المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ تأويل مصائب الأطفال: - فقه الابتلاء وأقدار الله المؤلمة

[أبو فيصل البدراني]

فهرس الكتاب

- ‌ القضاء والقدر:

- ‌ تعريف القضاء والقدر:

- ‌ هل للإنسان قدرة ومشيئة أم لا

- ‌ حكمة الله عز وجل:

- ‌ الاحتجاج بالقدر:

- ‌ القضاء والقدر يُعالج بالقضاء والقدر:

- ‌ وجوب تنزيه الله سبحانه عن الشر والظلم:

- ‌ حقيقة الظلم المنفي عن الله عز وجل وحدَُه:

- ‌ كيفية التوفيق بين اعتقاد أن القدر خيره وشره من الله وبين محبة الله:

- ‌ حكم الرضا بالقضاء:

- ‌ فقه الابتلاء بالضراء:

- ‌ تعريف البلاء والابتلاء والمصيبة والعقوبة:

- ‌ معالم العقوبة:

- ‌ الفرق بين المصيبة والعقوبة:

- ‌ الفرق بين الابتلاء والعقوبة:

- ‌ الفرق بين المصيبة والابتلاء:

- ‌ الفرق بين المصائب العامة والخاصة:

- ‌ أحوال المصيبة في الدنيا:

- ‌ علاقة المصائب بالذنوب:

- ‌ بيان بأن طاعة الله عز وجل ليست سبب للشؤم والمصائب:

- ‌أحوال المسلم مع أقدار الله المؤلمة عموماً:

- ‌ فقه الابتلاء بالضراء:

- ‌ أركان فقه الابتلاء بالضراء:

- ‌ تأويل هلاك الأفاضل في الحوادث والزلازل والكوارث:

- ‌ تأويل ابتلاء الأنبياء:

- ‌ تأويل تقدير المصائب على الحيوانات:

- ‌ تأويل مصائب الأطفال:

- ‌ مفهوم الحياة الطيبة:

- ‌الخاتمة:

الفصل: ‌ تأويل مصائب الأطفال:

الصحيحة تقطع الدم والهواء فوراً عن الدماغ فيصاب الحيوان بإغماء كامل ويفقد الحس تماماً والاختلاجات التي تحدث هي عبارة عن أفعال انعكاسية لها أهمية كبيرة في تخليص الذبيحة تماماً مما بها من الدم."

وقال " لا بد هنا من التفريق بين عدم الوعي وعدم الإحساس بالألم فالحيوان هنا مع عملية الذبح يكون كامل الوعي لكنه عديم الإحساس بالألم فالمخ والقلب نشيطان وهي من المتطلبات الفسيولوجية والتشريحية للتخلص من الدم. "

ثم قال " وإن ما نراه في الحيوان من رفس وتشنج وما شابه ذلك هي من مؤثرات بقاء الحياة في الجهاز العصبي، ولا يشعر الحيوان المذبوح بها على الإطلاق."

وعموماً على المسلم أن يعتقد أن الله عز وجل لا يضع الشيء في غير موضعه، ولا يمنع ذي الحق حقه ولا يظلم خلقه مثقال حبة من خردل أياً كانوا ، هذا وإن كنا قد نختلف في تعيين هذه الحقوق على التفصيل.

•‌

‌ تأويل مصائب الأطفال:

لا شك أن ولادة الولد أعمى أو معاقاً ليس بسبب الذنوب لأنه لم يقع منه ذنب وليس مكلفاً، وإنما هو ابتلاء قد يرفعه الله تعالى به ويكرم والديه وذويه إذا صبروا على البلاء.

فمرض الطفل، أو ولادته مُعوَّقاً ، فى ميزان حسناته يوم القيامة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((ما يزال البلاء بالمؤمن والمؤمنة في نفسه، وولده، وماله، حتى يلقى الله وما عليه خطيئة)) [سنن الترمذي، صحيح الجامع:5815] والله سبحانه وتعالى {لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ} [النساء:40] ومما ذكر أهل العلم من حكمة ابتلاء الأطفال ببعض الآلام أن الله تعالى يعوضهم عن ذلك بعد موتهم، قال القرطبي في تفسيره: قال العلماء: كما اشترى من المؤمنين البالغين المكلفين كذلك اشترى من الأطفال فآلمهم وأسقمهم لما في ذلك من المصلحة وما فيه من الاعتبار للبالغين فإنهم لا يكونون عند شيء أكثر صلاحاً وأقل فساداً منهم عند ألم الأطفال وما يحصل للوالدين الكافلين من الثواب فيما ينالهم من الهم ويتعلق بهم من التربية والكفالة، ثم هو عز وجل يعوض هؤلاء الأطفال عوضاً إذا صاروا إليه ونظير هذا في الشاهد أنك تكتري الأجير ليبني وينقل التراب وفي كل ذلك له ألم وأذى ولكن ذلك جائز لما في عمله من المصلحة ولما يصل إليه من الأجر. انتهى.

