المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب التاسع عشر في ظهور مقالة التعطيل واستمدادها - فتح رب البرية بتلخيص الحموية

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌المقدمة

- ‌الباب الأول فيما يجب على العبد في دينه

- ‌الباب الثاني فيما تضمنته رسالة النبي صلى الله عليه وسلم من بيان الحق في أصول الدين وفروعه

- ‌الباب الثالث في طريقة أهل السنة في أسماء الله وصفاته

- ‌الباب الرابع في بيان صحة مذهب السلف وبطلان القول بتفضيل مذهب الخلف في العلم والحكمة على مذهب السلف

- ‌الباب الخامس في حكاية بعض المتأخرين لمذهب السلف

- ‌الباب السادس في لبس الحق بالباطل من بعض المتأخرين

- ‌الباب السابع في أقوال السلف المأثورة في الصفات

- ‌الباب الثامن في علو الله تعالى وأدلة العلو

- ‌الباب التاسع في الجهة

- ‌الباب العاشر في استواء الله على عرشه

- ‌الباب الحادي عشر في المعية

- ‌الباب الثاني عشر في الجمع بين نصوص علو الله بذاته ومعيته

- ‌الباب الثالث عشر في نزول الله إلى السماء الدنيا

- ‌الباب الرابع عشر في إثبات الوجه لله تعالى

- ‌الباب الخامس عشر في يدي الله عز وجل

- ‌الباب السادس عشر في عيني الله تعالى

- ‌الباب السابع عشر في الوجوه التي وردت عليها صفتا اليدين والعينين

- ‌الباب الثامن عشر في كلام الله سبحانه وتعالى

- ‌الباب التاسع عشر في ظهور مقالة التعطيل واستمدادها

- ‌الباب العشرون في طريقة النفاة فيما يجب إثباته

- ‌الباب الحادي والعشرون في أن كل واحد من فريقي التعطيل والتمثيل

- ‌الباب الثاني والعشرون في تحذير السلف عن علم الكلام

- ‌الباب الثالث والعشرون في أقسام المنحرفين عن الاستقامة في باب الإيمان بالله واليوم الآخر

- ‌الباب الرابع والعشرون في انقسام أهل القبلة في آيات الصفات وأحاديثها

- ‌الباب الخامس والعشرون في ألقاب السوء التي وضعها المبتدعة على أهل السنة

- ‌الباب السادس والعشرون في الإسلام والإيمان

الفصل: ‌الباب التاسع عشر في ظهور مقالة التعطيل واستمدادها

‌الباب التاسع عشر في ظهور مقالة التعطيل واستمدادها

شاعت مقالة التعطيل بعد القرون المفضلة - الصحابة والتابعين وتابعيهم - وإن كان أصلها قد نبغ في أواخر عصر التابعين.

وأول من تكلم بالتعطيل الجعد بن درهم. فقال: "إن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يكلم موسى تكليماً". فقتله خالد بن عبد الله القسري الذي كان والياً على العراق لهشام بن عبد الملك، خرج به إلى مصلى العيد بوثاقه ثم خطب الناس، وقال:"أيها الناس! ضحوا، تقبّل الله ضحاياكم، فإني مضحٍ بالجعد بن درهم، إنه زعم أن الله لم يتخذ إبراهيم خليلاً، ولم يُكلّم موسى تكليماً"، ثم نزل وذبحه، وذلك في عيد الأضحى سنة 119هـ.

وفي ذلك يقول ابن القيم رحمه الله في "النونية":

ولأجل ذا ضحى بجعد خالد القسري يوم ذبائح القربان

ص: 81

إذ قال إبراهيم ليس خليله كلا ولا موسى الكليم الداني شكر الضحية كل صاحب سنة لله درّك من أخي قربان ثم أخذها عن الجعد رجل يقال له: الجهم بن صفوان، وهو الذي ينسب إليه مذهب الجهمية المعطلة؛ لأنه نشره فقتله سلم بن أحوز صاحب شرطة نصر بن سيار، وذلك في خراسان سنة 128هـ.

وفي حدود المئة الثانية عربت الكتب اليونانية والرومانية؛ فازداد الأمر بلاء وشدة.

ثم في حدود المئة الثالثة انتشرت مقالة الجهمية بسبب بشر بن غياث المريسي وطبقته الذين أجمع الأئمة على ذمهم، وأكثرهم كفّروهم أو ضلّلوهم. وصنّف عثمان بن سعيد الدارمي كتاباً رد به على المريسي سماه:"نقض عثمان بن سعيد على الكافر العنيد فيما افترى على الله من التوحيد" من طالع هذا الكتاب بعلم وعدل، تبين له ضعف حجة هؤلاء المعطلة، بل بطلانها، وأن هذه التأويلات التي توجد في كلام كثير من المتأخرين كالرازي، والغزالي، وابن عقيل، وغيرهم هي بعينها تأويلات بشر.

ص: 82

وأما استمداد مقالة التعطيل فكان من اليهود والمشركين وضلال الصابئين والفلاسفة؛ فإن الجعد بن درهم أخذ مقالته - على ما قيل - من أبان بن سمعان عن طالوت عن لبيد بن الأعصم اليهودي الذي سحر النبي صلى الله عليه وسلم.

ثم إن الجعد كان - على ما قيل - من أرض حَرَّان وفيها خلق كثير من المشركين والصابئة والفلاسفة، ولا ريب أن للبيئة تأثيراً قويًّا في عقيدة الإنسان وأخلاقه.

وكان مذهب النفاة من هؤلاء أن الله ليس له صفات ثبوتية؛ لأن ثبوت الصفات يقتضي - على زعمهم - أن الله مشابه لخلقه، وإنما يثبتون له صفات سلبية، أو إضافية، أو مركبة منهما.

فالسلبية: ما كان مدلولها عدم أمر لا يليق بالله عز وجل مثل قولهم: "إن الله واحد" بمعنى أنه مسلوب عنه القسمة بالكم، أو القول، ومسلوب عنه الشريك.

والإضافية: هي التي لا يوصف الله بها على أنها صفة ثابتة له، ولكن يوصف بها باعتبار إضافتها إلى الغير، كقولهم عن الله تعالى:"إنه مبدأ وعلة" فهو مبدأ وعلة، باعتبار أن الأشياء صدرت منه، لا باعتبار صفة ثابتة له هي البداء والعلية.

ص: 83

والمركبة منها هي: التي تكون سلبية باعتبار، وإضافية باعتبار، كقولهم عن الله تعالى:"أنه أول" فهي سلبية باعتبار أنه مسلوب عنه الحدوث إضافية باعتبار أن الأشياء بعده.

فإذا كان هذا هو ما تستمد منه طريقة النفاة فكيف تطيب نفس مؤمن أو عاقل أن يأخذ به ويترك سبيل الذين أنعم الله عليهم من النبيين، والصديقين، والشهداء، والصالحين؟.

ص: 84