المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌كشكول البيان تفاريق علمية. وأدبية. وفكاهية. وتاريخية: ونظرات في سير مشهوري - مجلة البيان للبرقوقي - جـ ١٥

[البرقوقي]

الفصل: ‌ ‌كشكول البيان تفاريق علمية. وأدبية. وفكاهية. وتاريخية: ونظرات في سير مشهوري

‌كشكول البيان

تفاريق علمية. وأدبية. وفكاهية. وتاريخية: ونظرات في سير مشهوري العلماء. والمخترعين: وشذرات في أخبار العالم وأحداثه الحاضرة.

أيها البحر

اللورد بيرن أكبر شعراء الإنكليز في القرن التاسع عشر وله قصيدة اسمها (تشايلد هارولد) من أبدع ما جادت به قريحة شاعر وفي هذه القصيدة قطعة رائعة يخاطب بها البحر آثرنا نقلها إلى العربية وهي هذه.

أيها الأزرق الرجراج جش كما تشاء، وتدفع في وشى الحباب، فعبثا تعلوك الأساطيل في عددها العديد، إنها لن ترك بك أثراً. إنما على وجه الصعيد يمرح الإنسان، وفوق الثرى يترك الرسوم والأطلال آيات علا مساعيه والمآثر. ودلائل على معاليه والمفاخر. ويترك الأربع الخاوية. والدمن العافية.

لا يدري البلا فيها سطور مبينه

عبارتها أن كل بيت سيهدم

ولكن سلطانه عند شاطئك محدود. وعن حرمك المنيع مردود ومصدود.

أيها البحر! على قفارك السيالة وبطاحك اللجية جل فعلك التحطيم والأغراق وفي جوفك الرغيب وصدرك الرحيب، جل آثار البشر أنقاض سفين. وأشلاء مسكين، ثم لا يبقى عليك من مطامع الإنسان ومفاتكه ظل ولا شبح إلا خياله، إذ يطفو في لجك الفوار ويرسب برهة ثم يهوى في ظلماتك الحالكة له زفرة تحت أروقة الماء راغية. هنالك يثوى لا جدث ولا صلاة ولا كفن ولا جنازة ولا آية ولا أثر.

لا مضطرب للإنسان على ظهرك، ولا متصرف له في مناحيك، ولا حماك بمستباح له ولا مطاك بمذلل، ولا سوحك بمرتع، ولا عرضاتك بمعرح، وليس من ميادينك يستفيد الغنائم ويأخذ الأسلاب. يأبى ذلك أنفك وحميتك وسورة لك كسورة الأقعوان الصل والضيغم الضايرم. يجرأ عليك الإنسان ويبسط القدم في سبلك وتغره من وجهك الطلق ابتسامة وضاءة فيراه في مأمن حتى إذا رنح الزهر عطفيه، ولوى التيه ليتيه، ترث به فنفضته عنك كما ينفض الليث البعوض عن لبده. محتقراً منه تلك السطوة التي يفسد بها الأرض ويسطو بها، على البر كلما أقدم عليك وظن أنه قد استمكن من صهوتك هجت عيه فحذفته

ص: 41

من فوق ظهرك كما يحذف الوتر سهمه تضرب به جبهة السماء وإنه ليرتعد في دفاعك الطماح. ويرعش ويرتجف في آذيك الممراح. ثم يهوى فتتلقاه على أعناق موج كالجبال وترمي به البر جثة هامدة. وجمرة خامدة.

إن الأساطيل التي ترمي بالصواعق كل حصن حصين ومعقل منيع فتزلزل بالأمم الطاغية. وتزعزع من الشعوب العاتية. وتطفر أحشاء الملوك على عروشها. وتطير ألباب الصناديد في جيوشها. هذا المدائن الحديدية التي تغر صانعها حتى يسمى نفسه أميراً عليك. ما هذا أيها البحر إلا لعبك تذوب. كأنها أفلاذ الجليد في تيارك المزبد متلف الأرمادا ومبيد الجواري المنشآت في ترافلجار (الطرف الأغر).

