الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الغيبة
اعلم أخي الكريم أن الغيبة أن تذكر أخاك بما يكرهه، لو بلغه، سواء ذكرته بنقص في بدنه أو نسبه أو في خلقه أو في فعله أو في قوله أو في دينه، حتى في ثوبه وداره ودابته.
أما البدن: فكذكرك العمش والحول والقرع والقصر والطول والسواد والصفرة وجميع ما يتصور أن يوصف به مما يكرهه كيفما كان.
وأما النسب: فبأن تقول أبوه قبطي أو هندي أو فاسق، أو خسيس أو إسكافي أو زبال، أو شيء مما يكرهه كيفما كان.
أما الخلق: فبأن تقول هو سيئ الخلق، بخيل، متكبر، مراء، شديد الغضب، جبان، عاجز، ضعيف القلب، متهور، وما يجري مجراه.
وأما في أفعاله المتعلقة بالدين: فكقولك هو سارق أو كذاب أو شارب خمر أو خائن أو ظالم أو متهاون بالصلاة أو الزكاة أو لا يحسن الركوع أو السجود أو لا يتحرز من النجاسات أو ليس بارا بوالديه أو لا يضع الزكاة موضعها ولا يحسن قسمها، أو لا يحرس صومه عن الرفث والغيبة والتعرض لأعراض الناس.
وأما فعله المتعلق بالدنيا: فكقولك إنه قليل الأدب متهاون بالناس، أو لا يرى لأحد على نفسه حقا أو يرى لنفسه الحق على الناس، أو أنه كثير الكلام نئوم ينام في غير وقت النوم، ويجلس في
غير موضعه.
وأما في ثوبه: فكقولك إنه واسع الكم طويل الذيل وسخ الثياب (1).
وهذه أمثلة بسيطة وإلا ففي أحاديث المجالس كثير من أنواع الغيبة.
والغيبة محرمة: بالإجماع ولا يستثنى من ذلك إلا ما رجحت مصلحته كما في الجرح والتعديل والنصيحة (2).
قال جل وعلا: {وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات: 12].
قال ثعلب في تفسير هذه الآية: أي لا يتناول بعضكم بعضا بظهر الغيب بما يسوءه.
وفي الآية إشارة إلى أن عرض الإنسان كلحمه، وكما أنه يحرم أكل لحمه، يحرم الاستطالة في عرضه، وفي هذا من التنفير عن الغيبة والتوبيخ لها والتوبيخ لفاعلها والتشنيع عليه ما لا يخفى، فإن لحم الإنسان مما تنفر عن أكله الطباع الإنسانية وتستكرهه الجبلة الإنسانية، فضلا عن كونه محرما شرعا (3).
وقد أبان صلى الله عليه وسلم الغيبة فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول
الله صلى الله عليه وسلم قال: "أتدرون ما الغيبة؟ " قالوا: الله ورسوله أعلم، قال:
(1) الإحياء (3/ 152).
(2)
تفسير ابن كثير (4/ 222).
(3)
فتح القدير: (5/ 65).
"ذكرك أخاك بما يكره" قيل: أفرأيت إن كان في أخي ما أقول؟ قال: "إن كان فيه ما تقول فقد اغتبته، وإن لم يكن فيه ما تقول فقد بهته" رواه مسلم.
وبهذا يبين صلى الله عليه وسلم الفرق بين الغيبة والبهتان وأن الكذب عليه بهتًا له، فالكذب على الشخص حرام كله سواء كان الرجل مسلمًا أو كافرًا، برًّا أو فاجرًا، لكن الافتراء على المؤمن أشد. بل الكذب كله حرام (1). والغيبة تعد على أعراض المسلمين والنبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم النحر بمنى في حجة الوداع:"إن دماءكم وأموالكم، وأعراضكم، حرام عليكم، كحرمة يومكم هذا، في شهركم هذا في بلدكم هذا، ألا هل بلغت" متفق عليه. وفي الحديث الآخر
قال صلى الله عليه وسلم: "كل المسلم على المسلم حرام، دمه وماله وعرضه" رواه مسلم.
والغيبة: تتناول العرض وقد جمع الله بينه وبين المال والدم (2).
قال أنس رضي الله عنه خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فذكر الربا وعظم شأنه فقال: "إن الدرهم يصيبه الرجل من الربا أعظم عند الله في الخطيئة من ست وثلاثين زنية يزنيها الرجل، وأربى الربا عرض المسلم".
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: كنا جلوس عند النبي صلى الله عليه وسلم فقال رجل من القوم: يا رسول الله ما أعجز فلانا؟ فقال رسول
(1) الفتاوى: (28/ 223).
(2)
الإحياء (3/ 152).
الله صلى الله عليه وسلم: "أكلتم لحم أخيكم، واغتبتموه"(1).
ويقول الإمام القرطبي والإجماع على أنها من الكبائر وأنه يجب التوبة منها إلى الله.
(1) كتاب الصمت (136).