الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
من جعل الهموم هماً واحدا هم المعاد: ولو أن كلاً منا في قلبه الآخرة، فسيدرك أن الله سبحانه على كل عمل يقوم به، فإنه إذا قام للصلاة تذكر: الله سيحاسبني على هذه الصلاة فيحسنها، وإذا صام أحسن الصيام، وإذا عمل أي عمل من الأعمال أتقن ذلك العمل، ولا من أجل أن يأخذ الجزاء من الناس، ليس من أجل أن يترقى، ولكن ابتغاء مرضات الله سبحانه وتعالى؛ لأن الله يحب إذا عمل أحدكم عملاً أن يتقنه، فإذا كانت الآخرة على بال الإنسان دائماً فإن الله سوف يكفيه أمر دنياه، قال:(كفاه الله هم دنياه).
ومن تشعبت به الهموم: يعني: نسي الآخرة وبدأ يفكر يريد أن يأكل ويشرب ويلبس ويريد كذا وكذا، ويعمل طول النهار وهو يفكر في أمور الدنيا، ناسياً ربه سبحانه فهذا يكون حاله كما في الحديث:
(لم يبال الله في أي أوديته هلك): يعني: في أي مكان هلك لا يبالي الله عز وجل به. فالمؤمن قريب من الله، والله يحبه ويفرح بتوبته وبإقباله عليه، أما الإنسان البعيد عن الله سبحانه وتعالى فإن يهلك في أي واد لا يبالي الله به.
فهذا هو الفقر الحقيقي والغنى الحقيقي، وإِذا كان هذا غنى من كانت الآخرة أَكبر همه فكيف من كان الله عز وجل أكبر همه، فهذا من باب التنبيه والأَولى.
(فصلٌ في منزلة الإحسان:
[*] (عناصر الفصل:
(منزلة الإحسان من منازل السائرين إلى رب العالمين:
(تعريف الإحسان:
(فضائل الإحسان:
(جزاء المحسنين:
(من صفات المحسنين:
(الإحسان أعلى مراتب الدين:
(الإحسان فوق العدل:
(طرق الإحسان:
(أنواع الإحسان:
وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:
(منزلة الإحسان من منازل السائرين إلى رب العالمين:
((قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الإحسان
«وهي لب الإيمان وروحه وكماله» وهذه المنزلة تجمع جميع المنازل فجميعها منطوية فيها وكل ما قيل من أول الكتاب إلى ههنا فهو من الإحسان
قال صاحب المنازل رحمه الله وقد استشهد على هذه المنزلة بقوله تعالى: {هَلْ جَزَاءُ الْأِحْسَانِ إِلَّا الْأِحْسَانُ} [الرحمن: 60]
فالإحسان جامع لجميع أبواب الحقائق «وهو أن تعبد الله كأنك تراه» أما الآية: فقال ابن عباس رضي الله عنه والمفسرون: هل جزاء من قال: لا إله إلا الله وعمل بما جاء به محمد إلا الجنة.
(تعريف الإحسان:
مسألة: ما هو الإحسان؟
الإحسان هو مراقبة الله في السر والعلن، وفي القول والعمل، وهو فعل الخيرات على أكمل وجه، وابتغاء مرضات الله.
وتأمل بعين البصيرة هذه القصة الرائعة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
(مرَّ عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما على غلام يرعى أغنامًا لسيده، فأراد ابن عمر أن يختبر الغلام، فقال له: بع لي شاة. فقال الصبي: إنها ليست لي، ولكنها ملك لسيدي، وأنا عبد مملوك له. فقال ابن عمر: إننا بموضع لا يرانا فيه سيدك، فبعني واحدة منها، وقل لسيدك: أكلها الذئب. فاستشعر الصبي مراقبة الله، وصاح: إذا كان سيدي لا يرانا، فأين الله؟! فسُرَّ منه عبد الله بن عمر، ثم ذهب إلى سيده، فاشتراه منه وأعتقه.
(فضائل الإحسان:
الإحسان عمل المقرَّبين، وغاية العابدين، ودرجة الفائزين. على المسلم أن يسعى إلى درجاته وأن يسابق إلى خيراته بقدر استطاعته، ليكون سائراً في طريق المُفلحين، متَّبِعاً سَنَنَ الصالحين، ليحشر في زمرتهم تحت راية سيد المرسلين صلى الله وسلم عليهم أجمعين، غيضٌ من فيض وقليلٌ من كثير مما ورد في فضائل الإحسان:
(1)
الإحسان أفضل منازل السائرين، وأعلى درجات العبادة، وأحسن أحوال عباد الله الصالحين، قال الله تعالى: وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً [النساء:125]، وقد وعد الله تعالى على الإحسان أعظم الثواب في الدارين، وأحاط المحسنين بعنايته، وحفظهم بقدرته، وأجزل لهم الخيرات برحمته تعالى.
(2)
ومن فضائل الإحسان أن الله تعالى مع من أحسن العمل معيةً خاصة بنصره وتأييده وحفظه ومعونته وتوفيقه وإصلاح شأنه كله، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ [النحل:128]، وقال تعالى: وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ [العنكبوت:69].
(3)
ومن فضائل الإحسان محبة الله تعالى لعبده الذي أحسن القول والفعل محبةً تليق بجلاله، وإذا أحب الله عبداً آتاه من كل خير وصرف عنه كل شر، قال الله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [البقرة:195].
(4)
ومن فضائل الإحسان أن الله تعالى يجعل للمحسنين من كل هم فرجاً، ومن كل ضيق مخرجاً، ومن كل بلاء عافية، وينجيهم من مكر أعدائهم، ويمنّ على المحسنين بأنواع المنن والخيرات، ويكتب لهم أحسن العاقبة، قال الله تعالى عن يوسف عليه الصلاة والسلام وعن أخيه: قَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا إِنَّهُ مَن يَتَّقِ وَيِصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ [يوسف:90]، وقال تعالى: إِنَّا لَا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً [الكهف:30].
(5)
ومن فضل الله تعالى على الإحسان عِلمٌ يقذفه الله في القلب يفرِّق به الإنسان بين الحلال والحرام، والحق والباطل، ونورٌ يكشف الله به الظلمات، ويرفع به ظلمات الشبهات، وأمراض الشهوات، قال الله تعالى: وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذالِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ [يوسف:22].
(6)
ومن فضائل الإحسان أن الله تعالى يُلحق آخر المحسنين بأولهم، ويُشركهم في فضله وثوابه، ويحشرهم آخرهم مع أوّلهم، وينشر عليهم رحمته، ويتم عليهم نعمته، قال الله تعالى: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِىَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً ذالِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة:100].
(7)
ومن فضائل الإحسان الثناء الحسن من رب العالمين، والثناء من العباد والدعاء الدائم للمحسنين، والبركات المتكاثرة الحالة، قال تعالى: سَلَامٌ عَلَى نُوحٍ فِى الْعَالَمِينَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ [الصافات:79، 80]، سَلَامٌ عَلَى إِبْراهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ [الصافات:109، 110]، سَلَامٌ عَلَى مُوسَى وَهَارُونَ إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ [الصافات:120، 121]، إلى غير ذلك من الآيات، وهذا وإن كان في الأنبياء عليهم الصلاة والسلام فإنه ثواب لكل من أحسن بحسب إحسانه وعبادته لله تبارك وتعالى.
(8)
ومن فضائل الإحسان أن الله تعالى يُعطي صاحبه كل خير، ويصرف عنه الشر والمكروه، قال تعالى: لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِى هاذِهِ الْدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ [النحل:30].
(9)
ومن فضائل الإحسان أن ثوابه في الآخرة فإنه أجلُّ الثواب وأعظم الجزاء، قال الله تعالى: هَلْ جَزَاء الإِحْسَانِ إِلَاّ الإِحْسَانُ [الرحمن:60]، وقال تعالى: لّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [يونس:26]، والحسنى هي الجنة التي فيها ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، والزيادة هي النظر إلى وجه الله الكريم كما في النصوص الآتية:
قال تعالى: (وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نّاضِرَةٌ * إِلَىَ رَبّهَا نَاظِرَةٌ)[القيامة /22، 23]
قال تعالى: (لّلّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَىَ وَزِيَادَةٌ)[يونس / 26]
((حديث جرير بن عبد الله رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) قال: كنا عند النبي صلى الله عليه وسلم، إذ نظر إلى القمر ليلة البدر، فقال:(أما إنكم سترون ربكم كما ترون هذا، لا تضامون في رؤيته، فإن استطعتم أن لا تغلبوا على صلاة قبل طلوع الشمس وقبل غروبها فافعلوا). ثم قال: {وسبح بحمد ربك قبل طلوع الشمس وقبل غروبها} [طه/ 130]
((حديث صُهَيْبٍ رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إذا دخل أهل الجنة الجنة قال يقول الله تبارك وتعالى تريدون شيئا أزيدكم فيقولون ألم تبيض وجوهنا ألم تدخلنا الجنة وتنجينا من النار قال فيكشف الحجاب فما أعطوا شيئا أحب إليهم من النظر إلى ربهم عز وجل.
((حديث صُهَيْبٍ رضي الله عنه الثابت في صحيح الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: في قَوْلِهِ {لِلّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} قالَ: «إِذَا دَخَلَ أَهْلُ الْجَنّةِ الْجَنّةَ، نَادَى مُنَادٍ إِنّ لَكُمْ عِنْدَ الله مَوْعِداً، قَالُوا أَلَمْ يُبَيّضْ وُجُوهَنَا وَيُنَجّينَا مِنَ النّارِ وَيُدْخِلْنَا الْجَنّةَ؟ قَالُوا بَلَى، فَينكشفُ الْحِجَابُ، قالَ: فَوَالله مَا أَعْطَاهُمْ شَيْئاً أَحَبّ إِلَيْهِمْ مِنَ النظَرِ إِلَيْهِ» .
{تنبيه} : (النظر إلى وجه الله الكريم مناسب لجعله جزاءً للإحسان؛ لأن الإحسان أن يعبد المؤمن ربه كأنه يراه في الدنيا، فكان النظر إلى وجه الله الكريم عياناً في الآخرة جزاءً على الإحسان، كما أن الكفار لما حُجبت قلوبهم عن معرفة الله ومراقبته حُجبت أبصارهم عن الله يوم القيامة، قال الله تعالى: كَلَاّ إِنَّهُمْ عَن رَّبّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَّمَحْجُوبُونَ [المطففين:15].
(جزاء المحسنين:
لمرتبة الإحسان ثمرات دانية و عواقب مرضية في الدنيا و الآخرة، ينالها صاحب الإحسان ، جمعت بعضاً منها كما يلي:
(1)
مغفرة الذنوب و زيادة الأجر، قال تعالى:{وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 58].
(2)
لا يعتريه الخوف مما أمامه، و لا الحزن على ما فات،
قال تعالى: {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112].
(3)
محبة الله تعالى له، قال تعالى:{وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
(4)
الحصول على ثواب الدنيا و حسن ثواب الآخرة، قال
تعالى: {فَآتَاهُمُ اللّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [آل عمران: 148]
فأعطى الله أولئك الصابرين جزاءهم في الدنيا بالنصر على أعدائهم، وبالتمكين لهم في الأرض، وبالجزاء الحسن العظيم في الآخرة، وهو جنات النعيم. والله يحب كلَّ مَن أحسن عبادته لربه ومعاملته لخلقه.
(5)
يكون أحسن الناس ديناً، قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ واتَّبَعَ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً وَاتَّخَذَ اللّهُ إِبْرَاهِيمَ خَلِيلاً} [النساء: 125].
(6)
جنات تجري من تحتها الأنهار، قال تعالى:{فَأَثَابَهُمُ اللّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 85].
(7)
الذرية الصالحة، قال تعالى:{وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [الأنعام: 84].
(8)
الرحمة القريبة، قال تعالى:{وَلَا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56].
(9)
الحفظ من العقاب ومن المؤاخذة بالتقصير، قال تعالى: {
لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 91]
(10)
حفظ الأجر من الضياع، فهناك أقوام يأتون يوم القيامة بأعمال مثل جبال تهامة يجعلها الله هباءاً منثوراً، قال تعالى:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلَا يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلَا يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلَاّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]
(11)
الخلود في الجنة ورؤية الله تعالى، قال تعالى:{لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ وَلَا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَلَا ذِلَّةٌ أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ} [يونس:26]
(12)
العلم و الفقه في الدين، قال تعالى:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} .
(13)
التمكين في الأرض، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ مَكَّنِّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَن نَّشَاء وَلَا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 56]
(14)
النصر في الدنيا و سعة الرزق، قال تعالى:{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 30]
(15)
معية الله الخاصة، قال تعالى:{إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ} [النحل: 128]
إن الله سبحانه وتعالى مع الذين اتقوه بامتثال ما أمر واجتناب ما نهى بالنصر والتأييد، ومع الذين يحسنون أداء فرائضه والقيام بحقوقه ولزوم طاعته، بعونه وتوفيقه ونصره.
