المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ذكر من اسمه محاسن - قلائد الجمان في فرائد شعراء هذا الزمان - جـ ٥

[ابن الشعار]

الفصل: ‌ذكر من اسمه محاسن

‌ذكر من اسمه محاسن

[610]

محاسن بن سرون، أبو عبد الله الموصلي.

توفي قبل العشرين والستمائة، كان يشعر ويمدح الأكابر والرؤساء، ولم ينشر شعره ولا اشتهر.

أنشدني محمد بن علي بن الحسن النيلي الشاعر؛ قال: أنشدني ابن سرون لنفسه: [من المتقارب]

خليلي في النوح لا تعذلا

فقد عاندتني صروف الزمان

أأصبر عن ساكني رامةٍ

وهم خير قاصٍ لقلبي وداني

جفوني غداة سروا بالركاب

فنومي من بعدهم قد جفاني

ولم أنس ليلى وقد أقبلت

تشير لتوديعنا بالبنان

وسمطا مدامعها في الخدود

منضدة مثل سمط الجمان

تقول رويدًا وما قولها

ليحوج سمعي إلى ترجمان

حبيبي رويدك لا تبكنا

وكن من إله السما في أمان

(فهذا السهاد بذاك الرقاد

وهذا البعاد بذاك التداني)

وأنشدني؛ قال: أنشدني من شعره أيضًا: [من الكامل]

يا حاملًا سيفًا ليقتلني به

دع ما حملت فسيف لحظك أقتل

لك أن تصد وأن تجوز وتعتدي

ماذا يضرك في الهوى لو تجمل

(حتى م أنتظر الوصال وما له

سبب وهل تلد التي لا تحبل)

ص: 62

[611]

محاسن بن إسماعيل بن علي بن أحمد بن الحسين بن إبراهيم الحلبي، المعروف بابن الشواء

من الشعراء الحلبيين الفضلاء، ومن أهل الأدب والمعرفة بالعروض والقوافي؛ شيعي المذهب، فيه فضل وأدب. لقيته بحلب رابع عشر جمادي الأولى، وهو شيخ حسن اللقاء كيس؛ سألته عن مولده؛ فقال: عمري إلى الآن اثنتان وسبعون سنة؛ فيكون تقدير ولادته سنة اثنتين وستين وخمسمائة.

أنشدني لنفسه بمدينة حلب، بمسجدها الجامع في التاريخ المقدم ذكره، ما تضمنت هذه الأوراق من المقطعات.

وكانت وفاته يوم الجمعة تاسع عشر المحرم، ودفن بمقبرة باب أنطاكية، غربي المدينة ظاهرها، وذلك في سنة خمس وثلاثين وستمائة- رحمه الله تعالى-.

ص: 63

أنشدني أبو المحاسن ابن الشواء لنفسه: [من الكامل]

لاح الصباح فغنت الأطيار

وتمايلت طربًا لها الأشجار

والبان مطلول الفروع كأنما

في كل غصن منه موسيقار

وتنفست ريح الصبا فصبت لها

روح الغدير فصفق التيار

والأرض قد راض الربيع شماسها

وأزال فرط ذرارها آذار

وتلفعت أطرافها بمطارف .. خضر تنمنم وشيها الأزهار

والنهر أحوى الشاطئين كأنه

خد أحاط بصفحتيه عذار

قم يا نديم فقد بكى راووقنا

ولنا بفرط قطوبه استبشار

وتملها من قبل شيبك نعمة

فمع الشبيبة تحسن الأوزار

وأنشدني أيضًا لنفسه: [من الخفيف]

