المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌بناء الكتاب وترتيب مباحثه - أحكام أهل الذمة - ط عطاءات العلم - المقدمة

[ابن القيم]

الفصل: ‌بناء الكتاب وترتيب مباحثه

‌بناء الكتاب وترتيب مباحثه

هذا الكتاب عبارة عن جواب لسؤال وُجِّه إلى العلامة ابن القيم عن كيفية الجزية وسبب وضعها ومقدارها، فأطال في الجواب واستوفى الكلام على أحكام الجزية، ثم استطرد فذكر أحكام أهل الذمة في أموالهم، ومعاملتهم عند اللقاء، وعيادتهم وشهود جنائزهم وتعزيتهم وتهنئتهم، والمنع من استعمالهم في شيء من ولايات المسلمين وأمورهم، وأحكام ذبائحهم، ومعاملاتهم في البيع والشراء، وأحكام أوقافهم ووقف المسلم عليهم، وأحكام نكاحهم ومناكحاتهم، وأحكام مهورهم، وضابط ما يصح من أنكحتهم وما لا يصحّ، وولايتهم في النكاح، وأحكام نكاح نساء أهل الكتاب والسامرة والمجوس، وأحكام مواريثهم وهل يجري التوارث بينهم وبين المسلمين وبيان الخلاف في ذلك، وأحكام أطفالهم في الدنيا وفي الآخرة.

وختم الكتاب بذكر الشروط العمرية وأحكامها وموجباتها، كما أشار إليها في أول الكتاب بقوله:«وسنذكر إن شاء الله في آخر الجواب الشروطَ العمرية وشرحها» (1/ 36). وقسَّم الشروط إلى ستة فصول كبيرة أو أبواب:

الأول: في أحكام البِيَع والكنائس، وفي أثنائها بيان حكم الأمصار التي وُجدت فيها هذه المعابد، وما يجوز إبقاؤه منها وما يجب إزالته ومحو رَسْمه.

الثاني: فيما يتعلق بإظهار المنكر من أقوالهم وأفعالهم مما نُهوا عنه.

ص: 27

الثالث: فيما يتعلق بتغيير لباسهم وتمييزهم عن المسلمين في المركب واللباس ونحوه.

الرابع: في أمر معاملتهم للمسلمين بالشركة ونحوها.

الخامس: في أحكام ضيافتهم للمارَّة بهم وما يتعلق بذلك.

السادس: فيما يتعلق بضرر المسلمين والإسلام، وبيان ما ينقض العهد وما لا ينقضه، وذكر مذاهب العلماء في ذلك (2/ 278).

ثم توسَّع في الكلام على وجوب قتل سابِّ النبي صلى الله عليه وسلم وانتقاض عهده، وذكر الأدلة على ذلك من القرآن ثم من السنة، وفي أثناء الدليل الرابع من السنة ينتهي المجلد الأول من الكتاب والذي وصلت إلينا نسخته الفريدة. والظاهر أن المجلد الثاني كان يحتوي على بقية الأدلة من السنة على قتل سابّ الرسول، وأدلة الإجماع والقياس على هذه المسألة، ومسائل أخرى مهمة متعلقة بسبّ الرسول، وكان اعتماد المؤلف في بيان ذلك على كتاب شيخه «الصارم المسلول على شاتم الرسول» ، ويمكن الرجوع إليه لتمام الكلام.

وقد أشار المؤلف إلى ثلاث مسائل يذكرها في آخر الكتاب فقال (2/ 439): «واختلف العلماء فيما ينتقض به العهد وما لا ينتقض، وفي هذه الشروط هل يجري حكمها عليهم وإن لم يشترطها إمام الوقت اكتفاءً بشرط عمر رضي الله عنه، أو لا بدّ من اشتراط الإمام لها في حكمهم إذا انتقض عهدهم. فهذه ثلاث مسائل» . ثم بدأ الكلام في المسألة الأولى فيما ينقض العهد وما

ص: 28

لا ينقضه، وفي أثنائها انتهى المجلد الأول، وبقي الكلام على المسألتين، وهما في الحقيقة مسألة واحدة ذات شقين، وتكلم عليهما شيخ الإسلام في «الصارم المسلول» باختصار، ولم يتوسَّع في ذلك توسُّعَه في المسألة الأولى. فلعلَّ المؤلف أطال الكلام عليهما وزاد على ما كتبه شيخه، وشرحَه بذكر الأمثلة والوجوه، كما هو منهجه في الاستفادة من كُتب الشيخ، فهو يميل إلى التهذيب والاختصار أحيانًا، ويجنح إلى الشرح والبيان والتفصيل أحيانًا أخرى. وبهذا تمَّ هذا الكتاب في مجلدين كما ذكر الناسخ في آخر النسخة.

