الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المرتبة الأولى: الإنكار باليد وشروطه:
وهي أقوى مراتب الإنكار وأعلاها، وذلك كإراقة الخمر، وكسر الأصنام المعبودة من دون الله، ومنع من أراد الشر بالناس وظلمهم من تنفيذ مراده، وكإلزام الناس بالصلاة، وبحكم الله الواجب اتباعه ونحو ذلك.
وذلك لمن كان له ولاية على مرتكب المنكر كالسلطان أو من ينيبه عنه كوالي الحسبة وموظفيه كل بحسب اختصاصه وكذا المسلم مع أهله وولده، يلزمهم بأمر الله، ويمنعهم مما حرم الله، باليد إذا لم ينفع فيهم الكلام يقوم بهذا حسب الوسع والطاقة (1) .
وقد جاء في القرآن الكريم عن إبراهيم عليه السلام: {وَتَاللَّهِ لَأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ بَعْدَ أَنْ تُوَلُّوا مُدْبِرِينَ} . {فَجَعَلَهُمْ جُذَاذًا إِلَّا كَبِيرًا لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ} (2) فإبراهيم عليه السلام كسر الأصنام بيده.
وقال تعالى: {وَانْظُرْ إِلَى إِلَهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عَاكِفًا لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفًا} (3) ، فأخبر-سبحانه - عن كليمه موسى عليه السلام أنه أحرق العجل الذي عبد من دون الله ونسفه في اليم.
(1) انظر مجموع الفتاوى، 15 / 329، والكنز الأكبر، ص 245، وطبقات الحنابلة، 2 / 280، والآداب الشرعية، 1 / 185 ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لسماحة الشيخ عبد العزيز بن باز رحمه الله، ص 16-17 وتذكرة أولي الغير بشعيرة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لعبد الله القصير، ص45.
(2)
سورة الأنبياء، الآيتان 57 -58.
(3)
سورة طه، الآية 97.
وقد ورد عن عبد الله بن مسعود رضي الله عنه قال: «دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة وحول البيت ستون وثلاثمائة نصب فجعل يطعنها بعود في يده، ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا} » . (1)(2)
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم «والذي نفسي بيده ليوشكن أن ينزل فيكم ابن مريم حكما مقسطا فيكسر الصليب، ويقتل الخنزير، ويفيض المال حتى لا يقبله أحد» (3) .
وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال: ((كنت أسقي أبا عبيدة وأبا طلحة وأبي بن كعب من فضيخ زهو وتمر (4) فجاءهم آت فقال: إن الخمر قد حرمت، فقال أبو طلحة: قم يا أنس فأهرقها فهرقتها)) (5) .
وعن ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي-صلى اله عليه وسلم- «أنه نزع خاتم ذهب من يد رجل آخر» (6) .
وفي الصحيح عن أبي بشير الأنصاري رضي الله عنه أنه كان مع النبي صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره، «فأرسل رسولا أن لا يبقينَّ في رقبة بعير قلادة من وتر أو قلادة إلا قُطعت» (7) .
وعن عائشة رضي الله عنها «أن النبي- صلى الله عليه وسلم لم يكن يترك في بيته شيئا فيه تصاليب إلا نقضه» (8) .
(1) سورة الإسراء، الآية 81.ولفظ الآية وقل جاء الحق.. الآية.
(2)
صحيح البخاري مع الفتح، 8 / 400، كتاب التفسير، باب وقل جاء الحق وزهق الباطل، رقم 4720
(3)
صحيح البخاري مع الفتح، 4 / 414، كتاب الأدب، باب قتل الخنزير، رقم 2222.
(4)
الفضيخ اسم للبسر إذا شدخ ونبذ، وأما الزهو فهو البسر الذي يحمر أو يصفر قبل أن يترطب، وقد يطلق الفضيخ على خليط البسر والرطب، وكما يطلق على البسر وحده، انظر فتح الباري، 10 / 38.
(5)
صحيح البخاري مع الفتح، 10 / 36-37، كتاب الأشربة، باب تحريم الخمر وهي من البسر والتمر، رقم 5582.
(6)
صحيح مسلم، 3 / 1655، كتاب اللباس والزينة، باب تحريم خاتم الذهب على الرجال.. رقم 2090.
(7)
صحيح البخاري مع الفتح، 6 / 141، كتاب الجهاد، باب ما قيل في الجرس ونحوه.. رقم 3005، ومسلم 3 / 1672، كتاب اللباس، باب كراهة قلادة الوتر في رقبة البعير، رقم 2115.
(8)
صحيح البخاري مع الفتح، 10 / 385، كتاب اللباس، باب نقض الصور، رقم 5952.
وعنها رضي الله عنها «أنها كانت قد اتخذت على سهوة (1) لها سترا فيه تماثيل فهتكه (2) النبي- صلى الله عليه وسلم فاتخذت منه نمرقتين، فكانتا في البيت يجلس عليهما» (3) .
فهذه بعض الأدلة ونظيرها كثير تدل على تغيير المنكر باليد، بالقول والفعل من الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام - رضوان الله عليهم- ومن الأنبياء عليهم الصلاة والسلام.
ولكن التغيير للمنكر باليد لا يصلح لكل أحد وفي كل منكر، لأن ذلك يجر من المفاسد والإضرار الشئ الكثير، وإنما يكون ذلك لولي الأمر أو من ينيبه، مثل رجال الهيئات والحسبة، الذين نصبهم ولي الأمر للقيام بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكالرجل في بيته يغير على أولاده، وعلى زوجته وعلى خدمه، فهؤلاء يغيرون بأيديهم بالطريقة الحكيمة المشروعة (4) .
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله (وليس لأحد أن يزيل المنكر بما هو أنكر منه، مثل أن يقوم واحد من الناس يريد أن يقطع يد السارق ويجلد الشارب، ويقيم الحدود، لأنه لو فعل ذلك لأفضى إلى الهرج والفساد، لأن كل واحد يضرب غيره ويدعي أنه استحق ذلك، فهذا ينبغي أن يقتصر فيه على ولي الأمر)(5) .
(1) السهوة: صفة، وقيل خزانة، وقيل رف، وقيل طاق يوضع فيه الشيء. انظر فتح الباري، لابن حجر، 5
(2)
هتكه: أي شقه، والذي يظهر أنه نزعه ثم هي بعد ذلك قطعته،. انظر المرجع السابق، ونفس الصفحة.
(3)
صحيح البخاري مع الفتح، 5 / 122، كتاب المظالم، باب هل تكسر الدنانات التي فيها خمر
…
، رقم 2479 وأحمد في المسند 6 / 36، 85، 86، 103، 199، 208.
(4)
انظر مراجعات في فقه الواقع السياسي والفكري على ضوء الكتاب والسنة، ص 29، 53.
(5)
مختصر الفتاوى المصرية، ص580.