إسقني الراح كل يوم خميس

بين مرد شماس وقسوس

من شمولٍ بكأسها جمع الشمـ

ـل وتنسيك كل هم وبوس

لو أطاقت نطقاً عزت صاحب الديـ

ـر أبًا عن أب إلى إدريس

عتقت في دهانها حقبًا ثم

تلاشت إلا بقايا نفوس

صفت في إنائها فهي لا تد

رك حسنًا كسائر المحسوس

يا خلي العذار سلني عن اللهـ

ـو وهاك استمع بلا تدليس

شرح علم في القصف لو كان فقهًا

لتصدرت فيه للتدريس

قد رويناه عن مشائخ ذا الفـ

ـن بإسنادهم إلى إبليس

وأسقنيها على غنا جاثليق الـ

ـدير من راحة ابنة القسيس

قمرتني عقلي وقد رمقتني

عن جفون دعج اللواحظ شوس

حكمت في مثلما حكمت في الـ

ـعقل بالجور سورة الخندريس

في ندامى من النصارى إذا لا

ح سناها خروا لها كالمجوس

علقوا فوق دنها الصلب تعويـ

ـذً وقد ألبسوه لبس القسوس

فتراهم ليلًا يضجون بالتسـ

ـبيح من حوله وبالتقديس

حبسوه للخوف للخوف أن تقع العيـ

ـن عليه في رأس دير الحبيس

ص: 64

فهو يصغي فيه لهيمنة الرهـ

ـبان ليلًا وضجة الناقوس

كلما مات راهب عرفوا منـ

ـه ورشوا عليه في الناووس

لو رأى نارها وقد ضحكت ما

بيننا عن حباباها في الكؤوس

ال كلًا منا عيشية لاحت

ختنًا قام لاجتلاء عروس

إنني لم أبل وقد ملئت بالـ

ـراح كأسي إذا تفرغ كيسي

بديع الجمال أكسبني لمـ

ـا جفا وحشة كان أنيسي

ليت دهرًا أناه عن ناظري

يدنيه مني حتى يبيت جليسي

وأراه معاقي وعلينا

شبه من مركب التجنيس

وقال أيضًا: [من الطويل]

أدرها علينا أيها البدر أنجمًا

تبيت على أيدي السقاة سواري

تحل أباريقها تخال بوارقها

بلوح فتكسو الليل ثوب نهار

قد بسطت كف الثريا كأنها

بياض مشيب في سواد عذار

وقد نفحت ريح الصبا فحمة الدجى

فأذكت من الإصباح جذوة نار

وقال من قصيدةٍ أولها: [من المنسرح]

لو عاد طيف الحبيب أو زارا

ما نال من عاشقيه أوزارا

علقته طاوي الحشا رشًا

يبيت من واصليه نفارا

بناظر أودع الجمال به

هاروت يسبي العقول سحارًا

ووجنة قد أتت بمعجزها

فمازج الماء فوقها النارا

لو عاين الغصن قده لذوى

أو لو رأى البدر وجهه حارا

فارقني كارهًا وخلفني

أندب حزنًا لأجله الدارا

لي بعده مهجة متيمة

رقت فكادت تذوب تذكارًا

وقال أيضًا: [من الوافر]

لقد قلدت سيف الدين سيفًا

قضى ألا هوادة للهوادي

أعدكما غياث الدين سيلًا

وسيفًا للعطاء وللجهاد

فأنت لوصل أرزاق البرايا

وذاك لقطع أعناق الأعادي

ص: 65

وقال غزلًا: [من البسيط]

لو أن ما فيك من عجب ومن تيه

بالمزن شحت وما سحت غواديه

أو أقتنى فتك عطفيك القنا انتظمت

من النجوم عواليها عواليه

يا أيها الرشا الغاوي بل الأسد الـ

ـعادي بل القمر البادي لرائيه

فات الظنون فقد دقت محاسنه

عن أن تحد بتكييف وتشبيه

رفقًا بصب جفاك المرء ممرضه

ووصلك الحلو بعد الله شافيه

يا صاحبي سلاه عدل سيرته

فينا فظلم الوري مزر بأهليه

واستطلقا منه لي وصلًا ولو شبحا

في رقدتي خطرات الوهم تهديه

ولا تلوما فعين اللوم عذلكما

فيه فحسب المعنى ما يعانيه

ما بال أحمد يجفوني وأحمد ما

في كامل الحسن ترك الحيف والتيه

علقته أسمرًا كالرمح عامله

وخرصه طرفه الساجي وهاديه

صعب التلاقي تلاقي جل بغيته

فالقرب يسخطه والبعد يرضيه

فالبدر في نوره والتم يشبهه .. والرمح في لونه واللين يحكيه

غصن إذا ما ثناه العجب تحسبه

سكران عاطاه كأس الراح ساقيه

يرنو وفعل الحميا في لواحظه

واللون في خده والطعم في فيه

تبارك الله ما أشهى تجنبه

إلى القلوب وما أحلى تجنيه

وقال أيضًا يتغزل: [من الخفيف]

