المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

الفصل: ‌الخشوع في التشهد:

وبذلك يكون رفعك من السجود بتثاقل كأنما تجرين منه جرًّا وذلك لرغبتك في الدعاء فيه، ثم تكبرين حال رفعكِ موقنة أن الله أكبر من كل شيء فهو القادر على إجابة دعائك، ثم تجلسين مفترشة قدمكِ اليسرى ناصبة قدمكِ اليمنى، أو مقعية على عقبيكِ وصدور قدميك تسألين الله المغفرة قائلة:" رب اغفر لي رب اغفر لي "(1) . وتكررينها متخيلة كثرة ذنوبك حتى تبلغ جلستك في طولها السجدة أو تقولين: "رب اغفر لي وارحمني واجبرني وارفعني واهدني وعافني وارزقني"(2) . وتستحضرين في دعائك هذا أنك مذنبة تحتاجين المغفرة، مسكينة تحتاجين إلى الرحمة، وكسيرة تحتاجين الجبر، وضيعة تحتاجين الرفع، وضالة تحتاجين الهداية، مريضة مبتلاة تحتاجين العافية، فقيرة تحتاجين الرزق.

ثم تخرين للسجود لتعاودي التسبيح والدعاء مرة أخرى وتفعلين كالسجدة الأولى تلحين في الدعاء عالمة أنه - سبحانه - يحب الملحين في الدعاء.

ثم إذا رفعت من سجودكِ جلستِ جلسة قصيرة تستريحين فيها قبل القيام، قمتِ وشرعتِ في الركعة الثانية متحرية الخشوع كما تحريته في الركعة الأولى.

‌الخشوع في التشهد:

ثم إذا بلغت التشهد ، وجلست له ، فعليك أن تستحضري أنك تلقين بين يدي الله كلمات عظيمات علمها رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ، وتلقين التحيات بجميع أنواعها الحسنة لله سبحانه وتعالى فهو المستحق لذلك ،كما تعترفين بأن الملك له وحده حيث التحية تكون غالباً للملوك، فالله -سبحانه - ملك الملوك لذا فله جميع التحيات.

وأنتِ حيث تلقين التحية عليكِ ألا تلتفتي عنه - جل وعلا- بل تجتهدين في مدافعة نفسك أن تحيد أو تنصرف وهي تلقي التحية بين يدي الله تعالى وجلة أن يغضب عليك ولا يقبلها منك.

(1) رواه ابن ماجة بسند حسن، قاله الألباني في صفة الصلاة ص 135.

(2)

رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة وصححه الحاكم ووافقه الذهبي.

ص: 38

وتعترفين بأن جميع الصلوات لله فلا أحد يستحق أي نوع من أنواع الصلوات سواء الفعلية أو القولية.

وكذلك جميع أنواع الطيبات من أقوال وصدقات لله – سبحانه – هو الذي يستحق أن تصرف له.

ثم تثنين بإلقاء التحية على رسول الله –صلى الله عليه وسلم وأنتِ مستحضرة أنه يرد عليك سلامك وهو في قبره، ترد عليه روحه حتى يرد عليك، ثم تسلمين على عباد الله الصالحين جميعًا من الملائكة والإنس والجن، وتستحضرين كرم الله عليك حيث يؤتيك الأجر بكل من سلمت عليه، ثم تكررين إخلاصك خاتمة به فتشهدين أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وتشهدين أن محمدًا عبده ورسوله، فأنتِ شهدتِ بالفعل بألوهيته – سبحانه – حيث ائتمرت بما أمرك به، وتشهدين بالقول بألوهيته ووحدانيته، تشهدين بالفعل برسالة محمد –صلى الله عليه وسلم حيث تابعته وأديتِ سنته، وتشهدين بالقول بأن محمداً عبده ورسوله –صلى الله عليه وسلم.

ثم تصلين على النبي –صلى الله عليه وسلم كما أمرك الله – سبحانه – بذلك حيث قال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56]

وصلاتك عليه –صلى الله عليه وسلم اعترافًا بفضله عليك حيث كان سبب هدايتكِ لهذا الدين القويم والصراط المستقيم الذي أنقذك به من عذاب النار.

ثم تستعيذين بالله من أربع تجعلينها نصب عينيكِ دائمًا في كل حين على كل حال

عذاب النار – عذاب القبر- فتنة المسيح الدجال – فتنة المحيا والممات.

ص: 39

ثم تسألين الله بعد ذلك من خير الدنيا والآخرة وذلك قبل السلام، كما ورد في سنة محمد –صلى الله عليه وسلم، أما جعل الدعاء بعد السلام فهو خلاف السنة، وفي ذلك قال الإمام شمس الدين ابن القيم:" وعامة الأدعية المتعلقة بالصلاة إنما فعلها فيها، وأمر بها فيها، وهذا هو اللائق بحال المصلي، فإنه مقبل على ربه، يناجيه ما دام في الصلاة، فإذا سلم منها انقطعت تلك المناجاة، وزال ذلك الموقف بين يديه، وبالقرب منه، فكيف يترك سؤاله في حال مناجاته والقرب منه والإقبال عليه، ثم يسأله إذا انصرف عنه؟! ولا ريب أن عكس هذا الحال هو الأولى بالمصلي، إلا أن هاهنا نكتة لطيفة، وهو أن المصلي إذا فرغ من صلاته، وذكر الله وهلله وسبحه وحمده وكبره بالأذكار المشروعة عقيب الصلاة، استحب له أن يصلي على النبي صلى الله عليه وسلم بعد ذلك ويدعو بما شاء، ويكون دعاؤه عقيب هذه العبادة الثانية، لا لكونه دبر الصلاة، فإن كل من ذكر الله، وحمده وأثنى عليه، وصلى على رسول الله –صلى الله عليه وسلم استحب له الدعاء عقيب ذلك، كما في حديث فضالة بن عبيد: “إذا صلى أحدكم فليبدأ بحمد الله والثناء عليه، ثم ليصل على النبي –صلى الله عليه وسلم، ثم ليدعُ بما شاء"(1) قال الترمذي حديث صحيح اهـ " (2) .

