المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وبذلك تكونين قد أتممتِ صلاة خاشعة مطمئنة قد عملتِ فيها - كيف تخشعين في الصلاة

[رقية المحارب]

الفصل: وبذلك تكونين قد أتممتِ صلاة خاشعة مطمئنة قد عملتِ فيها

وبذلك تكونين قد أتممتِ صلاة خاشعة مطمئنة قد عملتِ فيها بسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث قال: "صلوا كما رأيتموني أصلي"(1) .

وكما ذكرتُ لكِ سالفًا أن قراءة ما كان عليه السلف في خشوعهم يرفع في النفس الهمة ويعينها، وسأذكر لكِ من أحوالهم ما تيسر لي وأرجو أن ينفعك الله به.

‌خشوع السلف:

قال صلى الله عليه وسلم: إذا قمت في صلاتك، فصلِّ صلاة مودِّعٍ، ولا تتكلم بكلام تعتذر منه، وأجمع اليأس عمَّا في أيدي الناس (2) .

وقال صلى الله عليه وسلم: اذكر الموت في صلاتك، فإن الرجل إذا ذكر الموت في صلاته لحري أن يحسن صلاته، فصل صلاة رجلٍ لا يظن أنه يصلى صلاة غيرها، وإياك وكل أمر يعتذر منه (3)

" كان علي بن الحسين إذا فرغ من وضوئه للصلاة، وصار بين وضوئه وصلاته أخذته رعدة ونفضة، فقيل له في ذلك، فقال: ويحكم أتدرون إلى من أقوم، ومن أريد أن أناجي "(4) .

(1) رواه البخاري.

(2)

أخرجه ابن ماجه، وأحمد، وأبو نعيم في "حلية الأولياء " عن أبي أيوب. وللحديث شواهد تدل بمجموعها على ثبوته: حديث عبد الله بن عمر عند الضياء، وحديث سعد بن أبي وقاص عند الحاكم، وحديث أنس السابق في مسند الفردوس ".

(3)

حسن: رواه الديلمي في مسند الفردوس، وحسنه ابن حجر والألباني في صحيح الجامع رقم (849) .

(4)

حلية الأولياء 3/133. وعلي بن الحسين هو علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الهاشمي، زين العابدين، ثقة ثبت عابد فقيه فاضل مشهور، ومن الثالثة، مات سنة ثلاث وتسعين، التقريب 400 رقم 4715.

ص: 43

" ذكر عن محمد بن المنكدر أنه بينما هو ذات ليلة قائم يصلي إذا استبكى وكثر بكاؤه حتى فزع أهله وسألوه ما الذي أبكاه، فاستعجم عليهم وتمادى في البكاء فأرسلوا إلى أبي حازم فأخبروه بأمره فجاء أبو حازم إليه فإذا هو يبكي، قال: يا أخي ما الذي أبكاك قد روعت أهلك، من علة، أم ما بك؟ قال: إنه مرت بي آية في كتاب الله عز وجل!، قال: وما هي؟ قال: قول الله تعالى: (وَبَدَا لَهُمْ مِنَ اللَّهِ مَا لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ) [الزمر: 47] فبكى أبو حازم أيضًا معه واشتد بكاؤهما، فقال بعض أهله لأبي حازم: جئنا بك لتفرج عنه فزدته، فأخبرهم ما الذي أبكاهما "(1) . " كان عطاء بن أبي رباح - بعدما كبر وضعف يقوم إلى الصلاة فيقرأ مائتي آية من سورة البقرة، وهو قائم لا يزول منه شيء ولا يتحرك "(2) .

عن ميمون بن مهران قال: نظر رجل من المهاجرين إلى رجل يصلي فأخف الصلاة فعاقبه، فقال: إني ذكرت ضيعة لي، فقال: أكبر الضيعة أضعته (3) .

" وكان أبو وائل إذا صلى في بيته ينشج نشيجًا، ولو جعلت له الدنيا على أن يفعله وأحد يراه ما فعله ".

