الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
4)
أن يكون الإنكار في الأمور التي لا خلاف فيها
.
من الأمور اللازمة لنجاح الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتسع صدره لقبول الخلاف فيما يسوغ فيه الخلاف. وهناك مسائل فرعية ليست من الأصول يختلف فيها الناس كثيرا، وتتباين أقوالهم فيها، وهي في الحقيقة مما يجوز فيه الخلاف، فمثل هذه المسائل لا يكفر من خالف فيها، ولا يُنكر عليه، لأنها مما وسع الله فيها على عباده، قال تعالى {وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ} {إِلَّا مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (1)
يذكر الإمام الغزالى رحمه الله من شروط الحسبة (أن يكون كونه منكرًا معلوما بغير اجتهاد، فكل ما هو محل الاجتهاد فلا حسبة فيه)(2) .
وروى أبو نعيم بسنده عن الإمام سفيان الثوري رحمه الله قوله: (إذا رأيت الرجل يعمل العمل الذي اختلف فيه وأنت ترى غيره فلا تنهه)(3) .
ويستثني القاضي أبو يعلى من ذلك إذا كان الخلاف ضعيفاً في مسألة من المسائل، وقد يؤدي عدم الإنكار إلى محظور متفق عليه، إذ يقول:(ما ضُعف الخلاف فيه، وكان ذريعة إلى محظور متفق عليه كربا النقد.. فيدخل في إنكار المحتسب بحكم ولايته)(4) .
(1) سورة هود، الآيتان 118-119.
(2)
إحياء علوم الدين، 2 / 286، وانظر مختصر منهاج القاصدين، لابن قدامة، ص 128.
(3)
الأحكام السلطانية، لأبي يعلى الحنبلي، ص 297.
(4)
الآداب الشرعية، 1 / 190.
وقال النووي في الروضة: (ثم إن العلماء إنما ينكرون ما أجمع على إنكاره، أما المختلف فيه فلا إنكار فيه، لأن كل مجتهد مصيب، أو المصيب واحد ولا نعلمه، ولم يزل الخلاف بين الصحابة والتابعين في الفروع ولا ينكر أحد على غيره وإنما ينكرون ما خالف نصا أو إجماعا أو قياسا جليا)(1) .
وبهذا يتبين لنا أن الخلاف على نوعين: إما أن يكون سائغا، وإما أن يكون غير سائغ، فالخلاف السائغ يمنع من الاحتساب على رأي بعض العلماء، وأما الخلاف غير السائغ، أو الشاذ، كمن يخالف ما جاء في كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، أو ما أجمعت عليه الأمة، أو ما عُلم من الدين بالضرورة، فهذا خلاف لا يُعتد به ولا يلتفت إليه لعدم قيامه على الدليل، ويُنكر على من أتى به.
فالإنكار إنما يكون فيما يكون فيه الحق واضحا، والأدلة بينة من الكتاب والسنة والإجماع، أما إذا خلت المسألة من ذلك، فإنه ليس للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر الإنكار في المسائل المختلف فيها، كما أنه لا التفات إلى الخلاف الشاذ.
وأن الواجب في الأمور الاجتهادية لزوم البيان والمناصحة، من قبل من تبين له وجه الحق في شئ من تلك المسائل.
(1) روضة الطالبين، 10 / 219-220، ط 3، 1412 هـ - 1991 م، المكتب الإسلامي.