المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌مدخل: شهد القرن الخامس في الجانب السياسي ضعفا وتفرقا بين المسلمين - التصنيف في السنة النبوية وعلومها في القرن الخامس الهجري

[عبد العزيز الهليل]

الفصل: ‌ ‌مدخل: شهد القرن الخامس في الجانب السياسي ضعفا وتفرقا بين المسلمين

‌مدخل:

شهد القرن الخامس في الجانب السياسي ضعفا وتفرقا بين المسلمين على وجه العموم؛ وإن كان هناك بعض مواطن القوة والعزة والانتصارات في خلال هذا القرن، فالغزنويون والسلاجقة في الشرق، والفاطميون في المغرب ومصر والشام، والبويهيون في العراق وما جاورها. وقد تمزقت الدولة الإسلامية إلى دويلات ضعيفة متناحرة، ولم يبق للخليفة العباسي من الخلافة إلا الاسم فقط (1) .

وكم ساق المؤرخون من حوادث تدل على انتشار الفوضى وعدم الثقة بين تلك الدويلات، وانعدام الأمن في مراحل كثيرة من هذا القرن في الدويلة الواحدة نفسها.

كما ساقوا أخباراً كثيرة من الفتن التي وقعت بين السنة والشيعة على امتداد هذا القرن الهجري (2) .

ومما لا شك فيه أن لهذه القلاقل والفتن وضعف الخلافة تأثيراً قوياً في سير النهضة العلمية في البلاد الإسلامية في هذا القرن.

ومع ذلك فقد سجل هذا القرن ازدهاراً جيداً في الحركة العلمية، وسوف أشير إلى عناصر تدل بوضوح على سير الحركة العلمية في هذا القرن في مجال السنة النبوية من خلال ما يأتي:

(1) انظر: ظهر الإسلام (1/50 ـ 93) .

(2)

انظر في ذلك: البداية والنهاية لابن كثير (15/532 ـ 16/200) .

ص: 5

أولاً: الرحلة في طلب الحديث

تعد الرحلة في طلب الحديث واحدة مما تميز به المحدِّثون عن غيرهم من طلاب العلم في كل عصر ومصر.

وقد شهد القرن الخامس ـ كغيره من القرون الماضية ـ تسجيل رحلات كثيرة لعدد من المحدثين والحفاظ أوردها أهل التراجم والسير في كتبهم، وهي تُظْهر حال أصحاب هذا القرن في الرحلة لطلب الحديث.

وممن ذكره أهل التراجم والسير من محدثي هذا القرن الذين رحلوا في طلب الحديث وتدوينه عدد كثير منهم: الحافظ أبو الفتح؛ محمد بن أحمد بن عبد الله بن سمكويه الأصبهاني (1) ، والحافظُ شيرويه طاهر بن أحمد بن علي النيسابوري (2) ، والحافظ أبو العباس؛ مكي بن عبد السلام بن الحسين الرميلي (3) ، وغيرهم كثير لا يتسع المقام لسردهم (4) .

ثانياً: كثرة الحفظ وجودة الإتقان

وُصِف كثير من محدثي هذا القرن بأنهم حازوا على صفة (الحفظ) أو (الحافظ) ، أو وصفوا بحفظ كثير من الأحاديث والأسانيد، وممن وصف بذلك الحافظ البارع أبو بكر؛ محمد بن أحمد بن عبد الوهاب الأسفراييني (5) ، والحافظ

(1) انظر: سير أعلام النبلاء (19/16) ، وتذكرة الحفاظ (4/1213) .

(2)

انظر: تذكرة الحفاظ (4/1223) .

(3)

انظر: سير أعلام النبلاء (19/178) ، وتذكرة الحفاظ (4/1229) .

(4)

انظر: تاريخ بغداد (8/334) ، وسير أعلام النبلاء (17/246، 260) ، والتذكرة (3/1064، 1066، 1071) .

(5)

انظر: التذكرة (3/1064) .

ص: 6

أبو عبد الله؛ أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست العلاف البزاز (1) والحافظ الكبير خلف بن محمد بن علي بن حمدون الواسطي (2) ، وغيرهم كثير (3) .

ثالثاً: انتشار مجالس الإملاء

عقد جمع من محدثي القرن الخامس مجالس لإملاء الحديث في بعض الجوامع ومجالس التحديث سيرا على سنن الحفاظ الأوائل الذين كانوا يُمْلون من حفظهم أو من كتبهم الموثقة المضبوطة الأحاديث والآثار.

فممن عقد مجالس الإملاء من محدثي هذا القرن: الحافظ أبو المعالي؛ محمد ابن محمد بن زيد الحسيني العلوي البغدادي (4) ، والحافظ أحمد بن محمد بن يوسف بن دوست البزاز (5) ، والحافظ أبو الفتح؛ محمد بن أحمد بن محمد بن أبي الفوارس البغدادي (6) .