وكان الدكتور صبحي الصالح ــ رحمه الله ــ يظنّ أنّ القسم المفقود من «أحكام أهل الذمة» قليل، ويستبعد ما كتبه الناسخ في آخر النسخة من وجود مجلد ثانٍ للكتاب، ويقول: إن ما فقدناه من الأصل لم يكن إلّا تلخيصًا للأدلة الأحد عشر الباقية من السنة التي احتج بها شيخ الإسلام في «الصارم» على قتل الساب، واختصارًا لرأيه هو أيضًا في المسألتين التاليتين المتعلقتين باشتراط إمام الوقت لهذه الشروط وعدم اشتراطها. وإذا كان عرض هذه المسألة مفصَّلةً في «الصارم» لم يستغرق إلّا نحو مئة صفحة، فمن المنطقي أن يجيء في «الأحكام» أقلّ من النصف بعد تلخيصها قياسًا على ما نقله ابن القيم من أقوال شيخه. فكيف يكون ذكر هذه الأدلة ــ رغم تلخيصها ــ مُحوِجًا إلى مجلدٍ ثان كما يذكر الناسخ صراحة؟

ويُرجّح الدكتور أنه قد اشتبه الأمر على الناسخ، إذ كان ــ والله أعلم ــ ينقل من كتاب «مجموع» يشتمل على تتمة أقوال ابن القيم في هذا الصدد، وعلى فتاوٍ أخرى قد تكون له أو لسواه في موضوعات مشابهة لأحكام أهل

ص: 29

الذمة أو مقاربة، أو في مسائل من الفقه الحنبلي على الأقلّ، فوهم الناسخ واعتبر هذا المجموع كله تتمة لكتاب ابن القيم «أحكام أهل الذمة» . انظر طبعة الدكتور (ص 657، 871 - 872، 890 - 891، ومقدمة التحقيق 58 - 61).

أقول: كتاب «الصارم المسلول» يحتوي على أربع مسائل:

الأولى: أن السابّ يُقتل، سواء كان مسلمًا أو كافرًا.

الثانية: أنه يتعين قتله، ولا يجوز استرقاقه ولا المنّ عليه ولا فداؤه.

الثالثة: في حكمه إذا تاب.

الرابعة: في بيان السبّ وما ليس بسبٍّ.

والكتاب في 600 صفحة من الطبعة القديمة، و 1113 صفحة في الطبعة الجديدة المحققة، وجميع هذه المسائل متعلقة بأحكام السب الذي ينتقض به عهد الذمة، ولا نتصور أن ابن القيم عندما يتكلَّم في هذا الباب يقتصر على المسألة الأولى منها فقط ويترك المسائل الثلاث الأخرى التي لها ارتباط وثيق بما يَنقُض عهدَ الذمة. وأخطأ الدكتور عندما ظنَّ أن ابن القيم اقتصر على المسألة الأولى، بل ظنَّ أنه اقتصر منها على ذكر أدلة السنة على وجوب قتل السابّ، وأنَّ بها يتم الكلام على المسألة، فألحقَ بالكتاب تلخيصَ بقية أدلة السنة في صفحات معدودة (ص 877 - 890). وفاتَه أن شيخ الإسلام في «الصارم» استدل على هذه المسألة بإجماع الصحابة وبالقياس أيضًا في صفحات كثيرة (ص 378 - 464). ثم تكلم على المسائل الثلاث الأخرى

ص: 30

في الثلثين الباقيين من الكتاب (ص 465 - 1113). فكيف يُتصَّور أن ابن القيم عندما يؤلف في هذا الباب يترك هذه المسائل المهمة ولا يشير إليها أدنى إشارة؟ أو يكون كتاب شيخه بين يديه ولا يستفيد منه؟ بل أرى أنه إلى جانب نقله واقتباسه من «الصارم» زاد عليه من كتب ومصادر أخرى زيادات بيِّنة، وتوسَّع في بعض المواضع فأطال الكلام فيها عندما وجد شيخه اختصر. وهذا منهج معروف لابن القيم، نجده يختصر أحيانًا من كلام شيخه، ويزيد عليه أحيانًا كثيرة فوائد ونقولًا وتعليقات. والكتاب الذي بين أيدينا خير شاهدٍ على ذلك، فقد نقل من مؤلفات شيخه (مثل:«اقتضاء الصراط المستقيم» ، و «درء تعارض العقل والنقل» ، و «الصارم المسلول» ، وغيرها من رسائله وفتاواه)، ويزيد عليها ويستدرك ويأتي بفوائد ونقول، ويُعلّق عليها من كلامه وبناتِ فكره.

وخلاصة القول أن ما توهَّمه الدكتور ظنٌّ بعيد عن الصواب، واتّهامه للناسخ بأن الأمر اشتبه عليه فظنَّ أن للكتاب مجلدًا ثانيًا= بعيد عن الواقع. وقد صرَّح ابن رجب في «المنتقى» من معجم شيوخ أبيه (ص 101) بأن الكتاب مجلدان، وهذا مما يؤكّد صحة قول الناسخ. وعلينا أن نبحث عن بقية الكتاب في مكتبات المخطوطات في العالم ضمن المخطوطات المجهولة العنوان والمؤلف، وخاصةً تلك التي تتعلق بالفقه وأحكام أهل الذمة. ولعلّ الله يُحدث بعد ذلك أمرًا.

* * * * *

ص: 31