المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌تعريف موجزعن أهل الحديث في الهند - مجلة البيان - جـ ٦٣

[مجموعة من المؤلفين]

الفصل: ‌تعريف موجزعن أهل الحديث في الهند

‌تعريف موجز

عن أهل الحديث في الهند

محمد عبد الهادي العمري

دخل الإسلام الهند في عهد التابعين عام 93هـ، وكان فيمن دخل من التابعين

ربيع بن صبيح السعدي البصري، وحباب بن فضالة، وإسرائيل بن موسى، حتى

قيل للأخير (نزيل الهند) ، كما ذُكر في ميزان الاعتدال للذهبي، ووصلت تعاليم

الإسلام عن طريق هؤلاء إلى الهند خالصة ومنزهة عن شوائب الشرك والبدع

مطلقاً، ولكن أصابها ما أصاب المناطق الأخرى التي وصل إليها الإسلام من جراء

التقليد والجمود الفكري، فبدأت البدع تزحف رويداً حتي تمت السيطرة لها، وبلغت

ذروتها من حيث لا يتصور أحد حتى صار علم الحديث والسنة يعد من الشذوذ

والغرائب في الهند، وكان هناك بعض العلماء الذين كانوا يعرفون الحق، ولكن لم

تكن عندهم جرأة لإظهار الحق وإرشاد الناس إلى ما يرونه صحيحاً نظراً إلى

الأخطار المتوقعة، ولكن لم يخلُ دور من الأدوار من أهل الحديث، أو أصحاب

هذه الفكرة السلفية، وإن كان عددهم قليلاً، ولما ظهر المحدث الدهلوي (شاه ولي

الله عبد الرحيم) الذي رأى ما يجري حوله باسم الإسلام، والإسلام بريء منه،

فعكف على ترويج علوم القرآن والسنة وغرس حبهما في قلوب الناس، ولقي ما

لقي من المشاكل والصعوبات على أيدي المعاندين والأعداء، ولكنه لم يترك الحق،

وكتب في رد التقليد الأعمى والجمود الفكري، وفي فهم الإسلام كتباً كثيرة، فرحمه

الله رحمة واسعة..

ومن هنا تغيرت الحالة وبدأت الحركة في ميادين العلم وتفنيد البدع

والخرافات، والجهاد ضد غير المسلمين، وأهل الحديث لهم حظ وافر في تأييد هذه الحركة وتقويتها، وقد تبنوها وعملوا لنشرها وبذلوا مساعيهم المشكورة.

مَنْ هم أهل الحديث؟ :

اسم لحاملي الفكرة السلفية الذين يريدون الإسلام على نهج السلف الصالح الذي

عرضه القرآن الكريم، وطبقه النبي صلى الله عليه وسلم دون التعصب

للشخصيات والعلماء.

تأسيس إدارة الجماعة في الهند:

أُسست جمعية أهل الحديث المركزية في الهند في 6 من ذي القعدة 1324

هـ الموافق 22/12/1906م على شكل منظمة، وقد ذكرنا آنفاً أنه لم يخلُ دور

من الأدوار في الهند من أهل الحديث، ولكن لم يكن لديهم التنظيم أو الهيئة الإدارية

بالشكل المطلوب، فأسست هذه المنظمة أولاً باسم (مؤتمر جمعية أهل الحديث) ثم

صار اسمها (جمعية أهل الحديث المركزية) وكان رئيسها الأول العلامة المحدث

عبد الله غازيفوري، وسكرتيرها الشيخ محمد ثناء الله الأمرِتْسَرِي، ثم فتحت

الفروع في طول الهند وعرضها، وكان يوجد في كل مدينة تقريباً فرع للجمعية،

وقد تجاوز أعضاؤها مئات الآلاف في الهند بفضل الله (تعالى) .

