المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ مفهوم الحياة الطيبة: - فقه الابتلاء وأقدار الله المؤلمة

[أبو فيصل البدراني]

فهرس الكتاب

- ‌ القضاء والقدر:

- ‌ تعريف القضاء والقدر:

- ‌ هل للإنسان قدرة ومشيئة أم لا

- ‌ حكمة الله عز وجل:

- ‌ الاحتجاج بالقدر:

- ‌ القضاء والقدر يُعالج بالقضاء والقدر:

- ‌ وجوب تنزيه الله سبحانه عن الشر والظلم:

- ‌ حقيقة الظلم المنفي عن الله عز وجل وحدَُه:

- ‌ كيفية التوفيق بين اعتقاد أن القدر خيره وشره من الله وبين محبة الله:

- ‌ حكم الرضا بالقضاء:

- ‌ فقه الابتلاء بالضراء:

- ‌ تعريف البلاء والابتلاء والمصيبة والعقوبة:

- ‌ معالم العقوبة:

- ‌ الفرق بين المصيبة والعقوبة:

- ‌ الفرق بين الابتلاء والعقوبة:

- ‌ الفرق بين المصيبة والابتلاء:

- ‌ الفرق بين المصائب العامة والخاصة:

- ‌ أحوال المصيبة في الدنيا:

- ‌ علاقة المصائب بالذنوب:

- ‌ بيان بأن طاعة الله عز وجل ليست سبب للشؤم والمصائب:

- ‌أحوال المسلم مع أقدار الله المؤلمة عموماً:

- ‌ فقه الابتلاء بالضراء:

- ‌ أركان فقه الابتلاء بالضراء:

- ‌ تأويل هلاك الأفاضل في الحوادث والزلازل والكوارث:

- ‌ تأويل ابتلاء الأنبياء:

- ‌ تأويل تقدير المصائب على الحيوانات:

- ‌ تأويل مصائب الأطفال:

- ‌ مفهوم الحياة الطيبة:

- ‌الخاتمة:

الفصل: ‌ مفهوم الحياة الطيبة:

ومنه إدخال والديه الجنة؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: «من وُلِد له ثلاثة أولاد في الإسلام، فماتوا قبل أن يبلغوا الحنث، أدخله الله عز وجل الجنة برحمته إياهم» ، ولما خطب رسول الله صلى الله عليه وسلم النساء قال لهن:«ما منكن امرأة يموت لها ثلاثة؛ إلا أدخلها الله عز وجل الجنة» فقالت أجلُّهن امرأةً: يا رسول الله، وصاحبة الاثنين في الجنة؟ قال:«وصاحبة الاثنين في الجنة» .

ومن فوائد الابتلاءات التي تصيب الأطفال وحكمها أيضاً، إنها تفتح للمسلم أبواباً كثيرة من الأعمال الصالحة التي يحبها الله تعالى من عباده ويكافئهم عليها ويثيبهم، مثل: الدعاء، والشكر، والصبر، والاستغفار، والإيثار، والرحمة، والصدقة، وغير ذلك كثير، مما يكون سببا في زيادة حسناتهم، وحط سيئاتهم، ورفع درجاتهم.

ومن الحكم والمنافع المتعدية لمن يشهدون آلام الصغار وما ينزل بهم من المكاره حصول العظة والعبرة، واستشعار فضل الله عليهم ونعمه التي خصهم بها؛ فيوجب لهم ذلك شكر المنعم وتحقيق مزيد من العبودية والطاعة له وفعل الخيرات، ومنها تقديم العون للمبتلين أو دفع الظلم عنهم.

هذه بعض حكم ابتلاءات غير المكلفين من الأطفال، ولو ذهبنا نستقصي لخرجنا بأكثر من ذلك بكثير ، والله أعلم.

•‌

‌ مفهوم الحياة الطيبة:

اعلم أخي رعاك الله أن سبب الحياة الطيبة هو تقوى الله والعمل الصالح فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سره أن يبسط له في رزقه وينسأ له في أثره فليصل رحمه. رواه البخاري ومسلم.

وقد قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً [النحل:97]. وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْراً [الطلاق:4].