هذه سواحلك هل كانت إلا دولاً كباراً فزالت وأنت باق لم ت

من فوق ظهرك كما يحذف الوتر سهمه تضرب به جبهة السماء وإنه ليرتعد في دفاعك الطماح. ويرعش ويرتجف في آذيك الممراح. ثم يهوى فتتلقاه على أعناق موج كالجبال وترمي به البر جثة هامدة. وجمرة خامدة.

إن الأساطيل التي ترمي بالصواعق كل حصن حصين ومعقل منيع فتزلزل بالأمم الطاغية. وتزعزع من الشعوب العاتية. وتطفر أحشاء الملوك على عروشها. وتطير ألباب الصناديد في جيوشها. هذا المدائن الحديدية التي تغر صانعها حتى يسمى نفسه أميراً عليك. ما هذا أيها البحر إلا لعبك تذوب. كأنها أفلاذ الجليد في تيارك المزبد متلف الأرمادا ومبيد الجواري المنشآت في ترافلجار (الطرف الأغر).

هذه سواحلك هل كانت إلا دولاً كباراً فزالت وأنت باق لم تزل أيها البحر وهل كانت إلا ممالك فطاح بها الدهر وأنت ثابت، وأودى بها البلي وأنت في أولاك وآخرتك الغض الجديد. وماذا كانت أشوريا ويونان وروما وقرطاجة إلا بعض سواحلك أفدتها المجد والقوة. وأورثتها اليأس والفتوة أيام حريتها. ومنحت فاتحتها السلطة والجبروت أيام أسرها. ورقصت أمواجك طرباً على أعطاف هذه الدلو إبان عزها ونضرتها، وبكت أمواهك على لبانها يوم ذلها ونكبتها.

ثم بادت كأنها ورق جف

ف فأودت به الصبا والدبور

وحول فناؤها العمران خراباً. وبدل عقاؤها المخصب العشيب يبايا. ولكن هيهات منك ذلك، ويا بعد ما بينك وبين التحول والتدبل، ولا سبيل عليك للتغير إلا ما يكون من تقلب موجك القلق الرجاف، وتكسر متنك المرج الوجاف. وإن الزمن الذي لا يترك جبيناً حتى بغضه لم يجد تغضين جبينك اللازوردي سبيلاً. فأنت اليوم مثلك يوم بدء الخليقة.

أيها البحر. إنك المرآة العظيمة تتجلى فيها قوة الخالق عواصف وزوابع. لانت تمثال الأبدية وصورة الخلود وعرش الله في كل زمان ومكان ساكناً أو ثائراً تحت النسيم العليل، أو الصرصر العاتية، لدى القطبين منجمداً أو عند خط الاستواء فائرا. أنت الفسيح بلا حد الممتد بلا نهاية. تطيعك الأقاليم وتدين لأمرك المناطق. متدفق الأمواه هائم التيار مرهوباً مخوفاً منفرداً وحيداً.

أيها البحر لقد أحببتك طفلاً ويافعاً ورجلاً. وإن علي صدرك الحنون كانت ملاهي طفولتي

ص: 42

وملاب صباي. وجل مسراتي من مائك تولد تولد الحبب استدار فانفقاً، واستنار ثم انطفأ. وما زلت منذ طفولتي أعيث بتيارك أيها البحر ويعبث بي فإن طغا منك العباب فأرهب. وكما لجك الزخار فأرعب. فيا طيب ذاك من رعب وحبذا تلك رهبة. وماذا مخافتي إياك أيها البحر وإنما كنت كبعض سلالتك وبنيك أخلد لك وأسكن. وأطمئن إليك وأركن. وأمسح بيدي يا شبيه الأسد الزؤور. والليث الهصور. لبدك المتكاثقة كما أفعل الآن وسلام عليك.