بعد تأسيس هذه المنظمة بدأ دورها البارز في نشر التعاليم الإسلامية،

وإصلاح ما فسد من العقائد والتصورات، ودفع الفرق الضالة المنحرفة - خاصة

القاديانية والشيعة ومنكري السنة، والمسيحية وبعض الفرق التي تتفرع من الهنادك

- وكان لدى الجمعية بعض الدعاة والمبلغين المتخصصين لتحقيق هذه الأهداف،

واستمرت هذه السلسلة حتى استقلال الهند، وبعد تقسيم الهند تغيرت حالة الجمعية

أيضاً. وبدأت التقهقر إلا في السنوات الماضية فقد استيقظ بعض أُولي الهمم العالية

وحركوها من جديد، فبدأت نشاطها، وشمل ثلاثة أقسام هي:

1-

إشاعة علوم السنة عن طريق المدارس الدينية الأهلية:

أ- أما إشاعة علوم القرآن والسنة عن طريق المدارس، والتأليف في التفسير

والسيرة والعقائد والسنة، فقد نال هذا القسم عناية بالغة من علماء أهل السنة (أهل

الحديث) حيث تم في تلك الأيام تدوين عدد كبير من الكتب نحو: تفسير القرآن

بكلام الرحمن في العربية للشيخ محمد ثناء الله الأمرتسري وهذا التفسير صورة حية

لتفسير القرآن بالقرآن، والتفسير الثنائي للشيخ المذكور في الأُردية، وعون

المعبود في شرح سنن أبي داود للشيخ شمس الحق العظيم آبادي المتوفَّى سنة

1329هـ، وتحفة الأحوذي في شرح سنن الترمذي للشيخ عبد الرحمن

المباركفوري، وفي السيرة (رحمة العالمين) للشيخ القاضي محمد سليمان المنصور

فوري، ويعتبر هذا الكتاب مرجعاً رئيسياً في سيرة النبي صلى الله عليه وسلم

ولم يسبق له مثيل في اللغة الأردية، وهناك كتب أخرى كثيرة جداً، وقد ذكرنا هذه

على سبيل المثال فقط لا الحصر.

ب - المدراس الإسلامية في الهند: لا شك أن المدارس الإسلامية التي تدرس

فيها علوم القرآن والسنة وما يتصل بهما من المواد الدراسية لها دور بارز في نشر

الدعوة في أنحاء الهند، وتعتبر هذه المدارس حصوناً شامخة لنشر العلوم الإسلامية، وعدد المدارس التي أُسست على أسس من تعاليم القرآن والسنة كثيرة، وخدماتها

جليلة في مجال نشر السنة وإزالة البدعة، تبدأ من المدرسة الرحيمية التي أسسها

الشيخ عبد الرحيم في عام 1070هـ بدلهي، والتي تولاها العلامة المحدث الشاه

ولي الله الدهلوي، صاحب حجة الله البالغة، وقد تخرج في هذه المدرسة أعلام

الفكر والدعوة في الهند، بل كانت هذه المدرسة منارة العلم والهدى، ووسيلة الدعوة

إلى الكتاب والسنة حينما أهمل الناس علم السنة في الهند.

ومدرسة العالم الجليل المحدث نذير حسين المحدث المتوفى 1310هـ بدلهي، وقد تخرج من هذه المدرسة فحول العلماء وأساطين الدعوة السلفية، فمنهم العلامة

شمس الحق صاحب عون المعبود، والعلامة عبد الرحمن المباركفوري صاحب

تحفة الأحوذي. والمدرسة الرحمانية التي أسست سنة 1329هـ من قبل الشيخين

عبد الرحمن وعطاء الرحمن في دلهي، وقد تقلد المتخرجون من هذه المدرسة

مناصب رفيعة وصاروا أئمة العلم أينما توجهوا، وليس في المواد الدراسية فقط،

وإنما في نشر الدعوة السلفية أيضاً، وأغلقت هذه المدرسة بعد استقلال الهند، وما

عرفت الهند مثل هذه المدرسة إلى الآن.

نكتفي بذكر تلك المدراس القديمة وننتقل إلى ذكر بعض المدارس المعروفة،

والتي بدأت دورها بعد استقلال الهند:

1 -

المدرسة الأحمدية السلفية: التي أقيمت في إقليم بهار ولها دور كبير في

تعليم المسلمين وخاصة في هذا الإقليم وشمالي الهند.

2-

جامعة دار السلام بعمر آباد: أقيمت في منطقة مدراس، وحاول

المؤسسون منذ البداية تدريس العلوم الشرعية، والعلوم المعاصرة الضرورية.