وغزال من عجبه نشر العتـ

ـب سرورًا في طيهن سرور

لو جنى غص ورد وجنته باللـ

ـحظ غيري لغص منه الغيور

أرهقته الحمى فأصبح منها

لونه وهو للنضار نظير

لو تأملنا نحيفين مهجو

رين لم تدر أينا المهجور

وقال مثله: [من الكامل]

ومهفهف عني الزمان بخده

فكساه ثوبي ليله ونهاره

لا مهدت عذري ملاحة وجهه

عن غض عندي منه غض عذاره

وقال أيضًا: [من الهزج]

ص: 66

على خديك للشعر

شعار بهما يزري

وتعذيرهما أوضـ

ـح في هجرهما عذري

وغيري لهما أضحى

كثير الحمد والشكر

أحب البدر في الظلـ

ـمة لا الظلمة في البدر

وقال أيضًا: [من الخفيف]

وغرير يحكي الغزال بعينيـ

ـه وخداه بالغزالة تزري

قابلته مرآته فأرتنا .. عين شمسٍ إنسانها وجه بدر

وقال في المعنى: [من مجزوء الرمل]

قلت إذ لاح بمرآ

تك لي مرآك سافر

تلك إغاءة صب

زار فيها طيف هاجر

وقال أيضًا: [من الكامل]

ناديت والندماء تقصر خطوهم

نشواتهم وتهزهم أخواطا

يا أيها الشادي تغن فقدوني

في السير دور كؤوسنا وتباطا

هي كالمطي تكل من طول السري

فيزيدها نغم الحداة نشاطها

وقال أيضًا: [من الطويل]

أرى حسناتي عند قومي مساوئًا

كأن لم أشد أركان مجدهم وصفا

ولم أك أسطاهم ذا حادث عرا

وأعفاهم عن جرم جانيهم لطفًا

وأشمخهم في كل مخمصة يدًا

وأشمخهم عن كل منقصة أنفًا

عذرتهم لما تعذر برهم

وقلت فقير الأهل أهل لأن يجفى

فإن سبني منهم جهول فإنني

سأثني عليه ما ثنى عطفه عطفا

ولو نبذوني كالحصاة مهانة

لكنت بهم منهم بأنفسهم أحفى

ولو نلت وفرًا وافرًا لجعلته

على وفق ما يرضيهم أبدًا وقفا

وقال أيضًا: [من الخفيف]

ص: 67

لو تأملت أيها الخل من نيات هذا الورى بغير اختبار

لرأيت البياض من أحسن الألـ

ـوان إلا في لمةٍ وعذار

وقوله أيضًا: [من الوافر]

ألا يا ابن العبيد الأدعياء

ويا ابن العاهرات من الإماء

لك است قد غدت في الماء ذلًا

وأنف راح كبرًا في السماء

تركتك لا أعاتبك احتقارًا

لأن العتب بن الأصفياء

لئن أطرقت اعمل فيك فكري

لأنتهكن عرضك بالهجاء

وقال أيضًا: [من المجتث]

لله قوم تساقوا

من العظات عقارًا

شعث يبيتون صرعى

خوف المعاد سكارى

قد أحدث الخوف فيهم

نحافة واصفرارًا

لو اطلعت عليهم

وليت منهم فرارًا

وقوله: [من الكامل]

قالوا: حبيبك قد تضوع نشره

حتى غدا منه الفضاء معطرًا

فأجبتهم والخال يعلو خده:

أو ما ترون النار تحرق عنبرًا

وأنشدنا الشيخ محاسن بن إسماعيل الشواء الحلبي لنفسه، بمحروسة حل، بجامعها في سنة أربع وثلاثين وستمائة، يمدح الملك العزيز محمد بن غازي- رحمه الله تعالى-:[من الخفيف]

