الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الأطول: المراد الاستحضار لا الملكة المطلقة، وعدم حصول العلم المدوّن لأحد وهو يتزايد يوما فيوما ليس بممتنع ولا بمستبعد، فإنّ استحالة معرفة الجميع لا ينافي كون العلم سببا لها، وتسمية البعض فقيها أو نحويا أو حكيما كناية عن علوّ شأنه في العلم بحيث كأنه حصل له الكلّ، وبالجملة فملكة الاستحصال ليست علما وإنما الكلام في أن ملكة استحضار أكثر المسائل مع ملكة استحصال الباقي هل هو العلم أم لا؟ فمن أراد أن يكون إطلاق الفقيه على الأئمة حقيقة مع عجزهم عن جواب بعض الفتاوى التزم ذلك، وأمّا على ما سلكنا من أنّ الإطلاق مجازي فلا يلزمه.
التقسيم
اعلم أن هاهنا، أي في مقام تقسيم العلوم المدوّنة التي هي إمّا المسائل أو التصديق بها، تقسيمات على ما في بعض حواشي شرح المطالع «1» . وقال السيّد السّند إن [العلم]«2» بمعنى ملكة الإدراك يتناول العلوم النظرية.
الأول: العلوم إمّا نظرية أي غير متعلّقة بكيفية عمل، وإمّا عمليّة أي متعلّقة بها. فالمنطق والحكمة العملية والطب العملي وعلم الخياطة كلّها داخلة في العملي لأنها بأسرها متعلّقة بكيفية عمل: إمّا ذهني كالمنطق أو خارجي كالطّب مثلا؛ توضيحه أن العملي والنظري يستعملان لمعان: أحدها في تقسيم العلوم مطلقا كما عرفت. وثانيها في تقسيم الحكمة، فإن العملي هناك علم بما يكون وجوده بقدرتنا واختيارنا، والنظري علم بما لا يكون وجوده بقدرتنا واختيارنا. وثالثها ما ذكر في تقسيم الصناعات من أنها [إمّا]«3» عملية أي يتوقّف حصولها على ممارسة العمل أو نظرية [أي]«4» لا يتوقف حصولها عليها، وعلى هذا فعلم الفقه والنحو والمنطق والحكمة العملية والطبّ العملي خارجة عن العملي إذ لا حاجة في حصولها إلى مزاولة الأعمال، بخلاف علوم الخياطة والحياكة والحجامة لتوقفها على الممارسة والمزاولة. والعملي بالمعنى الأول أعم من العملي المذكور في تقسيم الحكمة، لأنه يتناول ما يتعلّق بكيفية عمل ذهني كالمنطق ولا يتناوله العملي المذكور في تقسيم الحكمة لأنه هو الباحث عن أحوال ما لاختيارنا مدخل في وجوده مطلقا، أو الخارجي.
وموضوع المنطق معقولات ثانية لا يحاذى بها أمر في الخارج، ووجودها الذهني لا يكون مقدورا لنا فلا يكون داخلا في العملي بهذا المعنى.
وأما العملي المذكور في تقسيم الصناعات فهو أخصّ من العملي بكلا المعنيين لأنه قسم من الصناعة المفسرة بعلم متعلّق بكيفية العمل سواء حصل بمزاولة العمل أولا، فالعملي بالمعنى الأول نفس الصناعة، وبالمعنى الثاني أخصّ من الأول لكنه أعمّ من هذا المعنى الثالث لعدم المزاولة ثمة بخلافها هاهنا.
(1) شرح المطالع أو لوامع الأسرار شرح مطالع الأنوار لقطب الدين محمد بن محمد الرازي (- 766 هـ)، طهران 1314. معجم المطبوعات العربية، 919 - 920.
(2)
العلم (+ م، ع).
(3)
إمّا (+ م، ع).
(4)
أي (+ م، ع).
الثاني: العلوم إمّا آلية أو غير آلية، لأنها إمّا أن لا تكون في أنفسها آلة لتحصيل شيء آخر بل كانت مقصودة بذواتها، أو تكون آلة له غير مقصودة في أنفسها، الثانية تسمّى آلية والأولى تسمّى غير آلية.
