الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الثاني أساليب وقاية القرآن من النسيان
أولا: التكرار والتعاهد المنظم:
وهذا ما لفت إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنظار حملة القرآن حين قال في حديث ابن عمر:"إنما مثل صاحب القرآن كمثل صاحب الإبل المعقلة إن عاهد عليها أمسكها وإن أطلقها ذهبت"1.
وفي رواية أبي موسى: "تعاهدوا القرآن فوالذي نفسي بيده لهو أشد تفصيا من الإبل في عقلها"2.
وفي هذين الحديثين النبويين الشريفين وقع التشبيه بين ثلاثة:
1ـ فحامل القرآن شبه بصاحب الناقة.
1 متفق عليه: البخاري4/1291 فضائل القرآن باب استذكار القرآن وتعاهده عن ابن عمر وأبي موسى الأشعري رضي الله عنهم ومسلم1/543 صلاة المسافرين، باب فضائل القرآن.
2 متفق عليه: البخاري4/1921 "5033" فضائل القرآن، ومسلم1/545 "791"صلاة المسافرين.
2ـ والقرآن بالناقة.
3ـ والحفظ بالربط.
قال ابن حجر: وخص البعير بالذكر لأنها أشد الحيوان نفورا، وفي تحصيلها بعد استكمان نفورها صعوبة..قال: وفي هذه الأحاديث الحث على محافظة القرآن بدوام دراسته وتكرار تلاوته1.
وينبغي أن يوزع وقت التعاهد والتكرار على الليل والنهار لقوله عليه السلام "إذا قام صاحب القرآن فقرأه بالليل والنهار ذكره وإن لم يقرأه نسيه"2.
وأخيرا نورد ما قرره العلم الحديث إذ يقول: إن إعادة حفظ النص بتلاوة متعاقبة يثبت تركيزه فترة أدوم إلى أن تأتي مرحلة لا يكون معها فقدان كبير لما في الذاكرة3.
وفي مجال المرأة..وهي الأكثر عرضة لنسيان القرآن لأنها تترك الصلوات أيام أقرائها وتمنع من مس المصحف وقراءة
1 فتح الباري9/79و 83.
2 رواه مسلم 1/544، صلاة المسافرين باب فضائل القرآن والنسائي في فضائل القرآن، ص 50، الحديث 68.
3 المدخل إلى علم النفس، ص254.
القرآن في تلك الحال، لقوله صلى الله عليه وسلم:"لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن" 1، نجد العلماء قد صرحوا بأنه يجوز للمرأة الجنب والحائض النظر في المصحف وإمراره على القلب2.
قلت: وفي مثل هذه الأحوال يبرز دور الوسائل المسموعة والمرئية ولاشك.
وصفوة القول:
إن القرآن وحفظه ومعاهدته الدائبة ييسره الدافع الإيماني، والتوفيق من عند الله والله يقول:{وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ} 3.
إن حامل القرآن، تتميز حياته
…
فهو يتلوه آناء الليل وآناء النهار في الخلوة والجلوة في الصلوات والفلوات، بل هو كما وصف الله عباده الصالحين:{الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ.} 4.
وأي شيء أفضل من تلاوة القرآن في ذكر الله؟؟
1 رواه الترمذي5/87 في كتاب الطهارة باب ما جاء في الجنب والحائض.
2 الإتقان1/105.
3 سورة القمر، الآية:32.
4 سورة آل عمران، الآية:191.
وثمة مسألتان نحب التعرض لهما في إيجاز:
المسألة الأولى: القراءة في المصحف أفضل أم على ظهر القلب؟ في المسألة رأيان:
الرأي الأول: القراءة من المصحف أفضل لأن النظر فيه عبادة، فتجتمع القراءة والنظر. وكان أكثر الصحابة يقرؤونه في المصحف ويكرهون أن يخرج يوم ولم ينظروا في المصحف، ولكي لا يهجره.
والرأي الثاني: أن القراءة عن ظهر القلب أفضل، وهذا رأي واهن كما يقول الزركشي، لأن المقصود من القراءة التدبر:{لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ} 1.
وكان بعض الصالحين يقرأ حزبه من المصحف نهارا، ثم يقوم به ليلا وهذا حسن، قال ابن حجر: والذي يظهر أن ذلك يختلف باختلاف الأشخاص والأحوال2.
المسألة الثانية:
كم مرة يختم في الشهر؟ وكم يراجع يوميا؟
1 سورة، ص، الآية: 29، وانظر البرهان1/461ـ463.
2 فتح الباري9/78.
الواقع أن الأمر كما قال الإمام الزركشي يختلف باختلاف حال الشخص في النشاط والضعف والتدبر والغفلة1 ولقد كان أبي بن كعب رضي الله عنه يختم القرآن في ثمان2وكان سعيد بن جبير3يختمه في كل ليلتين، وكان أقوياء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، يقرؤون القرآن في سبع وبعضهم في شهر وبعضهم في شهرين وبعضهم في أكثر من ذلك4.
قال أوس سألت أصحاب رسول اله صلى الله عليه وسلم كيف تحزّبون القرآن؟ قالوا: ثلاث، وخمس، وسبع، وتسع، وإحدى عشرة، وثلاثة عشرة، وحزب المفصل وحده"5.
وأكثر ما ورد في كثرة القراءة من كان يختم في اليوم والليلة ثمان ختمات، أربعا في الليل وأربعا في النهار6.