لمن النار بعد وهنٍ تشب

دون سلع تلح طورًا وتخبو

ذات برقٍ تبدو وليس له إلا جفوني إذا تألق سحب

لسنهاها والريح وسنى بجسم الليل بعد الفناء روح تدب

سبيت لمة الدجى حين شبت

فاعتدى طارق وضل محب

وأشارت لما أنارت بما يفـ

ـهمه كل وامقٍ فيه لب

ص: 68

طارحتني الأسى فخيل لي أن سناها مثلي يعلوه صب

ما تعدت لما تبدت وقد قـ

ـدت قميص الدجى ظباها القضب

بل أفادت طرف بيانًا بأطرا

ف بنان لها على البعد قرب

فكأن الظلام صدر مشوق

واضطراب اضطرابها فيه قلب

أتحفتني إذ أتحفتني بها ليـ

ـلة أنس تثير وجدي فأخبو

لسجايا الملك العزيز انثنت تغتـ

ـضي حياء نجومها وهي شهب

ملك رصف وصف غر معاليـ

ـه اعتقادي ومدحه لي دأب

ثابت الجأش إن تكاثف نقع

ثاقب الرأي إن تنكر خطب

قضبه البيض رعف وقناه السمر صم وخيله الكمت قب

إن أتى سائل فبر ولطف

أو عتا صائل فطعن ضرب

فهو للمكرمات خدن وللجو

دحليف وللشجاعة ترب

وهو من أسرة نداهم تليد

وطريف والمجدا إرث وكسب

أيها الدهر ما لصرفك عندي

بعد ما سرني بمرآه ذنب

ق سما يا غياثه بك دين

بذباب الحسام عنه تذب

ذل قهرًا فحكم توحيده الشر

ك فدان الباغي وهان الصعب

أي قطر من أرضه ما لفرسا

نك فيه قتل وأسر ونهب

أيها المالك العزيز عياث الـ

دين والماجد الجواد الندب

لو عدا من عداك في الحلم باغ

مستفيدًا بفعل مالا يحب

لثناه قهر لإرسال أبطالـ

ـك رسل وللكتائب كتب

ولأمسى ومن عقارب خرصا

ن عواليك في عواليه كسب

فأجلها شرقًا وغربًا فقد أصبـ

ـح يخشى سطاك شرق وغرب

فالعوالي ظمأى دجن من الخيل

إلى خوة القتام الشهب

مرحات تخال في الخال والوشـ

ـي رياضًا لها الذوابل قضب

تتهادى تيهًا بكل كمي

خدنه الرمح والحسام العضب

طالما حطم الرماح بصدرٍ

ليس في قلبه من الموت رعب

كلما شام فتكة بالأعادي

رمحه هزه لذلك عجب

ص: 69

وانثنوا للرماح في أجمات

زأرت تحتها ضراغم غلب

أحدثوا في عداك خفضًا وجزمًا

ولهم في علاك رفعٌ ونصب

ولئن كنت يا محمد للحمـ

د نبيًا فأنت للمجد رب

ولئن حان ذاويًا روض حالي

فلساني ببث حمداك رطب

فتمتع بالعيد وانحر أعاديـ

ـك بماضي عزيمة ليس تنبو

وأبق في عزةٍ لك الدهر سلم

والليالي لمن يعاديك حرب

ما أمال النعاس أجفان مغف

فالتقاه في كراه بالهذب هذب

وقال أيضًا: [من البسيط]

وقائل كيف أنت اليوم؟ قلت له:

أعوم في بحر هم ماله شاطي

ما بين عشقٍ وإفلاس هما اجتلبا

دمعي كما اجتلبا ضري وإسخاطي

وقال أيضًا: [من الطويل]

أقول لساقينا وقد مال سكره

لجفنيه حتى حار بينهما الحور

وللخمر جمر شبه الماء فانبرى

يطير عليه منء فواقعه شرر

رويدك لا تلثم مراشف كأسها

فما ينبغي للشمس أن تدرك القمر

وقوله أيضًا يتغزل: [من الخفيف]

