الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مقدمة
…
بسم الله الرحمن الرحيم
ترجمة الحافظ أبي الفضل تقي الدين بن فهد المكي:
"ابن فهد" بيت كبير بمكة من رواة الحديث. منهم: والد المترجم "النجم محمد" بن أبي الخير محمد بن عبد الله، وابناه التقي محمد -صاحب الترجمة- وعطية، وابنا أولهما أبو بكر وعمر، وبنو ثانيهما حسن وحسين؛ فأبو بكر له عبد الرحمن وأبو القاسم، ولأبي القاسم عبد الرحمن، وعمر له يحيى وعبد العزيز، ثم لعبد العزيز جار الله -ناسخ الأصول المترجم في آخر الذيول- ويحيى بن عبد الرحمن بن أبي الخير، وابنه عبد القادر، كلهم يعرف بـ"ابن فهد".
أما صاحب الترجمة منهم فهو محمد بن محمد بن محمد بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن فهد تقي الدين أبو الفضل بن نجم الدين أبي النصر بن جمال الدين أبي الخير ابن العلامة أقضى القضاة جمال الدين أبي عبد الله محمد بن عبد الله الأصفوني، ثم المكي الشافعي العلوي المنتهي نسبه إلى محمد ابن الحنفية نجل سيدنا علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
ولد عشية الثلاثاء خامس ربيع الثاني سنة سبع وثمانين وسبعمائة بأصفون من صعيد مصر الأعلى بالقرب من إسنا، وكان والده سافر إليها لاستخلاص جهات موقوفه على أمه خديجة ابنة العلامة نجم الدين بن عبد الرحمن بن يوسف الأصفوني الفقيه الشافعي فتزوج هناك بابنة عم جده لأمة العلامة المذكور وهي فاطمة بنت أحمد بن محمد بن إسماعيل بن إبراهيم القرشية المخزومية فوُلد له منها صاحب الترجمة هناك. ثم انتقل به أبوه في سنة خمس وتسعين إلى بلده مكة فحفظ بها القرآن والعمدة والقنية وألفية النحو والحديث وعرض على جماعة، وسمع الأبناسي والجمال ابن ظهيرة، وحبب إليه هذا الشأن، وأول طلبه سنة أربع وثمانمائة فسمع الكثير من شيوخ بلده والقادمين إليها وكتب عمن دب ودرج فكان ممن سمع عليه ابن صديق والزين المراغي وأبو اليمن الطبري وقريبه الزين الشمس الغراقي والشريف عبد الر حمن الفاسي وأبو الطيب السحولي والجمال عبد الله الفرياني ورقيه بنت يحيى بن مزروع، ولقي باليمن المجد اللغوي صاحب القاموس والموفق علي بن أبي بكر الأزرق وآخرين فسمع منهم وكان دخوله بها مرتين الأولى في سنة 805 والثانية في سنة 816، وأجاز له خلق كثير منهم العراقي والهيثمي وعائشة بنت عبد الهادي. وانتفع في
هذا الشأن بالجمال بن ظهيرة والصلاح خليل الأقفهسي وغيرهما واشتغل بالفقه على ابن ظهيرة والشمي الغراقي وابن سلامة، وأذنا له وكذا الشمس بن الجزري المقرئ في التدريس والإفتاء وسمع من ابن حجر أيضًا لما لقيه بمكة وتميز في هذا الشأن، وعرف العالي والنازل وشارك في فنون الأثر وكتب بخطه الكثير وجمع المجاميع وانتقى وخرج لنفسه ولشيوخه فمن بعدهم، وصار المعول في هذا الشأن ببلاد الحجاز قاطبة عليه وعلى ولده النجم عمر بدون منازع. واجتمع له من الكتب ما لم يكن في وقته عند غيره من أهل بلده، وكثر انتفاع المقيمين والغرباء بها فكان ذلك أعظم قربة لا سيما وقد حبسها لله بعد موته، قال السخاوي: أكثر من المسموع والشيوخ وجدَّ في ذلك وجمع له ولده معجمًا وفهرستًا استفدت منهما كثيرًا ا. هـ.