1 البرهان1/471.
2 معرفة القراء الكبار1/33.
3 عده الذهبي في الطبقة الثالثة، معرفة القراء الكبار1/57.
4 الإتقان1/401.
5 رواه أبو داود 2/115، كتاب الصلاة، باب تحزيب القرآن حديث 1393، وابن ماجة 1/427، إقامة الصلاة، باب في كم يستحب أن يختم القرآن، حديث 1345.
6 الإتقان1/401، والبرهان1/470.
بيد أن هناك حديث ابن عمرو الذي يقول فيه: قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اقرأ القرآن في كل شهر، قال قلت: إني أجد قوة، قال: فاقرأه في عشرين ليلة، قال قلت: إني أجد قوة، قال: فاقرأه في سبع ولا تزد على ذلك"1.
وهذا الحديث ورد فيه الحد الأعلى والأدنى على سبيل الإرشاد لا الإيجاب، وهو أمثل الأحوال، لكنه ينبغي مراعاة جانب التدبر والاتعاظ أثناء التلاوة ولهذا ورد في الحديث قول النبي صلى الله عليه وسلم:"لم يفقه من قرأ القرآن في أقل من ثلاث" 2وتقول أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها "لا أعلم نبي الله صلى الله عليه وسلم قرأ القرآن كله في ليلة"3. ولهذا كره بعض الفقهاء ختمه في أكثر من
1 متفق عليه: البخاري4م1927، فضائل القرآن باب في كم يقرأ القرآن ومسلم 2/813 الصيام باب النهي عن صوم الدهر.
2 رواه أبو داود2/116، الصلاة باب تحزيب القرآن عن ابن عمرو رضي الله عنهما والترمذي 4/267، أبواب القراءات وابن ماجة1/428، إقامة الصلاة باب في كم يستحب يختم القرآن، والنسائي في فضائل القرآن، ص 102، الحديث 92.
3 رواه مسلم1/514 صلاة المسافرين باب جامع صلاة الليل، وأبو داود 2/88، الصلاة باب في صلاة الليل، والنسائي3/201، قيام الليل، باب قيام الليل، وابن ماجة1/428، إقامة الصلاة باب في كم يستحب يختم القرآن.
ربعين يوما1حتى لا يعد من الغافلين.
قال الترمذي في نوادر الأصول:
"الأصل الحادي والثمانون والمائة: في قراءة القرآن في أربعين ليلة: عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره أن يقرأ القرآن في أربعين ليلة فاستزاده حتى رجع إلى سبع، فالأربعون مدة الضعفاء وأولي الأشغال، ويكون ختمه في السنة تسع مرات، ومدة الأربعين مرددة في الأشياء كثيرة وأما توقيت السبع فإنه للأقوياء الذين يقوون على سهر الليالي واحترفوا العبادة وتفرغوا من أشغال النفس والدنيا. قال رجل: يا رسول الله من قرأ القرآن في سبع: قال: "ذاك عمل المقربين"، قالوا يا رسول الله فمن قرأ في خمس، قال: "ذاك عمل الصديقين" قالوا: يا رسول الله فمن قرأه في ثلاث قال صلى الله عليه وسلم: "ذلك عمل النبيين وذلك الجهد لا أراكم تطيقونه إلا أن تصبروا على مكابدة الليل أو يبدأ أحدكم السورة وهمه في آخرها" قالوا يا رسول الله وفي أقل من ثلاث قال: "لا من وجد منكم نشاطا فليجعله في حسن تلاوتها" أراد صلى الله عليه وسلم المداومة عليه وإن يصيرها عادة ولو قرأ في يوم وليلة لكان عظيم القدر، وكان عثمان
1 منتهى الإرادات1/104.
رضي الله عنه ختم في ركعة واحدة، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم مما يقرأه في سبع تيسيرا على الأمة، عن أوس رضي الله عنه قال: احتبس عنا رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة فقلنا له: فقال: "إنه طرأ عليّ حزب من القرآن فأحببت أن لا أخرج من المسجد حتى أقضيه" فقلنا لأصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: كيف تحزبون؟ قالوا: ثلاث سور وخمس سور وسبع سور وتسع سور وإحدى عشرة سورة وثلاث عشرة سورة وحزب المفصل ما بين قاف فأسفل. ودلهم رسول الله صلى الله وسلم في الحديث الأول على حسن التلاوة فإن القرآن موعظة والله تعالى يحب أن تعقل مواعظه ونصائحه ولطائفه فإذا خاطب عبده بشيء يريد إظهار ما لهم عنده من الأثرة والمحبة ويحب أن يعجل أوائل بره في عاجل محياهم ليتلذذوا به ويفرحوا فإذا مر عليه التالي يهذّه هذّا وقلبه في عماء من ذلك مقته، كما أن واحدا منا إذا كلم آخر بشيء يريد به بره وألطافه فاستمع إلى كلامه بإذنه لاهيا عن ذلك بقلبه، سقط عن عينيه فكيف برب العالمين، قد أدب الله تعالى عباده ودلهم على الترتيل فقال تعالى:{وَرَتِّلْ الْقُرْآنَ تَرْتِيلًا} وقال تعالى: {وَقُرْآنًا فَرَقْنَاهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النَّاسِ عَلَى مُكْثٍ وَنَزَّلْنَاهُ تَنزِيلًا} ، وقال تعالى:{كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ} ، ودلهم على الترتيل