إبهام المشروح والموضوع والمرفوع ثم توضيحه. والإيضاح بعد الإبهام أوقع في الذهن، قال الحسن وذلك أن الله لا يذكر في موضع إلا ذكر صلى الله عليه وسلم معه.
قال قتادة: رفع الله ذكره في الدنيا والآخرة فليس خطيب ولا متشهد؛ ولا صاحب صلاة إلا ينادي فيقول أشهد أن لا إله إلا الله أشهد أن محمداً رسول الله، قال مجاهد يعني بالتأذين، وعبارة الخطيب تذكر معي في الأذان والإقامة والتشهد ويوم الجمعة على المنابر ويوم الفطر، ويوم الأضحى، ويوم عرفة وأيام التشريق وعند الجمار وعلى الصفا والمروة، وفي خطبة النكاح ومشارق الأرض ومغاربها، ولو أن رجلاً عبد الله وصدق بالجنة والنار وكل شيء ولم يشهد أن محمداً رسول الله لم ينتفع بشيء وكان كافراً انتهى.
وقيل المعنى ذكرناك في الكتب المنزلة على الأنبياء قبلك وأمرناهم بالبشارة بك، ولا دين إلا ودينك يظهر عليه، وقيل رفعنا ذكرك عند الملائكة في السماء وعند المؤمنين في الأرض، ونرفع ذكرك في الآخرة بما نعطيك من المقام
المحمود وكرائم الدرجات وجلائل المراتب، قال الضحاك لا تقبل صلاة إلا به ولا تجوز خطبة إلا به.
وقيل رفع ذكره بأخذ ميثاقه على النبيين وإلزامهم الإيمان به والإقرار بفضله.
والظاهر أن هذا الرفع لذكره الذي امتن الله به عليه يتناول جميع هذه الأمور، فكل واحد منها من أسباب رفع الذكر، وكذلك أمره بالصلاة والسلام عليه وإخباره صلى الله عليه وآله وسلم عن الله عز وجل أن من صلى عليه واحدة صلى الله عليه بها عشراً.
وكم من موضع في القرآن يذكر فيه النبي صلى الله عليه وآله وسلم مع الله سبحانه من ذلك قوله تعالى (والله ورسوله أحق أن يرضوه) وأمر الله بطاعته صلى الله عليه وآله وسلم كقوله (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول) وقوله (وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا عنه) وقوله: (قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله) وغير ذلك.
وبالجملة فقد ملأ ذكره الجميل السموات والأرضين، وجعل الله له من لسان الصدق والذكر الحسن والثناء الصالح ما لم يجعله لأحد من عباده، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم، اللهم صل وسلم وبارك عليه وعلى آله عدد ما صلى عليه المصلون بكل لسان في كل زمان.
وما أحسن قول حسان رضي الله تعالى عنه:
أغر عليه للنبوة خاتم
…
من الله مشهور يلوح ويشهد
وضم الإله اسم النبي مع اسمه
…
إذا قال في الخمس المؤذن أشهد
وشق له من اسمه ليجله
…
فذو العرش محمود وهذا محمد
عن أبي سعيد الخدري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال " أتاني جبريل فقال إن ربك يقول تدري كيف رفعت ذكرك. قلت الله ورسوله