(16)
الهداية إلى الصراط المستقيم، قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]
والمؤمنون الذين جاهدوا أعداء الله، والنفس، والشيطان، وصبروا على الفتن والأذى في سبيل الله، سيهديهم الله سبل الخير، ويثبتهم على الصراط المستقيم، ومَن هذه صفته فهو محسن إلى نفسه وإلى غيره. وإن الله سبحانه وتعالى لمع مَن أحسن مِن خَلْقِه بالنصرة والتأييد والحفظ والهداية.
(17)
الاستمساك بالعروة الوثقى، قال تعالى: (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى وَإِلَى اللَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} [لقمان: 22]
(من صفات المحسنين:
(1)
الاستغفار قال تعالى: {وَإِذْ قُلْنَا ادْخُلُواْ هَذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُواْ مِنْهَا حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً وَادْخُلُواْ الْبَابَ سُجَّداً وَقُولُواْ حِطَّةٌ نَّغْفِرْ لَكُمْ خَطَايَاكُمْ وَسَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 58].
(2)
الإخلاص لله و الاستسلام لأوامره، قال تعالى:{بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة: 112].
(3)
الإنفاق في سبيل الله قال تعالى: {وَأَنفِقُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلَا تُلْقُواْ بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ وَأَحْسِنُوَاْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [البقرة: 195].
(4)
الإنفاق في السراء والضراء وكظم الغيظ حال الغضب والعفو عن كل مخطيء من الناس، قال تعالى:{الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} } [آل عمران: 134].
(5)
الإستجابة لله و لرسوله.
قال تعالى: {الَّذِينَ اسْتَجَابُواْ لِلّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعْدِ مَا أَصَابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُواْ مِنْهُمْ وَاتَّقَواْ أَجْرٌ عَظِيمٌ} [آل عمران: 172].
(6)
كثرة العمل الصالح، قال تعالى:{لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُواْ إِذَا مَا اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّآمَنُواْ ثُمَّ اتَّقَواْ وَّأَحْسَنُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ} [المائدة: 93].
ليس على المؤمنين الذين شربوا الخمر قبل تحريمها إثم في ذلك، إذا تركوها واتقوا سخط الله وآمنوا به، وقدَّموا الأعمال الصالحة التي تدل على إيمانهم ورغبتهم في رضوان الله تعالى عنهم، ثم ازدادوا بذلك مراقبة لله عز وجل وإيمانا به، حتى أصبحوا مِن يقينهم يعبدونه، وكأنهم يرونه. وإن الله تعالى يحب الذين بلغوا درجة الإحسان حتى أصبح إيمانهم بالغيب كالمشاهدة.
(7)
عدم الإفساد في الأرض والدعاء خوفاً وطمعاً، قال تعالى:{وَلَا تُفْسِدُواْ فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} [الأعراف: 56]
(8)
النصح لله و لرسوله، قال تعالى:{لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ} [التوبة: 91]
ليس على أهل الأعذار مِن الضعفاء والمرضى والفقراء الذين لا يملكون من المال ما يتجهزون به للخروج إثم في القعود إذا أخلصوا لله ورسوله، وعملوا بشرعه، ما على مَن أحسن ممن منعه العذر عن الجهاد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو ناصح لله ولرسوله من طريق يعاقب مِن قِبَلِه ويؤاخذ عليه. والله غفور للمحسنين، رحيم بهم.
(9)
المبادرة لنصرة دين الله، قال تعالى:{مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلَا يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لَا يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلَا نَصَبٌ وَلَا مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلَا يَطَؤُونَ مَوْطِئاً يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلَا يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلَاّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [التوبة: 120]
(10)
الصبر، قال تعالى:{وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} [هود: 115]
(11)
إحسان العبادة والإحسان إلى الخلق، قال تعالى:{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانَ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْراً وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزاً تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} [يوسف: 36]
ودخل السجن مع يوسف فَتَيان، قال أحدهما: إني رأيت في المنام أني أعصر عنبًا ليصير خمرًا، وقال الآخر: إني رأيت أني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطير منه، أخبرنا -يا يوسف -بتفسير ما رأينا، إنا نراك من الذين يحسنون في عبادتهم لله، ومعاملتهم لخلقه.
(12)
التصديق بموعود الله، قال تعالى:{وَقِيلَ لِلَّذِينَ اتَّقَوْاْ مَاذَا أَنزَلَ رَبُّكُمْ قَالُواْ خَيْراً لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا حَسَنَةٌ وَلَدَارُ الآخِرَةِ خَيْرٌ وَلَنِعْمَ دَارُ الْمُتَّقِينَ} [النحل: 30]
وإذا قيل للمؤمنين الخائفين من الله: ما الذي أنزل الله على النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ قالوا: أنزل الله عليه الخير والهدى. للذين آمنوا بالله ورسوله في هذه الدنيا، ودَعَوْا عباد الله إلى الإيمان والعمل الصالح، مَكْرُمَة كبيرة من النصر لهم في الدنيا، وسَعَة الرزق، ولَدار الآخرة لهم خير وأعظم مما أُوتوه في الدنيا، ولَنِعْم دارُ المتقين الخائفين من الله الآخرةُ.
(13)
العلم الشرعي والفقه في الدين، قال تعالى:{وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ} [القصص: 14] ولما بلغ موسى أشد قوته وتكامل عقله، آتيناه حكمًا وعلمًا يعرف بهما الأحكام الشرعية، وكما جزينا موسى على طاعته وإحسانه نجزي مَن أحسن مِن عبادنا.
(14)
مجاهدة الهوى والنفس والشيطان، قال تعالى:{وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ} [العنكبوت: 69]
(15)
إرداة الله و رسوله و الدار الآخرة، قال تعالى:{وَإِن كُنتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنكُنَّ أَجْراً عَظِيماً} [الأحزاب: 69]
(16)
الدعوة إلى الله والعمل الصالح والانتساب إلى الإسلام و الاعتزاز به، قال تعالى:{وَمَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِّمَّن دَعَا إِلَى اللَّهِ وَعَمِلَ صَالِحاً وَقَالَ إِنَّنِي مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [فصلت: 33]
(الإحسان أعلى مراتب الدين:
إن الله تعالى ارتضى الإسلام لأهل الأرض والسماء، وهدى إلى هذا الدين من شاء من عباده، فغنموا وسلموا، وفازوا بالخيرات، ونجوا من الشرور والمكروهات، وجعل الله هذا الدين الإسلامي على ثلاث مراتب: مرتبة الإسلام، ومرتبة الإيمان، و مرتبة الإحسان، فالإحسان أعلى مراتب الدين الثلاث، لأن القُرب من رب العالمين ونيل الزلفى لديه هو بالإحسان إلى النفس والإحسان إلى الخلق، فإذا جمع العبد بين ذلك كان أقرب إلى ربه، فالإحسانُ والإيمانُ والإسلام درجات، فأعلى الدرجات الإحسان، ودونه درجة الإيمان، ودون ذلك درجة الإسلام، فكلُّ محسن مؤمن مسلم، وكلُّ مؤمن مسلم، وليس كلُّ مؤمن محسناً، ولا كلُّ مسلم مؤمناً محسناً، وحتى نفهم هذا جيدا يجب علينا أن نعرف الإجابة على الأسئلة الثلاثة الآتية:
(1)
ما هو الإسلام؟
(2)
ما هو الإيمان؟
(3)
ما هو الإحسان؟
وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:
فصل الخطاب في بيان الإسلام والإيمان والإحسان هو حديث جبريل في مراتب الدين: (
((حديث عمر بن الخطاب الثابت في صحيح مسلم) قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجلُ شديدُ بياضِ الثياب شديدُ سوادِ الشعر لا يُرى عليه أثرُ السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أمارتها قال أن تلد الأمةُ ربتَها وأن ترى الحفاةَ العراةَ العالةَ رعاءَ الشاءِ يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
[*] (وقد جاء عن جماعة من أهل العلم بيان عظم شأن هذا الحديث،
((قال القاضي عياض كما في شرح النووي على صحيح مسلم (1/ 158): ((وهذا الحديث قد اشتمل على شرح جميع وظائف العبادات الظاهرة والباطنة، من عقود الإيمان وأعمال الجوارح وإخلاص السرائر والتحفظ من آفات الأعمال، حتى إنَّ علومَ الشريعة كلَّها راجعةٌ إليه ومتشعِّبةٌ منه، قال: وعلى هذا الحديث وأقسامه الثلاثة ألَّفنا كتابنا الذي سمَّيناه بالمقاصد الحسان فيما يلزم الإنسان؛ إذ لا يشذ شيءٌ من الواجبات والسنن والرغائب والمحظورات والمكروهات عن أقسامه الثلاثة، والله أعلم)).
((وقال النووي (1/ 160): ((واعلم أنَّ هذا الحديث يجمع أنواعاً من العلوم والمعارف والآداب واللطائف، بل هو أصل الإسلام، كما حكيناه عن القاضي عياض)).
وقال القرطبي كما في الفتح (1/ 125): ((هذا الحديث يصلح أن يُقال له أم السنَّة؛ لِمَا تضمَّنه من جُمل علم السنَّة)).
وقال ابن دقيق العيد في شرح الأربعين: ((فهو كالأمِّ للسنَّة، كما سُمِّيت الفاتحة أم القرآن؛ لِمَا تضمَّنته من جمعها معاني القرآن)).
((وقال ابن رجب في جامع العلوم والحكم (1/ 97): ((وهو حديث عظيم يشتمل على شرح الدِّين كلِّه، ولهذا قال النَّبيُّ * في آخره: (هذا جبريل أتاكم يعلِّمكم دينكم)، بعد أن شرح درجة الإسلام ودرجة الإيمان ودرجة الإحسان، فجعل ذلك كلَّه ديناً)).
(ما هو الإسلام:
يتضح معنى الإسلام في قوله: ((وقال: يا محمد أخبرني عن الإسلام؟ فقال رسول الله *: الإسلامُ أن تشهدَ أن لا إله إلا الله وأنَّ محمداً رسول الله، وتقيم الصلاة، وتؤتي الزكاة، وتصوم رمضان، وتحج البيت إن استطعتَ إليه سبيلاً، قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدِّقه))،
((فيه فوائد:
(الفائدة الأولى: أجاب النَّبيُّ * جبريل عندما سأله عن الإسلام بالأمور الظاهرة، وعندما سأله عن الإيمان، أجابه بالأمور الباطنة، ولفظَا الإسلام والإيمان من الألفاظ التي إذا جُمع بينها في الذِّكر فُرِّق بينها في المعنى، وقد اجتمعا هنا، ففُسِّر الإسلام بالأمور الظاهرة، وهي مناسبة لمعنى الإسلام، وهو الاستسلام والانقيادُ لله تعالى، وفسِّر الإيمان بالأمور الباطنة، وهي المناسبة لمعناه، وهو التصديق والإقرار، وإذا أُفرد أحدُهما عن الآخر شمل المعنيين جميعاً: الأمور الظاهرة والباطنة، ونظير ذلك كلمتَا الفقير والمسكين، والبر والتقوى وغير ذلك.
(الفائدة الثانية: أوَّل الأمور التي فُسِّر بها الإسلام شهادة أن لا إله إلَاّ الله، وشهادة أنَّ محمداً رسول الله *، وهاتان الشهادتان متلازمتان، وهما لازمتان لكلِّ إنسيٍّ وجنيٍّ من حين بعثته * إلى قيام الساعة، فمَن لم يؤمن به * كان من أصحاب النار؛ وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والذي نفس محمد بيده! لا يسمع بي أحدٌ من هذه الأمَّة يهودي ولا نصراني، ثم يموت ولم يؤمن بالذي أُرسلت به إلَاّ كان من أصحاب النار.
مسألة: ما معنى شهادة أن لا إله إلَاّ الله؟
شهادة أن لا إله إلَاّ الله معناها لا معبود حقٌّ إلَاّ الله.
مسألة: ما معنى شهادة أنَّ محمداً رسول الله؟
ومعنى شهادة أن محمداً رسولُ الله طاعتُه فيما أمر، وتصديقُهُ فيما أخبر، واجتناب ما عنه نهى وزجر، وأن لا يعبد الله إلا بما شرع وأن يُعَظمَ أمره ونهيه فلا يُقدَّم عليه قول أحد كائناً من كان.
(الفائدة الثالثة: أهمُّ أركان الإسلام الخمسة بعد الشهادتين الصلاة، وقد وصفها رسول الله * بأنَّها عمود الإسلام، كما في حديث وصيَّته * لمعاذ بن جبل، وأوَّل ما يُحاسَب عليه العبد يوم القيامة، وأنَّ بها التمييز بين المسلم والكافر، وتأمل في الأحاديث الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث معاذ الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الأَمْرِ كُلّهِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ: قُلْتُ: بَلَى يَا رَسُولَ الله قَالَ: رَأْسُ الأَمْرِ الاْسْلَامُ، وَعُمودُهُ الصّلَاةُ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الجِهَادُ في سبيل الله.
