المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قطف الجنى الداني شرح‌ ‌ مقدِّمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني تأليف: - قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

[عبد المحسن العباد]

فهرس الكتاب

- ‌ مقدِّمة

- ‌فوائد بين يدي الشرح

- ‌الفائدة الأولى: منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة: اتِباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح

- ‌الفائدة الثانية: وَسَطيَّةُ أهل السنة والجماعة في العقيدة بين فرق الضلال

- ‌الفائدة الثالثة: عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة مطابقةٌ للفطرة

- ‌الفائدة الرابعة: الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات، والقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌الفائدة الخامسة: السَّلفُ ليسوا مُؤوِّلةً ولا مُفوِّضة

- ‌الفائدة السادسة: كلٌّ من المشبِّهة والمعطِّلة جمعوا بين التمثيل والتعطيل

- ‌الفائدة السابعة: متكلِّمون يَذمُّون علمَ الكلام ويُظهرون الحَيرة والنَّدم

- ‌الفائدة الثامنة: هل صحيح أنَّ أكثرَ المسلمين في هذا العصر أشاعرة

- ‌الفائدة التاسعة: عقيدة الأئمَّة الأربعة ومَن تفقَّه بمذاهبهم

- ‌نص الكتاب

- ‌نصُّ مقدِّمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

- ‌نظم مقدِّمة الرِّسالة

- ‌شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

الفصل: قطف الجنى الداني شرح‌ ‌ مقدِّمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني تأليف:

قطف الجنى الداني شرح‌

‌ مقدِّمة

رسالة ابن أبي زيد القيرواني

تأليف: عبد المحسن بن حَمَد العبَّاد البدر

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمدُ لله ربِّ العالمين، الرَّحمن الرَّحيم، مالكِ يوم الدِّين، وأشهدُ أن لا إله إلَاّ اللهُ وحده لا شريك له، إلهُ الأوّلِين والآخِرِين، وقيُّومُ السَّموات والأرَضِين، وأشهدُ أنَّ محمّداً عبدُه ورسولُه، سيِّدُ المرسلِين، وإمامُ المتّقين، وقائدُ الغُرِّ المحجَّلين، المبعوث رحمةً للعالمين، صلّى اللهُ وسلّم وبارك عليه، وعلى آله الطيّبين الطّاهرين، وأصحابِه الغُرِّ الميامين، الذين حفظ اللهُ بهم المِلَّةَ، وأظهر الدّين، وعلى مَن اتَّبعهم بإحسانٍ وسار على نهجهم إلى يوم الدّين.

أمَّا بعد، فإنَّ عقيدةَ أهل السنَّة والجماعة تمتازُ بالصّفاءِ والوضوحِ والخلوِّ مِن الغموض والتعقيد، وهي مستمدَّةٌ مِن نصوصِ الوحي كتاباً وسنَّةً، وكان عليها سلفُ الأمّة، وهي عقيدةٌ مطابقةٌ للفطرة، ويقْبَلُها العقلُ السليمُ الخالي مِن أمراضِ الشُّبهات، وذلك بخلاف العقائد الأخرى المتلقَّاةِ مِن آراء الرِّجال وأقوالِ المتكلِّمين، ففيها الغموضُ والتعقيدُ والخبطُ والخلط، وكيف لا يكون الفرقُ كبيراً والبَونُ شاسعاً بين عقيدةٍ نزل بها جبريلُ مِن الله إلى رسولِه الكريم صلى الله عليه وسلم وبين عقائد متنوِّعة مختلفة خرج أصحابُها المبتدعون لها مِن الأرض، وخلقهم اللهُ من ماءٍ مهينٍ.

فعقيدةُ أهل السنَّة والجماعة بَدَتْ وظهرتْ مع بعثة النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ونزولِ الوحي عليه مِن ربِّه تعالى، وسار عليها الرسول صلى الله عليه وسلم وأصحابُه الكرام ومَن

ص: 5

تبعهم بإحسان، والعقائدُ الأخرى لا وجود لها في زمن النبوَّة، ولم يكن عليها الصحابةُ الكرام، بل قد وُلد بعضُها في زمانهم، وبعضُها بعد انقراض عصرهم، وهي مِن محدثاتِ الأمور التي حذّر منها الرسولُ صلى الله عليه وسلم، فقال:"وإيّاكم ومحدَثاتِ الأمور؛ فإنَّ كلَّ محدَثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة"، وليس مِن المعقول ولا المقبول أن يُحجب حقٌّ عن الصحابة الكرام رضي الله عنهم وأرضاهم، ويُدَّخَر لأُناسٍ يجيئون بعد أزمانهم، فتلك العقائد لو كان شيءٌ منها خيراً لسبق إليه الصحابةُ، ولكنَّها شرٌّ حفِظهم اللهُ منه، وابتُليَ به مَن بعدَهم.

