المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفائدة السادسة: كل من المشبهة والمعطلة جمعوا بين التمثيل والتعطيل - قطف الجني الداني شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

[عبد المحسن العباد]

فهرس الكتاب

- ‌ مقدِّمة

- ‌فوائد بين يدي الشرح

- ‌الفائدة الأولى: منهج أهل السنة والجماعة في العقيدة: اتِباع الكتاب والسنة على فهم السلف الصالح

- ‌الفائدة الثانية: وَسَطيَّةُ أهل السنة والجماعة في العقيدة بين فرق الضلال

- ‌الفائدة الثالثة: عقيدة أهل السُّنَّة والجماعة مطابقةٌ للفطرة

- ‌الفائدة الرابعة: الكلام في الصفات فرعٌ عن الكلام في الذات، والقول في بعض الصفات كالقول في البعض الآخر

- ‌الفائدة الخامسة: السَّلفُ ليسوا مُؤوِّلةً ولا مُفوِّضة

- ‌الفائدة السادسة: كلٌّ من المشبِّهة والمعطِّلة جمعوا بين التمثيل والتعطيل

- ‌الفائدة السابعة: متكلِّمون يَذمُّون علمَ الكلام ويُظهرون الحَيرة والنَّدم

- ‌الفائدة الثامنة: هل صحيح أنَّ أكثرَ المسلمين في هذا العصر أشاعرة

- ‌الفائدة التاسعة: عقيدة الأئمَّة الأربعة ومَن تفقَّه بمذاهبهم

- ‌نص الكتاب

- ‌نصُّ مقدِّمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

- ‌نظم مقدِّمة الرِّسالة

- ‌شرح مقدمة رسالة ابن أبي زيد القيرواني

الفصل: ‌الفائدة السادسة: كل من المشبهة والمعطلة جمعوا بين التمثيل والتعطيل

وأمَّا تجهيله لهم، فذلك بنسبتهم إلى الجهل، وأنَّهم لا يفهمون معاني ما خوطبوا به، إذ طريقتُهم على زعمه في الصفات أنَّهم يقولون: الله أعلم بمراده بها.

وأمَّا الكذب عليهم، فإنَّما هو بنسبة هذا المذهب الباطل إليهم، وهم برآءُ منه.

ص: 28

‌الفائدة السادسة: كلٌّ من المشبِّهة والمعطِّلة جمعوا بين التمثيل والتعطيل

المعطِّلةُ هم الذين نفوا صفات الله عز وجل، ولم يُثبتوها على ما يليق بالله، وشُبهتُهم أنَّ إثبات الصفات يستلزم التشبيه؛ لأنَّهم لَم يتصوَّروا الصفات إلَاّ وفقاً لِما هو مشاهَد في المخلوقين، فجرَّهم ذلك التصوَّرُ الخاطئ إلى التعطيل، فكان ما وقعوا فيه أسوأَ مِمَّا فرُّوا منه؛ إذ كانت النتيجة أن يكون الله تعالى وتنَزَّه شبيهاً بالمعدومات؛ إذ لا يُتصوَّرُ وجود ذات خالية من الصفات.

ويتَّضح ذلك في صفة كلام الله عز وجل، فإنَّهم لم يتصوَّروا من إثبات أنَّ الله يتكلَّم بحرف وصوت إلَاّ التشبيه بالمخلوقين؛ لأنَّه يلزَمُ من ذلك أن يكون كلامُه بلسان وحُنجرة وشفتين؛ لأنَّهم لا يعقلون ذلك إلَاّ في المخلوقين، وذلك التصوُّرُ الخاطئُ مردودٌ من وجوه:

الأول: أنَّه لا تلازمَ بين الإثبات والتشبيه؛ فإنَّ الإثبات يكون مع التشبيه، وهو باطلٌ لا شكَّ فيه، ويكون مع التنْزيه، كما قال الله عزَّ

ص: 28

وجلَّ: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} ، فأثبت السمعَ والبصرَ، ونفى مشابهة غيره له، وهذا هو اللَاّئق بكمال الله وجلاله، وهو الحقُّ الذي لا ريب فيه.

الثاني: أنَّ ما زعموه من أنَّ الإثباتَ يقتضي التشبيه، ومن أجله عطَّلوا الصفات، أدَّاهم ذلك إلى التشبيه بالمعدومات، وهو أسوأ، وقد مرَّ في كلام بعض أهل العلم ما يُبيِّن ذلك، لا سيما ما عزاه الذهبي إلى حماد بن زيد من التمثيل بالنخلة، التي نفى أصحابُها كلَّ صفات النخل عنها، وقيل لهم: إذاً فما في داركم نخلة! وذلك في الفائدة الثانية.

الثالث: أنَّه قد وُجد في المخلوقات حصولُ الكلام على خلاف ما هو مشاهَدٌ في المخلوقين؛ فإنَّ ذراعَ الشاة التي وُضع فيها السُّمُّ للرسول صلى الله عليه وسلم كلَّمته وأخبَرته بأنَّها مسمومةٌ، كما في سنن أبي داود (4510) و (4512) .

وروى مسلم في صحيحه (2277) عن جابر بن سَمُرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "إنِّي لأعرفُ حَجَراً بمكة كان يُسلِّمُ عليَّ قبل أن أُبعَث، إنِّي لأعرفه الآن".

وهذا من كلام بعض المخلوقات في الدنيا، وأمَّا في الآخرة، فقد قال الله عز وجل:{الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُون} وقال: {حَتَّى إِذَا مَا جَاءُوهَا شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَأَبْصَارُهُمْ وَجُلُودُهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ َوَقَالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنَا قَالُوا أَنْطَقَنَا اللَّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} .

أفَيُقال: إنَّ كلامَ الذِّراعِ والحجرِ والأيدي والأرجلِ لا يكون إلَاّ بلسان وشفتَين؟!

ص: 29