الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قواعد مهمة
في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
على ضوء الكتاب والسنة
د. حمود بن أحمد الرحيلي
الأستاذ المشارك بكلية الدعوة وأصول الدين
بالجامعة الإسلامية بالمدينة المنورة
ملخص البحث
يتضمن بحث " قواعد مهمة في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر على ضوء الكتاب والسنة " أهمية الموضوع وخطة البحث، ومنهجي في البحث، وسبع قواعد، وقد جاءت القواعد على النحو التالي:
القاعدة الأولى: الشرع هو الأصل في تقرير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
القاعدة الثانية: العلم والبصيرة بحقيقة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
القاعدة الثالثة: معرفة شروط إنكار المنكر. وهذه الشروط هي:
1 -
التحقق من كونه منكرا.
2 -
أن يكون المنكر موجودا في الحال، وله ثلاث حالات، ولكل حالة ما يناسبها.
3 -
أن يكون ظاهرا من غير تجسس ما لم يكن مجاهرا.
4 -
أن يكون الإنكار في الأمور التي لا خلاف فيها.
القاعدة الرابعة: معرفة إنكار المنكر. وجاءت كما يلي:
المرتبة الأولى: الإنكار باليد وشروطه.
المرتبة الثانية: الإنكار باللسان وضوابطه.
المرتبة الثالثة: الإنكار بالقلب.
القاعدة الخامسة: تقديم الأهم على المهم.
القاعدة السادسة: اعتبار تحصيل المصالح وتكميلها، ودرء المفاسد وتعطيلها أو تقليلها.
القاعدة السابعة: التثبت في الأمور وعدم العجلة.
ثم خاتمة اشتملت على أهم نتائج البحث، بالإضافة إلى قائمة لأهم المصادر والمراجع العلمية، وفهرس بالموضوعات
علما أني لم أقف على من أفرد هذا البحث بهذا الاسم على حد علمي، وبالله التوفيق وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم.
• • •
بسم الله الرحمن الرحيم
إنَّ الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له ومن يُضلل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمدا عبده ورسوله صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
{يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا} {يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا} . (3)
(1) سورة آل عمران، الآية 102.
(2)
سورة النساء، الآية 1.
(3)
سورة الأحزاب، الآيتان 70 - 71.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
وبعد: فإن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصل عظيم من أصول الإسلام، ولا شك أن صلاح العباد في معاشهم ومعادهم متوقف على طاعة الله عز وجل وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وتمام الطاعة متوقف على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبه كانت هذه الأمة خير أمة أخرجت للناس، قال تعالى:{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ} (1) .
وقد أولى القرآن الكريم والسنة النبوية هذا الأمر أهمية بالغة، ففيه تحقيق الولاية بين المؤمنين. قال تعالى {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَيُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَيُطِيعُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُولَئِكَ سَيَرْحَمُهُمُ اللَّهُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ} (2) .
(1) سورة آل عمران، الآية 110.
(2)
سورة التوبة، الآية 71.
وهو من أسباب النصر على الأعداء، والتمكين في الأرض. قال تعالى:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ} . (1)
وفيه الأمن من الهلاك، والمحافظة على صلاح المجتمعات، فعن النعمان بن بشير رضي الله عنه قال: قال النبي صلى الله عليه وسلم: «مثل القائم على حدود الله والواقع فيها كمثل قوم استَهَموا على سفينة، فأصاب بعضهم أعلاها، وبعضهم أسفلها، فكان الذين في أسفلها إذا استقوا من الماء مروا على من فوقهم، فقالوا لو أنا خرقنا في نصيبنا خرقاً ولم نؤذ من فوقنا، فإن يتركوهم وما أرادوا هلكوا جميعاً، وإن أخذوا على أيديهم نجوا ونجوا جميعاً» . (2)
(1) سورة الحج، الآيتان 40-41.