ثم إنه ليس المراد بكون العلم في نفسه آلية أنّ الآليّة ذاتية لأنّ الآليّة للشيء تعرض له بالقياس إلى غيره، وما هو كذلك ليس ذاتيا بل المراد أنه في حدّ ذاته بحيث إذا قيس إلى ما هو آلة يعرض له الآلية ولا يحتاج في عروضها له إلى غيره، كما أنّ الإمكان الذاتي لا يعرض للشيء إلّا بالقياس إلى وجوده؛ والتسمية بالآلية بناء على اشتمالها على الآلة فإنّ العلم الآلي مسائل كلّ منها ممّا يتوسّل به إلى ما هو آلة له، وهو الأظهر إذ لا يتوسل بجميع علم إلى علم.
ثمّ اعلم أنّ مؤدى التقسيمين واحد إذ التقسيمان متلازمان؛ فإنّ ما يكون في حد ذاته آلة لتحصيل غيره لا بدّ أن يكون متعلّقا بكيفية تحصيله فهو متعلّق بكيفية عمل، وما يتعلّق بكيفية عمل لا بدّ أن يكون في نفسه آلة لتحصيل غيره، فقد رجع معنى الآلي إلى معنى العملي، وكذا ما لا يكون آلة له كذلك لم يكن متعلّقا بكيفية عمل، وما لم يتعلّق بكيفية عمل لم يكن في نفسه آلة لغيره، فقد رجع معنى النظري وغير الآلي إلى شيء واحد.
ثم اعلم أنّ غاية العلوم الآلية أي العلّة الغائية لها حصول غيرها، وذلك لأنها متعلّقة بكيفية العمل ومبيّنة لها، فالمقصود منها حصول العمل سواء كان ذلك العمل مقصودا بالذات أو مقصودا لأمر آخر يكون هو غاية أخيرة لتلك العلوم، وغاية العلوم الغير الآلية حصولها أنفسها وذلك لأنها في حدّ أنفسها مقصودة بذواتها وإن أمكن أن يترتّب عليها منافع أخرى، فإنّ إمكان الترتّب الاتفاقي بل وقوعه لا ينافي كون المرتّب عليه مقصودا بالذات إنّما المنافي له قصد الترتّب. والحاصل أنّ المراد بالغاية هي الغاية الذاتية التي قصدها المخترع الواضع لا الغاية التي كانت حاملة للشارع على الشروع، فإنّ الباعث للشارع في الشروع في العلوم الآلية يجوز أن يكون حصولها أنفسها، وفي العلوم الغير الآلية يجوز أن يكون زائدا على أنفسها.
فإن قيل: غاية الشيء علّة له ولا يتصوّر كون الشيء علّة لنفسه، فكيف يتصوّر كون غاية العلوم الغير الآلية حصولها أنفسها؟ قيل: الغاية تستعمل على وجهين: أحدهما أن تكون مضافة إلى الفعل وهو الأكثر، يقال غاية هذا الفعل كذا، وحينئذ تكون الغاية مترتّبة على نفس ذي الغاية وتكون علّة لها. الثاني أن تكون مضافة إلى المفعول، يقال غاية ما فعل كذا، وحينئذ تكون الغاية مترتّبة على فعله وعلّة له لا لذي الغاية، أعني ما أضيف إليه الغاية؛ والغاية فيما نحن فيه من القسم الثاني لأن المضاف إليه للغاية هاهنا المفعول وهو المحصل، أعني العلوم دون الفعل الذي هو التحصيل، فالمراد بغايتها ما يترتّب على تحصيلها ويكون علّة له لا لها، هذا كله خلاصة ما في شرح المطالع وحواشيه. الثالث إلى عربية وغير عربية. الرابع إلى شرعية وغير شرعية. الخامس إلى حقيقية وغير حقيقية. السادس إلى عقلية ونقلية، فالعقلية ما لا يحتاج فيه إلى النقل والنقلية بخلاف ذلك. السابع إلى العلوم الجزئية وغير الجزئية، فالعلوم التي موضوعاتها أخصّ من موضوع علم آخر تسمّى علوما جزئية كعلم الطب فإن موضوعه وهو الإنسان أخصّ من موضوع الطّبعي، والتي موضوعاتها أعمّ يسمّى بالعلم الأقدم لأن الأعمّ أقدم للعقل من الأخصّ، فإن إدراك الأعم قبل إدراك الأخصّ كذا في بحر الجواهر.