الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رقم أربعة
حكم الرقص والسماع
وسئل الشيخ عز الدين بن عبد السلام عن جماعة من أهل الخير والصلاح والورع يجتمعون في وقت فينشد لهم منشد أبياتا في المحبة وغيرها، فمنهم من يتواجد فيرقص، ومنهم من يصيح ويبكي، ومنهم من يغشاه شبه الغيبة عن إحساسه، فهل يكره لهم هذا الفعل أم لا؟ وما حكم السماع؟ فأجاب: الرقص بدعة لا يتعاطاه إلا ناقص العقل، ولا يصلح إلا للنساء. وأما سماع الإنشاد المحرك للأحوال السنية، المذكر بما يتعلق بالآخرة فلا بأس به. بل يندب إليه عند الفتور والسآمة لأن الوسائل إلى المندوب مندوبة والسعادة كلها في اتباع رسول الله صلى الله عليه وسلم واقتفاء الصحابة الذين شهد لهم بأنهم خير القرون، ولا يحضر السماع من في قلبه هوى خبيث: فإن السماع يحرك في القلوب من هوى محبوب أو مكروه، والله تعالى أعلم.
وسئل الشيخ الصالح أبو فارس عبد العزيز بن محمد القيرواني تلميذ سيدي أبي الحسن الصغير عن قوم تسموا بالفقراء يجتمعون على الرقص والغناء، فإذا فرغوا من ذلك أكلوا طعاما كانوا أعدوه للمبيت عليه ثم يصلون ذلك بقراءة عشر من القرآن والذكر. ثم يغنون ويرقصون ويبكون، ويزعمون في ذلك كله أنهم على قربة وطاعة ويدعون الناس إلى ذلك، ويطعنون على من لم يأخذ بذلك من أهل العلم، ونساء اقتفين في ذلك اثرهم وعملن في ذلك على نحو عملهم. وقوم استحسنوا ذلك وصوبوا فيه رأيهم، فما الحكم فيهم وفيمن رأى رأيهم هل تجوز إمامتهم وتقبل شهادتهم أم لا؟ بينوا لنا ذلك. فأجاب: بأن قال: الحمد لله حمد الشاكرين والصلاة على محمد خاتم النبيين وآله الطيبين الطاهرين، أكرمكم الله وإيانا بتقواه ووفقنا وإياكم لما يحبه ويرضاه، لاتباع سنة محمد صلى الله عليه وسلم حتى نلقاه، قد وقفنا على ما رسمتم وتصفحنا فصوله، فالجواب فيه ما قاله بعض أيمة الدين، من
علماء المسلمين الناصحين حين سئلوا عن ذلك، من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر:(أن بني إسرائيل افترقت على اثنتين وسبعين فرقة، وأن أمته ستفترق على ثلاث وسبعين فرقة: اثنتان وسبعون في النار وواحدة في الجنة.) وقد ظهر ما أخبر به صلى الله عليه وسلم من افتراق أمته على هذه الفرق وتبين صدقه صلى الله عليه وسلم وتحقق. ولم يكن أحد في مغربنا من هذه الطوائف فيما سلف، إلى أن ظهرت هذه الطائفة الأمية الجاهلة الغبية الذين ولعوا بجمع أقوام جهال فتصدوا إلى العوام الذين صدورهم سالمة، وعقولهم قاصرة، فدخلوا عليهم من طريق الدين وأنهم لهم من الناصحين وأن هذه الطريقة التي هم عليها هي طريق المحبين فصاروا يحضونهم على التوبة والإيثار والمحبة وصدق الأخوة، وإماتة الحظوظ والشهوة وتفريغ القلب إلى الله بالكلية، وصرفه إليه بالقصد والنية. وهذه الخصال محمودة في الدين فاضلة، إلا أن الذين في ضمنه على مذاهب القوم سموم قاتلة، وطامات هائلة. وهذه الطائفة أشد ضررا على المسلمين من مردة الشياطين، وهي أصعب الطوائف للعلاج، وأبعدها عن فهم طرق الاحتجاج لأنهم أول أصل أصلوه في مذهبهم بغض العلماء والتنفير عنهم، ويزعمون أنهم عندهم قطاع الطريق المحجوبون بعلمهم عن رتبة التحقيق، فمن كانت هذه حالته، سقطت مكالمته، وبعدت معالجته، فليس للكلام معه فائدة، والمتكلم معه يضرب في حديد بارد، وإنما كلامنا مع من لم ينغمس في خابيتهم. ومن لم يسقط في مهواتهم، لعله يسلم من عاديتهم وينجو من غاويتهم.
واعلموا أن هذه البدعة في فساد عقائد العوام، أسرع من سريان السم في الأجسام، وأنها أضر في الدين من الزنى والسرقة وسائر المعاصي والآثام، فإن هذه المعاصي كلها معلوم قبحها عند من يرتكبها ويجتلبها، فلا يلبس مرتكبها على أحد، وترجى له التوبة منها والإقلاع عنها، وصاحب هذه البدعة يرى أنها أفضل الطاعات وأعلى القربات فباب التوبة عنده مسدود، وهو عنه شرود مطرود. فكيف ترجى له منها التوبة وهو يعتقد أنها طاعة وقربة؟