رابعاً: الكلام في التصحيح والتعليل

يعد التصحيح والتضعيف للأحاديث والآثار مرتبة سامية لا يتوصل إليها المحدِّث، إلا بعد أن يكون على دراية بأصول الجرح والتعديل، ومعرفة بالشاذ والمعلل، وقد شهد هذا القرن وجود جمع من العلماء والحفاظ ممن تصدوا لهذا

(1) انظر: تاريخ بغداد (5/124) ، والتذكرة (3/1066) .

(2)

انظر: التذكرة (3/1068) .

(3)

انظر المزيد في: ذيل تاريخ مولد العلماء (ص: 184) ، والتذكرة (3/1110) ، وسير أعلام النبلاء (18/268) .

(4)

انظر: تذكرة الحفاظ (4/1210) .

(5)

انظر: البداية (15/571) .

(6)

انظر: التذكرة (3/1053) .

ص: 7

الباب كالخطيب البغدادي، وأبي بكر البيهقي، وأبي عمر بن عبد البر، وأبي نعيم الأصبهاني، والحافظ أبي القاسم؛ حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي الجرجاني (1) ، وغيرهم كثير.

خامساً: الكلام في الجرح والتعديل

تتوقف معرفة الصحيح والضعيف من الأحاديث والآثار على التعرف على أحوال الرواة ثقة وضعفا، مع شروط أخر معروفة عند أهل هذا الفن.

ولذا اهتم علماء الحديث وأئمته بتفحص أحوال الرواة ومعرفة أخبارهم وتمييز من يقبل خبره ومن يرد، وكان لمحدثي القرن الخامس نصيب من الخوض في هذا الغمار. فممن صنف أو تكلم في ذلك: الحافظ الخطيب البغدادي، والحافظ أحمد بن الحسن بن أحمد بن خيرون (2) ، والحافظ أبو محمد؛ عطية بن سعيد الأندلسي المغربي (3) ، والحافظ أبو القاسم؛ حمزة بن يوسف بن إبراهيم السهمي الجرجاني (4) ، والحافظ أبو يعقوب؛ إسحاق بن إبراهيم القراب الهروي (5) .

سادساً: الاهتمام برواية الكتب الستة

تعد الكتب الستة أصولا أصيلة جمعت لأهل الإسلام أصول الحديث النبوي وعنها تفرعت باقي المصنفات في الحديث وعلومه، ولذا عكف طلاب

(1) انظر: سير أعلام النبلاء (17/470) ، والتذكرة (3/1090) .

(2)

انظر: التذكرة (4/1208) .

(3)

انظر: سير أعلام النبلاء (17/414) ، والتذكرة (3/1089) .

(4)

انظر: التذكرة (3/1090) .

(5)

انظر: سير أعلام النبلاء (17/572) ، والتذكرة (3/1101) .

ص: 8

الحديث في قديم الدهر وحديثه على روايتها، ودراستها، ومعرفة أحوال الرواة فيها.

وكان لمحدثي القرن الخامس الهجري نصيب وافر من العناية بها يتمثل في الحرص على روايتها والاتصال بمؤلفيها بوصال الإسناد.

فممن كان له رواية لبعض هذه الكتب: مسند مرو أبو الحسين؛ محمد بن موسى بن عبد الله الصفار (1) ، وكريمة بنت أحمد المروزي (2) ، والحافظ أبو عبد الرحمن؛ إسماعيل بن أحمد بن عبد الله الحيري الضرير (3) ، والحافظ أبو الحسن؛ عبد الرحمن بن محمد بن الظفر الداودي (4) ، والمسند أبو علي؛ الحسين ابن محمد بن محمد الروذباري الطوسي (5) ، والحافظ أبو عمر؛ القاسم بن جعفر بن عبد الواحد الهاشمي البصري (6) ، والحافظ أبو عمر؛ يوسف بن عبد الله ابن محمد بن عبد البر النمري القرطبي (7) ، وغيرهم كثير (8) .

(1) انظر: التذكرة (3/1177) .

(2)

انظر: ذيل تاريخ مولد العلماء (ص: 32) .

(3)

انظر: البداية والنهاية (15/679) .

(4)

انظر: المرجع السابق (16/52) .

(5)

انظر: التذكرة (3/1079) .

(6)

انظر: البداية والنهاية (15/600) .

(7)

انظر: التذكرة (3/1130) .

(8)

انظر المزيد في: سير أعلام النبلاء (17/257، 271)(19/50) ، والتذكرة (3/1049، 1052، 1183، 1196)(4/1209) .

ص: 9

سابعاً: الحرص على تحصيل الإجازات

تعد الإجازة نوعاً من أنواع الرواية، وقد أورد أصحاب التراجم غير واحد ممن روى بالإجازة في هذا القرن، منهم الحافظ أبو الفتح؛ أحمد بن الحسين الأديب (1) ، والحافظ الخطيب البغدادي، وابن عبد البر (2) ، وغيرهم.