وإذا علمتِ السنة في جعل الدعاء بعد الصلاة قبل السلام، فاختاري من الدعاء ما تشائين، والأفضل أن يكون دعاؤك بدعاء رسول الله –صلى الله عليه وسلم. أسوق لكِ بعضه ليسهل عليك حفظه ومراجعته قبل الصلاة.

" اللهم إني أعوذ بك من شر ما عملت، ومن شر ما لم أعمل"(3) .

"اللهم حاسبني حسابًا يسيرًا "(4) .

(1) رواه الترمذي وأبو داود والنسائي وصححه ووافقه الذهبي.

(2)

زاد المعاد 1/250.

(3)

رواه النسائي بسند صحيح وابن أبي عاصم في كتاب السنة قاله الألباني صفة الصلاة ص 164.

(4)

رواه أحمد والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

ص: 40

"اللهم بعلمك الغيب وقدرتك عَلَى الخلق، أحيني ما كانت الحياة خيراً لي، وتوفني ما علمت الوفاة خيراً لي، اللهم إني أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الحق في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وأسألك قرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت، وأسألك لذة النظر إِلَى وجهك الكريم، والشوق إِلَى لقائك في غير ضراء مضرة، ولا فتنة مضلة، اللهم زينا بزينة الإيمان، واجعلنا هداة مهتدين"(1) .

" اللهم إني ظلمت نفسي ظلمًا كثيرًا، ولا يغفر الذنوب إلا أنت، فاغفر لي مغفرة من عندك، وارحمني إنك أنت الغفور الرحيم "(2) .

" اللهم إني أسألك من الخير كله [عاجله وآجله] ، ما علمت منه وما لم أعلم، وأعوذ بك من الشر كله [عاجله وآجله] ، ما علمت منه وما لم أعلم، وأسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، وأعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، وأسألك من خير ما سألك منه عبدك ورسولك [محمد] –صلى الله عليه وسلم، وأعوذ بك من شر ما استعاذك منه عبدك ورسولك محمد –صلى الله عليه وسلم، و [أسألك] ما قضيت لي من أمر أن تجعل عاقبته [لي] رشدًا "(3) .

"اللهم اغفر لي ما قدمت، وما أخرت، وما أسررت، وما أعلنت، وما أسرفت، وما أنت أعلم به مني، أنت المقدم، وأنت المؤخر لا إله إلا أنت"(4) .

ويسن لكِ أن تشيري بأصبعك السبابة محلقة بالإبهام والوسطى قابضة للخنصر والبنصر، أو قابضة لأصابعك جميعها ما عدا السبابة مع كل دعوة تدعين بها.

الخشوع في التسليم

(1) رواه النسائي والحاكم وصححه ووافقه الذهبي.

(2)

رواه البخاري ومسلم.

(3)

رواه أحمد والطيالسي والبخاري في الأدب المفرد وابن ماجه والحاكم وصححه ووافقه الذهبي، وخرجه الألباني في صحيحه رقم 154.

(4)

رواه مسلم وأبو عوانة.

ص: 41

ثم إذا انتهيتِ من الدعاء فسلمي عن يمينك تحية تخيلي أن من على جانبك الأيمن يردها، ثم سلمي على شمالك تحية تخيلي أن من على جانبك الأيسر يردها من الملائكة والجن والأنس، وإذا فعلت ذلك فقد انتهيت من صلاة خاشعة مطمئنة أجرها عظيم، استغفري الله بعد سلامك خشية أن تكوني قصرت في أداء الصلاة كما ينبغي، ثم اشرعي في الأذكار الواردة بعد السلام وهي:" اللهم أنت السلام ومنك السلام تباركت يا ذا الجلال والإكرام "(1) .

" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير اللهم لا مانع لما أعطيت ولا معطي لما منعت ولا ينفع ذا الجد منك الجد"(2) .

" لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد، وهو على كل شيء قدير، لا حول ولا قوة إلا بالله، لا إله إلا الله، ولا نعبد إلا إياه له النعمة وله الفضل، وله الثناء الحسن ،لا إله إلا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون "(3) .

ويسن أن تقرئي آية الكرسي دبر كل صلاة مكتوبة فقد قال –صلى الله عليه وسلم:"من قرأ آية الكرسي في دبر كل صلاة مكتوبة، لم يمنعه من دخول الجنة إلا أن يموت"(4) .

كما يسن لك بعد الصلاة أن تسبحي ثلاثًا وثلاثين وتحمدي ثلاثًا وثلاثين، وتكبري ثلاثًا وثلاثين وتقولي تمام المائة لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير (5) ، أو تتمي المائة بتكبيرة فيكون التكبير أربعًا وثلاثين.

(1) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجه وأحمد، انظري تخرجه في زاد المعاد 1/295 حاشية.

(2)

رواه البخاري ومسلم وغيرهما، انظري تخرجه في زاد المعاد 1/296 حاشية.

(3)

رواه مسلم وأبو داود والنسائي، انظري تخرجه في زاد المعاد 1/297 حاشية.

(4)

رواه ابن حبان وقال الأرنؤوط إسناده صحيح وهو مخرج في زاد المعاد 1/303.

(5)

رواه مسلم.

ص: 42