الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثالث: الإذن النبوي الخاص لبعض أفراد الصحابة بالكتابة ورد الشبه عنه
وبجانب ما أفادته الأحاديث السابقة من إذنه صلى الله عليه وسلم العام في كتابة الصحابة الحديث عنه، فقد جاءت أحاديث أخرى بإذنه بالكتابة لأسباب ودواع خاصة: فمن ذلك: أنه في عام الفتح لما قتل رجل من خزاعة رجلاً من بني ليث، ركب صلى الله عليه وسلم راحلته ليخطب الناس، فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:"إن الله حبس عن مكة الفيل، وسلط عليها رسوله والمؤمنين"
…
الحديث في حرمة مكة وحُكْم مَنْ يقتل فيها، فقام أبو شاه -رجل من أهل اليمن- قال اكتبوا لي يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"اكتبوا لأبي شاه" قال الوليد ابن مسلم- راوي الحديث عن الأوزاعي - قلت للأوزاعي: ما قوله: اكتبوا لي يا رسول الله؟ قال: هذه الخطبة التي سمعها من رسول الله صلى الله عليه وسلم (1) وفي رواية للبخاري أيضا إن الرجل قال: اكتب لي يا رسول الله. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اكتبوا لأبي شاه"(2) .
وتحديد زمن الحديث بأنه عام الفتح صريح في صحة تأخر الإذن بالكتابة؛ لأن الفتح كان في أواخر حياته صلى الله عليه وسلم كما هو معلوم.
ولفظ الحديث كما ترى بصيغة الأمر بالكتابة، وتنفيذ الصحابة لذلك،
(1) البخاري مع الفتح حديث (112، 2434) .
(2)
البخاري مع الفتح الحديث ذكر في مواضع منها (6880) ومسلم (1355) ، وأحمد في المسند (2/238 ح 7242) .
فعلاً، يفيد الحمل على الوجوب فتكون دلالته على الإذن من باب أولى.
وقد علق عبد الله بن أحمد رضي الله عنه على رواية الحديث في المسند بقوله: " ليس يُروى في كتابة الحديث شيء أصح من هذا الحديث؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم فقال: "اكتبوا لأبي شاه" ما سمع النبي صلى الله عليه وسلم، خطبته"(1) .
ويلاحظ أن هذا الإذن بمناسبته المذكورة، ولسائل معين، ومع ذلك قرر عبد الله بن أحمد أنه أصح ما يروى في كتابة الحديث مطلقا دون تقييد.
وهناك ما ذُكر أن سبب الإذن في كتابته كان خشية النسيان أو عدم فهم المعنى المراد حال السماع، فقد أخرج الإمام أحمد وغيره من طرق عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده - يعني عبد الله بن عمرو بن العاص
رضي الله عنهما قال: قلتُ يا رسول الله، إنا نسمع منك أحاديث لا نحفظها أفلا نكتبها؟
قال: بلى فاكتبوها (2) .
وفي لفظ "أن عبد الله بن عمرو قال: إني أسمع منك أشياء أحب أن أعيها، فأستعين بيدي مع قلبي؟ قال: نعم (3) وفي لفظ أن عبد الله بن عمرو قال: إني أسمع منك أشياء أخاف أن أنساها، فتأذن لي أن أكتبها؟ قال:
(1) المسند للإمام أحمد (2/ 238) .
(2)
أخرجه الإمام أحمد في مسنده (2/ 215/ ح7018) وبنحوه من طريق عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده، وطريق من تابعه ينظر المسند (2/ 262ح 6510، 192ح 6820و 207ح 6930 و215، ح7018 و7020) والمستدرك للحاكم (1/ 104، 105) وتقييد العلم للخطيب (74- 82) .
(3)
تقييد العلم للخطيب (81) .
اكتبها (1) وفي رواية زيادة أن ذلك كان أول ما كتب عبد الله بن عمرو (2) ،وما في بعض طرقه من ضعف ينجبر بطرقه الأخرى، فيرتقي إلى الصحيح لغيره، وبه يندفع تضعيف الشيخ رشيد رضا رحمه الله للحديث من طريق عمرو بن شعيب وحدها دون البحث أو النظر فيما يعضدها (3) .
وأخرج الترمذي من حديث أبي هريرة رضي الله عنه قال: كان رجل من الأنصار يجلس إلى النبي صلى الله عليه وسلم فيسمع منه الحديث فيعجبه فشكا ذلك إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله: إني أسمع منك الحديث فيعجبني ولا أحفظه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"استعن بيمينك" وأومأ بيده للخط.
وقد ضعف الترمذي الحديث بإسناده الذي أخرجه به، ولكن أشار إلى أن ضعفه ينجبر بما يشهد له من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما فقال: وفي الباب عن عبد الله بن عمرو (4) وهو حديث صحيح كما تقدم.
(1) المصدر نفسه (76) ، (81- 82) .
(2)
ينظر تقييد العلم للخطيب (81) .
(3)
ينظر المنار (10/ 765- 766) وحاشية (152)(ص75) من تقييد العلم للخطيب بتحقيق يوسف العش.
(4)
جامع الترمذي (كتاب العلم/حديث 2666) .