((حديث أنس الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أول ما يحاسب به العبد يوم القيامة الصلاة فإن صلحت صلح له سائر عمله و إن فسدت فسد سائر عمله.
((حديث جابر ابن عبد الله رضي الله عنهما الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بين الرجل وبين الكفر والشرك ترك الصلاة.
((حديث بريدة الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العهد الذي بيننا وبينهم الصلاة فمن تركها فقد كفر.
((حديث بريدة رضي الله عنه الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك صلاة العصر فقد حبط عمله.
((حديث معاذ رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من ترك الصلاة متعمدا فقد برئت منه ذمة الله".
(ومِمَّا يدلُّ على أهميَّة شأن الصلاة أيضاً أنَّ الله فرض الصلوات الخمس على رسول الله * ليلة الإسراء وهو في السماء، كما جاء ذلك في أحاديث الإسراء، وأنَّ أهلَ سَقَر يُجيبون عن أسباب دخولهم سقر بقولهم: (قَالُواْ لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلّينَ)[المدثر: 43]
وأنَّ الصلاةَ تنهى عن الفحشاء والمنكر، كما قال تعالى:(إِنّ الصّلَاةَ تَنْهَىَ عَنِ الْفَحْشَآءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللّهِ أَكْبَرُ وَاللّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت: 45]
وهي من آخر ما أوصى به رسول الله * «الصلاة وما ملكت أيمانكم» ،
(حديث علي بن أبي طالب رضي الله عنه الثابت في صحيح ابن ماجه) قال: كان آخر كلام النَّبيِّ *: الصلاة وما ملكت أيمانكم.
(وإقامة الصلاة تكون على حالتين: إحداهما واجبة، وهو أداؤها على أقلِّ ما يحصل به فعل الواجب وتبرأ به الذِّمَّة، ومستحبَّة، وهو تكميلها وتتميمها بالإتيان بكلِّ ما هو مستحبٌّ فيها.
وهذه الصلوات الخمس لازمةٌ لكلِّ بالغ عاقل من الرِّجال والنساء، ما دامت الروح في الجسد، ويجب على الرِّجال أداؤها جماعة في المساجد، ويدلُّ لذلك النصوص الآتية:
قال تعالى: (وَإِذَا كُنتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصّلَاةَ فَلْتَقُمْ طَآئِفَةٌ مّنْهُمْ مّعَكَ وَلْيَأْخُذُوَاْ أَسْلِحَتَهُمْ)[سورة: النساء - الآية: 102]
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس صلاةٌ أثقل على المنافقين من الفجر والعشاء و لو يعلمون ما فيهما لأتوهما و لو حبوا لقد هممت أن آمر المؤذن فيقيم ثم آمر رجلا يؤم الناس ثم آخذ شُعلاً من نار فأُحَرِّقُ على من لا يخرجُ إلى الصلاة بعد.
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً أعمى فقال يا رسول الله ليس لي قائدٌ يقودني إلى المسجد فسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يُرخص له فيصلي في بيته فرخص له، فلما ولى دعاه فقال له: هل تسمع النداء؟ قال نعم، قال فأجب.
((حديث ابن مسعود الثابت في صحيح مسلم) قال: لقد رأيتُنا وما يتخلف عن الصلاة إلا منافق قد علم نفاقه أو مريض، إن كان المريضُ ليمشي بين رجلين حتى يأتي الصلاة.
((حديث ابن عباس الثابت في صحيحي أبي داوود وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سمع النداء فلم يأته فلا صلاة له إلا من عذر.
(الفائدة الرابعة: الزكاة هي قرينة الصلاة في كتاب الله وسنة رسوله *، وتأمل في النصوص الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
قال تعالى: (وَمَآ أُمِرُوَاْ إِلاّ لِيَعْبُدُواْ اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدّينَ حُنَفَآءَ وَيُقِيمُواْ الصّلَاةَ وَيُؤْتُواْ الزّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ القَيّمَةِ)[البينة / 5]
وقال تعالى: (وَأَقِيمُواْ الصّلَاةَ وَآتُواْ الزّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرّاكِعِينَ)[البقرة /43]
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن أعرابيا أتى النبي صلى الله عليه وسلم فقال دُلني على عمل إذا عملته دخلت الجنة، قال: تعبدُ الله ولا تشرك به شياً، وتقيمُ الصلاة المكتوبة وتؤدي الزكاةَ المفروضة وتصوم رمضان، قال والذي نفسي بيده لا أزيدُ على هذا، فلما ولى قال النبي صلى الله عليه وسلم: من سره أن ينظر إلى رجلٍ من أهل الجنة فلينظر إلى هذا)
((حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ بن جبل حين بعثه إلى اليمن: إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى أن يشهدوا أن لا إله إلا الله و أن محمدا رسول الله، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم خمسُ صلواتٍ في كل يومٍ و ليلة، فإن هم أطاعوا لك بذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقةً تؤخذ من أغنيائهم فتردُ على فقرائهم، فإن هم أطاعوا لك بذلك فإياك و كرائم أموالهم و اتقِ دعوة المظلوم فإنه ليس بينها و بين الله حجاب.
((حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أُمرتُ أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ويقيموا الصلاة المكتوبة ويؤتوا الزكاة المفروضة، فإذا فعلوا ذلك عصموا دمائهم وأموالهم إلا بحقها وحسابهم على الله)
((حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بني الإسلام على خمس شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله، وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة والحج وصوم رمضان.
((حديث طلحة بن عبيد الله الثابت في الصحيحين) قال، جاء رجلٌ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أهل نجد ثائرُ الرأس يُعْرَفُ دَويُ صوتهِ ولايُفْقَه ما يقول حتى دنا فإذا هو يسألُ عن الإسلام؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم خمسُ صلوات في اليوم والليلة، فقال: هل عليَّ غيرُها؟ قال لا إلا أن تطوَّع. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم وصيام رمضان. فقال هل عليَّ غيره؟ فقال لا إلا أن تطوع. قال: وذكر له رسولُ الله صلى الله عليه وسلم الزكاة فقال هل عليَّ غيرُها؟ قال لا إلا أن تطوَّع. قال: فأدبر الرجل وهو يقول: والله لا أزيدُ على هذا ولا أنقص، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم أفلح إن صدق.
(وهي عبادةٌ مالية نفعها متعدٍّ، وقد أوجبها الله في أموال الأغنياء على وجه ينفع الفقير ولا يضرُّ الغنيَّ؛ لأنَّها شيء يسير من مال كثير.
(الفائدة الخامسة: صومُ رمضان عبادة بدنية، وهي سرٌّ بين العبد وبين ربِّه، لا يطَّلع عليه إلَاّ الله سبحانه وتعالى؛ لأنَّ من الناس مَن يكون في شهر رمضان مفطراً وغيرُه يظنُّ أنَّه صائم، وقد يكون الإنسانُ صائماً في نفل وغيرُه يظنُّ أنَّه مُفطر، ولهذا ورد في الحديث الصحيح أنَّ الإنسانَ يُجازَى على عمله، الحسنة بعشر أمثالها، إلى سبعمائة ضعف، قال الله عز وجل: ((إلَاّ الصوم فإنَّه لي، وأنا أجزي به أي: بغير حساب، والأعمال كلُّها لله عز وجل، كما قال الله عز وجل: وإنَّما خُصَّ الصوم في هذا الحديث بأنَّه لله لِمَا فيه من خفاء هذه العبادة، وأنَّه لا يطَّلع عليها إلَاّ الله.
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال الله عز وجل: كلُ عملِ بن آدم له إلا الصيامُ فإنه لي وأنا أجزي به، والصيامُ جنةُ فإذا كان يومُ صومِ أحدكم فلا يرفث ولا يصخب ولا يجهل فإن شاتمه أحدُ أو قاتله فليقل صائمٌ مرتين، والذي نفس محمد بيده لخلوف فم الصائم أطيبُ عند الله يوم القيامة من ريح المسك، وللصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح بفطره وإذا لقي ربه فرح بصومه)
(الفائدة السادسة: حجُّ بيت الله الحرام عبادة ماليَّة بدنية، وقد أوجبها الله في العمر مرَّة واحدة، وبيَّن النَّبيُّ فضلَها كما الأحاديث الآتية: (
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (قال من حج لله فلم يرفث ولم يفسق رجع كيوم ولدته أمه)
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: العمرةُ إلى العمرة كفارةُ لما بينهما، والحجُ المبرور ليس له جزاءٌ إلا الجنة)
((حديث ابن مسعود الثابت في صحيحي أبي داوود و الترمذي) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تابعوا بين الحج والعمرة فإنهما ينفيان الفقر و الذنوب كما ينفي الكيرُ خبثَ الحديد والفضة، وليس للحج المبرور ثواب إلا الجنة)
((حديث ابن عمر رضي الله عنهما الثابت في صحيح ابن ماجه) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (الغازي في سبيل الله والحاج و المعتمر، وفدُ الله دعاهم فأجابوه وسألوه فأعطاهم)
(والاستطاعة في الحجِّ تكون بدنية ومالية، ويُحجُّ عن الميت، وأمَّا الحي فلا يُحجُّ عنه إلَاّ في حالتَين:
إحداهما: أن يكون هرماً كبيراً لا يستطيع الركوب والسفر.
والثانية: أن يكو ن مريضاً مرضاً لا يُرجى برؤُه.
(ومن الاستطاعة في حقِّ المرأة وجود المحرم إذا كان الحجُّ من غير مكة،
((حديث ابن عباس رضي الله عنهما الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم، ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم.
((حديث ابن عباس الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا يخلون رجلٌ بامرأةٍ إلا مع ذي محرم، فقام رجل فقال يا رسول الله إن امرأتي خرجت حاجة فاكتتبت في غزوة كذا وكذا قال: ارجع فحج مع امرأتك)
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيحي الترمذي وابن ماجة) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «لا يخلون رجل بامرأة إلا كان ثالثَهما الشيطان»
(الفائدة السابعة: هذه الأركان الخمسة وردت في الحديث مرتَّبة حسب أهميَّتها، وبُدئ فيها بالشهادتين اللَّتين هما أساس لكلِّ عمل يُتقرَّب به إلى الله عز وجل، ثم بالصلاة التي تتكرَّر في اليوم والليلة خمس مرَّات، فهي صلة وثيقة بين العبد وبين ربِّه، ثم الزكاة التي تجب في المال إذا مضى عليه حَولٌ؛ لأنَّ نفعَها متعدٍّ، ثم الصيام الذي يجب شهراً في السنة، وهو عبادة بدنيَّة نفعها غير متعدٍّ، ثم الحج الذي لا يجب في العمر إلَاّ مرَّة واحدة.
(الفائدة الثامنة: قوله: ((قال: صدقت، قال: فعجبنا له يسأله ويصدِّقه!)) وجه التعجُّب أنَّ الغالبَ على السائل كونه غير عالِم بالجواب، فهو يسأل ليصل إلى الجواب، ومثله لا يقول للمسئول إذا أجابه: صدقتَ؛ لأنَّ السائلَ إذا صدَّق المسئول دلَّ على أنَّ عنده جواباً من قبل، ولهذا تعجَّب الصحابةُ من هذا التصديق من هذا السائل الغريب.
(ما هو الإيمان:
يتضح تعريف الإيمان في قوله صلى الله عليه وسلم: ((قال: فأخبرني عن الإيمان؟ قال: أن تؤمنَ بالله وملائكته وكُتبه ورسله واليوم الآخر، وتؤمن بالقدر خيره وشره، قال: صدقتَ، فبين الحديث أن للإيمان أركانٌ ستة هي: الإيمان بالله أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره، وهاك تفصيل ذلك في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:
(الركن الأول الإيمان بالله تعالى:
والإيمان بالله يتضمن أربعة أمور متلازمة:
(1)
الإيمان بوجوده سبحانه وتعالى.
(2)
الإيمان بربوبيته، أي: الانفراد بالربوبية.
(3)
الإيمان بانفراده بالألوهية.
(4)
الإيمان بأسمائه وصفاته. لا يمكن أن يتحقق الإيمان إلا بذلك.
فمن لم يؤمن بوجود الله، فليس بمؤمن، ومن آمن بوجود الله لا بانفراده بالربوبية، فليس بمؤمن، ومن آمن بالله وانفراده بالربوبية، فليس بمؤمن، ومن آمن بالله وانفراده بالربوبية والألوهية لكن لم يؤمن بأسمائه وصفاته، فليس بمؤمن، وإن كان الأخير فيه من يسلب عنه الإيمان بالكلية وفيه من يسلب عنه كمال الإيمان.