اليوجنية

للفاضل سلامة موسى

علي أثر القنبلة التي قذف بها داروين في كتابه أصل الأنواع سنة 1859 انبعثت مخيلات الفلاسفة والكوبويين (أي طلاب الكمال الإنساني) تمرح في مضاربات شتى عن مستقبل الإنسان. فإن داروين قرر أن الإنسان حيوان تجري عليه نواميس الطبيعة كما تجري على الطلب والفأر والقرد.

وإذا كان الناس قد استأنسوا الفرس والثور والكلب ونزعوا عن هذه الحيوانات وغيرها وحشيتها القديمة بعدما أحثدوا فيها كفاءات جديدة فخليق بالحكومات أن تنظر للأمم بالعين التي نظر الناس بها للحيوان فتضع أمام عينيها معياراً للكفاءة الإنسانية فتستحث الأكفاء وتجازيهم على التناسل وتمنع أو تعرقل الزواج بين غير الأكفاء بأية طريقة.

إن الإنسان خلق كفاءات جديدة بين الحيوان فإنك ترى بين البقر الآن ما تكفل لصاحبها أكثر من رطل زبد كل يوم على حين أن البقرة الوحشية لا تزيد كمية الزبدة الموجودة في لبانها عن ثلث رطل في اليوم ولم يصل الإنسان لهذه النتيجة في البقر إلا بعد انتخات طويل ومراقبة دائمة بين ذكور البقر وإناثه. فكان كلما لاحت له بقرة كبيرة الضرع كثيرة اللبن استولدها وحفظ نسلها.

وبين الخراف الآن ما يكاد يعد معملاً لعمل الأصواف. فلا يكاد يجز صوفه حتى ينبت جثلاً طويلاً. وبينها ما تكبر البته وتتدلى إلى الأرض حتى يستعصي عليه المشي. وبين الخنازير ما يتناههي في السمن حتى ليقع ويلزم مكانه فلا يستطيع حركة ما فيتغذى وهو راقد كأنه نبات.

فالإنسان الأول وجد بعض مزايا في الحيوانات التي استأنسها كالصوف في الغنم والزبدة

ص: 43

في البقر والشحم في الخنزير فعمل على استيلاد هذه الحيوانات واستبقاء كل ماله قدر كبير من هذه المزايا وإفناء غيره. حتى أصبحت حيواناتنا الداجنة بعيدة الشبه عن أخوانها المتوحشة، بل بلغ اهتمام الأمر المتمدينة باستيلاد هذه الحيوانات أنها أنشأت أنواعاً جديدة لم تكن موجودة قبلاً.

مثال ذلك ما فعله مربو الكلاب الإنجليزية من إنشاء الكلب المعروف بـ بول تربر فإنه نتيجة الانتخاب الصناعي بين الكلب المعروف بـ بول دوج وتربر وقد أصبح الآن نوعاً قائماً بذاته.

بل بلغت قدرة مربي الحمام أن أحدهم يراهن على أن يوجد بعد عامين أو ثلاثة نوعاً يكون ريش قوادمه محبراً أو منمتماً على شكل مخصوص فيسعى لذلك باستيلاد ما هو أقرب إلى غرضه ولا يزال مجداً حتى يصل إلى غرضه.

فإذا كان مربو الدواجن يفعلون ذلك بالحيوانات يراقبون تلاقحها وينظرون إلى نسلها فينتقون وينفون حسب رغائبهم فما ضرنا أن نستعمل هذا الانتخاب بين الناس؟.

كذا يقول اليودجنيون. فاليوجنية هي علم تربية الشعوب وتأصيلها حتى يرقي الإنسان ويخطو نحو الكمال.

والرأي قديم تكلم عنه فلاسفة اليونان ومن أقوال أحدهم المسمى ثيوجنس إن الناس يعنون بتأصيل الخيول أكثر مما يعنون بتأصيل أنفسهم فلا يسمحون للهجين من الخيل أن يلقح كراثم الأفراس مع أنهم يسمحون لكل هجين من الناس بالزواج.