وحاولت هذه المدرسة منذ البداية أن لا يتخرج الطالب إلا بعد معرفة اللغة الإنكليزية، بل قرر في المنهج: إن على الطالب أن يحصل الدرجات المطلوبة في اللغة

الإنكليزية مثلما يحصل في مواد التفسير والسنة لنيل شهادة التخرج وكانت المدرسة

على طراز المدارس المعاصرة في أسلوب التدريس، وإسكان الطلبة ورعايتهم،

ولها دور ملموس في خدمة الإسلام والمسلمين خاصة في جنوب الهند.

3-

الجامعة السلفية: فُتحت هذه المدرسة من قبل جمعية أهل الحديث في

مدينة (بنارس) البلدة المقدسة لدى الهنادك، وكانت تعرف أولاً بدار العلوم، ثم

الجامعة السلفية، والمدرسة حديثة العهد وافرة الإنتاج العلمي والدعوي، وقد تخرج

منها عدد كبير من العلماء وحاملي الدعوة السلفية والمخلصين لها، كما قدمت

المدرسة مئات من الكتب والمؤلفات على المستويات المختلفة في اللغات العديدة،

وما زالت السلسلة مستمرة ولله الحمد.

لقد ذكرنا هذه الأسماء الثلاثة كمثال فقط لا على سبيل الإحاطة، وهناك

عشرات من المدارس السلفية على مستويات مختلفة في الهند ونقول بكل صراحة:

إن هذه المدارس الدينية هي في الحقيقة الوسيلة المؤثرة العميقة لنشر الدعوة السلفية

والعلوم الإسلامية على نهج السلف الصالح، والطلاب لا يتخرجون من هذه

المدراس إلا وعندهم فكرة واضحة عن الدين، وأذهانهم مفتوحة لقبول الحق حيثما

كان، ولكن مع الأسف الشديد توجد بجانب هذه المدارس بعض المدارس الدينية

التى تعمل على تدريب الجيل الجديد وفق التقليد والجمود الفكري، والتعصب

المذهبي، والدفاع عن علماء وأئمة المذاهب أكثر من الدفاع عن السنة النبوية

ورجالها.

2-

رد أفكار الفرق الضالة من المسلمين وغير المسلمين:

تصدر مجلات وصحف أسبوعية وشهرية عن جمعية أهل الحديث في اللغات

المختلفة، وتقدم الصورة الصحيحة للإسلام، وترد ما يشاع عن الإسلام والمسلمين

من الأفكار المنكرة من قبل أصحاب الفرق الضالة المختلفة، نحو (جريدة ترجمان) التي يصدرها مركز الجمعية والتوعية في المعهد التعليمي، و (المحدث) من

الجامعة السلفية في الأردية، و (صوت الأمة) من الجامعة نفسها في العربية،

و (البلاغ) من بومباي و (صوت الحق) من الجامعة المحمدية في (هاليغاون) قرب (بومباي) ، وغير ذلك من المجلات والصحف والجرائد، كما كانت تصدر سابقاً مجلات عديدة منها مجلة (أهل حديث) الأردية بإشراف العلامة الأمرتسري التي كانت تعتبر سلاحاً قوياً ضد الأفكار الهدامة.

3-

إصلاح وتزكية المسلمين والتصدي للبدع والخرافات:

كانت التربية الجهادية مستمرة ولكنها تطورت، وأخذت قوة جديدة من الحركة

التي أنشأها الشيخ محد إسماعيل الدهلوي المتوفى سنة 1831م، وزميله الشيخ

السيد أحمد - رحمهما الله - حيث بدأ الشيخان حركة الإصلاح والتزكية أولاً في

صفوف المسلمين لإصلاح ما فسد من العقائد، وألف الشيخ كتابه المعروف (تقوية

الإيمان) الذي نال الإعجاب والثناء من العلماء، ثم خرجا للجهاد ضد العدوان

والاعتداءات من قبل غير المسلمين خاصة (السيخ) ، واستشهد الشيخان في معركة

(بالاكوت) مجاهدين في سبيل الحق ومدافعين عن السنة النبوية، ومقاومين ضد

الخرافات والبدع التي أحدثتها الطوائف المنحرفة عن الإسلام..