ته دلالًا فإن ظلمه عدل

كل صعب سوى فراقك سهل

وتأمل حالي تجده عجيبًا

غيث دمعي له بجسمي محل

يا هلالًا له دلال وعجب

في هواه ولي خضوع وذل

في قضيبٍ يكاد قامته تعـ

ـقد من فرط لينه وتحل

وأنشدني لنفسه في غلامٍ جميل الصورة أرسل احد صدغيه ولوى صدغة الآخر: [من السريع]

أرسل صدغا ولوى قاتلي

صدغًا فأعيى بهما واصفه

ص: 70

فخلت ذا في خده حية

تسعى وهذا عقربًا واقفه

ذا ألف ليست لوصلٍ وذا

واو ولكن ليست العاطفة

وأنشدني أيضًا يصف الغلمان الصباح الوجوه، الذين بقلعة حلب، عند إيقاد النيران ليلة الميلاد حين يرمون بالنشاب، ويجعلون في رؤوسها النار:[من الخفيف]

رب مرد شبهتهم ليلة الميـ .. ـلاد لما ارتموا وأذكوا سعيرًا

ببدورٍ عن الأهلة ترمي

بنجومٍ تمدها الشمس نورًا

وقال أيضًا: [من البسيط]

يا من حداني على قتلي تمنعه

وضرني بتماد ليس ينفعه

انظر إلى ولهي لطفًا بعين رضا

فالحر مثلك أدنى القول يخدعه

ما بان راوي حديث السحر حي بدا

عن ناظريك إلى هاروت يرفعه

رفقًا بمضنى سهام اللحظ ترشقه

إذا رآك وأفعى الصدع تلسعه

لو زاره طيفك المزور عن ملل

في النوم لم يدر ضعفًا أين موضعه؟

لم يخل في الحب من خل يعنفه بالعنف فيك ومن لاحٍ يقرعه

يخفي هواك من الواشي وقد نطقت

عن وجده بلسان الحال أدمعه

ما أبعد الصبر والسلوان من دنف

يروم قربك والأيام تمنعه

يزوره منك طيف ما تقدمه

وعد ويرحل عنه لا يودعه

وقال أيضًا:

لو كنت شاهده والحزن يرعفه

من ناظريه وحمل الحب يضعفه

والعيس قد ثورت والحي مرتحل

وقد طغى الوجد حتى كاد يتلفه

واليأس يطويه والآمال تنشره

لها لطرفك يوم البين موقفه

يا غاثبون ارحما من ذل حين رأى

فرط الخضوع لكم مما يشرفه

صب أقرت بسر الحب أدمعه

طوعًا وأثبت دعواها تلهفه

نديمه همه والنوح مطربه

والحزن والدمع ساقيه وقرقفه

ص: 71

يهوى الكرى جفنه الباكي ولو سنة

عساه منكم بوصل الطيف يسعفه

إلى مها الأبرق الغادي تشوقه

لا بل إلى برقه البادي تشوقه

نائي الهجوع نحيل الجسم شاحبه

هامي الدموع مروع القلب مدنفه

بدمعه تعبث الذكرى ومهجته الـ .. ـحرى فتطربها شوقًا وتذرفه

ولا كتاب بذكراكم يعلله

ولا عذول بلقياكم يسوفه

يا برق حتى عذاري حي كاظمة

عن مغرم عز لولاهم تأسفه

قلبي بأجرعها المأهول سانحة

تغار باناته منها وأحقفه

فلست أدري أغيل مال مشبله

طرافها أم كناس عن محشفه

ويلاه من ظالم لما غدا كلفني

طبعًا به بان في وعدي تكلفه

عبل مقرطقه شخت ممنطقه

غال مقبله عال مشنفه

حلو القوام شتيت الثغر أشنبه

مورد الخد ساجي الطرف أوطفه

أنهى الجمال سجاياه وأبرزه

للغصن يذويه أو للبدر يكسفه

ظبي حكاه اسمه خلقًا وخالفه

فعلًا وشابهه خلقًا يصحفه

بسيف جفنيه يحمي ورد وجنته

فليس نجسر بالأحداق نقطفه

يغزو النفوس يحيس من محاسنه

والقد ذابله واللحظ مرهفه

ما قابل الشهب إلا جاز أنورها

أو بان للبان إلا غار أهيفه

يرنو بفاترة لو لاك أكحلها

للنرجس الغص أغصى منه مضعفه

قال الوشاة وقد ماجت روادفه

فكاد من حملها ينقد مخطفه

ما للملاحة فيه قلت أبدعها

وما من الحسن فيه قلت أظرفه

قسا ولنت فهل خل يعوج على

صب يسليه أو فظ يلطفه

تبارك الله كم يجني علي وكم

أعنو ويظلمني بغيًا وأنصفه

وكم يعاهدني عهدًا وينقضه

عمدًا ويوعدني وعدًا ويخلفه

ناديت والكبر بنهاه ويأمره

والعجب يقدمه والتيه يردفه

فتكت بأطرفه الشاكي بقلب فتى

يعنو لناظرك النبال أكشفه

يا ساقي الراح إن آنست منه رضا

يومًا وفارقه سكرًا تعجرفه

فاشرح له إن خلا من كاشحٍ وصغا

ضري وقد زاد عما كنت تعرفه

ص: 72

يعقوب ..... يسمو طرف همته

شوقًا إلى مصر حسن أنه يوسفه

وأعتبه وأشكو إليه ما أكابده

منه عسى رقة الشكوى تعطفه

وقال أيضًا: [من البسيط]

الفتها حلوة الأعطاف كالألف

صدوفة ثغرها كالدر في الصدف

تريك وجنتها في الخد إن سفرت

نارًا من الحسن في ماءٍ من الترف

أنفاسها عنبرٌ وردٌ لمنتشقٍ

وريقها قرقف صرفٌ لمرتشف

وتحت حلتها غصن لمعتنق

وفوق وجنتها وردٌ لمقتطف

يغدو المعانق من أنفاسها عطرًا

كأنما أنفه في روضة أنف

يا من تغير رماح الخط قامتها

باللون واللين والتقويم والهيف

ما آن أن يتلاقى بالوصال فتى

يرجو الشفا وقد أشفى على التلف

ما كان أسعدني لو أن لطفك بي

بقدر ما فيك من غدرٍ ومن جنف

وقال أيضًا: [من السريع]

يا للورى قد كان بي رمق

فاغتاله يوم النوى الحدق

فالقلب خوف البين مضطرب

أحشاؤه مقروحة خفق

ليت المطايا لا سرت بهم

عني وسدت دونها الطرق

ساروا فما سروا ببعدهم

قلبي ولا عفّوا ولا رفقوا

أودعتهم إذ دعوا جلدًا

أفناه من تفريقهم فرق

وقال أيضًا: [من الطويل]

أقول وقد قلبت في الناس ناظري

فلم أر إلا خائنًا ومنافقًا

أيا ليت أني مت طفلً وليتني

وقد طال عمري لا عرفت الخلائقا

ولم أنفرد يا صاحبي مجنبًا

عن الناس أو أني مواف موافقا

ولكن وجدت الناس لما اختبرتهم

محبًا محاب أو شفيقًا مشافقا

خليلي من لي أن أصادف صادقًا

عن الغدر مثلي أو أصادق صادقًا

وقال في غلمان دخلوا الحمام: [من الكامل]

شدوا المآزر فوق كثبان النقا

خفرًا فحلوا عقد نسكي والتقى

ص: 73

وتجردوا فرأيت بان معاطف

نشروا ذوائبهم عليه فأروقا

وبدوا فأطلع كل وجهٍ منهم

بدرًا وأضحى كل قطرٍ مشرقا

من كل أهيف حل عقده بنده

وغدا بلحظ عيوننا متمنطقا

خالسته نظرًا لأقطف وردةً

من روض وجنته فأغضى مطرقًا

فكأن في الحمام سرب جاذر

نظر القنيص فطل منه مضفقًا

وقال أيضًا: [من الوافر]

لقد أكثرت مدح بني فلان

وكنت بأن أذمهم خليقًا

أطلت رشاء مدحهم لأني

وجدت قليب جودهم عميقًا

وقال أيضًا: [من الخفيف]