(1) حلية الأولياء 3/146. وابن المنكدر هو محمد بن المنكدر بن عبد الله ابن الهدير بالتصغير، المدني، ثقة فاضل من الثالثة مات سنة ثلاثين أو بعدها. التقريب 508 رقم 6327.

(2)

حلية الأولياء 3/310. وعطاء بن أبي رباح هو القرشي مولاهم، المكي، ثقة فقيه لكنه كثير التدليس من الثالثة مات سن أربع عشرة على المشهور، التقريب 391 رقم 4591.

(3)

حلية الأولياء 4/84. وميمون هو ابن مهران الجزري أبو أيوب، أصله كوفي، ثقة فقيه، وكان يرسل. مات سنة سبع عشرة، التقريب 556رقم7049.

ص: 44

وكان يقول وهو ساجد: " رب اغفر لي، رب اعف عني، إن تعف عني فطولاً من فضلك، وإن تعذبني غير ظالم لي ولا مسبوق. ثم يبكي حتى يسمع نحيبه من وراء المسجد "(1) .

وكان إبراهيم التيمي إذا سجد تجيء العصافير تستقر على ظهره كأنه جذم حائط (2) .

"وكان سعيد بن جُبير يردد هذه الآية في الصلاة بضعًا وعشرين مرة، (وَاتَّقُوا يَوْمًا تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللَّهِ) [البقرة: 281] .

وكان إذا أتى على هذه الآية (فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ * إِذِ الأَغْلالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلاسِلُ يُسْحَبُونَ)[غافر: 70 - 71] . رجع فيها ورددها مرتين أو ثلاثًا " (3) .

كان خلف بن أيوب لا يطرد الذباب عن وجهه في الصلاة، فقيل له: كيف تصبر؟ قال: بلغني أن الفُساق يتصبرون تحت السياط ليقال: فلان صبور، وأنا بين يدي ربي، أفلا أصبر على ذباب يقع عليَّ؟! (4) .

قال حاتم الأصم: فاتتني صلاة الجماعة، فعزاني أبو إسحاق البخاري وحده، ولو مات لي ولد لعزَّاني أكثر من عشرة آلاف؛ لأن مصيبة الدين عندهم أهون من مصيبة الدنيا (5) .

(1) حلية الأولياء لأبي نعيم 4/101 أبو وائل هو شقيق بن سلمة الأسدي، الكوفي، ثقة مخضرم مات في خلافة عمر بن عبد العزيز وله مائة سنة، التقريب 268 رقم 2816.

(2)

حلية الأولياء لأبي نعيم 4/212. إبراهيم التيمي هو ابن زيد بن شريك الكوفي العابد ،ثقة إلا أنه يرسل ويدلس من الخامسة مات سنة اثنتين وتسعين التقريب 95رقم 269

(3)

حلية الأولياء 4/272. سعيد بن جبير الأسدي مولاهم الكوفي، ثقة ثبت فقيه من الثالثة، وروايته عن عائشة وأبي موسى ونحوهما مرسلة قتل بين يدي الحجاج سنة خمس وتسعين، التقريب 234 رقم 2278.

(4)

المستطرف 1/7.

(5)

المستطرف 1/8.

ص: 45

قال الذهبي في السير (4/18) : قيل: كان عامر (عامر بن عبد قيس) لا يزال يصلي من طلوع الشمس إلى العصر، فينصرف وقد انتفخت ساقاه، فيقول: يا أمّارة بالسوء، إنما خُلقتِ للعبادة (1) 5) . وقيل لعامر بن عبد قيس: أما تسهو في صلاتك؟ قال: أوَ حديث أحَبّ إليَّ من القرآن حتى أشتغل به!! هيهات، مناجاة الحبيب تستغرق الإحساس (2) 6) .

وكان أبو يزيدٍ الرَّبِيعُ بنُ خُثَيْم رحمه الله يقول: إني لآنس بصوت عصفور المسجد عن أُنسي بزوجتي.

وكان رحمه الله إذا سجد كأنه ثوب مطروحٌ، فتجئ العصافير فتقع عليه.