(الإيمان بوجود الله:
مسألة: إذا قال قائل: ما الدليل على وجود الله عز وجل؟
قلنا: الدليل على وجود الله: العقل، والحس، والشرع.
ثلاثة كلها تدل على وجود الله، وإن شئت، فزد: الفطرة، فتكون الدلائل على وجود الله أربعة: العقل، والحس، والفطرة، والشرع. وأخرنا الشرع، لا لأنه لا يستحق التقديم، لكن لأننا نخاطب من لا يؤمن بالشرع.
ـ فأما دلالة العقل، فنقول: هل وجود هذه الكائنات بنفسها، أو وجدت هكذا صدفة؟
فإن قلت: وجدت بنفسها، فمستحيل عقلاً ما دامت هي معدومة؟ كيف تكون موجودة وهي معدومة؟! المعدوم ليس بشيء حتى يوجد، إذاً لا يمكن أن توجد نفسها بنفسها وإن قلت: وجدت صدفة، فنقول: هذا يستحيل أيضاً، فأنت أيها الجاحد، هل ما أنتج من الطائرات والصواريخ والسيارات والآلات بأنواعها، هل وجد هذا صدفة؟! فيقول: لا يمكن أن يكون. فكذلك هذه الأطيار والجبال والشمس والقمر والنجوم والشجر والجمر والرمال والبحار وغير ذلك لا يمكن أن توجد صدفة أبداً.
ويقال: إن طائفة من السمنية جاؤوا إلى أبي حنيفة رحمه الله، وهم من أهل الهند، فناظروه في إثبات الخالق عز وجل، وكان أبو حنيفة من أذكى العلماء فوعدهم أن يأتوا بعد يوم أو يومين، فجاءوا، قالوا: ماذا قلت؟ أنا أفكر في سفينة مملوءة من البضائع والأرزاق جاءت تشق عباب الماء حتى أرسلت في الميناء ونزلت الحمولة وذهبت، وليس فيها قائد ولا حمالون.
قالوا: تفكر بهذا؟! قال: نعم. قالوا: إذاً ليس لك عقل! هل يعقل أن سفينة تأتي بدون قائد وتنزل وتنصرف؟! هذا ليس معقول! قال: كيف لا تعقلون هذا، وتعقلون أن هذه السماوات والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب والناس كلها بدون صانع؟ فعرفوا أن الرجل خاطبهم بعقولهم، وعجزوا عن جوابه هذا أو معناه.
وقيل لأعرابي من البادية: بم عرفت ربك؟ فقال: الأثر يدل على المسير، والبعرة تدل على البعير، فسماء ذات أبراج، وأرض ذات فجاج، وبحار ذات أمواج، ألا تدل على السميع البصير؟
ولهذا قال الله عز وجل: {أم خلقوا من غير شيء أم هم الخالقون} [الطور: 35].
فحينئذ يكون العقل دالاً دلالة قطعية على وجود الله.
- وأما دلالة الحس على وجود الله، فإن الإنسان يدعو الله عز وجل، يقول: يا رب! ويدعو بالشيء، ثم يستجاب له فيه، وهذه دلالة حسه، هو نفسه لم يدع إلا الله، واستجاب الله له، رأى ذلك رأي العين. وكذلك نحن نسمع عمن سبق وعمن في عصرنا، أن الله استجاب الله.
وفي القرآن كثير من هذا، مثل:{وأيوب إذ نادى ربه أني مسني الضر وأنت أرحم الراحمين (83) فاستجبنا له} [الأنبياء: 83 - 84] وغير ذلك من الآيات.
- وأما دلالة الفطرة، فإن كثيراً من الناس الذين لم تنحرف فطرهم يؤمنون بوجود الله، حتى البهائم العجم تؤمن بوجٍٍٍٍِود الله، وقصة النملة التي رويت عن سليمان عليه الصلاة والسلام، خرج يستسقي، فوجد نملة مستلقية على ظهرها رافعة قوائمها نحو السماء، تقول: اللهم أنا خلق من خلقك، فلا تمنع عنا سقياك.
فقال: ارجعوا، فقد سقيتم بدعوة غيركم، فالفطر مجبولة على معرفة الله عز وجل وتوحيده.
وقد أشار الله تعالى إلى ذلك في قوله: {وإذ أخذ ربكم من بني آدم من ظهورهم ذريتهم وأشهدهم على أنفسهم ألست بربكم قالوا بلى شهدنا أن تقولوا يوم القيامة إنا كنا عن هذا غافلين (172) أو تقولوا إنما أشرك آباؤنا من قبل وكنا ذرية من بعدهم} [الأعراف: 172: 173]، فهذه الآية تدل على أن الإنسان مجبول بفطرته على شهادته بوجود الله وربوبيته وسواء أقلنا: إن الله استخرجهم من ظهر آدم واستشهدهم، أو قلنا: إن هذا هو ما ركب الله تعالى في فطرهم من الإقرار به، فإن الآية تدل على أن الإنسان يعرف ربه بفطرته.
هذه أدلة أربعة تدل على وجود الله سبحانه وتعالى.
- وأما دلالة الشرع، فلأن ما جاءت به الرسل من شرائع الله تعالى المتضمنة لجميع ما يصلح الخلق يدل على أن الذي أرسل بها رب رحيم حكيم، ولا سيما هذا القرآن المجيد الذي أعجز البشر والجن أن يأتوا بمثله.
[2]
توحيد الربوبيةِ هو إفرادُ الله بالخلق ِ والملك ِ والتدبير.
والدليلُ قوله تعالى (ألا له الخلقُ والأمر){الأعراف / 54}
والأمرُ هنا معناه التدبير.
وقوله تعالى (لله ملك السموات والأرض){المائدة / 17}
الشاهد: تقديم ما حقَّه التأخير يفيدُ الحصر
{تنبيه} : (التدبير الذي يختصُ به الله تعالى نوعان هما:
(1)
تدبيرٌكوني: فالله تعالى يدبرُ أمور الكون وما فيه، هو المحيي المميت الخافض الرافع المعطي المانع المعز المذل يُولج الليل في النهار ويلج النهار في الليل
قال تعالى: (قُلِ اللّهُمّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَآءُ وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمّنْ تَشَآءُ وَتُعِزّ مَن تَشَآءُ وَتُذِلّ مَن تَشَآءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنّكَ عَلَىَ كُلّ شَيْءٍ قَدِيرٌ)،تُولِجُ اللّيْلَ فِي الْنّهَارِ وَتُولِجُ النّهَارَ فِي الْلّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيّ مِنَ الْمَيّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيّتَ مِنَ الْحَيّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَآءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ) {آل عمران / 26، 27}
(2)
تدبيرٌ شرعي: يحلل ويحرِّم.
[3]
توحيد الأ لوهية:
توحيدُ الأ لوهية هو (إفرادُ الله بالعبادة)، أي لا معبود بحقٍ إلا الله.
والدليلُ قوله تعالى قال تعالى: (شَهِدَ اللّهُ أَنّهُ لَا إِلََهَ إِلاّ هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُوْلُواْ الْعِلْمِ قَآئِمَاً بِالْقِسْطِ لَا إِلََهَ إِلاّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(آل عمران /18)
وقوله تعالى: (فَاعْلَمْ أَنّهُ لَا إِلََهَ إِلا اللّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ)(محمد / 19).
(حديثُ عُبَادةَ ابن الصامت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من شهدَ أن لا إله إلا الله وحده لا شَرِيكَ له وأن محمداً عبدُ الله ورسولُه وأن عيسى عبدُ اللهِ ورسولُه وكلمتُه ألقاها إلى مريمَ وروحٌ منه والجنةُ حقٌ والنارُ حقٌ أدخله الله الجنةَ على ما كان من العمل.
[4]
توحيد الأسماءِ والصفات:
توحيدُ الأسماء ِ والصفات هو إثبات ما أثبته الله لنفسه أو أثبته له رسوله من الأسماء ِ الحسنى والصفاتِ العُلى.
{تنبيه} : (في هذا النوع من التوحيد ضابطين أساسيين:
(1)
لا نصفُ الله تعالى إلا بما وصف به نفسه أو وصفه به رسوله صلى الله عليه وسلم.
قال الإمامُ أحمد رحمه الله: لا يوصف الله إلا بما وصف به نفسَه أو وَصفَه به رسوله لا يتجاوزُ القرآن والحديث.
2) أن يكون وصفنا لله تعالى بغيرِ تحريفٍ ولا تعطيل ولا تكيفٍ ولا تمثيل.
مسألة: ما معنى التحريف؟
التحريفُ نوعان:
(النوع الأول: تحريفٌ لفظي كتغيير حرفٍ بحرف، أو زيادة حرف كمن يقول (استوى على العرش) استولى، وقوله حطه أي حنطه. نعوذ بالله من الضلال والخبال.
(النوعُ الثاني: تحريفٌ معنوي وهو التأويلُ بغير دليل، لأي صرف النص عن ظاهره بغير دليلٍ شرعي وهو ما يُسمى بالتأويلِ الفاسد، كحا لِ بعض الفرق الضالة الذين يفسرون قوله تعالى {بل يداه مبسوطتان} فيفسرون يداه بالسماوات والأرض، نعوذ بالله من الضلالِ والخبال.
مسألة: ما معنى التعطيل؟
التعطيلُ هو إنكارُ صفاتِ الله تعالى إما كلها أو بعضها، وكون الإنكارُ عن طريقتين: إما التحريف أو التكذيب
{تنبيه} : (التعطيلُ أعم من التحريف، يكون تعطيلٌ وتحريف، وإن كان التعطيلُ بالإنكار يكون تعطيلٌ فقط.
مسألة: ما معنى التكييف؟
التكييف ذكرُ كيفيةٍ للصفة، وهذا منهيٌ عنه، ولما سُئلَ الإمامُ مالك رحمه الله تعالى عن قوله تعالى (الرحمن على العرش استوى) كيف استوى؟ قال:
الاستواء غيرُ مجهول (أي من حيثُ المعنى)
والكيفُ غير معقول (أي لا تدركه العقول)
والإيمانُ به واجب (لأنه سبحانه أثبته لنفسه)
والسؤالُ عنه بدعة (لأن الصحابة َلم يسألوا عنه وهم أحرصُ الناسِ على الخير وأعلم الناسِ بما يجيزه الشرع.
مسألة: ما معنى التمثيل؟
التمثيلُ هو مماثلة صفات الله تعالى بصفاتِ المخلوقين، وهذا من الضلالِ والخبال لأن الله تعالى يقول (ليس كمثلهِ شئٌ وهو السميعُ البصير)[الشورى / 11]
{تنبيه} : (التكييف أعم من التمثيل، لأن التكييفَ إن كان له مماثل كان تكييفاً وتمثيلاٌ، وإن لم يكن له مماثل كان تكييفاٌ فقط.
[*] قال الشيخ حافظ الحكمي رحمه الله تعالى:
وكلِ ما لهُ من الصفاتِ
…
أثبتها في محكمِ الآياتِ
أوْصَحَّ فيما قاله الرسولُ
…
فحقَّهُ التسليمُ والقبولُ
نُمِرُّها صريحةً كما أتتْ
…
مع اعتقادنا لما له اقتدتْ
من غيرِ تحرِيفٍ ولا تعطيلِ
…
وغيرِ تمثيلٍ ولا تكييفِ
(الركن الثاني الإيمان بالملائكة:
مسألة: كيف الإيمان بالملائكة؟
الإيمان بالملائكة: الاعتقاد الجازم بأن لله تعالى ملائكة مخلوقون من نور كما ثبت في السنة الصحيحة
(حديث عائشة في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خُلقت الملائكة من نور و خُلق الجان من مارجٍ من نار و خُلق آدم مما و صف لكم.
نؤمن بأنهم عالم غيبي لا يشاهدون، وقد يشاهدون، إنما الأصل أنهم عالم غيبي مخلوقون من نور مكلفون بما كلفهم الله به من العبادات وهم خاضعون لله عز وجل أتم الخضوع، {لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6].
ونؤمن أنهم أجساد، بدليل قوله تعالى:{جاعل الملائكة رسلاً أولي أجنحة} [فاطر، 1]، ورأى النبي صلى الله عليه وسلم جبريل على صورته التي خلق عليها له ستمائة جناح قد سد الأفق (1)، خلافاً لمن قال: إنهم أرواح.
إذا قال قائل: هل لهم عقول؟ نقولك هل لك عقل؟ ما يسأل عن هذا إلا رجل مجنون، فقد قال الله تعالى:{لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون} [التحريم: 6]، فهل يثني عليهم هذا الثناء وليس لهم عقول؟! {يسبحون الليل والنهار لا يفترون} [الأنبياء: 20]، أنقول: هؤلاء ليس لهم عقول؟! يأتمرون بأمر الله، ويفعلون ما أمر الله به ويبلغون الوحي، ونقول: ليس لهم عقول؟! أحق من يوصف بعدم العقل من قال: إنه لا عقول له!!