فلن يضيع أجر هذا الطفل، فهو الذي لا يضيع حتى أجر الكافر، ولكنه يعجِّل أجره في الدنيا من مال، وولد، وصحة، وشُهرة

إلى غير ذلك، قال الله تعالى: {مَن كَانَ

ص: 52

يُرِيدُ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمَالَهُمْ فِيهَا وَهُمْ فِيهَا لَا يُبْخَسُونَ {15} أُوْلَئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الآخِرَةِ إِلَاّ النَّارُ وَحَبِطَ مَا صَنَعُوا فِيهَا وَبَاطِلٌ مَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ} [هود:15 - 16] وقال: {مَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَمَن كَانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيَا نُؤتِهِ مِنْهَا وَمَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِن نَّصِيبٍ} [الشورى:20] وقال رسوله صلى الله عليه وسلم: ((إن الله تعالى لا يظلم المؤمن حسنة، يُعطَى عليها فى الدنيا، ويُثاب عليها فى الآخرة، وأما الكافر فيُطعَم بحسناته فى الدنيا، حتى إذا أفضى إلى الآخرة، لم تكن له حسنة يُعطَى بها خيراً)) [صحيح الجامع:1853]

ثم إن ما يترتب على الألم من بكاء الطفل ونحو ذلك له فيه مصالح دنيوية أيضاً، قال ابن القيم في كتابه مفتاح دار السعادة: ثم تأمل حكمة الله تعالى في كثرة بكاء الأطفال وما لهم فيه من المنفعة، فإن الأطباء والطبائعين شهدوا منفعة ذلك وحكمته، وقالوا: في أدمغة الأطفال رطوبة لو بقيت في أدمغتهم لأحدثت أحداثاً عظيمة، فالبكاء يسيل ذلك ويحدره من أدمغتهم فتقوى أدمغتهم وتصح. وأيضاً: فإن البكاء والعياط -أي: الصراخ- يوسع عليه مجاري النفس، ويفتح العروق، ويصلبها ويقوي الأعصاب.

وكم للطفل من منفعة ومصلحة فيما تسمعه من بكائه وصراخه، فإذا كانت هذه الحكمة في البكاء الذي سببه ورود الألم المؤذي وأنت لا تعرفها ولا تكاد تخطر ببالك، فهكذا إيلام الأطفال فيه وفي أسبابه وعواقبه الحميدة من الحكم ما قد خفي على أكثر الناس .. انتهى.

وقد يكون مرض الإنسان فى صغره، أو إعاقته الخِلْقية، مما يخفف عنه عقوبة ذنوبه عند كبره، بمعنى أنه إذا كبر وعمل ذنوباً تستوجب المؤاخذة عليها، فربما خفف الله عنه بهذه الأمراض والتشوهات التي أصابته في الصغر، لأن الله سبحانه وتعالى إذا أراد بعبده الخير عجَّل له العقوبة فى الدنيا، كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((إذا أراد الله بعبده الخير، عجَّل له العقوبة فى الدنيا، وإذا أراد بعبده الشر، أمسك عنه بذنبه، حتى يُوافَى به يوم القيامة)) [صحيح الجامع:308] وربما منعته هذه الإعاقة عن بعض المعاصي، وكانت سبباً في تقربه لله سبحانه وتعالى، فكان ذلك خيراً له، وربما عوضه الله مَلَكات أخرى خيراً مما فقدها، وربما كانت حافزاً له على العلم والتفوق، وهذا الأمر مُشاهد فى كثير ممن أصيبوا بأمراض خِلْقية، فنبغوا في علوم شتى، فكم من شخص ولد أعمى وأكرمه الله بكثير من الميزات في الدنيا مع ما أعده له في الآخرة، فهذا قتادة بن دعامة السدوسي الشافعي إمام المفسرين والمحدثين ولد أعمى وأكرمه الله بوافر النعم، فقد ذكر العيني في شرح البخاري أنه أجمع على جلالته وحفظه وتوثيقه وإتقانه وفضله،

ص: 53

وذكر الذهبي في التذكرة أن المغيرة بن مقسم وعلي بن زيد بن جدعان وحفص بن عمر وأبو العباس الرازي ولدوا عميانا وأكرمهم الله بالذكاء والحفظ والعلم، وقد ذكر أهل الأدب والتاريخ أن بشار بن برد الشاعر ولد أعمى. قال ابن كثير في البداية: ولد أعمى، وقال الشعر وهو دون عشر سنين، وله التشبيهات التي لم يهتد إليها البصراء، وقد أثنى عليه الأصمعي والجاحظ وأبو تمام وأبو عبيدة.

وذكر ابن كثير في البداية والنهاية والخطيب في تاريخ بغداد أن الحسن بن علي بن ثابت المقري ولد أعمى، وكان يحضر مجلس ابن الأنباري فيحفظ ما يقول وما يمليه كله. وذكر أنه نظم قصيدة في القراءات السبع، وكانت تعجب بعض العلماء.