وقد قام غلتون الإنجليزي بعيد وضع داروين لنظريته وألف كتاباً عن اليوجنية استقرى فيه مدى انتشار العبقرية الإنجليزية مهما كان نوعها فوجد أن الكفاءات العالية تتوارث أباً عن جد على الرغم من نوع الوسط الذي ينشأ فيه الإنسان. وارتأى من ذلك أن العمدة في الكفاءات على الوراثة أي على ما يرثه الإنسان من أبويه لا على نوع التربية التي يربى عليها أو الوسط الذي يعيش فيه.

ومع ذلك قال بضرورة ألا تتزاوج العائلات الأصلية إلا من عائلات في مرتبتها نسباً وأصالة حتى يبقى الدم نقياً لا يشوبه أدنى هجنة.

وفي العالم المتمدين الآن مجلات يوجنية تستقرى نواميس الوراثة وتحض الحكومات على

ص: 44

الاشتراع اليوجني.

إن الإنسان نشأ من الحيوان. وكان أهم عامل في نشوئه وترقيه وفوزه على العالم الحيواني الانتخاب الطبيعي والانتخاب الجنسي ولعل الأخير أقوى من الأول.

فالانتخاب الطبيعي وفي الإنسان إذ أباد منه كل ضعيف لم يقو جسمه على المرض أو لم يقو عقله على الاحتيال للمعاش.

والانتخاب الجنسي رقى الإنسان بأن أباد منهم كل دميم أو قليل الحيلة لم يستطع اجتذاب الأنثى إليه فيخلف منها نسلاً.

وكان آباؤنا في زمن الهمجية الإنسانية يعيشون من غير ما ذرائع طبية تحفظ صحتهم من الأمراض تجتثهم ولا تبقي منهم غير القوي ذي المناعة الجسمية.

وكانوا لا يعرفون رحمة أو إحساناً أو صدقة. فكان يموت منهم أول أول كل من ضعف عن كسب حياته.

وكانوا يتقاتلون على حيازة الأنثى ويحتالون عليها لاجتذابها إليهم، فكان يفوز منهم قوى الجسم كبير الحيلة وينهزم منهم النكس الجبان.

فارتقى الإنسان بهذا الانتخاب لأن الذين أمكنوا من التناسل كانوا كبار الحيلة والعقل أقوياء الجسم.

أما الآن فقد استنت لنا المدينة سننا عرقلت الانتخابيين الطبيعي والجنسي فنحن نحافظ على المريض بكل أصناف العلاجات. ونحافظ على الضعيف بكل أصناف الصدقات والإحسانات. ونحافظ فوق ذلك على نسلهما بسماحنا لهما بالزواج. حتى لقد حقت علينا كلمة نيتشه إننا كلنا مرضى الآن.

لهذا السبب لاح للعلماء الأوربيين أن يعتمد الزواج لا على العتاق من الناس كما نفعل في الخيول بل على الأصحاء عقلاً وجسماً. لأن معرفة العتق في الإنسان أو توخيه ليس سهلاً هيناً ظاهراً كما هو في الخيول.

فالعتيق من الخيل في نظرنا السريع الرشيق ولكن كيف يكون العتيق من الناس؟. لهذا السبب يقتصر اليوجنيون على توخي الصحة الجسمية والعقلية فيشترطونها على من يريد الزواج.

ص: 45

وترى الولايات المتحدة الآن قد اشترعت مجالسها شرعاً حرمت بواسطتها الزواج على المسلولين والمعتوهين وأمثالهم حتى يأتي النسل سليماً صحيحاً.

على أن مما يعرقل تزاوج الأكفاء الآن انحصار الثروة في طبقة من الناس وفقر الطبقات الأخرى بحيث صار الزواج يعقد بقوة المال لا بقوة الكفاءات التي في المتزاوجين. فالشابة الغنية تضطر إلى التزوج من الشيخ الهم المتهدم لمجرد غناه فيذهب جمالها وشبابها سدى على الأمة. أو تضطر لهذا السبب أيضاً إلى التزوج ممن هو أقل منها كفاءة عقلية أو جسمية.

