المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب الثامن عشر في كلام الله سبحانه وتعالى - فتح رب البرية بتلخيص الحموية

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول فيما يجب على العبد في دينه

- ‌الباب الثاني فيما تضمنته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم من بيان الحق في أصول الدين وفروعه

- ‌الباب الثالث في طريقة أهل السنة في أسماء الله وصفاته

- ‌الباب الرابع في بيان صحة مذهب السلف وبطلان القول بتفضيل مذهب الخلف في العلم والحكمة على مذهب السلف

- ‌الباب الخامس في حكاية بعض المتأخرين لمذهب السلف

- ‌الباب السادس في لبس الحق بالباطل من بعض المتأخرين

- ‌الباب السابع في أقوال السلف المأثورة في الصفات

- ‌الباب الثامن في علو الله تعالى وأدلة العلو

- ‌الباب التاسع في الجهة

- ‌الباب العاشر في استواء الله على عرشه

- ‌الباب الحادي عشر في المعية

- ‌الباب الثاني عشر في الجمع بين نصوص علو الله بذاته ومعيته

- ‌الباب الثالث عشر في نزول الله إلى السماء الدنيا

- ‌الباب الرابع عشر في إثبات الوجه لله تعالى

- ‌الباب الخامس عشر في يدي الله عز وجل

- ‌الباب السادس عشر في عيني الله تعالى

- ‌الباب السابع عشر في الوجوه التي وردت عليها صفتا اليدين والعينين

- ‌الباب الثامن عشر في كلام الله سبحانه وتعالى

- ‌الباب التاسع عشر في ظهور مقالة التعطيل واستمدادها

- ‌الباب العشرون في طريقة النفاة فيما يجب إثباته

- ‌الباب الحادي والعشرون في أن كل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل

- ‌الباب الثاني والعشرون في تحذير السلف عن علم الكلام

- ‌الباب الثالث والعشرون في أقسام المنحرفين عن الاستقامة في باب الإيمان بالله واليوم الآخر

- ‌الباب الرابع والعشرون في انقسام أهل القبلة في آيات الصفات وأحاديثها

- ‌الباب الخامس والعشرون في ألقاب السوء التي وضعها المبتدعة على أهل السنة

- ‌الباب السادس والعشرون في الإسلام والإيمان

الفصل: ‌الباب الثامن عشر في كلام الله سبحانه وتعالى

‌الباب الثامن عشر في كلام الله سبحانه وتعالى

اتفق أهل السنة والجماعة على أن الله يتكلّم، وأن كلامه صفة حقيقية ثابتة له على الوجه اللائق به.

وهو سبحانه يتكلم بحرف وصوت، كيف شاء، متى شاء، فكلامه صفة ذات باعتبار جنسه، وصفة فعل باعتبار آحاده.

وقد دل على هذا القول الكتاب، والسنة.

فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: {وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ} [الأعراف: 143] .

وقوله تعالى: {إِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى إِنِّي مُتَوَفِّيكَ وَرَافِعُكَ إِلَيَّ} [آل عمران: 55] .

وقوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ مِنْ جَانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَقَرَّبْنَاهُ نَجِيّاً} [مريم: 52] .

ففي الآية الأولى: إثبات أن الكلام يتعلق بمشيئته، وأن آحاده حادثة.

وفي الآية الثانية: دليل على أنه بحرف فإن مقول القول فيها حروف.

وفي الآية الثالثة: دليل على أنه بصوت إذ لا يعقل النداء والمناجاة إلا بصوت.

ص: 75

ومن أدلة السنة قول النبي صلى الله عليه وسلم: "يقول الله تعالى: يا آدم! فيقول: لبيك وسعديك. فينادي بصوت: إنّ الله يأمرك أن تخرج من ذريتك بعثاً إلى النار"(1) .

وكلامه سبحانه هو اللفظ والمعنى جميعاً، ليس هو اللفظ وحده أو المعنى وحده. هذا هو قول أهل السنة والجماعة في كلام الله تعالى، أما أقوال غيرهم فإليك ملخصها من "مختصر الصواعق المرسلة":

1 -

قول الكرامية: وهو كقول أهل السنة، إلا أنهم قالوا:"إنه حادث بعد أن لم يكن"، فراراً من إثبات حوادث لا أول لها.

2 -

قول الكلابية: "إنه معنى قائم بذاته لازم لها كلزوم الحياة والعلم، فلا يتعلق بمشيئته، والحروف والأصوات حكاية عنه خلقها الله لتدل على ذلك المعنى القائم بذاته، وهو أربعة معان: أمر، ونهي، وخبر، واستخبار".

3 -

قول الأشعرية: وهو كقول الكلابية إلا أنهم يخالفونهم في شيئين:

أحدهما - في معاني الكلام، فالكلابية يقولون:"إنه أربعة معان" والأشعرية يقولون: إنه معنى واحد، فالخبر،

(1) -رواه البخاري (4741) كتاب التفسير، 1 - باب {وترى الناس سكارى} [سورة الحج] .

ومسلم (222) كتاب الإيمان، 96 - باب قوله: يقول الله لآدم: أخرج بعث النار

ص: 76

والاستخبار، والأمر، والنهي كل واحد منها هو عين الآخر، وليست أنواعاً للكلام، بل صفات له، بل التوراة والإنجيل، والقرآن كل واحد منها عين الآخر، لا تختلف إلا بالعبارة.

الثاني - أن الكلابية قالوا: "إن الحروف والأصوات حكاية عن كلام الله". وأما الأشعرية فقالوا: "إنها عبارة عن كلام الله".

