الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(4)
صاحب الهمة تعتريه فترْة وضعف قليل لما يراه من تدني همم غالب الخلق فلا يحزن وليوطن نفسه على الإحسان والنصيحة.
(5)
أهل الهمة العالية قد يكونون مفرطين في بعض الأمور التي ربما لا يرون فيها تعلقاً مباشراً بعلو هممهم مثل حقوق الأهل والأقارب، فعلى من أصيب بشيء من ذلك أن يصلحه ولو بالقدر الذي يبعد عنه سهام اللائمين.
(6)
قد تؤدي الهمة العالية بصاحبها إلى التحمس الزائد فيستعجل ويرتكب من الأخطاء ما كان يمكن تلافيه بقليل من التعقل وحساب العواقب، وعلى من وقع في مثل هذا أن يعرف السنن الكونية، وأن الأمر لا يحسم بين عشية وضحاها.
(7)
أهل الهمة العالية قد يتعرضون لإثارة الخلافات الفقهية بينهم فينتج عن ذلك الذم والمقت، ومن أصبح ذلك ديدنه فستتخلف همته وتقعد به عن معالي الأمور.
(8)
قد يتعرض صاحب الهمة إلى عدم المداومة مع أن أبرز سمات صاحب الهمة العالية المداومة وعدم الانقطاع فإن أحب الأعمال إلى الله تعالى أدومها وإن قل بنص السنة الصحيحة.
(حديث عائشة الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خيرُ الأعمال أدومها وإن قل.
(فهمة متوسطة العلو تدوم خير من همة عزيمة متقطعة
[*] يقول أبو المواهب بن صَرْصَرَى:
لم أَرَ مِثْل أبي القاسم ابن عساكر ولا من اجتمع فيه ما اجتمع فيه من لزوم طريقة واحدة مدة أربعين سنة من لزوم الصلوات في الصف الأول إلا من عذر والاعتكاف في شهر رمضان وعشر ذي الحجة وعدم التطلع إلى تحصيل الأملاك وبناء الدور فقد أسقط عن نفسه ذلك.
[*] وقال أبو العباس ثعلبٌ:
"ما فقدت إبراهيم الحربي من مجلس لغة ولا نحو خمسين سنة"
(فصلٌ في منزلة الغَيْرَة:
[*] (قال ابن القيم رحمه الله تعالى في كتابه مدارج السالكين:
ومن منازل إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الغيرة، قال
الله تعالى {قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ} [الأعراف: 33]
(ثم ذكر الإمام ابن القيم رحمه الله الأحاديث الآتية:
(حديث سعد بن عبادة الثابت في الصحيحين) أنه قال: لو رأيت رجلاً مع امرأتي لَضَرَبْتُهُ بِالسَّيْفِ غَيْرَ مُصْفَّحٍ، فبلغ ذلك النبي فقال:(أتعجبون من غيرة سعد، لأنا أغيَر منه، والله أغيَر مني، ومن أجل غيرة الله حرَّم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ولا أحد أحب إليه العذر من الله، ومن أجل ذلك بعث المبشرين والمنذرين، ولا أحد أحب إليه المدحة من الله، ومن أجل ذلك وعد الله الجنة).
(حديث أبي هريرة رضي الله عنه الثابت في الصحيحين) أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يغار، وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم الله.
[*] قال الإمام النووي رحمه الله في شرح صحيح مسلم:
والغيرة بفتح الغين وهي في حقنا الأنفة، وأما في حق الله تعالى فقد فسرها هنا في حديث عمر والناقد بقوله صلى الله عليه وسلم: وغيرة الله أن يأتي المؤمن ما حرم عليه أي غيرته منعه وتحريمه.
