الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أثره في الكتب اللاحقة
من أوائل مَن نقل عن «أحكام أهل الذمة» واعتمد عليه اعتمادًا كاملًا دون أن يذكر المصدر: شمس الدين محمد بن علي الشهير بابن النقّاش (ت 763) في كتابه «المذمة في استعمال أهل الذمة» الذي ألَّفه سنة 759. فقد بدأ كتابه بسرد الآيات الدالة على عدم موالاة اليهود والنصارى والكفار (ص 257 - 265) [ط. دار الكتب العلمية 1422] بنفس السياق والترتيب الذي يُوجد عند ابن القيم في هذا الكتاب (1/ 336 - 340) مما يدلُّ على أن ابن النقاش نقلها عنه. وممّا يؤكّد ذلك أن ابن القيم قدَّم لبعض الآيات بكلامٍ من عنده، فنقله ابن النقّاش كما هو بدون تصرُّف، والفصل الذي يلي الآيات منقول عنه أيضًا برمَّته.
وكذلك الأحاديث والآثار الدالة على منع استعمال اليهود والنصارى في شيء من ولايات المسلمين وأمورهم منقولة مع شرحها كما هي عند ابن القيم، قارن «المذمة» (ص 268 - 273) بـ «أحكام أهل الذمة» (1/ 299 - 304). ووهم في عزو بعض النصوص إلى المصادر، ومن أمثلة ذلك أنه قال: «وفي مسند أحمد عن عياض الأشعري عن أبي موسى
…
» (ص 270)، وعند ابن القيم (1/ 302): «وقال عبد الله بن أحمد حدثنا أبي
…
». ولا يوجد الحديث في «مسند أحمد» وزيادات عبد الله، وإنما نقله ابن القيم عن «الجامع» للخلال (1/ 197).
ونقل ابن النقاش فصولًا طويلة في معاملة الخلفاء والأمراء مع أهل
الذمة وعدم استعمالهم في شؤون المسلمين (ص 274 - 319)، وهي منقولة بحذافيرها من كتاب ابن القيم (1/ 305 - 333، 340 - 343). ولم يزد عليه شيئًا إلّا بعض الأحداث التي كانت في القرن الثامن («المذمة» ص 319 - 325)، ولعلها منقولة من بعض التواريخ، وبه ينتهي الكتاب.
وعلى هذا فكتاب «المذمة» لابن النقاش مبني على كتاب «أحكام أهل الذمة» لابن القيم، ولم يُشر المؤلف أدنى إشارة إلى مصدره الذي كان أمامه ونقل عنه ما أراد! ولم يزد عليه شيئًا ذا بال.
وإذا تجاوزنا كتاب «المذمة» نجد في كتب الفقه الحنبلي نقولًا من كتاب «أحكام أهل الذمة» ، وهذه بعض النصوص المنقولة عنه:
1 -
في «تحفة الراكع والساجد» للجراعي (ت 883)(ص 195، 196): «قال ابن القيم: وقد أدخل بعض أصحاب الشافعي اليمن في جزيرة العرب
…
فهذا القول غلط محض» قرابة عشرة أسطر. وهذا النقل من «أحكام أهل الذمة» (1/ 258 - 259)
2 -
في «الإنصاف» للمرداوي (10/ 454): «قال ابن القيم في بدائع الفوائد وأحكام الذمة له: والصواب إثبات الواو [في «وعليكم» إجابةً على سلام أهل الذمة]، وبه جاءت أكثر الروايات، ذكرها الثقات الأثبات». قارن بـ «أحكام أهل الذمة» (1/ 277 - 278).
3 -
وفي «الإنصاف» (27/ 165) أيضًا في مبحث إسلام الطفل من أهل الذمة بموت أبويه أو أحدهما: «وعنه: لا يُحكَم بإسلامه، قال ابن القيم في
أحكام الذمة: وهو قول الجمهور. وربما ادُّعي فيه إجماع متيقن معلوم، واختاره شيخنا تقي الدين». قارن بـ «أحكام أهل الذمة» (2/ 61).
4 -
في «الإقناع» للحجاوي (2/ 50) و «كشاف القناع» (3/ 132): «فقال ابن القيم في كتاب أحكام الذمة له: لا تقرّ، لأن التعلية مفسدة، وقد شككنا في شرط الجواز» . قارن بـ «أحكام أهل الذمة (2/ 329).
5 -
في «كشاف القناع» (4/ 246) و «مطالب أولي النهى» لمصطفى الرحيباني (4/ 283): «قال في أحكام أهل الذمة: وللإمام أن يستولي على كل وقفٍ وُقِف على كنيسة وبيت نار أو بيعة، ويجعلها على جهة قربات» . قارن بـ «أحكام أهل الذمة» (1/ 417).
6 -
في «مطالب أولي النهى» (2/ 614) أيضًا: «لأنها محرمة في نفسها، كبائع نحو الميتة أو الخنزير، فإنه لا يُقضى له بثمنها، لأن نفس هذه العين محرمة. أفاده ابن القيم في أحكام أهل الذمة» . قارن بـ «أحكام أهل الذمة» (1/ 319).
ويبدو أن الكتاب لم تكثر نسخه الخطية، فلم تكن متداولة بين العلماء، ولم ينقل عن الكتاب إلّا بعض المؤلفين، ولكنه كان موجودًا إلى القرن الثالث عشر، فقد نقل عنه مصطفى الرحيباني (ت 1243) وبعض علماء نجد المتأخرين كما سيأتي ذكرهم في وصف النسخة الخطية.
* * * * *