أمّا الذين يموتون وهم صغار، فربما لو عاشوا لفسدوا، أو أفسدوا في الأرض، وأصبحوا من أهل النار، فحين يقبضهم الله في الصغر، فهذا رحمة بهم، وبمن حولهم، مثل الولد الذي قتله الخضِر، ووردت قصته في سورة (الكهف) وأطفال المسلمين في الجنة، يسرحون فيها حيث شاءوا (والجمهور على أن أطفال الكفار أيضاً في الجنة) قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:((صغاركم دعاميص الجنة، يتلَّقى أحدهم أباه فيأخذ بثوبه، فلا ينتهي حتى يدخله الله وأباه الجنة)) [صحيح الجامع:3764](الدعموص) قيل إنه نوع من السمك الصغير كثير الحركة، أو هو الزوّار للملوك، الذي يدخل ويخرج من عندهم كما يشاء، بغير إذن ولا حاجب يحجبه، وقد شبّه بذلك الأطفال لكثرة دخولهم وخروجهم ولعبهم في الجنة.

وقال صلى الله عليه وسلم: «النبي في الجنة، والشهيد في الجنة، والمولود والوليدة» ، وفي لفظ:«والمولود في الجنة، والوئيد في الجنة» ، وهذا عام لم يخصه النبي صلى الله عليه وسلم: بأطفال المؤمنين دون غيرهم.

ومما يشهد له قوله صلى الله عليه وسلم: «سألت ربي اللاهين من ذرية البشر أن لا يعذبهم، فأعطانيهم» .

وبهذا يختلف أطفال المشركين عن والديهم في أحكام الآخرة، ويظهر عظم هذه النعمة على أطفال المشركين من حيث إن أحدهم لو عاش إلى ما بعد البلوغ لكان على دين آبائه -غالباً- فيموت يوم يموت وهو مشرك، ويكون يوم القيامة من أصحاب الجحيم، فكان موته صغيراً قبل التكليف ولو مظلوماً خيراً له من موته بالغاً مشركاً.

إذن فما رآه الناس مما يصيب الأطفال من المكاره شراً وخسارةً في الدنيا كان خيراً وكسباً في الآخرة مع الصبر والاحتساب.

ص: 54

وأما المنافع المتعدية للوالدين فكثيرة منها:

تكفير سيئاتهم التي قد يطالهم بسببها العذاب المتوعد عليها في الآخرة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما يصيب المسلم من نصب ولا وصب ولا هم ولا حزن ولا أذى ولا غم، حتى الشوكة يُشاكها، إلا كفر الله بها من خطاياه» ، ومن ذلك ما يصيب أطفالهم، وقد قال صلى الله عليه وسلم:«ما يزال البلاء بالمؤمن في نفسه، وولده، وماله، حتى يلقى الله تعالى وما عليه خطيئة» .

ومنها رفع درجاتهم -وكذا الأولاد المبتلين- إن لم يكن لهم ذنوب يستحقون بسببها العذاب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إن الرجل لتكون له عند الله المنزلة فما يبلغها بعمل، فلا يزال الله يبتليه بما يكره حتى يبلغه إياها» .

ومنها كتابة الأجر العظيم لهم إذا ما صبروا واحتسبوا؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «عجباً لأمر المؤمن إن أمره كله له خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيراً له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له» .

ومن هذا الخير أن الله يخلفهم خيرا مما نزل بهم مع الصبر والاحتساب؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «ما من عبد تصيبه مصيبة فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون، اللهم أجرني في مصيبتي وأخلف لي خيرا منها إلا آجره الله في مصيبته وأخلف له خيرا منها» .

ومنه أيضاً أن الله يجعل موت الأطفال حجاباً لوالديهم من النار مع الصبر والاحتساب، لقوله صلى الله عليه وسلم:«ما من امرأَين مسلمين هلك بينهما ولدان أو ثلاثة، فاحتسبا وصبرا، فيريان النار أبداً» .

ومنه قبول شفاعة الأطفال في والديهم يوم القيامة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «يُقال للولدان يوم القيامة: ادخلوا الجنة» قال: «فيقولون: يا رب، حتى يدخل آباؤنا وأمهاتنا» قال: «فيأتون» ، قال:«فيقول الله عز وجل: ما لي أراهم مُحْبَنْطِئِينَ؟ ادخلوا الجنة» قال: «فيقولون: يا رب آباؤنا، وأمهاتنا» قال: «فيقول: ادخلوا الجنة أنتم وآباؤكم» .

ومنه إكرام العبد الصابر الحامد ببيت الحمد في الجنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «إذا مات ولد الرجل يقول الله تعالى للملائكة: أقبضتم ولد عبدي؟ فيقولون: نعم. فيقول: أقبضتم ثمرة فؤاده؟ فيقولون: نعم. فيقول: فماذا قال عبدي؟ قال: حمدك واسترجع. فيقول: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد» .

ص: 55