مسألة: هل يكفي الإيمان بالملائكة إجمالاً؟
المسألة على التفصيل الآتي:
ما ورد تعينه باسمه المخصوص كجبريل وميكائيل ورضوان ومالك، وكذا من ورد تعيين نوعهم المخصوص بوظائف كحملة العرش والحفظة والكتبة فيجب الإيمان بهم على سبيل التفصيل، وأما البقية فيجب الإيمان بهم إجمالاً.
(الركن الثالث الإيمان بكتب الله تعالى:
مسألة: ما هو الإيمان بكتب الله تعالى؟
الإيمان بكتب الله تعالى هو ا لتصديق الجازم بأن لله تعالى كتباً أنزلها على أنبيائه ورسله وهي من كلامه حقيقة وهي نورٌ وهدى وأن ما تضمنتها حق ولا يعلم عددها إلا الله تعالى، ويجب الإيمان بها جملةً إلا ما سمى الله منها وهي التوراة والإنجيل والزبور والقرآن فيجب الإيمان بها على التفصيل.
ويجب أن نعتقد أن هذه الكتب نزلت بالهدى ودين الحق وأنها جميعاً نزلت لتوحيد الله تعالى، وأما ما نسب إليها مما يخالف ذلك فمن تحريف البشر.
ومن الإيمان بهذه الكتب أن نعتقد أن القرآن الكريم آخر كتاب نزل من عند الله تعالى، وقد خصه الله تعالى بمزايا تميز بها عن سائر الكتب السابقة منها:
[1]
تضمن خلاصة التعاليم الدينية
[2]
أنزله الله تعالى مهيمناً ورقيباً بمعنى أنه يُقِرُّ ما في الكتب السابقة من حق ويبين ما فيها من تحريف.
قال تعالى: (وَأَنزَلْنَآ إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقّ مُصَدّقاً لّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)[سورة: المائدة - الآية: 48]
[3]
أنه جاء بشريعة عامة للبشرِ كلهم بيَّن فيه ما يلزمهم لسعادتهم في الدارين.
[4]
هو الكتاب الرباني الوحيد الذي تكفَّل الله تعالى بحفظه، قال تعالى:(إِنّا نَحْنُ نَزّلْنَا الذّكْرَ وَإِنّا لَهُ لَحَافِظُونَ)[سورة: الحجر - الآية: 9]
(الركن الرابع الإيمان برسل الله تعالى:
مسألة: ما هو الإيمان برسل الله تعالى؟
الإيمان برسل الله تعالى هو التصديق بأن لله تعالى رسلٌ أرسلهم للبشرِ مبشرين ومنذرين لئلا يكون للناس على الله حجةٌ بعد الرسل، فيجب الإيمان بمن سمى الله تعالى منهم في كتابه على التفصيل والإيمان جملةً بأن لله تعالى رسلا غيرهم وأنبياء لا يحصي عددهم إلا الله تعالى و لا يحصي أسمائهم إلا الله تعالى لأن بعضهم قد بينه الله تعالى في كتابه و بعضهم لم يُبينه الله تعالى في كتابه.
قال تعالى: (وَرُسُلاً قَدْ قَصَصْنَاهُمْ عَلَيْكَ مِن قَبْلُ وَرُسُلاً لّمْ نَقْصُصْهُمْ عَلَيْكَ وَكَلّمَ اللّهُ مُوسَىَ تَكْلِيماً)[سورة: النساء - الآية: 164]
و الإيمان بالرسل يتضمن الإيمان بأنهم صادقون في رسالتهم، وتصديق ما اخبروا به والتزام أحكام شرائعهم غير المنسوخة، والشرائع السابقة كلها منسوخة بشريعة صلى الله عليه وسلم.
ورسل الله هم الذين أوحى الله إليهم بالشرائع وأمرهم بتبليغها، وأولهم نوح وآخرهم محمد صلى الله عليه وسلم.
الدليل على أن أولهم نوح: قوله تعالى: {إنا أوحينا إليك كما أوحينا إلى نوح والنبيين من بعده} [النساء: 163]، يعني: وحياً، كإيحائنا إلى نوح والنبيين من بعده، وهو وحي الرسالة. وقوله:{ولقد أرسلنا نوحاً وإبراهيم وجعلنا في ذريتهما النبوة والكتاب} [الحديد: 26]: {في ذريتهما} ، أي ذرية نوح وإبراهيم، والذي قبل نوح لا يكون من ذريته. وكذلك قوله تعالى:{وقوم نوح من قبل إنهم كانوا قوماً فاسقين} [الذاريات: 46]، قد نقول: إن قوله: {من قبل} : يدل على ما سبق.
إذاً من القرآن ثلاثة أدلة تدل على أن نوحا أول الرسل ومن السنة ما ثبت في حديث الشفاعة: "أن أهل الموقف يقولون لنوح: أنت أول رسول أسله الله إلى أهل الأرض، وهذا صريح.
أما آدم عليه الصلاة والسلام، فهو نبي، وليس برسول.
وآخرهم محمد عليه الصلاة والسلام، لقوله تعالى:{ولكن رسول الله وخاتم النبيين} [الأحزاب: 40]، ولم يقل: وخاتم المرسلين، لأنه إذا ختم النبوة، ختم الرسالة من باب أولى.
مسألة: كم عدد الرسل المذكورين في القرآن الكريم ،من هم؟
عدد الرسل المذكورين في القرآن الكريم خمسٌ وعشرون منهم ثمانية عشر في سورة الأنعام والباقي في سورٍ متعددة، وهؤلاء الرسل هم:
آدَمَ وإدريس وَنُوح وهُود وصالح و إِبْرَاهِيمَ وَلُوط ويونس وَإِسْمَاعِيلَ وإسحاق ويعقوب ويوسف وأيوب وشعيب وموسى وهارون واليسع وذا الكفل وداود وسليمان وذكريا وإلياس ويحيى وعيسى ومحمد صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
قال تعالى: (وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ كُلاّ هَدَيْنَا وَنُوحاً هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرّيّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَىَ وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ * وَزَكَرِيّا وَيَحْيَىَ وَعِيسَىَ وَإِلْيَاسَ كُلّ مّنَ الصّالِحِينَ * وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطاً وَكُلاّ فَضّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ)[الأنعام 84 - 86]
قال تعالى: (وَإِلَىَ عَادٍ أَخَاهُمْ هُوداً)[سورة: الأعراف - الآية: 65]
قال تعالى: (وَإِلَىَ ثَمُودَ أَخَاهُمْ صالحاً)[سورة: الأعراف - الآية: 73]
قال تعالى: (وَإِلَىَ مَدْيَنَ أَخَاهُمْ شُعَيْباً)[سورة: الأعراف - الآية: 85]
قال تعالى: (إِنّ اللّهَ اصْطَفَىَ آدَمَ وَنُوحاً وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ)[سورة: آل عمران - الآية: 33]
قال تعالى: (مّحَمّدٌ رّسُولُ اللّهِ وَالّذِينَ مَعَهُ أَشِدّآءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَمَآءُ بَيْنَهُمْ)[سورة: الفتح - الآية: 29]
مسألة ما موضوع رسالة الرسل، وما الحكمة فيها؟
موضوع رسالة الرسل هو التبشير والتنذير قال تعالى: (رّسُلاً مّبَشّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجّةٌ بَعْدَ الرّسُلِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً)[سورة: النساء - الآية: 165]
و الحكمة من إرسال الرسل دعوة أممهم إلى عبادة الله تعالى وحده والنهي عن عبادة ما سواه.
قال تعالى: (وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلّ أُمّةٍ رّسُولاً أَنِ اعْبُدُواْ اللّهَ وَاجْتَنِبُواْ الْطّاغُوتَ)[سورة: النحل - الآية: 36]
مسألة: من هم أولوا العزم من الرسل؟
أولوا العزم من الرسل هم محمد ونوح و إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَىَ المذكورون في سورة الشورى.
قال تعالى: (شَرَعَ لَكُم مّنَ الدّينِ مَا وَصّىَ بِهِ نُوحاً وَالّذِيَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ وَمَا وَصّيْنَا بِهِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَىَ أَنْ أَقِيمُواْ الدّينَ وَلَا تَتَفَرّقُواْ فِيهِ)[سورة الشورى - الآية: 13]
و قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذْنَا مِنَ النّبِيّيْنَ مِيثَاقَهُمْ وَمِنْكَ وَمِن نّوحٍ وَإِبْرَاهِيمَ وَمُوسَىَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)[سورة: الأحزاب - الآية: 7]
مسألة: ما هو واجبنا نحو الرسل عليهم الصلاة والسلام؟
واجبنا نحو الرسل عليهم الصلاة والسلام:
[1]
يجب علينا أن نعتقد اعتقاداً جازماً بأنهم بلَّغوا جميع ما أُرسلوا به على ما أمرهم الله تعالى به وبينوه بياناً واضحاً لا سعُ أحداً مما أُرسلوا إليه جهله ولا يحلٌُ خلافه قال تعالى: (مّنْ يُطِعِ الرّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللّهَ)[سورة: النساء - الآية: 80]
[2]
يجب علينا أن نؤمن بهم ونصدقهم كلهم ، ولا نفرِّق بين أحدٍ منهم، فمن آمن ببعض الرسل وكفر ببعض كان من الكافرين بنص القرآن قال تعالى:(إِنّ الّذِينَ يَكْفُرُونَ بِاللّهِ وَرُسُلِهِ وَيُرِيدُونَ أَن يُفَرّقُواْ بَيْنَ اللّهِ وَرُسُلِهِ وَيقُولُونَ نُؤْمِنُ بِبَعْضٍ وَنَكْفُرُ بِبَعْضٍ وَيُرِيدُونَ أَن يَتّخِذُواْ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلاً * أُوْلََئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ حَقّاً)[النساء:150،151]
[3]
يجب علينا أن نعتقد أن كل رسولٍ قد أدى الأمانة وبلغ الرسالة على النحو الأكمل وأنهم بلغوا جميع ما أُرسلوا به على ما أمرهم الله تعالى به وبينوه بياناً واضحاً لا سعُ أحداً مما أُرسلوا إليه جهله ولا يحلٌُ خلافه.
[4]
يجب علينا أن نعتقد أنهم معصومون من الكبائر وأما الصغائر فقد تقع منهم والكتاب والسنة يدلان على ذلك لكن يوفقون للتوبة منها.
[5]
يجب علينا أن نعتقد أنهم أكمل الخلق علماً وعملاً وأصدقهم وأبرهم وأكملهم أخلاقاً وأن الله تعالى خصهم بفضائل لا يلحقهم فيها أحداً وبرأهم من كلِ خلقٍ رزيل.
[6]
يجب محبتهم وتوقيرهم ويحرم الغلو فيهم ورفعهم فوق منزلتهم ولا تُنزليهم منزلة لا تنبغي إلا لله تعالى
(حديث عمر في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا تطروني لا تطروني كما أطرت النصارى ابن مريم فإنما أنا عبد فقولوا: عبد الله و رسوله.
(الركن الخامس الإيمان بالبعث:
مسألة: ما هو البعث، وما حكم إنكار البعث؟
البعث بمعنى الإخراج، يعني: إخراج الناس من قبورهم بعد موتهم.
وهذا من معتقد أهل السنة والجماعة.
وهذا ثابت بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين، بل إجماع اليهود والنصارى، حيث يقرون بأن هناك يوماً يبعث الناس فيه ويجازون:
- أما القرآن، فيقول الله عز وجل:{زعم الذين كفروا أن لن يبعثوا قل بلى وربي لتبعثن} [التغابن: 7] وقال عز وجل: {ثم إنكم بعد ذلك لميتون (15) ثم إنكم يوم القيامة تبعثون} [المؤمنون: 15 - 16].
- وأما في السنة، فجاءت الأحاديث المتواترة عن النبي صلى الله عليه وسلم في ذلك.
- وأجمع المسلمون على هذا إجماعاً قطعياً، وأن الناس سيبعثون يوم القيامة ويلاقون ربهم ويجازون بأعمالهم، {فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره (7) ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره} [الزلزلة: 7 - 8].
{يا أيها الإنسان إنك كادح إلى ربك كدحا فملاقيه} [الانشقاق: 6]، فتذكر هذا اللقاء حتى تعمل له، خوفاً من أن تقف بين يدي الله عز وجل يوم القيامة وليس عندك شيء من العمل الصالح، انظر ماذا عملت ليوم النقلة؟ وماذا عملت ليوم اللقاء؟ فإن أكثر الناس اليوم ينظرون ماذا عملوا للدنيا، مع العلم بأن هذه الدنيا التي عملوا لها لا يدرون هل يدركونها أم لا؟ قد يخطط الإنسان لعمل دنيوي يفعله غداً أو بعد غد، ولكنه لا يدرك غداً ولا بعد غد، لكن الشيء المتيقن أن أكثر الناس في غفلة من هذا، قال الله تعالى:{بل قلوبهم في غمرة من هذا} [المؤمنون: 63] وأعمال الدنيا يقول: {ولهم أعمال من دون ذلك هم لها عاملون} [المؤمنون: 63]، فأتى بالجملة الاسمية المفيدة للثبوت والاستمرار: و {هم لها عاملون} ، وقال تعالى:{قد كنت في غفلة من هذا} [ق: 22]: يعني: يوم القيامة وقال تعالى: {فكشفنا عنك غطاءك فبصرك اليوم حديد} [ق: 22].