أما الرد على الفرق الضالة فكان لدى جمعية أهل الحديث علماء بارزون،

نكتفي بذكر واحد منهم وهو العلامة الشيخ محمد ثناء الله الأمرتسري الذي كان بحراً

في العلوم الشرعية، والمناظرات والخطب وتأليف الكتب، ولم يكن له مثال في

الهند وباكستان، وقام بجهود جبارة لا نظير لها، وكان ينوب عن المسلمين في الرد

على الفرق الضالة يتصدى لدعاتها في المناظرات حيث لم يكن غيره قادراً على

مواجهة هذه التيارات الهدامة ونظرًا لقوته في العلم والاستدلال كُسرت شوكة

الأعداء وخاصة الفرقة القاديانية التي جاءت عن طريق المدعو (غلام أحمد قادياني

المتنبِّئ) ، فكان له الشيخ الأمرتسري بالمرصاد وذلك بتأليف الكتب وإلقاء

المحاضرات، ودخول المناقشات مع هذا الكذاب، وكان ذلك المدعي يخاف من

الشيخ أشد الخوف بل كان يدعو للنجاة منه.

وُلد العلامة الشيخ الأمرتسري سنة 1287هـ الموافق 1868م في أمرتسر

بإقليم البنجاب، وتلقى العلوم الشرعية على يد عدد من العلماء وخدم السنة ودافع

عن الحديث النبوي، وجاهد في الله حق جهاده حتى توفي في 3 من جُمادَى الأولى

سنة 1367هـ الموافق 15/4/1949م، في (سرغودها) رحمه الله رحمة

واسعة) .

ص: 66

الهند والديموقرطية الضائعة

د. أحمد محمود عجاج

ليس من باب المبالغة القول إن الهند - بما تمثله من تعدد طوائفها، وتنوع

لغاتها، وتوزع شرائحها الاجتماعية - هي بالفعل حالة فريدة من نوعها قل نظيرها

في عالم اليوم. فهذا البلد الذي يتجاوز عدد سكانه الثمانمائة مليون نسمة انتهج

لنفسه النموذج الديموقرطي الغربي واستمر في تطبيقه في خضم اختلافات عرقية

ودينية كان من المفترض أن تؤدي في أسرع وقت إلى تفكيك الهند كبلد متعدد

الأديان والأعراق. وقد تغنى بعض الكتاب والنقاد بهذه الديموقرطية ولكنها كانت

قشرة رقيقة ضعيفة حافظت على زخمها قليلاً، وكانت تخفي تحتها - ومنذ البداية

- تعصباً هندوسياً لا يحتمل التعدد ولا يحتمل وجود الإسلام بالذات، ولذلك شهدت

الفترة الأخيرة ما لم يكن متوقعاً، وأبرزت ما لم يكن ممكناً تصوره، وذلك عندما

انطقت كتل بشرية يبلغ تعدادها مائتي ألف نسمة - تركض باتجاه مسجد في بلدة

أيوديا الواقعة في شمال الهند وهي تصرخ باسم (الإله رام) رمز الشجاعة والتسامح

عند الهندوس لتبدأ لدى وصولها بهدم جدرانه وسط الأناشيد والتهاليل والهرج

والمرج. ويقول هؤلاء الهندوس إن المسجد - وهو المسجد البابري - قد بناه الفاتح

المغولي بابر على أنقاض معبد هندوسي، وهو المكان ذاته الذي وُلد فيه الإله رام

المعظم بدعوى أن بناء المسجد على أنقاض المعابد تقليد درج عليه المسلمون

الفاتحون آنذاك.

وقصة المسجد ليست جديدة على الإطلاق فقد نجحت جماعة من الهندوس

المتشددين في التسلل إلى المسجد في عام 1949م، ووضعت لاحقاً صنماً للإله رام

في داخله، وادعت أن ما قامت به هو استجاية لتدخل مقدس. وتطورت قضية

المسجد منذ ذلك الحين بعد أن رفعت دعاوى تطالب بتثبيت ملكيتهم الوحيدة للمسجد، ووصلت المشكلة أوجها في عام 1984، وذلك عندما نظمت مجموعة من

الهندوس المتشددين مظاهرة تدعو إلى تحرير مكان ولادة الإله رام ولكن اغتيال

رئيسة الوزراء أنديرا غاندي آنذاك وما تبعها من عمليات قمع قامت بها الشرطة

حالت دون ذلك.