ولكن لا يجب أن ننسى مع ذلك أن وجود الكفاءات في الطبقة الغنية أرجح من وجودها في الطبقة الفقيرة بوجه عام مع كل ما في نظامنا الاقتصادي الحاضر من الظلم.

ومن هنا أظن أن الإسلام أفاد الأمم التي دانت به بسماحة بالضرار - تعدد الزوجات - لأنه زاد كفاءاتها بذلك.

واليوجنيون يتوخون الآن اشتراع شرعة جديدة للزواج يصير فيها الزوجان حرين يعيشان معاً أو ينفصلان بعض من بعض إذا أراد أحدهما ذلك. أي يبقيان معاً ما بقي الحب. لأن الحب أهدى قائد للزواج الصحي الصحيح فانتفاؤه من بين الزوجين يدل على انتفاء الصحة من هذا الزواج أيضاً فيصير مضراً بهما وبالأمة.

هذا هو الزواج الحر الذي يتوخون. ولعمري لقد سبقهم الإسلام إليه. فعندنا يجوز للمرأة أن تحفظ عصمتها بيدها فتطلق وقت ما تشاء وتبقي ما بقي الحب لزوجها. ولقد كانت إحدى الأميرات متزوجة من زوجها حافظة بيدها عصمتها على هذا النحو.

وإني بإزاء الكلام الذي كثر حديثاً عن ضرورة إنشاء الحكومة المصرية للزواج المدني أرى أن يجعل هذا الزواج الإسلامي قاعدة له على نحو ما فعلت الحكومة أيضاً بقانون المواريث. فإن الطوائف الغير المسلمة تجري عليها راضية به.

أعجب المخترعات

من بين المخترعات الحديثة التي توالت على العالم بفضل العلم اختراعان مدهشان اهتدى إليهما عالمان من أكبر علماء أمريكا، وعضوان في مؤتمر الجمعيات الأميركية لتحقيق علم الحياة، المخترع الأول فجهاز يخرج الدم من الجسم فينقيه من أكداره ثم يرده على الحركة

ص: 46

الدموية ثانية كما كان. والثاني آلة تدل الإنسان عما إذا كان حقيقة جائعاً أم لا، وقد جرب الأول في كثير من الفيران البيض للتحقق من صحته. وذلك بأن أدخل في جسمها صبغة مخصوصة وتركت بضع دقائق حتى دارت مع الدورة الدموية، فلم يظهر على هذه الحيوانات أدنى ألم، بل تغير من تأثير الصبغة الخضراء ذيل أحدها وصار مخضراً، وبدا على إنسان عينه لون الزمرد وأحمر لون فأر آخر من أثر الصبغة الحمراء.

أما الاختراع الثاني فقد جربه صاحبه في نفسه ذلك وذلك أن ابتلع بالوناً صغيراً مستطيل الشكل مصنوعاً من المطاط، وصله بأنابيب مطاطية طويلة، ثم جعل ينفخ في البالون ويكبره وهو في معدته بواسطة هذه الأنابيب وألصق بها ورقاً حساساً ثم قال إن الجوع يجعل عضلات المعدة تقبض على البالون وتضغط عليه فتطرد الهواء إلى الأنابيب، فيظهر في الورق الحساس مبلغ جوعها. فمتى يذيع هذان المخترعان العجيبان؟.

روح الاشتراكية

لم تعد الاشتراكية اليوم حلماً ولا خرقاً كما كان الناس يتوهمون من قبل، بل هي اليوم سارية في كل بلاد المغرب فلا يكاد يطبع كتاب في فرنسا أو ألمانيا أو إنجلترا حول صلاحية الاشتراكية حتى ينفذ ويعاد طبعه، وقد نقحوا في المذهب وتصرفوا، وأصبح غرض الاشتراكية الحديثة هو كما يأتي:

إن غرض الاشتراكية الأكبر هو عدم حرمان العمال من المصادر الطبيعية للحياة ومن التعليم، ومذهب الاشتراكية يرتكز على قاعدة أن سير التطور الاجتماعي كل هذه القرون كان مفضياً بالتدريج إلى فصل طبقات العمال عن امتلاك الأرض ورأس المال، وتأسيس نوع جديد من الرعية وهي رعية العمال الذين لا يملكون من حطام الدنيا ما يعتمدون في الحياة عليه إلا أجوراً زهيدة لا تغنى ولا تجدي، والاشتراكيون اليوم يقولون أن النظام الحاضر (أعني النظام القائم على أن رأس المال والأرض في حوزة أفراد مخصوصين يدأبون في جمع الثرة وادخارها) لابد أن يؤدي إلى فوضى اجتماعية اقتصادية، وإلى شفاء العامل وأسرته، وإلى ذيوع الشرور والبطالة بين طبقات الأغنياء وتابعيهم وإلى فساد العمل وتقهقره، وإلى ذيوع الشرور والبطالة بين طبقات الأغنياء وتابعيهم وإلى فساد العمل وتقهقره، وإلى الدمار والاضطراب والقحط. بل إن النظام الحاضر يفضي إلى تقسيم

ص: 47

المجتمع إلى طبقتين. إلى أصحاب ملايين. يقف وجوههم جمهور من الفقراء المعدمين. وليس لذلك من عاقبة إلا الخراب الاجتماعي أو الاشتراكية.

ولتجنب هذه العواقب الوخيمة ولضمان المساواة في توزيع مصادر السعادة ووسائلها يرى الاشتراكيون أن الأرض ورأس المال يجب أن يوضعا تحت حماية المجتمع وفي حوزته.

وأهم التغيرات التي حدثت بين صفوف الاشتراكيين هو أن سوادهم لم يعودوا بعد يعترفون بأنهم يستشهدون بنظريات الاقتصاد السياسي ويرتبطون بمسائله. لأن قواعد كارل ماركس أفسحت المجال للأخذ بالمذهب القائل بأن لا توضع القوانين والقواعد إلا بما يلائم الظروف وقد استعاض الاشتراكيون اليوم عن غرضهم من أحداث انقلاب في النظام بالتغلغل في صميمه، وقواد هذه الحركة رجال أوتو النشاط بعد النظر والاستشهاد في سبيل تحقيق مذهب يستعين برحمة الإنسانية وشفقتها.

وإليك صورتي زعيمين من زعماء الاشتراكية أولهما المسيو جوريس وهو في طليعة السياسيين، والآخر هو المسيو بردوهون من الفلاسفة.

وصايا الموتى وغرائبها

الشواهد كثيرة على غرائب الوصايا التي يتركها الناس لتنفذ بعد موتهم، ومن ذلك أن اللورد بورتار لنجتون أمر أن يدرج في قبره وكل خواتمه في أصابعه، ووصي اللورد أوركني أهله أن يشيعوه فوق نعش قديم حتى لا يشهد جنازته أحد، وأن لا يضعوا زهوراً على قبره، وأعلم ابن أخته بأنه سيجد وسامه مرمياً في أحد مخازن القصر. ومن بين الذين قضوا نحبهم في هذه الأيام رجل من أرباب الملايين في ويانة عاصمة النمسا، فأفرد مبلغاً من المال وطلب أن يدفع منه على إنارة ضريحه، بل وصندوقه الموسد فيه. بالأنوار الكهربائية عاماً كاملاً. وطلب رجل من الفرنسيين أن يرموا جثته على مسافة ميل من السواحل الإنجليزية. إذ كان ساخطاً على أمته، حانقاً على الشعب الفرنسي، حتى أنه لم يرض لنفسه أن يدفن تحت ثرى فرنسا، ولا أن يسمح لأحد من أقاربه أو بني جلدته بالانتفاع من موته، بل ترك جميع ماله وثروته إلى فقراء مدينة لندن.