والحقيقة الواضحة الجليَّة أنَّ الفرقَ بين عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة المتلقَّاة من الوحي، وبين عقائد المتكلِّمين المبنيَّة على آراء الرجال وعقولهم، كالفرق بين الله وخَلقه، ومثل ذلك ما يكون به القضاء والحكم، فإنَّه يُقال فيه: إنَّ الفرقَ بين الشريعة الإسلامية الرفيعة المنَزَّلة من الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وبين القوانين الوضعيَّة الوضيعة التي أحدثها البشر، كالفرق بين الله وخَلقه، {أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} ، فما بال عقول كثير من الناس تغفلُ عن هذه الحقيقة الواضحة الجليَّة فيما يُعتقد، والحقيقة الواضحة الجليَّة فيما يُحكم به، فيستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير؟!

اللهمَّ اهْد مَن ضلَّ من المسلمين سُبُلَ السلام، وأخرجه من الظلمات إلى النور، إنَّك سميعٌ مجيب.

وقد ألَّف علماءُ السنَّة قديماً وحديثاً مؤلَّفاتٍ تُوَضِّح عقيدةَ أهل السنَّة والجماعة، منها ما هو مختصَرٌ، ومنها ما هو مطوَّلٌ، وكان مِن بين هذه

ص: 6

المختصرات مقدِّمةُ الإمام ابنِ أبي زيد القيرواني المالكي لرسالته، ومقدِّمةُ رسالته على طريقة السلف مختصَرةٌ مفيدة، والجمعُ بين الأصول والفروع في كتاب واحد نادرٌ في فعل المؤلِّفين، وهو حَسَن، يجعل المشتغلَ في فقه العبادات والمعاملات على علمٍ بالفقه الأكبر، الذي هو العقيدةُ على طريقة السلف.

وهي مع وَجازَتها وقلَّة ألفاظها تبيِّن بوضوحٍ العقيدةَ السليمة المطابقة للفطرة، المَبنيّة على نصوص الكتاب والسنّة، وهي شاهدٌ واضحٌ للمَقولة المشهورة: إنَّ كلامَ السّلف قليلٌ كثيرُ البركة، وكلام المتكلِّمين كثيرٌ قليلُ البركة.

ومِن أمثلة ما في هذه المقدِّمة مِن النَّفي المتضمِّن إثباتَ كمالٍ لله تعالى قولُه في مطلع هذه المقدِّمة: "إنَّ الله إلَهٌ واحدٌ لا إله غيرُه، ولا شبيهَ له، ولا نَظيرَ له، ولا وَلَدَ له، ولا وَالِدَ له، ولا صاحبةَ له، ولا شريكَ له".

فإنَّ هذه المنفيّات عن الله عز وجل مستمَدَّةٌ مِن الكتاب والسنّة، وهذا بخلاف النّفي في كلام المتكلِّمين، فإنَّه مبنيٌّ على التّكلُّف، ومتّصفٌ بالغموض، ومِن أمثلة ذلك ما جاء في العقائد النسفيّة قول مؤلِّفها:"ليس بعَرض، ولا جسم، ولا جوهر، ولا مصوّر، ولا محدود، ولا معدود، ولا متبعّض، ولا متجَزّ، ولا متركّب، ولا متناه".

وهذه المنفيّات لَم يأت بالنَّصِّ عليها كتابٌ ولا سنّة، والواجبُ السّكوتُ والإمساكُ عمَّا لم يدلَّ عليه دليلٌ مِن الوحي، واعتقاد أنَّ اللهَ متَّصِف بكلِّ كمالٍ، منَزَّهٌ عن كلِّ نقصٍ، ومثلُ هذه السلوب لا يفهمها العوامُّ، ولا تطابق الفطرةَ التي هم عليها، وهي مِن تكلُّف المتكلِّمين، وفيها

ص: 7