وجد حزب بهاراتيا جاناتا الهندوسي الفاشيستي في قضية المسجد فرصة ذهبية

لا يمكن تضييعها على الإطلاق في ظل ديمقراطية تسمح له بممارسة التحريض

والتزمت وبث الفرقة، وإثارة النعرات في سبيل الحصول على مكاسب انتخابية

تضمن له الوصول إلى السلطة؛ وإن كان على حساب الأملاك والأرواح والقيم

والمثل. وبالفعل ساعدت السياسة النفعية المحضة واللا أخلاقية الحزب الهندوسي

الفاشيستي على كسب المزيد من الأصوات، واستمالة شرائح واسعة من المجتمع

الهندوسي مما زاد من شهيته وحضه على تصعيد العداء الديني، وبث الروح

الهندوسية وإحياء الماضي والدعوة إلى إقامة مجتمع هندي خالص؛ لذا جاء في

دليله الخاص على لسان الفيلسوف (أ. م. غولكار) أن المسلمين في الهند

والمسيحيين والشيوعيين يمثلون خطراً أجنبياً على الهند وأن ما هو مطلوب منهم

ليس إلا التخلي عن ردائهم الأجنبي المعقد، ودمج أنفسهم في التيار الوطني

المشترك، وهو بالطبع القومية الهندوسية. وقد ساعدت الحزب الهندوسي عوامل

محلية عديدة منها اعتقادات خاطئة ومنتشرة على نطاق واسع في صفوف الهندوس

مفادها أن المسلمين يتكاثرون بسرعة فائقة تفوق سرعة تكاثر الهندوس، وأن

الأحزاب بمجملها - وعلى رأسها حزب المؤتمر - تحابي المسلمين في سبيل كسب

أصواتهم مما يسمح للأقلية - وهم المسلمون - أن تفسد الأغلبية الهندوسية.

والأكثر اعتقاداً أن المسلمين ناشطون في مجال الدعوة ويقومون عملياً بتغيير

معتقدات الطبقات الهندوسية الدنيا وعلى رأسها طبقة المنبوذين.

ويعتقد حزب بهاراتيا أنه في سبيل تنفيذ سياسته أو برنامجه الانتخابي كما هو

متعارف عليه في النظام الديموقرطي لابد له من الوصول إلى السلطة حتى يتسنى

له تغيير الدستور والقوانين التي يمثل وجودها عائقاً أمام تحقيق برنامجه الذي

يتضمن فيما يتضمن هدم المسجد البابري، وتشييد معبد هندوسي على أنقاضه

بذريعة أن الأرض للهندوس وأن المكان شهد ولادة الإله رام إله التسامح والمحبة.

وهكذا استطاع الحزب ضمان أرضية انتخابية تضمن له نجاحاً بارزاً في أية

انتخابات قادمة وبالتالي دخول السلطة من بابها السهل بغض النظر عن الأسلوب

طالما أن الغاية تبرر الوسيلة.

ليست الغرابة في طبيعة حزب بهاراتيا - الذي هو أصلاً لا يعدو عن كونه

حزباً فاشياً عضويته مقصورة على الهندوس، ويقوده زعماء سبق أن كانوا قادة في

حزب جان سانغ المتطرف، والمعادي للإسلام والمسلمين والمنادي بفرض اللغة

الهندوسية على جميع سكان الهند ورفض إعطاء تنازلات للأقليات سواء أكانت

متعلقة باللغة أو التعليم أو قوانين الأحوال الشخصية - بل الغرابة هي مسارعة بقية

الأحزاب العلمانية للتعامل والتنسيق معه في الحملات الانتخابية بغية إخراج حزب

المؤتمر من السلطة. حيث لم يتلكأ حزب جانتا دال عن التحالف مع حزب بهاراتيا

في عام 1989م التي انتهت بفوز الأخير في 63 مقعداً مما جعله أكبر حزب

معارض في البرلمان الهندي، وبالتالي صار قادراً على إسقاط أية حكومة لا

تستجيب إلى بعض مطالبه.

