المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الوقفة الثالثة: أن يعلم المؤمنُ أن العدوى بالمرض ثابتةٌ عقلاً - كيف تعامل الإسلام مع الوباء والبلاء

[محمد مهدي قشلان]

الفصل: ‌ ‌الوقفة الثالثة: أن يعلم المؤمنُ أن العدوى بالمرض ثابتةٌ عقلاً

‌الوقفة الثالثة:

أن يعلم المؤمنُ أن العدوى بالمرض ثابتةٌ عقلاً وعلماً وشرعاً؛ لكنها بقدر الله وبإذنه، بيد أن هناك حديثاً لرسول الله يأخذ بذوي الألباب الباصرة، وأولي الأفئدة المستنيرة، وقف عنده العلماء قديماً وحديثاً قال فيه: «لا عَدْوَى، وَلا طِيَرَةَ

» وقال في آخره: «وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ

(1)

» حديث عجيب غريب أوله يناقض آخره ظاهراً

(2)

!، ورسول الله لا ينطق عن الهوى، فأوله نفي للعدوى "لا عَدْوَى" وآخره إثبات لها، فكيف يكون ذلك .. ؟! وحاشا لرسول الله أن يقول كلاماً متناقضاً.

قال العلماء رحمهم الله-أما قوله"لا عَدْوَى": فهي إبطال لما كانت تعتقده العرب ويعتقده اليوم اللادينيون من أن المرض يتعدى بنفسه من شخص لآخر، ويعدي بطبعه، وعقيدة المسلم أنه متعلق بالمشيئة الربانية.

وأما قوله صلى الله عليه وسلم "وَفِرَّ مِنَ الْمَجْذُومِ كَمَا تَفِرُّ مِنَ الأَسَدِ" فهو إثبات للعدوى لكن تحت المشيئة الإلهية، فنهي النبيِّ صلى الله عليه وسلم عن الدنو من المريض مرضاً معدياً إنما ليبين لهم أن هذا من الأسباب التي أجرى الله العادة بأنها تفضي إلى مُسبَّباتِها، والنهي عن مداناة المجذوم من قبيل اتقاءِ الجدار المائلِ والسفينةِ المعيبة.

ولعل أحدث بحثٍ في علم الجراثيم يشير إلى ما ذكره رسول قبل أربعة عشر قرناً

(3)

، ويجعل مراد النبي لمعنىً آخر لم يُهتدى إليه إلا في العصر الحديث، قال علماء الطب:"إن الجرثوم قد ينتقل من مريضٍ إلى صحيح، ولا يمرض الصحيح، وقد ينتقل من صحيحٍ إلى صحيح، فيمرض الصحيح الثاني، وقد ينتقل من مريضٍ إلى صحيح، فتُسبّبُ هذه الجرثومة للصحيح مناعة، يزداد بها قوةً، وقد ينتقل من صحيحٍ إلى صحيحٍ أول، وصحيحٍ ثان، وثالث، ورابع، وخامس، وعاشر، فيصاب الصحيح العاشر. فحينما قال النبي عليه الصلاة والسلام: "لا عَدْوَى"

أي أن العدوى لا تُمْرِضْ بذاتها، ولكن العدوى تهيئ أسباب المرض، هذا معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم وهو في منتهى الدقة

ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: «إِذَا سَمِعْتُمْ بِالطَّاعُونِ بِأَرْضٍ فَلَا تَدْخُلُوهَا، وَإِذَا وَقَعَ بِأَرْضٍ وَأَنْتُمْ بِهَا فَلَا تَخْرُجُوا مِنْهَا

(4)

» (متفق عليه).

وهذا التوجيه الكريم: يقتضي محاصرة الوباء، وعند إعلان المسؤولين بأنه وباء، وبأنه أصبح خارج السيطرة والتحكم في شأنه، ينبغي للمسلم أن يحتسب عند الله الالتزام بالنصوص الشرعية فيما يكون عليه حاله من عدم التعرض لمثل هذه الاوبئة أو المساعدة في انتشارها، وكان عمر رضي الله عنه خرج بالناس فلما عوتب رضي الله عنه في ذلك لما أبى أن يدخل إلى أرض عمواس لما فيها من الطواعين، وقف واستشار أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلم يجد عند كثير منهم خبراً، فقال: أرجع بالناس، ولا أدخل، فعاتبه بعض الصحابة، وقالوا: تفر من قدر الله؟ قال: نعم، نفر من قدر الله، إلى قدر الله. (أصله في الصحيحين)

(1)

رواه البخاري 10/ 206 في الطب، باب لا هامة ولا صفر، وباب لا صفر، وباب لا عدوى، ومسلم رقم (2220) في السلام، باب لا عدوى ولا طيرة، وأبو داود رقم (3911) و (3912) و (3913) و (3914) و (3915) في الطب، باب في الطيرة. ا. هـ (جامع الأصول)

(2)

ذكره ابن الجوزي في "كشف المشكل من حديث الصحيحين 2/ 472"

(3)

موسوعة الإعجاز العلمي في القرآن والسنة (1/ 192 - 191) للدكتور محمد راتب النابلسي.

(4)

رواه البخاري 10/ 152 و 153 في الطب، باب ما يذكر في الطاعون، وفي الأنبياء، باب ما ذكر عن بني إسرائيل، وفي الحيل، باب ما يكره من الاحتيال في الفرار من الطاعون، ومسلم رقم (2218) في السلام، باب الطاعون والطيرة، والموطأ 2/ 896 في الجامع، باب ما جاء في الطاعون، والترمذي رقم (1065) في الجنائز، باب ما جاء في كراهية الفرار من الطاعون. ا. هـ (جامع الأصول)

ص: 7