الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ففي قوله رحمه الله: "ونحبُّ أصحابَ رسول الله" سلامة أهل السُّنَّة من الجفاء، وفي قوله:"ولا نفرط في حبِّ أحدٍ منهم" سلامتهم من الغلُوِّ، أي: ونحبُّ أصحابَ رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلسنا جُفاةً، ومع حبِّنا لهم فلسنا غلاةً.
وقد أجمل شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله – هذه الأمور التي أهل السُّنَّة والجماعة فيها وَسَطٌ بين فرق الضلال، في كتابه العقيدة الواسطية، فقال (ص: 107 – 113) : "فهم وَسَطٌ في باب صفات الله سبحانه وتعالى بين أهل التعطيل الجهمية وأهل التمثيل المشبِّهة، وهم وَسَطٌ في باب أفعال الله بين الجبرية والقدرية وغيرهم، وفي باب وعيد الله بين المرجئة والوعيدية من القدرية وغيرهم، وفي باب أسماء الإيمان والدِّين بين الحرورية والمعتزلة، وبين المرجئة والجهمية، وفي أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بين الرافضة والخوارج".
الفائدة الثالثة: عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة مطابقةٌ للفطرة
روى البخاري في صحيحه (1385) ومسلم في صحيحه (2658) – واللفظ للبخاري – عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال النَبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "كلُّ مولود يُولَد على الفطرة، فأبواه يُهوِّدانه أو يُنصِّرانه أو يُمجِّسانه. . . " الحديث.
وفي صحيح مسلم (2865) من حديث عياض بن حمار المجاشعي رضي الله عنه: ". . . وإنِّي خلقتُ عبادي حنفاء كلّهم، وإنَّهم أتتهم الشياطينُ
فاجتالتهم عن دينهم، وحرَّمت عليهم ما أحللتُ لهم، وأمرتهم أن يُشركوا بي ما لم أُنزل به سلطاناً" الحديث.
وهذان الحديثان يدلَاّن على أنَّ دينَ الإسلام هو دينُ الفطرة، وعقيدةَ أهل السُّنَّة والجماعة مطابقةٌ للفطرة، ولهذا جاء في حديث معاوية بن الحكم السلمي رضي الله عنه في صحيح مسلم (537) في قصة جاريته، وفيه أنَّه قال:"أفلا أُعتقها؟ قال: ائتنِي بها، فأتيتُه بها، فقال لها: أين الله؟ قالت: في السماء، قال: مَن أنا؟ قالت: أنت رسول الله، قال: اعتقها فإنَّها مؤمنة".
فهذه الجاريةُ بفطرتها أجابت بأنَّ الله في السماء، وقد قال الله عز وجل:{أَأَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حَاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ} ، والمراد بالسماء العلو، أو تكون (في) بمعنى (على) كما في قوله تعالى:{وَلأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} أي: على جذوع النخل.
وأمَّا الذين ابتُلوا بعلم الكلام، فإنَّهم يقولون: إنَّ علوَّ الله عز وجل علُوُّ قدر وقهر، وأهلُ السَّنَّة والجماعة يقولون إنَّ علُوَّ الله عز وجل علُوُّ قدر وقهر وذات، وقد جاء عن بعض المتكلمين وغيرهم عباراتٌ تدلُّ على أنَّ السلامةَ والنجاةَ إنَّما هي في عقيدة العجائز المطابقة للفطرة، وقد نقل شارحُ الطحاوية عن أبي المعالي الجوينِي كلاماً ذمَّ فيه علمَ الكلام، وقال فيه عند موته:"وهَا أنا ذا أموت على عقيدة أمِّي، أو قال: على عقيدة عجائز نيسابور".
وفي ترجمة الرازي - وهو من كبار المتكلِّمين - في لسان الميزان (4/427) : "وكان مع تبحُّره في الأصول يقول: من التزم دينَ العجائز فهو الفائز".