المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌الخشوع في السجود:

‌الخشوع في السجود:

وأنتِ بعد هذا الخضوع والانحناء له وبعد القيام بين يديه تنظرين إلى الأرض وبصرك مرتكز على موضع سجودك لا تلتفتين يمينًا ولا شمالاً ثم تخرين بعد ذلك على الأرض مكبرة لله سبحانه وتعالى معلنة الاستسلام لهذا النوع من الخضوع فهو أشد من الأولين.

ثم تمكنين مجمع محاسنك ومحل احترامك من الأرض لرب العالمين طاعة واستجابة لأمره، وذلاً وخضوعًا بين يديه فأنت تعلمين أن نعمه عظيمة، وأن آلاءه جسيمة فلا تملكين لها شكرًا، وتجدين نفسك الأمارة بالسوء تقابل ذلك بالمعاصي، ولا تجدين ما تقتربين به إلى الله وما تعتذرين به إليه إلا بالسجود بين يديه فيكون خرورك إلى الأرض وتمكينك لأعضائك أثناء السجود تمكين الخائف من ربه، الراغب فيما عنده المبتغي رضاه، الطامع في رحمته وعفوه، فلا شيء أقرب إلى الله من السجود، ولا موضع لإجابة الدعاء أقرب من السجود، ولا عمل يغفر الذنوب ويزيد الحسنات ويرفع الدرجات مثل السجود، فقد قال تعالى:(وَاسْجُدْ وَاقْتَرِبْ)[العلق: 19] .

وقال صلى الله عليه وسلم: " أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد، فأكثروا من الدعاء [فيه] "(1) .

وإذا علمت أن للسجود علامة عليكِ يوم القيامة يبقى أثره حتى لو دخلتِ النار لازداد حرصك على السجود وأقبلتِ عليه راغبة ممتنة لمن تسجدين له قال صلى الله عليه وسلم: " ما من أمتي من أحد إلا وأنا أعرفه يوم القيامة، قالوا: وكيف تعرفهم يا رسول الله في كثرة الخلائق؟ قال: "أرأيت لو دخلت صبرة فيها خيل دهم بهم وفيها فرس أغر أحجل أما كنت تعرفه منها؟ " قالوا: بلى، قال: " فإن أمتي يومئذ غرٌّ من السجود محجلين من الوضوء " (2) .

(1) رواه مسلم وأبو عوانة والبيهقي وهو مخرج في الإرواء 456.

(2)

رواه أحمد بسند صحيح، والترمذي بعضه وصححه، قاله الألباني في صفة الصلاة ص 131.

ص: 35

وقال –صلى الله عليه وسلم: ".. إذا أراد الله رحمة من أراد من أهل النار، أمر الله الملائكة أن يخرجوا من يعبد الله، فيخرجونهم ويعرفونهم بآثار السجود، وحرم الله على النار أن تأكل أثر السجود، فيخرجون من النار، فكل ابن آدم تأكله النار إلا أثر السجود"(1) .

وإن من فضل الله عليكِ أن جعل السجود في الصلاة أكثر من الركوع، وذلك لعلمه بحال عبده وحاجته إليه، فالعبد في السجود يسأل الله ويدعوه بما شاء، فأكثري من سؤال الله في سجودك وتذكري فيه كل ما تحتاجينه من أمور الآخرة ومن أمور الدنيا، فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم كان يقول:" وأما السجود فاجتهدوا في الدعاء، فقمن أن يستجاب لكم "(2) أي حري أن يستجاب لكم.

وإن من فضل الدعاء في السجود الدعاء بما كان يدعو به –صلى الله عليه وسلم فقد كان يذكر الله ويثني عليه بما يتناسب مع وضع الساجد، فهو في أدنى مكان والله – سبحانه – في أعلى مكان لذلك كان يقول:" سبحان ربي الأعلى" ويكررها ثم يدعو بالمغفرة فيقول: " سبحانك اللهم وبحمدك اللهم اغفر لي "(3) .

وكان أيضًا يقول:" اللهم لك سجدت وبك آمنت، ولك أسلمت، [وأنت ربي] سجد وجهي للذي خلقه وصوره [فأحسن صوره] وشق سمعه وبصره [فـ] تبارك الله أحسن الخالقين "(4) .

ويقول: "اللهم اغفر لي ذنبي كله، ودقه وجله، وأوله وآخره، وعلانيته وسره "(5) .

ويقول: " سجد لك سوادي وخيالي، وآمن بك فؤادي، أبوء بنعمتك عليَّ، هذي يدي، ما جنيت على نفسي"(6) .

ويقول:"سبحان ذي الجبروت والملكوت والكبرياء والعظمة "(7) .

(1) رواه البخاري ومسلم.

(2)

رواه مسلم وأبو عوانة.

(3)

رواه البخاري ومسلم وغيرهما.

(4)

رواه مسلم وأبو عوانة والطحاوي والدارقطني.

(5)

رواه مسلم وأبو عوانة.

(6)

رواه ابن نصر والبزار والحاكم وصححه، صفة الصلاة ص 128.

(7)

رواه أبو داود والنسائي بسند صحيح، قاله الألباني صفة الصلاة ص 128.

ص: 36

ويقول: "سبحانك [اللهم] وبحمدك، لا إله إلا أنت "(1) .

ويقول: "اللهم اغفر لي ما أسررت وما أعلنت "(2) .

ويقول: " اللهم اجعل في قلبي نورًا [وفي لساني نورًا] ، واجعل في سمعي نورًا، واجعل في بصري نورًا، وعن يميني نورًا وعن يساري نورًا، واجعل أمامي نورًا، واجعل خلفي نورًا، [واجعل في نفسي نورًا] ، وأعظم لي نورًا "(3) .

ويقول: " اللهم "إني " أعوذ برضاك من سخطك، و [أعوذ] بمعافاتك من عقوبتك، وأعوذ بك منك، لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيت على نفسك "(4) .

وعليكِ – أخيتي – إذا أردتِ الخشوع أن تحفظي هذه الأذكار، تقولينها في سجودك تارة هذا وتارة ذاك، ولا تقتصري عليها بل اسألي الله ما أنت بحاجته حتى ولو كان الذي تحتاجينه الملح في الطعام.

ثم إذا أردت الرفع من السجود فتذكري أنك تفارقين أقرب الأماكن إلى الله وهو أقرب أحوالك إلى الله. ترفعين من حال تبثين فيه حزنك وهمك إلى الله وهو يستمع إليكِ ولا يلتفت عنك ما دمت مقبلة عليه.

(1) رواه مسلم وأبو عوانة والنسائي وابن نصر.

(2)

رواه ابن أبي شبية والنسائي وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

(3)

رواه مسلم وأبو عوانة وابن أبي شبية

(4)

رواه مسلم وأبو عوانة وابن أبي شبية

ص: 37