وقال: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً * وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ [الطلاق:2، 3]. وقال: وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ [البقرة:189].

وقال: وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ [آل عمران:132].

وقال: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124]، وقال: إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ [لقمان:33]، وقال: وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ حَدِيثاً [النساء:87].

ص: 56

وما دلت عليه هذه الآيات والحديث السابق في أن التقوى والعمل الصالح وصلة الرحم جوالب للسعادة، وأن المعاصي تجلب المشاكل هو الحق وهو المُشاهد وقوعه في أغلب الأحوال قديماً وحديثاً.

فكم من التائبين أخبروا عما حصل لهم من السعادة بعد التوبة والاشتغال بالأعمال الصالحة، وهذا ما يجب أن يوقن به كل المؤمنين.

فالحياة الطيبة السعيدة إنما تحصل بالإيمان والعمل الصالح كما ذكرنا، قال الله تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ [النحل:97]، وفي المقابل إنما يتحصل العبد على حياة الضنك والضيق والشقاء بالإعراض عن الإيمان وعن ذكر الله وهذا في الأعم الأغلب، قال الله تعالى: وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124]، فجاهد نفسك في طاعة الله، والتزم ما فرضه عليك، وارض بقضائه وقدره ، وفي الحديث: فمن رضي فله الرضا ومن سخط فله السخط. رواه الترمذي بسند صحيح، فكل مؤمن له نصيب من الحياة الطيبة كما وعده ربه ولكن ليس كل كافر يكون تعيس في الدنيا بإطلاق بدليل قوله تعالى (وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ وَرَاءَ ظَهْرِهِ (10) فَسَوْفَ يَدْعُو ثُبُورًا (11) وَيَصْلَى سَعِيرًا (12) إِنَّهُ كَانَ فِي أَهْلِهِ مَسْرُورًا).

ثم إنه ينبغي أن يُعلم أن كثرة المال بيد الشخص ليست معياراً لسعادته بدليل أن النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت تمر عليهم فترات يقل المال فيها بأيديهم ويقعون في وضع أشبه ما يكون بحافة المجاعة، وبدليل أن الله قد يمنع عبده الدنيا رحمة به وحماية له من أضرارها كما يحمي الناس بعض المرضى من الماء إذا كان يضر بهم، ففي الحديث: إذا أحب الله عبدًا حماه الدنيا كما يظل أحدكم يحمي سقيمه الماء. رواه الترمذي والحاكم وصححه الحاكم، ووافقه الذهبي والألباني، وعلى هذا فتحصيل الحياة الطيبة يكون بالإيمان والعمل الصالح ، وأكثر الناس يُخطئون فيزنون ذلك بنعيم البدن وراحته وكثرة العرض ووفرته، والصواب أن آلة ذوق السعادة وطيب الحياة إنما هي القلب، وأن الغنى الحقيقي إنما هو غنى النفس، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس. متفق عليه.

فأتعس الناس من شقي قلبه وإن تنعم بدنه بأنواع الشهوات، وأسعد الناس من طابت نفسه واطمأن قلبه وإن حُرم بدنه من شهواته، وقد ضرب ابن القيم رحمه الله مثلاً على ذلك بشيخ الإسلام ابن تيمية فقال في الوابل الصيب: سمعت شيخ الإسلام ابن تيمية قدس الله روحه يقول: إن في الدنيا جنة من لم يدخلها لا يدخل جنة الآخرة،