هذا البعث الذي اتفقت عليه الأديان السماوية وكل متدين بدين هو أحد أركان الإيمان الستة وهو من معتقدات أهل السنة والجماعة ولا ينكره أحد ممن ينتسب إلى ملة أبداً.
حكم إنكار البعث: إنكار البعث كفراً أكبر يخرج من الملة.
قال تعالى: (زَعَمَ الّذِينَ كَفَرُوَاْ أَن لّن يُبْعَثُواْ قُلْ بَلَىَ وَرَبّي لَتُبْعَثُنّ ثُمّ لَتُنَبّؤُنّ بِمَا عَمِلْتُمْ وَذَلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيرٌ)[سورة: التغابن - الآية: 7]
و قال تعالى: (أَوَلَمْ يَرَ الإِنسَانُ أَنّا خَلَقْنَاهُ مِن نّطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مّبِينٌ* وَضَرَبَ لَنَا مَثَلاً وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَن يُحيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ* قُلْ يُحْيِيهَا الّذِيَ أَنشَأَهَآ أَوّلَ مَرّةٍ وَهُوَ بِكُلّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)[يس 77: 79]
مسألة: ما هوالإيمان باليوم الآخر؟
الإيمان باليوم الآخر يتضمن الإيمان بكل ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه والبعث والحساب والحشر والميزان والصراط والشفاعة وغير ذلك.
{تنبيه} : (لا يتحقق الإيمان باليوم الآخر إلا بأمرين:
[1]
أن نؤمن باليوم الآخر بصفة إجمالية.
[2]
أن نؤمن بكل ما اخبر به النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون بعد الموت من فتنة القبر وعذابه ونعيمه والبعث والحساب والحشر والميزان والصراط والشفاعة وغير ذلك.
(الركن السادس الإيمان بالقدر خيره وشره:
مسألة: ما هو الإيمان بالقدر خيره وشره؟
القدر هو: "تقدير الله عز وجل للأشياء".
وقد كتب الله مقادير كل شيء قبل أن يخلق السماوات والأرض بخمسين ألف سنة (1)، كما قال الله تعالى:{ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماء والأرض إن ذلك في كتاب إن ذلك على الله يسير} [الحج: 70].
"خيره وشره": أما وصف القدر بالخير، فالأمر فيه ظاهر. وأما وصف القدر بالشر، [فالمراد به شر المقدور لا شر القدر] الذي هو فعل الله، فإن فعل الله عز وجل ليس فيه شر، كل أفعاله خير وحكمة، لأنه تعالى يقدرُ الأشياء لحكمةٍ بالغةً قضاها يستوجب الحمد على اقتضاها ولكن الشر في مفعولاته ومقدورا ته، فالشر هنا باعتبار المقدور والمفعول، أما باعتبار الفعل، فلا، ولهذا قال النبي عليه الصلاة والسلام: "والشر ليس إليك.
فمثلاً، نحن نجد في المخلوقات المقدورات شراً، ففيها الحيات والعقارب والسباع والأمراض والفقر والجدب وما أشبه ذلك، وكل هذه بالنسبة للإنسان شر، لأنها لا تلائمه، وفيها أيضاً المعاصي والفجور والكفر والفسوق والقتل وغير ذلك، وكل هذه شر، لكن باعتبار نسبتها إلى الله هي خير، لأن الله عز وجل لم يقدرها إلا لحكمةٍ بالغةً قضاها يستوجب الحمد على اقتضاها، عرفها من عرفها وجهلها من جهلها.
وعلى هذا يجب أن تعرف أن الشر الذي وصف به القدر إنما هو باعتبار المقدورات والمفعولات، لا باعتبار التقدير الذي هو تقدير الله وفعله.
ثم اعلم أيضاً أن هذا المفعول الذي هو شر قد يكون شراً في نفسه، لكنه خير من جهة أخرى، قال الله تعالى:{ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون} [الروم: 41]، النتيجة طيبة، وعلى هذا، فيكون الشر في هذا المقدور شراً إضافياً يعنى: لا شراً حقيقياً، لأن هذا ستكون نتيجته خيراً.
فحد الزاني مثلاً إذا كان غير محصن أن يجلد مئة جلدة ويسفر عن البلد لمدة عام، هذا لا شك أنه شر بالنسبة إليه، لأنه لا يلائمه، لكنه خير من وجه آخر لأنه يكون كفارة له، فهذا خير، لأن عقوبة الدنيا أهون من عقوبة الآخرة، فهو خير له، ومن خيره أنه ردع لغيره ونكال لغيره، فإن غيره لو هم أن يزني وهو يعلم أنه سيفعل به مثل ما فعل بهذا، ارتدع، بل قد يكون خيراً له هو أيضاً، باعتبار أنه لن يعود إلى مثل هذا العمل الذي سبب له هذا الشيء.
أما بالنسبة للأمور الكونية القدرية، فهناك شيء يكون شراً باعتباره مقدوراً، كالمرض مثلاً، فالإنسان إذا مرض، فلا شك أن المرض شر بالنسبة له، لكن فيه خير له في الواقع، وخيره تكفير الذنوب، قد يكون الإنسان عليه ذنوب ما كفرها الاستغفار والتوبة، لوجود مانع، مثلاً لعدم صدق نيته مع الله عز وجل فتأتي هذه الأمراض والعقوبات، فتكفر هذه الذنوب.
ومن خيره أن الإنسان لا يعرف قدر نعمة الله عليه بالصحة، إلا إذا مرض، نحن الآن أصحاء ولا ندري ما قدر الصحة لكن إذا حصل المرض، عرفنا قدر الصحة فالصحة تاج على رؤوس الأصحاء لا يعرفها إلا المرضى .. هذا أيضاً خير، وهو أنك تعرف قدر النعمة.
ومن خيره أنه قد يكون في هذا المرض أشياء تقتل جراثيم في البدن لا يقتلها إلا المرض، يقول الأطباء: بعض الأمراض المعينة تقتل هذه الجراثيم التي في الجسد وأنك لا تدري.
فالحاصل أننا نقول:
أولاً: الشر الذي وصف به القدر هو شر بالنسبة لمقدور الله، أما تقدير الله، فكله خير والدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم "والشر ليس إليك.
ثانياً: أن الشر الذي في المقدور ليس شراً محضاً بل هذا الشر قد ينتج عنه أمور هي خير، فتكون الشرية بالنسبة إليه أمراً إضافياً.
مسألة: ما هي أركان الإيمان بالقدر؟ الإيمان بالقدر له أربعة أركان:
الركن الأول: العلم وهى أن يؤمن الإنسان أيمانا جازما بان الله تعالى بكل شي عليم وانه يعلم ما في السماوات والأرض جملة وتفصيلاً سواء كان ذلك من فعله أو من فعل مخلوقاته وانه لا يخفى على الله شي في الأرض ولا في السماء.
الركن الثاني: الكتابة وهى إن الله تبارك وتعالى كتب عنده في اللوح المحفوظ مقادير كل شي. وقد جمع الله تعالى بين هاتين المرتبتين في قوله تعالى: (ألم تعلم أن الله يعلم ما في السماوات والأرض أن ذلك في كتاب أن ذلك على الله يسير)[الحج:70] فبدا سبحانه بالعلم وقال أن ذلك في كتاب أي انه مكتوب في اللوح المحفوظ كما جاء به الحديث عن رسوله الله صلى الله عليه وسلم.
(حديث عبادة بن الصامت في صحيح أبي داود) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول ما خلق الله القلم فقال له: اكتب قال: يا رب و ما أكتب؟ قال: اكتب مقادير كل شيء حتى تقوم الساعة من مات على غير هذا فليس مني.
ولهذا سئل النبي صلى الله عليه وسلم أفلا ندع العمل ونتكل على الكتاب الأول قال (اعملوا فكل ميسر لما خلق له).
فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم بالعمل فأنت يا أخي اعمل وأنت ميسر لما خلقت له. ثم تلا صلى الله عليه وسلم قوله تعالى:
قال تعالى: (فَأَمّا مَنْ أَعْطَىَ وَاتّقَىَ * وَصَدّقَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْيُسْرَىَ * وَأَمّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَىَ * وَكَذّبَ بِالْحُسْنَىَ * فَسَنُيَسّرُهُ لِلْعُسْرَىَ)[الليل: 5 ـ 10]
الركن الثالث: المشيئة وهى أن الله تبارك وتعالى شاء لكل موجود أو معدوم في السماوات أو في الأرض فما وجد موجود إلا بمشيئة الله تعالى وما عدم معدوم إلا بمشيئة الله تعالى وهذا ظاهر في القران الكريم وقد اثبت الله تعالى مشيئته في فعله ومشيئته في فعل العباد فقال الله تعالى: (لمن شاء منكم أن يستقيم * وما تشاءون إلا أن يشاء الله رب العالمين)[التكوير: 28، 29](ولو شاء ربك ما فعلوه)[الأنعام: 112](ولو شاء الله ما اقتتلوا ولكن الله يفعل ما يريد)[البقرة: 253].
فبين الله تعالى أن فعل الناس كائن بمشيئته وأما فعله تعالى فكثير قال تعالى (ولو شئنا لأتينا كل نفس هداها)[الأنعام:13] وقوله (ولو شاء ربك لجعل الناس أمة واحدة)[هود 118] إلى آيات كثيرة تثبت المشيئة في فعله تبارك وتعالى فلا يتم الأيمان بالقدر إلا أن نؤمن بان مشيئة الله عامة لكل موجود أو معدوم فما من معدوم إلا وقد شاء الله تعالى عدمه وما من موجود إلا وقد شاء الله تعالى وجوده ولا يمكن أن يقع شي في السماوات ولا في الأرض إلا بمشيئة الله تعالى.
الركن الرابع: الخلق آي أن نؤمن بان الله تعالى خالق كل شي فما من موجود في السماوات والأرض إلا والله خالقه حتى الموت يخلقه الله تبارك وتعالى وان كان هو عدم الحياة يقول الله تعالى: (الذي خلق الموت والحياة ليبلوكم أيكم أحسن عملاً)[الملك: 2] فكل شي في السماوات أو في الأرض فان الله تعالى خالقه لا خالق إلا الله تبارك وتعالى وكلنا يعلم أن ما يقع من فعله سبحانه وتعالى بأنه مخلوق له فالسماوات والأرض والجبال والأنهار والشمس والقمر والنجوم والرياح والإنسان والبهائم كلها مخلوقات الله وكذلك لهذه المخلوقات من صفات وتقلبات أحوال كلها أيضا مخلوقة لله عز وجل.
(ما هو الإحسان:
يتضح معنى افحسان في قوله: قال: فأخبرني عن الإحسان؟ قال: أن تعبدَ الله كأنَّك تراه، فإن لَم تكن تراه فإنَّه يراك)).
والمعنى: أن تعبدَه كأنَّك واقفٌ بين يديه تراه، ومن كان كذلك فإنَّه يأتي بالعبادة على التمام والكمال، وإن لم يكن على هذه الحال فعليه أن يستشعر أنَّ اللهَ مطَّلع عليه لا يخفى عليه منه خافية، فيحذر أن يراه حيث نهاه، ويعمل على أن يراه حيث أمره، قال ابن رجب في شرح هذا الحديث في كتابه جامع العلوم والحكم (1/ 126):((فقوله * في تفسير الإحسان: (أن تعبدَ الله كأنَّك تراه) إلخ يشير إلى أنَّ العبدَ يعبد الله على هذه الصفة، وهي استحضار قربه، وأنَّه بين يديه كأنَّه يراه، وذلك يوجب الخشية والخوف والهيبة والتعظيم، كما جاء في رواية أبي هريرة (أن تخشى الله كأنَّك تراه)، ويُوجب أيضاً النصح في العبادة وبذل الجهد في تحسينها وإتمامها وإكمالها))، وقال (1/ 128 ـ 129):((قوله *: (فإن لم تكن تراه فإنَّه يراك)، قيل: إنَّه تعليل للأول؛ فإنَّ العبدَ إذا أُمر بمراقبة الله في العبادة واستحضار قربه من عبده حتى كأنَّ العبد يراه، فإنَّه قد يشق ذلك عليه، فيستعين على ذلك بإيمانه بأنَّ الله يراه، ويطَّلع على سرِّه وعلانيته، وباطنه وظاهره، ولا يخفى عليه شيء من أمره، فإذا حقَّق هذا المقام سهُل عليه الانتقال إلى المقام الثاني، وهو دوام التحديق بالبصيرة إلى قرب الله من عبده ومعيَّته حتى كأنَّه يراه، وقيل: بل هو إشارة إلى أنَّ مَن شقَّ عليه أن يعبدَ الله كأنَّه يراه، فليَعبُدِ اللهَ على أنَّ الله يراه ويطَّلع عليه، فليستحيي من نظره إليه)).