(ثم قال رحمه الله تعالى:
ومما يدخل في الغيرة قوله تعالى {وَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنَا بَيْنَكَ وَبَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجَاباً مَسْتُوراً} قال السري لأصحابه أتدرون ما هذا الحجاب حجاب الغيرة ولا أحد أغير من الله إن الله تعالى لم يجعل الكفار أهلا لفهم كلامه ولا أهلا لمعرفته وتوحيده ومحبته فجعل بينهم وبين رسوله وكلامه وتوحيده حجابا مستورا عن العيون غيرة عليه أن يناله من ليس أهلا له والغيرة منزلة شريفة عظيمة جدا جليلة المقدار ولكن الصوفية المتأخرين منهم من قلب موضوعها وذهب بها مذهبا آخر باطلا سماه غيرة فوضعها في غير موضعها ولبس عليه أعظم تلبيس كما ستراه، «والغيرة نوعان غيرة من الشيء وغيرة على الشيء» والغيرة من الشيء هي كراهة مزاحمته ومشاركته لك في محبوبك والغيرة على الشيء هي شدة حرصك على المحبوب أن يفوز به غيرك دونك أو يشاركك في الفوز به، والغيرة أيضا نوعان غيرة العبد من نفسه على نفسه كغيرته من نفسه على قلبه ومن تفرقته على جمعيته ومن إعراضه على إقباله ومن صفاته المذمومة على صفاته الممدوحة «وهذه الغيرة خاصية النفس الشريفة الزكية العلوية وما للنفس الدنية المهينة فيها نصيب»
وعلى قدر شرف النفس وعلو همتها تكون هذه الغيرة ثم الغيرة أيضا نوعان غيرة الحق تعالى على عبده وغيرة العبد لربه لا عليه فأما غيرة الرب على عبده فهي أن لا يجعله للخلق عبدا بل يتخذه لنفسه عبدا فلا يجعل له فيه شركاء متشاكسين بل يفرده لنفسه ويضن به على غيره وهذه أعلى الغيرتين، وغيرة العبد لربه نوعان أيضا غيرة من نفسه وغيرة من غيره فالتي من نفسه أن لا يجعل شيئا من أعماله وأقواله وأحواله وأوقاته وأنفاسه لغير ربه والتي من غيره أن يغضب لمحارمه إذا انتهكها المنتهكون ولحقوقه إذا تهاون بها المتهاونون وأما الغيرة على الله فأعظم الجهل وأبطل الباطل وصاحبها من أعظم الناس جهلا وربما أدت بصاحبها إلى معاداته وهو لا يشعر وإلى انسلاخه من أصل الدين والإسلام وربما كان صاحبها شرا على السالكين إلى الله من قطاع الطريق بل هو من قطاع طريق السالكين حقيقة وأخرج قطع الطريق في قالب الغيرة وأين هذا من الغيرة لله التي توجب تعظيم حقوقه وتصفية أعماله وأحواله لله فالعارف يغار لله والجاهل يغار على الله فلا يقال أنا أغار على الله ولكن أنا أغار لله وغيرة العبد من نفسه أهم من غيرته من غيره فإنك إذا غرت من نفسك صحت لك غيرتك لله من غيرك وإذا غرت له من غيرك ولم تغر من نفسك فالغيرة مدخولة معلولة ولا بد فتأملها وحقق النظر فيها فليتأمل السالك اللبيب هذه الكلمات في هذا المقام الذي زلت فيه أقدام كثير من السالكين والله الهادي والموفق المثبت.
كما حكى عن واحد من مشهوري الصوفية أنه قال لا أستريح حتى لا أرى من يذكر الله يعني غيرة عليه من أهل الغفلة وذكرهم والعجب أن هذا يعد من مناقبه ومحاسنه وغاية هذا أن يعذر فيه لكونه مغلوبا على عقله وهو من أقبح الشطحات «وذكر الله على الغفلة وعلى كل حال خير من نسيانه بالكلية» والألسن متى تركت ذكر الله الذي هو محبوبها اشتغلت بذكر ما يبغضه ويمقت عليه فأي راحة للعارف في هذا وهل هو إلا أشق عليه وأكره إليه.
وقول آخر: لا أحب أن أرى الله ولا أنظر إليه فقيل له كيف قال غيرة عليه من نظر مثلي.
«فانظر إلى هذه الغيرة القبيحة الدالة على جهل صاحبها» مع أنه في خفارة ذله وتواضعه وانكساره واحتقاره لنفسه ومن هذا ما يحكى عن الشبلي أنه لما مات ابنه دخل الحمام ونور لحيته حتى أذهب شعرها كله فكل من أتاه معزيا قال إيش هذا يا أبا بكر قال وافقت أهلي في قطع شعورهم فقال له بعض أصحابه أخبرني لم فعلت هذا؟