ص: 57

وقال لي مرة: ما يصنع أعدائي بي؟ أنا جنتي وبستاني في صدري أنى رحت فهي معي لا تفارقني، إن حبسي خلوة وقتلي شهادة وإخراجي من بلدي سياحة، وكان يقول في محبسه في القلعة: لو بذلت ملء هذه القاعة ذهباً ما عدل عندي شكر هذه النعمة، أو قال: ما جزيتهم على ما تسببوا لي فيه من الخير، ونحو هذا ، وكان يقول في سجوده وهو محبوس: اللهم أعني على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك، ما شاء الله. وقال لي مرة: المحبوس من حُبس قلبه عن ربه تعالى، والمأسور من أسره هواه. ولما دخل إلى القلعة وصار داخل سورها نظر إليه وقال: فَضُرِبَ بَيْنَهُم بِسُورٍ لَّهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِن قِبَلِهِ الْعَذَابُ. وعلم الله ما رأيت أحداً أطيب عيشاً منه قط مع ما كان فيه من ضيق العيش وخلاف الرفاهية والنعيم بل ضدها، ومع ما كان فيه من الحبس والتهديد والإرهاق، وهو مع ذلك من أطيب الناس عيشاً وأشرحهم صدراً وأقواهم قلباً وأسرهم نفساً تلوح نضرة النعيم على وجهه ، وكنا إذا اشتد بنا الخوف وساءت منا الظنون وضاقت بنا الأرض أتيناه فما هو إلا أن نراه ونسمع كلامه فيذهب ذلك كله وينقلب انشراحاً وقوة ويقيناً وطمأنينة، فسبحانه من أشهد عباده جنته قبل لقائه وفتح لهم أبوابها في دار العمل فآتاهم من روحها ونسيمها وطيبها ما استفرغ قواهم لطلبها والمسابقة إليها.

وكان بعض العارفين يقول: لو علم الملوك وأبناء الملوك ما نحن فيه لجالدونا عليه بالسيوف، وقال آخر: مساكين أهل الدنيا خرجوا منها وما ذاقوا أطيب ما فيها؟ قيل: وما أطيب ما فيها؟ قال: محبة الله تعالى ومعرفته وذكره. أو نحو هذا. وقال آخر: إنه لتمر بالقلب أوقات يرقص فيها طرباً. وقال آخر: إنه لتمر بي أوقات أقول: إن كان أهل الجنة في مثل هذا إنهم لفي عيش طيب. انتهى.

فالحياة الطيبة لا تعني تحصيل نعيم البدن بالطعام والشراب واللذة والراحة، وإنما تعني في الأساس نعيم القلب وطيب النفس وانشراح الصدر، وهذا لا يكون في الدنيا إلا للمؤمن بمحبته لربه وكثرة ذكره واستقامته على شرعه واتباعه لأمر نبيه صلى الله عليه وسلم.

ومما قال ابن القيم في الجواب الكافي ما يلي: قال تعالى: وَأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوَى. فالجنة مأواه يوم اللقاء، وجنة المعرفة والمحبة والأنس بالله والشوق إلى لقائه والفرح به والرضا عنه وبه مأوى روحه في هذه الدار، فمن كانت هذه الجنة مأواه ههنا كانت جنة الخلد مأواه يوم المعاد، ومن حُرم هذه الجنة فهو لتلك الجنة أشد حرماناً، والأبرار في نعيم وإن اشتد بهم العيش وضاقت بهم الدنيا، والفجار في جحيم وإن اتسعت عليهم الدنيا، قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً. وطيب

ص: 58

الحياة جنة الدنيا، قال تعالى: فَمَن يُرِدِ اللهُ أَن يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ وَمَن يُرِدْ أَن يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقًا حَرَجًا. فأي نعيم أطيب من شرح الصدر! وأي عذاب أضيق من ضيق الصدر! وقال تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِيَاء اللهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ* الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ* لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ لَا تَبْدِيلَ لِكَلِمَاتِ اللهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) ، فالمؤمن المخلص لله من أطيب الناس عيشاً وأنعمهم بالاً وأشرحهم صدراً وأسرهم قلباً، وهذه جنة عاجلة قبل الجنة الآجلة. انتهى.

وكذلك كان حال الصحابة الكرام رضي الله عنهم، ضُيَق عليهم وخُوَفوا ومع ذلك كانت قلوبهم مطمئنة، كما قال تعالى: وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا {الأحزاب:22} . قال السعدي: إلا (إيماناً) في قلوبهم و (تسليماً) في جوارحهم. انتهى.