وله مؤلفات عديدة منها "نهاية التقريب وتكميل التهذيب بالتذهيب" جمع فيه بين تهذيب الكمال ومختصرَيْه للذهبي وابن حجر وغيرهما. قال السخاوي: وهو كتاب حافل لو ضم إليه ما عند مغلطاي من الزوائد في مشايخ الراوي والآخذين عنه لم يصل إلى مكة إذ ذاك ا. هـ.
ومنها "النور الباهر الساطع من سيرة ذي البرهان القاطع" في السيرة النبوية و"الجُنة بأذكار الكتاب والسنة" و"المطالب السنية العوالي بما لقريش من المفاخر والمعالي" و"بهجة الدماثة بما ورد في فضل المساجد الثلاثة" و"بشرى الورى مما ورد في حرا" و"اقتطاف النور مما ورد في نور" و "الإبانة مما ورد في جعرانة" و"طرق الإصابة بما جاء في الصحابه" و"نخبة العلماء الأتقياء بما جاء في قصص الأنبياء "و"وسيلة الناسك في المناسك" و"الزوائد على حياة الحيوان للدميري" و"تقريب البعيد فيما ورد في يومي العيد" و"غاية القصد والمراد من الأربيعن العالية الإسناد" و"عمدة المنتحل وبلغة المرتحل" تحتوي على أربعين حديثًا من أربعين كتابًا لأربعين إمامًا عن أربعين شيخًا متصلين بأربعين صحابيًّا منهم العشرة والعبادلة على الاختلاف فيهم ورتبهم على حروف الهجاء مع إخراج حديث كل من أصحاب المذاهب الأربعة والكتب السنة مردفة بأحاديث عالية وحكايات وأشعار.
ومنها "لحظ الألحاظ بذيل طبقات الحفاظ" وهو الذي نشر ضمن هذا المجموع، وقد أجاد فيه حيث استوفى الكلام في حق المترجمين إلى حد أن تكون مراتبهم في العلم مائلة أمام عين المطالع، وتوسع في ذكر الوفيات ممن وافقوا المترجمين في سنة الوفاة مع العناية بذكر أحوالهم على الاختصار إغناءً عن تطلبها في غير كتابه بل قد لا توجد في غيره، وضبط في كتابه بعض الأسماء والأنساب مما رآه موضع ارتياب، وتفنن في ذكر أسانيد الأحاديث المروية بطريق المترجمين موافقة وبدلًا وعلوًّا مما يهم المشتغلين بالأسانيد وأهل العلم بالحديث، وجلة القول أن ذيل ابن فهد جليل الفوائد غزير الأبحاث غير قاصر نفعه على طائفة دون طائفة. وله غير ذلك.
قال السخاوي: "ولم ينفك عن المطالعة والكتابة والقيام بما يهمه من أمر عاليه واهتمامه بكثرة الطواف والصوم والاستمرار على الشرب من ماء زمزم بحيث يحمله معه إذا خرج من مكة غالبًا، وبرّه بأولاده وأقاربه وذوي رحمه مع سلامة صدره وسرعة بادرته، ورجوعه وكثرة تواضعه وبذل همته مع من يقصده وامتهانه لنفسه وغير ذلك، وتصدى للإسماع فأخذ عنه الناس من سائر الآفاق الكثير وكنت لقيته فحملت عنه بالمجاورة الأولى الكثير وطالع في مجاورتي الثانية كثيرًا من تصانيفي حتى في مرض موته. مات وأنا هناك في صبيحة يوم السبت سابع ربيع الأول سنة إحدى وسبعين وثمانمائة، وصلّى عليه بعد صلاة العصر عند باب الكعبة ثم دفن بالمعلاة عند مصلب ابن الزبير رضي الله عنهما وكنت ممن شهد الصلاة عليه ودفنه والتردد إلى قبره. وقال المقريزي في عقوده في صاحب الترجمة: إنه قرأ عليَّ "الإمتاع" -من أكبر ما ألف في السير للمقريزي- وحصل منه نسخة بخط ولده الفاضل عمر وهما محدثا الحجاز وأرجو أن يبلغ ابنه عمر في هذا العلم مبلغًا عظيمًا لذكائه واعتنائه بالجمع والسماع والقراءة -بارك الله له فيما آتاه" انتهى ما نقله السخاوي عنه، وهو ممن ترجمه الشمس بن طولون بين مشايخ مشايخه الأربعين في كتابه أربعين الأربعين -رحمه الله تعالى رحمة واسعة.