حظوظ المخترعين

لم تكن أغرب الاختراعات لتجلب دائماً لصاحبها أعظم الثروات. يقولون إن المزالج جلبت

ص: 48

لصاحبها ستمائة ألف جنيه، وأن أول رجل صنع أربطة الأحذية كسب منها نحو نصف مليون من الجنيهات، وإن مخترع الدبابيس الحديثة ربح مليونين من الجنيهات، كل هذا بينما ترى شارل بورسيل الذي اكتشف قانون التلفون عام 1855 ووصفه، مات شيخ الفقراء، وميشو مخترع الدراجة البسكلت قضي دهره في أسوأ حال وأنكد عيش، وفردريك سوفاج الذي ينسب إليه اختراع الدفة البخارية حكم عليه بالسجن ومات مفلساً مجنوناً.

هل يشفي البرد من الصلع؟

سؤال يخطر لنا إذا ذكرنا الحقيقة القائلة إن البرد يعمل على نمو الشعر، وقد أكد السير شاكلتون ذلك المكتشف العظيم أن كثيرين من رجال رحلته كانوا قبل سفرهم معه إلى أقاليم القطب المتجمد صلع الرؤوس ولكن لم يكد يمضي عليهم بضعة أسابيع في القطب الجنوبي حتى بدأ شعرهم ينبت ويأخذ في الغزارة والنمو. فلما عادوا من سياحتهم كانوا ذوي شعور جثلة غزيرة كثيفة.

وانظر إلى الحيوانات تر أن ليس في بلاد الدنيا بأسرها ما يشبه الأقاليم القطبية في غزارة فرى حيوانها، وقلما تجد في النساء امرأة صلعاء! ولا في الخصيان خصياً أصلع وذلك لرطوبة أمزجة الفريقين.

أصحاب ملايين مغمورين

لما علم الناس فجأة بأن رجلاً من الإنجليز يدعى المستر هلابي ديلي ابتاع ضيعة دوق بدفورد بنحو من ثلاثة ملايين من الجنيهات. تردد على شفاههم هذا السؤال من هو المستر ديلي؟ فلم يعرفه أحد من الجمهور الإنكليزي. ولم يعلم بأمره إلا القليلون من أرباب المصارف وأمثالهم. وإذا كانت مدينة لندن تفخر بفئة من المتادرين بالملايين مثل المستر ديلي هذا. فإن فيها جماعة من الناس يدفعون في أغراضهم وحاجاتهم مئات الألوف من الجنيهات (بصفة سمسرة) ليس غير. هذا رجل اسمه المستر برش كرسب في لندن يكاد يكون أحمل أهلها أقرض الجمهورية الصينية عشرة ملايين من الجنيهات. ولم يسمع به قبل ذلك الجمهور ولا علم بخبره ولا بوجوده ولكنه وثب إلى النباهة بغتة بقرضه الذي أدى إلى خلاف بينه وبين الحكومة الإنجليزية بل والدول العظمى إذ أرادوا أن يمنعوه من إقراض الصين. ولكنه أبى إلا أن يقرضها قرضاً حسناً.

ص: 49

ولم تكن دهشة الشعب الإنجليزي قليلة يوم مات المستر شارلز مورسن تاركاً أحد عشر مليون جنيه إذ لم يكن مورسن هذا رجلاً معروفاً من الجمهور، وكذلك مضى في حياته يجمع هذه الثروة الطائلة. ولا يدري بشأنه أحد.

شهر العسل في قاع البحر

لما رأى الكولونيل فلمنج وهو من أرباب الملاين في أمريكا وخطيب ابنة الدكتور ويلسن رئيس جمهورية الولايات المتحدة أن أرباب الصحف والمجلات ستتهافت على عروسه ويسدون عليهما المنافس أجمع أمره على أن يأخذها يوم الزفاف إلى مركب غواصة له ويقضيا جزءاً من شهر العسل في قاع البحر.