(فالإحسان هو: مراقبة الله في السر والعلن، وفي القول والعمل، وهو فعل الخيرات على أكمل وجه، وابتغاء مرضات الله.
(الإحسان إقامة الصلاة على أتم وجوهها، والتقرب إلى الله تعالى، ومناجاته في ساعات الليل إذا الناس ينامون، وإحسانٌ إلى الخلق، قال الله تعالى: إِنَّهُمْ كَانُواْ قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ كَانُواْ قَلِيلاً مّن الَّيْلِ مَا يَهْجَعُونَ وَبِالأَسْحَارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَفِى أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لَّلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ [الذاريات:16 - 19].
(الإحسانُ جهاد النفس وجهاد الشيطان وجهاد المنافقين وجهاد الكفار، قال الله تعالى: وَكَأَيّن مّن نَّبِىّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُواْ لِمَا أَصَابَهُمْ فِى سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُواْ وَمَا اسْتَكَانُواْ وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ وَمَا كَانَ قَوْلَهُمْ إِلَاّ أَن قَالُواْ ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِى أَمْرِنَا وَثَبّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ فَآتَاهُمُ اللَّهُ ثَوَابَ الدُّنْيَا وَحُسْنَ ثَوَابِ الآخِرَةِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:146 - 148].
(الإحسان إنفاقٌ في الغنى والفقر، وكظمٌ للغيظ، وعفو عن الجاهلين، قال الله تعالى: الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِى السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [آل عمران:134].
(الإحسان نصحٌ لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم، قال الله تعالى: لَّيْسَ عَلَى الضُّعَفَاء وَلَا عَلَى الْمَرْضَى وَلَا عَلَى الَّذِينَ لَا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إِذَا نَصَحُواْ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ [التوبة:91].
(الإحسان انقياد للحق، وحبٌ له، واستماع للوحي المنزل بقلوب سليمة وآذان واعية وعيون دامعة، قال الله تعالى: وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقّ يَقُولُونَ رَبَّنَا ءامَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ وَمَا لَنَا لَا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَمَا جَاءنَا مِنَ الْحَقّ وَنَطْمَعُ أَن يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُواْ جَنَّاتٍ تَجْرِى مِن تَحْتِهَا الأنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذالِكَ جَزَاء الْمُحْسِنِينَ [المائدة:83 - 85].
(الإحسان فوق العدل:
الإحسان فوق العدل؛ لأن العدل إنصاف وقسمة وقسط، والإحسان إيثار وتضحية، عطاء وبذل للغير عن طواعية ورضاء؛ لأن المحسن لا يطالب بثواب يستحقه في الدنيا، وإنما يتركه اختيارًا لله تعالى الذي عنده الجزاء الأوفى على إحسانه، وفى هذا يقول تعالى:{إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:90].
وبالإحسان يشعر المؤمن شعورًا ملازمًا، أن الذي يعطى هو الله تعالى وحده، وأن المال والصحة والجاه، وكل ما في الدنيا إنما هو منه، وإليه فلا يحس المؤمن في الإحسان بذاته إلا كوسيلة اختارها الله تعالى لفعل الخير، وعمل المعروف.
فالإحسان بهذا المعنى إمداد واستمداد من الله إلى عبده، وليس وقفًا من العبد على غيره؛ لأن في الوقف اعتراض ومشاركة للربوبية، وهو نوع من الشرك الخفي، فالله تعالى هو مصدر الخير والمحبة والجود والسخاء، وأي إحسان بخلاف ذلك يخل بمعنى الإحسان على الإطلاق.
ففي المعاملات والعلاقات الشخصية لا يكتفي بالعدل بل يتعداه إلى الفضل وهو الإحسان.
يقول الله تعالى: {إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ} [النحل:90]
((قال الإمام ابن كثير رحمه الله في تفسيره:
«يخبر تعالى أنه يأمر عباده بالعدل وهو القسط والموازنة ويندب إلى الإحسان كقوله تعالى: {وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُواْ بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُم بِهِ وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرينَ} [النحل: 126]
وقال {وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ} [الشورى: 40]، وقال {وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَهُ} [المائدة: 45]، إلى غير ذلك من الآيات الدالة على هذا، من (1) شرعية العدل والندب إلى الفضل. أهـ
(طرق الإحسان:
فالإحسان مطلوب في العبادات والمعاملات فأي عبادة افترضها الله على العبد فإن عليه أن يأتي بها على الوجه الذي رضيه سبحانه من إخلاصها له و موافقتها لشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكما أن الإنسان يحب لنفسه أن يعامله غيره معاملة حسنة، فإن عليه أن يحسن إلى غيره، ويعامله بمثل ما يحب أن يعامل به هو، ذلك بسلوك طرق الإحسان التي نتعرض لبعضها فيما يلي في إيجازٍ غيرِ مُخِّل:
(الإحسان بالنفع البدني:
وذلك بأن يجود ببذل ما يستطيعه من القوة البدنية في تحصيل المصالح ودفع المفاسد، فيمنع الظالم من الظلم، و يميط الأذى عن الطريق مثلا، وهذه الطريق هي التي عناها صلى الله عليه وسلم بقوله في الحديث الآتي:
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة فكل تسبيحة صدقة و كل تحميدة صدقة و كل تهليلة صدقة و كل تكبيرة صدقة و أمر بالمعروف صدقة و نهي عن المنكر صدقة و يجزي من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى.
(الإحسان بالمال:
ومن وسّع الله عليه الرزق، وآتاه المال؛ فإنّ عليه أن يشكر الله على ذلك بصرفه في الطرق التي شرعها، فيقضي الحاجة، ويواسي المنكوب، ويفك الأسير، ويقري الضيف، ويطعم الجائع تحقيقا لقوله تعالى:(وَأَحْسِن كَمَآ أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ)[القصص: 77]
(الإحسان بالجاه:
وإذا لم يتمكّن المؤمن من قضاء حاجة أخيه وإيصال النفع إليه، فعليه أن يكون عوناً له في سبيل تحصيلها، وذلك بالسعي معه لدى من يستطيع ذلك، إقتداء برسول الله صلى الله عليه وسلم، وامتثالا لأمره كما في الحديث الآتي:
((حديث أبي موسى الثابت في الصحيحين) قال، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتاه طالبُ حاجةٍ أقبل على جُلسائه فقال:(اشفعوا تؤجروا ويقضي الله على لسان نبيه ما أحب)
(الإحسان بالعلم:
وهذه الطريق مع التي تليها أعظم الطرق و أتمها نفعا؛ لأن هذا الإحسان يؤدي إلى ما فيه سعادة الدنيا والآخرة، وبه يعبد الله على بصيرة، فمن يسر الله له أسباب تحصيل العلم وظفر بشيء منه كانت مسئوليته عظيمة، ولزمه القيام بما يجب للعلم من تعليم الجاهل وإرشاد الحيران، وإفتاء السائل، وغير ذلك من المنافع التي تتعدى إلى الغير.
(الإحسان بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ولم تكن أمة محمد صلى الله عليه وسلم خير أمة أخرجت للناس إلا بسلوكها تلك الطريق، كما أنّ بني إسرائيل لم يلعن من لعن منهم على لسان أنبيائهم إلا لتخليهم عن ذلك الواجب من عدم اكتراثهم بارتكاب المنكرات، قال الله تعالى في حق هذه الأمة قال تعالى:(كُنْتُمْ خَيْرَ أُمّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللّهِ)[آل عمران: 110]
وقال في حق بني إسرائيل: (لُعِنَ الّذِينَ كَفَرُواْ مِن بَنِيَ إِسْرَائِيلَ عَلَىَ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ)[المائدة: 78]
(ثم بيّن سبب اللعن بقوله: {ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ * كَانُوا لا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ} [المائدة: 78،79]
ولا يحصل المطلوب ويتم النفع إلا إذا كان الآمر بالمعروف و الناهي عن المنكر مؤتمرا بما يأمر به، ومنتهيا عما ينهى عنه، وإلا كان أمره ونهيه وبالاً عليه قال تعالى:(كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللّهِ أَن تَقُولُواْ مَا لَا تَفْعَلُونَ)[الصف: 3]
والإحسان إلى الناس بأمرهم بالمعروف ونهيهم عن المنكر لا بد أن يكون عن علم؛ لأن الجاهل قد يأمر بما هو منكر، وقد ينهى عما هو معروف، ولا بد أن يجمع إلى العلم الحكمة، ويصبر على ما أصابه، و من الأدلة على هذه الأمور الثلاثة قوله تعالى:(قُلْ هََذِهِ سَبِيلِيَ أَدْعُو إِلَىَ اللّهِ عَلَىَ بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَآ أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ)[يوسف: 108]}
وقوله تعالى: (ادْعُ إِلِىَ سَبِيلِ رَبّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ)[النحل: 125]
وقوله تعالى: (يَبُنَيّ أَقِمِ الصّلَاةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَىَ مَآ أَصَابَكَ إِنّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الاُمُورِ)[لقمان: 17]
وقد جعل النبي صلى الله عليه وسلم إنكار المنكر على ثلاث مراتب إن لم تحصل المرتبتان الأوليتان فلا أقل من الثالثة التي هي أضعف الإيمان كما في الحديثين الآتين:
((حديث أبي سعيد الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من رأى منكم منكرا فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه و ذلك أضعف الإيمان.
((حديث ابن مسعود رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما من نبي بعثه الله في أمة قبلي إلا كان له من أمته حواريون وأصحاب يأخذون بسنته ويقتدون بأمره ثم إنها تخلف من بعدهم خلوف يقولون مالا يفعلون ويفعلون مالا يؤمرون فمن جاهدهم بيده فهو مؤمن ومن جاهدهم بلسانه فهو مؤمن ومن جاهدهم بقلبه فهو مؤمن وليس وراء ذلك من الإيمان حبة خردل.
(أنواع الإحسان:
الإحسان مطلوب من المسلم في كل عمل يقوم به ويؤديه، وتأمل في الحديث الآتي بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيه واجعل له من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيه من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث شداد بن أوس رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله كتب الإحسان على كل شيء فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة وإذا ذبحتم فأحسنوا الذبح وليحد أحدكم شفرته فليرح ذبيحته.
فالإحسان مطلوب في العبادات والمعاملات فأي عبادة افترضها الله على العبد فإن عليه أن يأتي بها على الوجه الذي رضيه سبحانه من إخلاصها له و موافقتها لشريعة نبيه صلى الله عليه وسلم، وكما أن الإنسان يحب لنفسه أن يعامله غيره معاملة حسنة، فإن عليه أن يحسن إلى غيره، ويعامله بمثل ما يحب أن يعامل به هو.
(ومن أنواع الإحسان ما يلي:
(1)
الإحسان مع الله:
وهو أن يستشعر الإنسان وجود الله معه في كل لحظة، وفي كل حال، خاصة عند عبادته لله تعالى، فيستحضره كأنه يراه وينظر إليه.
«الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك» كما في الحديث الآتي: (
((حديث عمر بن الخطاب الثابت في صحيح مسلم) قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم ذات يوم إذ طلع علينا رجلُ شديدُ بياضِ الثياب شديدُ سوادِ الشعر لا يُرى عليه أثرُ السفر ولا يعرفه منا أحد حتى جلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فأسند ركبتيه إلى ركبتيه ووضع كفيه على فخذيه وقال يا محمد أخبرني عن الإسلام فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم الإسلام أن تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله صلى الله عليه وسلم وتقيم الصلاة وتؤتي الزكاة وتصوم رمضان وتحج البيت إن استطعت إليه سبيلا قال صدقت قال فعجبنا له يسأله ويصدقه قال فأخبرني عن الإيمان قال أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وتؤمن بالقدر خيره وشره قال صدقت قال فأخبرني عن الإحسان قال أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك قال فأخبرني عن الساعة قال ما المسئول عنها بأعلم من السائل قال فأخبرني عن أمارتها قال أن تلد الأمةُ ربتَها وأن ترى الحفاةَ العراةَ العالةَ رعاءَ الشاءِ يتطاولون في البنيان قال ثم انطلق فلبثت مليا ثم قال لي يا عمر أتدري من السائل قلت الله ورسوله أعلم قال فإنه جبريل أتاكم يعلمكم دينكم.