وفتاة من هجرها بات قلبي

قلقًا مثل قرطها والنطاق

غادةً سنجرية الأصل والفصـ

ـل غزالية الطلى والماقي

ذات قد كالغصن في اللين يعلو

هـ محيًا كالبدر في الإشراق

جال في صحفتيه ماء شباب

راق حسنًا فشب نار اشتياقي

رمقتنا شزرًا فلم تبق في الأجـ

ـساد إلا أواخر الأرماق

قلت هل زورة قصدت وقالت:

مه فضرب الأعناق دون عناقي

وأرتبني تكبرًا ما عليه

لمحة من مكارم الأخلاق

وتثنت عجبًا فقلت لها ما

اسمك يا بابلية الأرياق

قالت: اسمي قسا فناديت: بل قلـ

ـبك يا محنتي على العشاق

وقال أيضًا: [من الطويل]

ألا سقيانيها فقد نفح المسك

ولا تحبساها بعد ما صدح الجنك

وطوفا بها حبيةً حبيةً

مشعشعة كالتبر أخلصه السبك

إذا كف ساق أو مات نحو شربها

لم يشكو أنها حمرة تذكو

يطوف بها ساق إذا لا حاسرًا

لنا قلت قولًا لم يشب صدقه إفك

أرى الليل لا ريب على البدر لا مرًا

على الغصن لا خلفٌ على الخفف لا شك.

ولا تبخلا أفديكما أن تناديا

إذا هزني سكري بها: لمن الملك

ص: 74

وقال أيضًا: [من مخلع البسيط]

وليلة بتها وحبي

أشكو إليه الهوى ويشكو

تقبح بالعاشق المعني

في مثلها عفةٌ ونسك

أشرب من فيه كأس خمرٍ

ختامها من لماه مسك

وقال في غلامٍ أسود شيع جنازة: [من الخفيف]

وغلام رأيته وهو يبكي

خلف ميت فبت أسباب نسكي

وعجبي من دموعه وهي ماء

كيف راحت لنار وجدي تذكي

أسود اللون كالدجى فإذا أفتر أراك الصباح من غير شك

شق للحزن ثوبه مثل ما يفـ

تق في شمألٍ قسيمة مسك

وقال في مغن يرقص: [من السريع]

أشرق من طلعته المنزل

لما بدا واضطرب المحفل

علقت منه شادنا شاديًا

كأنما نكهته مندل

يكاد فوق الأرض أن لا ترى

من سرعة الرقص له أرجل

لو لم تكن هزة أطرافه

موزونة قلت به أفكل

فلو تراه إذا شده وانثنى

لقلت: غصن فوقه بلبل

وقال أيضًا: [من الخفيف]

حرت من حسنه وماذا أقول

وكثير الصفات فيه قليل

جوهر جل أن تكيفه الأفـ

ـهام أو تهتدي إليه العقول

صح للناس انه أحسن العالـ

ـم وجهًا وقام فيه الدليل

وقال أيضًا: [من الخفيف]

أيها الغافل المصر على الأو

زار مهلًا فقد تداني الرحيل

خل ظلم الورى فإنك يوم الـ

ـحشر عن كل هفوةٍ مسئول

وتعفف واقنع برزقٍ يسيرٍ

ودع الحرص فالحريص جهول

ص: 75

فقليل من الحلال كثير

وكثير من الحرام قليل

لا تؤمل من الأنام صديقًا

فهو شيء وجوده مستحيل

وقال أيضًا:

زدت حزنًا وفقت حسنًا فأضحى

ما لحزني ولا لحيسنك مثل

وخلعت العذار فيك فأضحى

بعذاريك لي عن اللوم شغل

يا ملولًا أصارني الحب لا أطـ

ـمع في وصله ولا عنه أسلو

لا شفى الله بعد بينك قلبي

بك إن كان ساعة منك يخلو

يا لقومي من حب جاف ملوب

فيه لي يعذب العذاب ويحلو

فضلالي رشد، وذلي عز،

وسقامي بر، وهجري وصل

ص: 76