ثامناً: الاهتمام بجمع الكتب

الكتب وعاء العلم؛ ومن أجل هذا اشتدت عناية العلماء بتحصيل الكتب وجمعها، ومن ثم النظر فيها ودراستها.

وقد كان لمحدثي هذا العصر نصيب وافر من جمع الكتب والحرص على تحصيلها، وبذل الغالي والنفيس من أجل ذلك، فممن اهتم بذلك منهم: الحافظ أبو سعد؛ أحمد بن محمد بن أحمد الماليني الصوفي (3) ، والحافظ أبو محمد؛ عبيد الله بن الحسن بن الوراق (4) ، والحافظ أبو بكر؛ أحمد بن محمد بن أحمد الخوارزمي البرقاني (5) ، وأبو الوليد؛ عبد الله بن محمد بن يوسف بن الفرضي القرطبي (6) ، وغيرهم كثير (7) .

(1) انظر: تذكرة الحفاظ (4/1210) .

(2)

انظر: سير أعلام النبلاء (17/556) ، والتذكرة (3/1104) .

(3)

انظر: التذكرة (3/1070) .

(4)

انظر: ذيل تاريخ مولد العلماء (ص: 138) .

(5)

انظر: التذكرة (3/1075) .

(6)

انظر: سير أعلام النبلاء (17/179) ، والتذكرة (3/1077) .

(7)

انظر المزيد في: التذكرة (3/1088، 1128، 1192) ، وسير أعلام النبلاء (18/220) .

ص: 10

تاسعاً: مهنة النسخ والمقابلة

كان نسخ الكتب والأجزاء الحديثية ومقابلتها، مهنة يمتهنها كثير من الناس في ذلك الزمان؛ نظراً للحاجة الملحة إليها وكونها الوسيلة الوحيدة للحصول على نسخة من هذا الكتاب أو ذلك الجزء.

ويعد ازدهار النسخ في هذا القرن مؤشراً على عناية أهله بالحصول على الكتب والأجزاء مما يُظهر صورة حقيقية للحركة العلمية في هذا الجانب.

فممن كان يمتهن ذلك أو يعانيه: عبد العزيز بن علي الأزجي (1) ، والحافظ أبو حازم؛ عمر بن أحمد العبدوي النيسابوري (2) ، والحافظ أبو بكر أحمد بن محمد بن أحمد البرقاني (3) ، وغيرهم كثير (4) .

عاشراً: بناء المدارس، ووقف الكتب

إضافة إلى إقامة الحلقات العلمية في المساجد حرص كثير من الخلفاء والوزراء في هذا القرن على بناء المدارس في كثير من الأقطار الإسلامية، وكلفوا أشهر علماء العصر بالتدريس فيها واحداً بعد آخر.

كما ذكر عن بعض علماء هذا العصر أنه أوقف كتبه على طلاب العلم.

وهذا وذاك من بناء المدارس ووقف الكتب يبين صفحة أخرى من صفحات الحركة العلمية في هذا القرن.

(1) انظر: سير أعلام النبلاء (17/302) ، والتذكرة (3/1071) .

(2)

انظر: التذكرة (3/1073) .

(3)

انظر: تاريخ بغداد (4/375) ، والتذكرة (3/1075) .

(4)

انظر المزيد في: ذيل تاريخ مولد العلماء (ص: 154، 159) ، وسير أعلام النبلاء (17/500) ، والتذكرة (3/1084، 1114، 1115) .

ص: 11

فمن المدارس التي أقيمت في هذا القرن المدرسة النظامية ببغداد، والمدرسة التاجية (1) ، وما أوقفه الوزير سابور بن أردشير من دور العلم (2) ، وما أوقفه العلامة أبو عبد الله؛ محمد بن أبي نصر فتوح بن عبد الله الحميدي من كتبه (3) ووقف الوزير أبو منصور؛ بهرام بن مافَنَّهْ، خزانة كتب تشتمل على سبعة آلاف مجلد (4) ، وما أوقفه الوزير أحمد بن يوسف المنازعي من كتب كثيرة على جامعي آمد ومَيَافارَقين (5) .

هذه بعض المظاهر للحركة العلمية في هذا القرن، ويمكن من خلالها التعرف على ما زخر به هذا القرن من همة ونشاط في مجال دراسة السنة النبوية وعلومها، والتصنيف فيها.

(1) انظر: البداية والنهاية (16/126) .

(2)

انظر: المرجع السابق (15/607) .

(3)

انظر: تذكرة الحفاظ (4/1221) .

(4)

انظر: البداية والنهاية (15/685) .

(5)

انظر: المرجع السابق (15/698) .

ص: 12