(2)
الإحسان إلى الوالدين:
المسلم دائم الإحسان والبر لوالديه، يطيعهما، ويقوم بحقهما، ويبتعد عن الإساءة إليهما، قال تعالى:{وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانًا} [الإسراء: 23]
(3)
الإحسان إلى الأقارب:
المسلم رحيم في معاملته لأقاربه، وبخاصة إخوانه وأهل بيته وأقارب والديه، يزورهم ويصلهم، ويحسن إليهم. وتأمل في النصوص الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
قال الله تعالى: {واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} [النساء: 1].
((حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله تعالى خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة قال: نعم أما تَرْضَيْنَ أن أصلَ من وصلك و أقطع من قطعك؟ قالت: بلى يا رب قال: فذلك لك ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم اقرؤوا إن شئتم (فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِن تَوَلّيْتُمْ أَن تُفْسِدُواْ فِي الأرْضِ وَتُقَطّعُوَاْ أَرْحَامَكُمْ)[سورة: محمد - الآية: 22].
((حديث أبي هريرة الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الرحم شجنة من الرحمن قال الله: من وصلك وصلته و من قطعك قطعته.
((حديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من سَرَّه أن يُبْسَطَ له في رزقه و أن يُنْسأُ له في أثره فليصل رحمه.
(ليس الواصل بالمكافئ:
((حديث ابن عمر الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ليس الواصل بالمكافئ و لكن الواصل الذي إذا انقطعت رحمه وصلها.
((حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم) أن رجلا قال يا رسول الله إن لي قرابةً أصلهم ويقطعوني وأُحسنُ إليهم ويُسيئون إلي وأحلُمُ عنهم ويجهلون علي فقال صلى الله عليه وسلم لئن كنت كما قلت فكأنما تُسِفُّهمُ المَلَّ ولا يزال معك من الله ظهير عليهم ما دمت على ذلك.
((حديث علي رضي الله عنه الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: صِلْ مَنْ قَطَعَك و أَحْسِنْ إلى مَنْ أسَاءَ إليك وَقُلْ الحَقَ ولو على نَفْسِك.
(مراتب صلة الرحم:
((حديث معاوية الثابت في صحيحي أبي داوود والترمذي) قال: قلت يا رسول الله من أبر؟ قال: أمك ثم أمك ثم أمك ثم أباك ثم الأقرب فالأقرب.
((حديث البراء الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الخالة بمنزلة الأم.
[*] قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في الفتح:
الخالة بمنزلة الأم أي في هذا الحكم الخاص لأنها تقرب منها في الحنو والشفقة والاهتداء إلى ما يصلح الولد لما دل عليه السياق، ويؤخذ منه أن الخالة في الحضانة مقدمة على العمة لأن صفية بنت عبد المطلب كانت موجودة حينئذ وإذا قدمت على العمة مع كونها أقرب العصبات من النساء فهي مقدمة على غيرها ويؤخذ منه تقديم أقارب الأم على أقارب الأب.
((حديث أنس الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ابن أخت القوم من أنفسهم.
(4)
الإحسان إلى الجار وعدم إيذائه:
المسلم يحسن إلى جيرانه ولا يؤذيهم امتثالاً لأمر الله ورسوله، وتأمل في النصوص الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد. (
قال تعالى: (وَاعْبُدُواْ اللّهَ وَلَا تُشْرِكُواْ بِهِ شَيْئاً وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً وَبِذِي الْقُرْبَىَ وَالْيَتَامَىَ وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَىَ وَالْجَارِ الْجُنُبِ وَالصّاحِبِ بِالجَنْبِ وَابْنِ السّبِيلِ وَمَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ إِنّ اللّهَ لَا يُحِبّ مَن كَانَ مُخْتَالاً فَخُوراً)[سورة: النساء - الآية: 36]
((حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيُوَرِثُه.
((حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فلا يؤذ جاره، ومن من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم ضيفه، ومن من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت.
((حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: والله لا يؤمن والله لا يؤمن والله لا يؤمن قيل: يا رسول الله ومن؟ قال: الذي لا يأمن جارة بوائقة "
((حديث أبي هريرة الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يدخل الجنة من لا يأمن جاره بوائقه.
((حديث عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما الثابت في صحيح الترمذي) أنه ذُبِحت له شاة في أهله فلما جاء قال: أهديتم لجارنا اليهودي؟ أهديتم لجارنا اليهودي؟ سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ما زال جبريل يوصيني بالجار حتى ظننت أنه سيورثه.
(من إكرام الجار تعاهده بالهدايا ولو بالشيء القليل:
((حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: يا نساء المسلمات! لا تحقرن جارة لجارتها و لو فِرْسَن شاة.
((حديث عائشة الثابت في صحيح البخاري) قالت: قلت يا رسول الله إن لي جارين فإلى أيهما أهدي، قال: إلى أقربهما منك باباً"
(ومن إكرام الجار ألا يمنع جارٌ جاره أن يغرز خشبةً في جداره:
((حديث أبي هريرة الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: لا يمنع جارٌ جاره أن يغرز خشبةً في جداره " ثم يقول أبو هريرة مالي أراكم عنها معرضين، والله لأرمينَّ بها بين أكتافكم.
(ومن إكرام الجار أن يتفقد حاله فقد يكون جائعاً وأنت لا تدري:
((حديث أنس الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ما آمن بي من بات شبعان و جاره جائع إلى جنبه و هو يعلم به.
(5)
الإحسان إلى اليتامى والمساكين:
أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم بالإحسان إلى الأيتام، وبشَّر من يكرم اليتيم بالفوز بمرافقة النبي صلى الله عليه وسلم في الجنة، وتأمل في الحديثين الآتيين بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيهما واجعل لهما من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيهما من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
((حديث سهل بن سعد الثابت في صحيح البخاري) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: أنا و كافل اليتيم في الجنة هكذا وأشار بأُصبعيه بالسبابة والوسطى.
((حديث أبي هريرة في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: الساعي على الأرملة و المسكين كالمجاهد في سبيل الله أو القائم الليل الصائم النهار.
(6)
الإحسان إلى النفس:
المسلم يحسن إلى نفسه؛ فيبعدها عن الحرام، ولا يفعل إلا ما يرضي الله، وهو بذلك يطهِّر نفسه ويزكيها، ويريحها من الضلال والحيرة في الدنيا، ومن الشقاء والعذاب في الآخرة، قال تعالى:(إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لأنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا)[الإسراء: 7]
(7)
الإحسان في القول:
الإحسان مطلوب من المسلم في القول، فلا يخرج منه إلا الكلام الطيب الحسن، قال تعالى:(وَهُدُوَاْ إِلَى الطّيّبِ مِنَ الْقَوْلِ)[الحج: 24]
وقال تعالى: (وَقُولُواْ لِلنّاسِ حُسْناً)[البقرة: 83]
(8)
الإحسان في التحية:
والإحسان مطلوب من المسلم في التحية، فعلى المسلم أن يلتزم بتحية الإسلام، ويرد على إخوانه تحيتهم.
قال تعالى: (وَإِذَا حُيّيتُم بِتَحِيّةٍ فَحَيّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَآ أَوْ رُدّوهَآ)[النساء: 86]
(9)
الإحسان في العمل:
والمسلم يحسن في أداء عمله حتى يتقبله الله منه، ويجزيه عليه،
((حديث عائشة الثابت في صحيح الجامع) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه.
والإحسان في العمل بأن يكون موافقا لما شرعه الله على لسان رسوله خاليا من البدع والمخالفات، قال تعالى:(بَلَىَ مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ للّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِندَ رَبّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ)[البقرة:112]
و قال تعالى: (وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَىَ وَإِلَىَ اللّهِ عَاقِبَةُ الأمُورِ)[لقمان: 22]
وإسلام الوجه لله، وإلى الله، معناه: إخلاص العمل من الشرك.
والإحسان للعمل معناه: متابعة السنة فيه ومجانبة البدعة، وأي عمل لا يتوفر فيه هذان الشرطان يكون هباءً منثورا ووبالا على صاحبه، وتأمل في النصوص الآتية بعين البصيرة وأمْعِنِ النظر فيها واجعل لها من سمعك مسمعا وفي قلبك موقِعاً عسى الله أن ينفعك بما فيها من غرر الفوائد، ودرر الفرائد.
قال تعالى: (قُلْ إِنّمَآ أَنَاْ بَشَرٌ مّثْلُكُمْ يُوحَىَ إِلَيّ أَنّمَآ إِلََهُكُمْ إِلََهٌ وَاحِدٌ فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَآءَ رَبّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبّهِ)[الكهف /110]
((حديثُ أبي هريرةَ الثابت صحيح مسلم): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال ـ قال الله تعالى ـ: أنا أغنى الشركاءِ عن الشرك، من عمل عملاً أشركَ فيه معي غيري تركته وَشِرْكَه.
((حديثُ جندب ابن عبد الله الثابت في الصحيحين): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال من سمَّعَ سمَّعَ الله به ومن يُرائي يُرائي الله به.
((حديثُ أبي أُمامة الثابت في صحيح النسائي): أن النبي صلى الله عليه وسلم قال إن الله تعالى لا يقبلُ من العملِ إلا ما كان خالصاً وابتُغيَ به وَجهُهُ.
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن أول الناس يقضى يوم القيامة عليه رجل استشهد فأُتِيَ به فَعَرَّفَه نِعَمَه فَعَرَفَهَا قال فما عملت فيها قال قاتلت فيك حتى استشهدت قال كذبت ولكنك قاتلت لأن يقال جريء فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل تعلم العلم وعلمه وقرأ القرآن فأُتِيَ به فَعَرَّفَه نِعَمَه فَعَرَفَهَا قال فما عملت فيها قال تعلمت العلم وعلمته وقرأت فيك القرآن قال كذبت ولكنك تعلمت العلم ليقال عالم وقرأت القرآن ليقال هو قارئ فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه حتى ألقي في النار ورجل وسع الله عليه وأعطاه من أصناف المال كله فأُتِيَ به فَعَرَّفَه نِعَمَه فَعَرَفَهَا قال فما عملت فيها قال ما تركت من سبيل تحب أن يُنْفَقَ فيها إلا أنفقتُ فيها لك قال كذبت ولكنك فعلت ليقالَ هو جواد فقد قيل ثم أمر به فسحب على وجهه ثم ألقي في النار.
((حديث عائشة الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من عمل عملاً ليس عليه أمرنا فهو رد.
(10)
الإحسان في الزينة والملبس:
قال تعالى: (يَابَنِيَ آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلَا تُسْرِفُوَاْ إِنّهُ لَا يُحِبّ الْمُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31]
(11)
الإحسان إلى البهائم:
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما رجل يمشي بطريق، اشتد عليه العطش، فوجد بئراً فنزل فيها، فشرب ثم خرج، فإذا كلب يلهث، يأكل الثرى من العطش، فقال الرجل: لقد بلغ هذا الكلب من العطش مثل الذي كان بلغ بي، فنزل البئر فملأ خفه ثم أمسكه بفيه، فسقى الكلب فشكر الله له فغفر له). قالوا: يا رسول الله، وإن لنا في البهائم أجراً؟ فقال: في كل ذات كبد رطبة أجر.
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: بينما كلب يُطيف (1) برُكيَّة (2) كاد يقتله العطش؛ إذ رأته بغيٌّ من بغايا بني إسرائيل، فنزعت موقها (3) واستقت له به، فسقته إياه، فَغُفر لها به.
ففي هذه الأحاديث فضل الإحسان إلى البهائم بما يُبْقي عليها حياتها، ويدفع عنها الضرر، سواء كانت مملوكة أو غير مملوكة، مأكولة أو غير مأكولة.
(ووجوه الإحسان كثيرة، ينبغي للمسلم أن يسهم فيما يستطيع منها، ولا سيما منْ منّ الله عليهم بوفرة المال، فإن المجالات الخيرية أمامهم واسعة، من بناء المساجد، وتوفير المياه للشرب، وطباعة الكتب الدينية، وتوزيع المصاحف، ومساعدة مشاريع تعليم القرآن الكريم، ومساعدة المراكز الإسلامية في الخارج، وإعانة المجاهدين في سبيل الله، ومواساة المنكوبين والمشردين من المسلمين والمصابين بالمجاعة.
((حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في صحيح مسلم) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقةٍ جارية، أو علمٍ يُنتفع به، أو ولدٍ صالحٍ يدعوا له)
((حديث أنس بن مالك رضي الله عنه الثابت في صحيح الترغيب والترهيب) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: سبع تجري للعبد بعد موته وهو في قبره، من علم علما، أو كرى نهرا، أو حفر بئرا، أو غرس نخلا، أو بنى مسجدا، أو ورث مصحفا، أو ترك ولدا يستغفر له بعد موته.
ومعنى كرى نهرا: أي حفره.
(1) يطيف: يدور حولها.
(2)
الركية: البئر.
(3)
الموق: الخف.