(2)
صحيح البخاري مع الفتح، 5 / 132، كتاب الشركة، باب هل يُقرع في القسمة؟ والاستهام فيه، رقم 2493، و5 / 292، كتاب الشهادات، باب القرعة في المشكلات، رقم 2686.
وفيه دفع العذاب عن العباد. قال تعالى {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} . {كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ} . (1)
وهو مطلب مهم لمن أراد النجاة لنفسه. قال تعالى: {وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ} (2) .
وفيه التوفيق للدعاء والاستجابة. فعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: «والذي نفسي بيده لتأمرنَّ بالمعروف ولتنهونَّ عن المنكر، أو ليوشكنَّ اللهُ أن يبعث عليكم عقاباً منه ثم تدعونه فلا يُستجاب لكم» . (3)
(1) سورة المائدة، الآيتان 78-79.
(2)
سورة الأعراف، الآية 164.
(3)
سنن الترمذي، 4 / 468، كتاب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، رقم 2169، وقال: حديث حسن.
والقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من مكفرات الذنوب والخطايا، ففي الحديث الصحيح عن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول:«فتنة الرجل في أهله، وماله، ونفسه، وولده، وجاره، يكفرها الصيام والصلاة والصدقة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر» . (1)
والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أسباب الظفر بعظيم الأجور، وتكثير الحسنات، قال تعالى:{لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} (2) .
وبالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تحيا السنن وتموت البدع، ويضعف أهل الباطل والأهواء، وهو من أبرز صفات المؤمنين وسماتهم، ومن أعظم الوسائل لقوتهم وتماسكهم، والغفلة عنه أو التهاون فيه، أو تركه، يجر من المفاسد الكثيرة، والأضرار الجسيمة. إلى غير ذلك من الفوائد والثمرات الكثيرة المترتبة على الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.
(1) صحيح البخاري مع الفتح، 2 / 8، كتاب مواقيت الصلاة، باب الصلاة كفارة، رقم 252، ومسلم 1 / 128، كتاب الإيمان، باب بيان أن الإسلام بدأ غريبا وسيعود غريبا، رقم 144.
(2)
سورة النساء، الآية 114.
وإنه على الرغم من كثرة الكتابات التي تناولت موضوع الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن هناك جوانب - في نظري - تحتاج إلى المزيد من الدراسة والعناية، وفي مقدمتها القواعد والضوابط التي تحكم طريقة القيام بهذا الواجب كما بينها العلماء على ضوء ما جاء في الكتاب والسنة. لأن كثيراً ممن يريد القيام بهذا العمل لا يفقه أيسر الأسس التي يقوم عليها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فتجد بعضا من الدعاة يأمر وينهى بغير علم، ويفتي بدون دليل، وبعضا منهم يدعو إلى الفضائل والأخلاق، وهو يرى الشرك متأصلا في أفعال الناس وأقوالهم، فلا يحرك لذلك ساكنا، ولا يصحح عقيدتهم، مع أن البدء بإصلاح عقائد الناس هو الأولى والأهم.
وبعضا من الدعاة يريد تغيير المنكر بيده وهو ليس أهلا لذلك. وبعضا لا يتثبت في الأمور، أو يكون قليل الصبر والتحمل، فيستعجل النتائج.
فهؤلاء وأمثالهم -ممن خالف نهج النبي صلى الله عليه وسلم في دعوته وفي أمره ونهيه - يسيئون إلى الإسلام، وإلى الدعوة، وإلى الناس، وإلى أنفسهم أيضا. وبذلك يكون فسادهم أكثر من إصلاحهم.
لذا فقد رغبت في تناول هذا الموضوع تحت مسمى ((قَوَاعِدُ مُهِمَّةٍ فَي الأمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهِيْ عَنِ المُنْكَرِ عَلى ضَوءِ الكِتَابِ والسُّنَةِ)) ، وإن كنت قصير الباع، قليل البضاعة في هذا الشأن، وإنما قصدت المشاركة، ولفت انتباه الدعاة إلى الله إلى العناية بهذا الأمر، والاهتمام به.