وكانت العروس موافقة على اقتراحه ولكن وجدا مانعاً واحداً وهو أن العروس لا تستغني عن وصيفة لها ووجودها من صعائب الأمور. ولكن وجد أخيراً خادمة رضيت أن تأخذ ست جنيهات في الأسبوع وتذهب معهما واشترطت عليهما أن يؤمنا على حياتها بمبلغ وفير. فأخذها معهما تجربة على أنها لم تستقر في الغواصة وهي تمخر العباب تحت أديم الماء. حتى تشنجت وأصابها الإغماء. فلما طفت بهم الغواصة فرت لا تلوى على شيء.

أما العروسان فلا يبرحان مصرين على قضاء شهر العسل تحت أديم البحر.

ملك الأوز

إن في تربية الأوز غنى طائلاً وثروة كبرى لو بدئت برأس مال صالح وصبر كاف على متابعتها.

ولعل أكبر مرب للأوز الآن. وإن شئت فقل ملك الأوز، هو رجل من أهل ولاية الأللينوا في الولايات المتحدة. رأى أن تربية هذه الأطيار وتسمينها خير له وأجدى عليه من امتلاك مصرف مالي. وكان من أصحاب المصارف. ومعدل عدد الأوز الذي في مزرعة عشرة آلاف. وقد أعد لها مستشفى خاصاً ومحبساً يحبس فيه ما كان منها شكساً متلافاً. وإذا كسر لواحدة منها جناح أو أصابها أذى أخذت إلى المستشفى لمعالجتها.

متفرقات في بضعة أسطر

سبع وفيات العالم من داء السل. معدل خطوط الترام في مدينة لندن ميل واحد لكل ثلاثين ألف من السكان أما ثغر مانشستر فميل واحد لكل خمسة آلاف.

ص: 50

يشتغل في لندن بالليل من الشرطة والصحفيين والخبازين ومستخدمي مصلحة البريد وسماسرة الأسواق المالية مائة وعشرون ألف رجل.

في زيلاندة الجديدة كل رجل يخلو من مرتزق أو عمل له الحق أن يطلب التوظف في أية خدمة في الحكومة بالأجور الحاضرة.

في موكب زفاف في مدينة واشنطن عاصمة الولايات المتحدة زف اللورد داونشير مدير المطافئ عروساً في إحدى مطافئه حتى بلغت الكنيسة.

أكبر مزرعة في الدنيا لتصدر اللبن والزبدة هي ضاحية من ضواحي مدينة وينبج من أعمال كندا فيها نحو من ألفين وخمسمائة رأس من الغنم. منها ألف وخمسمائة حلوب ومجموع ما يخرج منها من الزبدة واللبن يبلغ ثلاثة ملايين من الجالونات.

قتل فتى في الصين أباه فحكم عليه بالإعدام وكذلك حكم على معلمه لأنه لم يؤدبه أكثر مما أدب.

وجد طبيب مذبح في معدة بقرة، مصراعاً من الحديد يبلغ طوله ثلاث بوصات ونصف بوصة وقبل هذه الحادثة بعامين وجد طبيب آخر في معدة حيوان ستاً وثلاثين شلناً.

معلومات جديدة عن داء الزهري

إن اكتشاف داء الزهري في الأرانب قد فتح باباً جديداً للبحث في استئصال هذا الداء، ومن الجائز استعمال الاكتشاف الذي اهتدى إليه الأستاذ إدوارد جينر لمنع داء الجدري وإتباعه في منع داء الزهري. لأن طفيليات الجدري وجدري البقر والزهري البشري والحيواني يظهر أنها من نوع واحد من المعقول إذن أن نتصور أن الزهري الذي يصيب الأرانب إذا طعم بها المصابون من الناس قد يمنع هذا الداء الوبيل عنهم. ولا شك أن تطعيماً من هذا القبيل قد يأتي بالأمل الكبير في الشفاء. ولكن ما دام اسم الزهري مخجلاً عند الناس إلى هذا الحد. وما داموا يلتزمون فيه السكوت. ويركنون إلى الصمت. ويأخذهم الحياء الكاذب في البحث علناً ويسمع الجمهور. فإن الصعوبات ستكون ولا ريب شديدة.

ص: 51