الحقيقة تقال إن نجاح حزب بهاراتيا يعود في معظمه إلى فشل التجربة

الديموقرطية في الهند بسبب ممارسات خاطئة انتهجها حزب المؤتمر أكبر أحزاب

الهند والذي تزعم هو وحزب الرابطة الإسلامية تحرير الهند من بريطانيا مستفيداً

من ثورة المسلمين الكبرى على الإنجليز عام 1857م. وسبب فشل هذا الحزب

بالذات ناتج عن عجزه عن متابعة المسار الذي خطه له جواهر لال نهرو والقائم

على حفظ التوازنات بين جميع القوى الفاعلة، وتنشيط كوادر الحزب والاستجابة

لمطالبها على مستوى الولايات، وضمان تمثيل معتدل لها في السلطة المركزية.

فقد تحول حزب المؤتمر بعد وفاة جواهر لال نهرو وتولي أنديرا غاندي قيادته إلى

حزب عائلي محض يتمحور حول شخصية أنديرا غاندي التي أصبحت هي الحزب

والحزب هي، بمعنى أن برنامجه الانتخالي أصبح محصوراً ومرتبطاً بشخصها

بعدما كان في الماضي يعتمد على الكوادر المحلية في كل ولاية. وهذا التوجه أدى

إلى تراجع شعبية الحزب الذي لم يعد قادراً على إنتاج شخصيات مستقلة تستطيع

ممارسة سياسة تتعارض مع قائد الحزب طالما هي في النهاية تصب في مصلحة

الحزب والمجموع. لم يتراجع هذا النهج بعد وفاة أنديرا غاندي بل تعزز مع

وصول ابنها راجيف غاندي الذي قام بتعيين الوزراء في المقاطعات على أساس

الولاء الشخصي والمحسوبية الضيقة والمصلحة الآنية وبالتشاور مع دائرة محدودة

من المقربين والمنتفعين دون الرجوع إلى آراء الكوادر الحزبية.

لم يتردد راجيف غاندي في اتباع أية وسيلة، وممارسة سياسات ضارة منها:

الاستجابة للروح القومية الهندوسية، وإثارتها في سبيل كسب أصوات انتخابية،

وسحب هذه الورقة من الأحزاب الهندوسية المتطرفة. واتضحت تلك السياسة

الطائفية ووصلت نتيجتها الحتمية عندما أصدرت إحدى المحاكم المحلية - بإيعاز

غير مباشر من حزب المؤتمر - قراراً ينقض حكماً سابقاً بخصوص مسجد البابري

- مضى على صدوره 36 عاماً - ويسمح بالتالي للهندوس بممارسة الشعائر الدينية

أمام تمثال الإله رام الذي وُضع داخل المسجد في سنة 1949م.

لم تسفر سياسة الاسترضاء عن أية نتيجة إيجابية سوى تعزيز قدرة الأحزاب

المتطرفة، وتشجيعها على زيادة مطالبها، وبالتالي رفع حدة التقسيم داخل المجتمع

الهندي على أساس الوازع الديني، والإيذان بمرحلة جديدة يقودها التطرف ويُحكم

مسارها الحقد والكراهية؛ لذا لم يتردد زعيم حزب بهاراتيا بالقول: (إن ما حدث

في أيوديا كان بداية أساس للوطن الهندي) ! .

إن التجربة التي عاشتها الهند أخيراً تستدعي من القادة الهنود الوقوف قليلاً،

والتبصر بحكمة وصبر ورويَّة في أبعاد السياسات التي تنتهجها الأحزاب الهندوسية

المتعصبة ووضع خطة جديدة تلائم الواقع الهندي، وتنسجم أكثر مع شعارات

الديموقرطية التي ترفعها، وتأكيد الحكومة - فعلاً لا قولاً - أنها تعني ما تقول حتى

تعطي لنفسها المصداقية. وكنا نتمنى أن لا تبدأ سلسلة التراجعات الهندية الرسمية

التي بدأت بالوعد من قِبَل رئيس الوزراء ببناء المسجد ثم تحولت إلى بناء مسجد

ومعبد في نفس المكان ولكنها انتهت عملياً ببناء المعبد وإقفال ملف المسجد! .

ص: 72