4 -

قول السالمية: "أنه صفة قائمة بذاته لازمة لها كلزوم الحياة، والعلم، فلا يتعلّق بمشيئته، وهو حروف وأصوات متقارنة لا يسبق بعضها بعضاً، فالباء والسين والميم في البسملة - مثلاً - كل حرف منها مقارن للآخر في آن واحد، ومع ذلك لم تزل ولا تزال موجودة".

5 -

قول الجهمية والمعتزلة: "إنه مخلوق من المخلوقات وليس من صفات الله".

ثم من الجهمية من صرح بنفي الكلام عن الله، ومنهم من أقرّ به، وقال: إنه مخلوق.

6 -

قول فلاسفة المتأخرين أتباع أرسطو: "أنه فيض من العقل الفعال على النفوس الفاضلة الزكية بحسب استعدادها وقبولها، فيوجب لها تصورات، وتصديقات، بحسب ما قبلته

ص: 77

منه، وهذه التصورات والتصديقات المتخيلة تقوى حتى تصور الشيء المعقول صوراً نورانية تخاطبها بكلام تسمعه الآذان".

7 -

قول الاتحادية: "القائلين بوحدة الوجود: إن كل كلام في الوجود كلام الله" كما قال قائلهم:

وكل كلام في الوجود كلامه سواء علينا نثره ونظامه وكل هذه الأقوال مخالفة لما دل عليه الكتاب، والسنة، والعقل، ومن رزقه الله علماً وحكمة فهم ذلك.

فصل

في أن القرآن كلام الله

مذهب أهل السنة والجماعة: أن القرآن كلام الله منزل غير مخلوق، منه بدأ وإليه يعود، تكلّم به حقيقة، وألقاه إلى جبريل فنزل به على قلب محمد صلى الله عليه وسلم.

وقد دل على هذا القول الكتاب، والسنة.

فمن أدلة الكتاب قوله تعالى: {وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجَارَكَ فَأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلامَ اللَّهِ} [التوبة: 6] . يعني القرآن، وقوله تعالى:{كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ} [ص: 29]، وقوله تعالى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ} [الشعراء: 193-195] .

ص: 78

ومن أدلة السنة قوله صلى الله عليه وسلم وهو يعرض نفسه على الناس في الموقف -: "ألا رجل يحملني إلى قومه لأبلغ كلام ربي؛ فإن قريشاً قد منعوني أن أبلغ كلام ربي عز وجل"(1) .

وقوله صلى الله عليه وسلم للبراء بن عازب: "إذا أويت إلى فراشك فقل: اللهم أسلمت نفسي إليك، ووجهت وجهي إليك، وفوضت أمري إليك، وألجأت ظهري إليك، رغبة ورهبة إليك، لا ملجأ ولا منجى منك إلا إليك، آمنت بكتابك الذي أنزلت، وبنبيك الذي أرسلت"(2) .

وقال عمرو بن دينار: "أدركت الناس منذ سبعين سنة، يقولون: الله الخالق وما سواه مخلوق، إلا القرآن فإنه كلام الله غير مخلوق منه بدأ وإليه يعود"(3) . اهـ.

ومعنى قولهم: "منه بدأ"؛ أن الله تكلم به ابتداء، وفيه رد على الجهمية القائلين: بأنه خلقه في غيره.

وأما قولهم: "وإليه يعود"؛ فيحتمل معنيين:

أحدهما - أنه تعود صفة الكلام بالقرآن إليه، بمعنى: أن أحداً لا يوصف بأنه تكلّم به غير الله؛ لأنه هو المتكلّم به، والكلام صفة للمتكلّم.

الثاني - أنه يرفع إلى الله تعالى كما جاء في بعض الآثار أنه يسري به من المصاحف والصدور، وذلك إنما يقع - والله أعلم -

(1) -رواه أبو داود (4734) كتاب السنة، باب في القرآن.

والترمذي (2925) كتاب فضائل القرآن، 24 - باب.

والنسائي في "الكبرى"(7727) .

وابن ماجه (201) كتاب المقدمة، 13 - باب فيما أنكرت الجهمية.

وأحمد (3/390) ؛ والحاكم (2/669) وصححه.

وقال في "المجمع"(6/35) : رجاله ثقات.

(2)

-رواه البخاري (247) كتاب الغسل، 75 - باب فضل من بات على الوضوء.

ومسلم (2710) كتاب الذكر والدعاء، 17 - باب ما يقول عند النوم وأخذ المضجع.

(3)

-انظر: "السنن الكبرى" للبيهقي (10/43، 205) ؛ و"التمهيد" لابن عبد البر (24/186) .

ص: 79

حين يعرض الناس عن العمل بالقرآن إعراضاً كليًّا فيرفع عنهم تكريماً له. والله المستعان.

فصل

في اللفظ والملفوظ

الكلام في هذا الفصل يتعلّق بالقرآن؛ فإنه قد سبق أن القرآن كلام الله غير مخلوق، لكن اللفظ بالقرآن هل يصح أن نقول: إنه مخلوق، أو غير مخلوق، أو يجب السكوت؟!

فالجواب: أن يقال: أن إطلاق القول في هذا نفياً أو إثباتاً غير صحيح.

وأما عند التفصيل فيقال: إن أُريد باللفظ التلفظ الذي هو فعل العبد فهو مخلوق؛ لأن العبد وفعله مخلوقان، وإن أُريد باللفظ الملفوظ به فهو كلام الله غير مخلوق؛ لأن كلام الله من صفاته، وصفاته غير مخلوقة.

ويشير إلى هذا التفصيل قول الإمام أحمد رحمه الله: "من قال: لفظي بالقرآن مخلوق يريد به القرآن؛ فهو جهمي".

فقوله: "يريد به القرآن"؛ يدل على أنه إن أراد به غير القرآن وهو التلفظ الذي هو فعل الإنسان فليس بجهمي. والله أعلم.

ص: 80