وهذا إمامهم رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول في أحرج المواقف لصاحبه أبي بكر إذ هما في الغار: إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللهَ مَعَنَا {التوبة:40} ،

ثم اعلم أخي أن بلاء الله للمؤمنين أمر مهم لهم لا ينافي إسعاد الله لهم ولا يُعارض تكريمه إياهم بأنواع التكريم، فالبلاء يكون سبباً لتكفير السيئات ورفع الدرجات، وأهل الإيمان يظلون مرتاحين صابرين، ويسعون في رفعه بالصبر والدعاء والاستقامة على الطاعات، والأمثلة على كونهم ظلوا في سعادة وارتياح بال وطمأنينة مهما كانت الابتلاءات زيادة على ما أسلفنا كثيرة، فمن ذلك ابتلاء إبراهيم عليه السلام بالإلقاء في النار لم يجعله يفزع أو يفر من قومه، وكذلك ابتلاء أيوب عليه السلام وبلال وأصحاب الأخدود وغيرهم.

إن ابتلاء المؤمن بالمصائب لا يتنافى مع تكريم الله له، ولا يتعارض مع ما وعده الله تعالى به من الحياة الطيبة، وكثرة الخير، وذلك لأن ابتلاء الله تعالى لخلقه له حكمة، كما أن إكثار الخير بين أيديهم له حكمة، وحكمة الله لا تتعارض أبداً وإن اختلفت محالُّها، إذ لو حصل تعارض بينها لكان علامة على نفي اسم من أسماء الله تعالى وهو (الحكيم) أو على الأقل اتصافه بالنقص فيه، والله تعالى منزه عن النقص، فقد قال عن نفسه: وَلِلَّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلَى وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ [النحل:60].

وقال الله تعالى: وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا [الأعراف:180].

كما أن الحياة الطيبة المذكورة في الآية (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِّن ذَكَرٍ أَوْ أُنثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُم بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) لا تنحصر في الطعام والشراب واللباس ونحوها من الأشياء، بل قال بعض المفسرين: الحياة الطيبة هي

ص: 59

حلاوة الطاعة، وقال بعضهم: هي المعرفة بالله. وقد قال ابن الجوزي في تفسيره لهذه الآية: اختلفوا أين تكون هذه الحياة الطيبة على ثلاثة أقوال:

أحدها أنها في الدنيا: رواه العوفي عن ابن عباس، ثم فيها للمفسرين تسعة أقوال: أحدها: أنها القناعة، قاله علي وابن عباس في رواية والحسن في رواية ووهب بن منبه.

والثاني: أنها الرزق الحلال، رواه أبو مالك عن ابن عباس، وقال الضحاك: يأكل حلالاً ويلبس حلالاً.

والثالث: أنها السعادة، رواه علي بن أبي طلحة عن ابن عباس.

والرابع: أنها الطاعة قاله عكرمة.

والخامس: أنها رزق يوم بيوم، قاله قتادة.

والسادس: أنها الرزق الطيب والعمل الصالح، قاله إسماعيل بن أبي خالد.

والسابع: أنها حلاوة الطاعة قاله أبو بكر الوراق.

والثامن: العافية والكفاية.

والتاسع: الرضا بالقضاء ذكرهما الماوردي.

والثاني أنها في الآخرة: قاله الحسن ومجاهد وسعيد بن جبير وقتادة وابن زيد وذلك إنما يكون في الجنة.

والثالث أنها في القبر: رواه أبو غسان عن شريك. انتهى.

والصواب من ذلك -والله أعلم- أن الحياة الطيبة هي العيش في طاعة الله، والبعد عن معصيته، لأن ذلك يحقق له السعادة وانشراح الصدر، والحياة لا تكون طيبة بدون سعادة، ولا سعادة إلا في ذلك، قال الله عز وجل: وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى [طه:124].

وأمامنا أعظم مثل وهو الرسول صلى الله عليه وسلم فقد مات ودرعه مرهونة عند يهودي، وكثير من أصحابه كانوا فقراء، فهل كان هذا بسبب عدم طاعتهم وتقواهم؟ أم كان بعدم حب الله لهم؟ والحق أن الأمر ليس كذلك، لأن إغداق النعم ليس دليلاً على التكريم، كما أن منعها ليس دليلاً على الإهانة، قال حافظ الحكمي في السبل السوية في فقه السنن المروية:

لو كان في الفقر ازدراء لم ير

آلُ النبي والصحاب فقراً

ص: 60