وكان رحمه الله بعدما سقط شقه يهادى بين رجلين إلى مسجد قومه، وكان أصحاب عبد الله بن مسعود يقولون: يا أبا يزيد، لقد رخص الله لك لو صليت في بيتك. فيقول: إنه كما تقولون، ولكني سمعته ينادي: حيّ على الفلاح، فمن سمع منكم: حيّ على الفلاح، فليجبه ولو زحفًا، ولو حبوًا.

وعن أبي حيان التيمي عن أبيه، قال: أصاب الربيع الفالج، فكان يحمل إلى الصلاة، فقيل له: أنه قد رخص لك. قال: قد علمت، ولكن أسمع النداء بالفلاح (3) 7) .

قال بكر بن منير: كان محمد بن إسماعيل يصلي ذات ليلة فلسعه الزنبور سبع عشرة مرة، فلما قضى الصلاة، قال: انظروا أيش آذاني (4) .

قال محمد بن أبي حاتم: دُعِي محمد بن إسماعيل إلى بستان بعض أصحابه، فلما صلى بالقوم الظهر، قام يتطوع، فلما فرغ من صلاته رفع ذيل قميصه، فقال لبعض من معه: انظر، هل ترى تحت قميصي شيئًا؟ فإذا زنبور قد أبره في ستة عشر أو سبعة عشر موضعًا، وقد تورم من ذلك جسده، فقال له بعض القوم: كيف لم تخرج من الصلاة أول ما أبرك؟ قال: كنت في سورة، فأحببت أن أُتمها"

(1) تاريخ ابن عساكر ص 340، وتاريخ الإسلام 3/27.

(2)

المدهش ص 472.

(3)

الحلية 2/113، 114.

(4)

طبقات الحنابلة 1/276، والسير 12/439-442.

ص: 46

هذا والله أسأل أن يجعلنا ممن يخشعون في صلواتهم ويخشونه في أعمالهم وأقوالهم غيبًا وشهادة. والله المستعان وعليه التكلان وبه الاطمئنان، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه وسلم تسليمًا كثيرًا.

الفهرس

الموضوع

الصفحة

مقدمة.............................................................................

5

فضل الخشوع.................................................................

7

قبل الصلاة....................................................................

10

الاستعداد للصلاة قبل الصلاة..............................................

18

أثناء الصلاة...................................................................

37

الخشوع في الركوع..........................................................

56

الخشوع في السجود..........................................................

60

الخشوع في التشهد..........................................................

66

خشوع السلف.................................................................

75

الفهرس..........................................................................

79

الغلاف الخارجي

والناس في الصلاة على مراتب خمس:

أحدهما: مرتبة الظالم لنفسه المفرط؛ وهو الذي انتقص من وضوئها، ومواقيتها، وحدودها وأركانها.

الثاني: من يحافظ على مواقيتها وحدودها، وأركانها الظاهرة ووضوئها، لكن قد ضيع مجاهدة نفسه في الوسوسة، فذهب مع الوساوس والأفكار.

الثالث: من حافظ على حدودها وأركانها، وجاهد نفسه في دفع الوساوس والأفكار، فهو مشغول بمجاهدة عدوِّه؛ لئلا يسرق صلاته؛ فهو في صلاة وجهاد.

ص: 47

الرابع: من إذا قام إلى الصلاة أكْمَل حقوقها، وأركانها، وحدودها، واستغرق قلبه مراعاة حدودها وحقوقها، لئلَاّ يضيع شيئًا منها، بل همُّه كله مصروف إلى إقامتها كما ينبغي، وإكمالها وإتمامها. قد استغرق قلب شأنُ الصلاة وعبودية ربِّه تبارك وتعالى فيها.

الخامس: من إذا قام إلى الصلاة قام إليها كذلك، ولكن مع هذا قد أخذ قلبه ووضعه بين يدي ربِّه عز وجل، ناظرًا بقلبه إليه، مراقبًا له، ممتلئًا من محبته وعظمته، كأنه يراه ويشاهده، وقد اضمحلَّت تلك الوساوس والخطرات وارتفعت حُجُبُها بينه وبين ربِّه. فهذا بينه وبين غيره في الصلاة أفضل وأعظم ممَّا بين السماء والأرض

ابن القيم

ص: 48