الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإصلاح ومنتحلوه
ودعوة إلى الإصلاح
من ينظر إلى كثرة مدعي الإصلاح اليوم نظرة عارية من التدقيق يتخيل أن الأمة أخذت تتمسك بأهداب الرقي وأنها قد تهيأ لها من رجال الإصلاح ما يكفل سعادتها وينهض بها في قليل من الزمن ولكن المفكرين لا يأبهون لهذه الضجة القائمة بل يعدونها ضغثاً على إبالة وسبباً جديداً من أسباب الانحطاط لم تبل الأمة بشيء بلاءها بهؤلاء الذين ينادون بالإصلاح وهم منه براء، ويدعون إليه وأفئدتهم هواء، يقولون ما لا يفعلون، ويهرفون بما لا يعرفون يقوم قائمهم يدعو الأمة إلى اتباع رأيه، والاهتداء بهديه، ولو فكرت فيه لوجدته أقل من أن يسمع له رأي أو يعمل له بفكر بل لوجدته في الغالب من شذاذ الناس الذين قعد بهم حب البطالة أو قصر الباع عن أن ينفعوا الأمة بشيء من الأعمال فاستلانوا هذا المركب الخشن ظناً منهم أن كل من كتب على صفحات الجرائد يعد كاتباً، وكل من نادى بالإصلاح يعد مصلحاً ولو دفع الأمة إلى الشقاء وأوقعها في أقصى درجات الانحطاط وفاتهم أن الأمة وإن تغاضت عنهم ردحا من الزمن فلا بد من أن تنبه إليهم وتناقشهم الحساب فيذوقوا وبال أمرهم ويلاقوا عاقبة شرهم.
لو تأملنا قليلاً لوجدنا أن أكثر هؤلاء الذين يدعون الإصلاح هم ينبوع الشر وجرثومة الفساد وأن الأمة لا ينساب إليها الضرر إلا بسببهم ولا يحيق بها الخطر إلا من تهورهم فمنهم من غلب عليه حب الشهرة والرغبة في الصيت فتراه يكتب ويخطب وينخرط في سلك الجمعيات السياسية والخيرية ليقال عنه الكاتب المفكر والحر الغيور فإذا زفت له هذه الألقاب الفارغة سكنت ثائرته ولانت شرته وانكفأ يحمد مسعاه ولاهمَ له إلا أن يعرض على من عرف ومن لم يعرف أنه كتب مقالة نشرت في جريدة كذا وقريء شعره في حزب كذا وخطب ارتجالاً في حفلة كذا وأنه أصبح من العالمين ومنهم من يخدم شهوته ويعمل لذاتياته لا للنفع العام فينظم وينثر وينتقد أعمال الحكومة بصورة مفسدة لا مصلحة ويتسلط على الكبير والصغير ويحتقر المأمور والأمير ويتظاهر بحب الوطن ورقيه كل ذلك لينال وظيفة أو يروج جريدة فهو دائماً يميل مع الأهواء ويتقلب مع الأحوال فيذم اليوم من يمدحه بالأمس ويقدس في الغد من ينتقده اليوم حتى إذا ما أتيح له ذلك قال ذلك ما كنت أبغ
فاجعلني اللهم من الشاكرين ومنهم من يتظاهر بالإصلاح الديني فيجعل من الدين ما ليس منه وينكر منه ما هو ثابت فيه ويغرر العامة فتارة يدعوهم للاجتهاد وأخرى يريدهم على أن لا يتوسلوا بالأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم ومرة يطعن بالصحابة الكرام وعلماء الدين الأعلام وآونة ينقض أسس الدين فينكر الإجماع والقياس ويفسر الكتاب والسنة بما لا يرضاه الله ورسوله فهذا القسم أشد الأقسام ضرراً وأعظمهم خطراً وما الدافع له على ذلك إلا جهله المشين أو خدمة المبادئ الأجنبية لقاء وعد خلب أو مال يتقاضاه أجرة على تفريق المسلمين.
ومنهم من يرى الإصلاح بتقليد الغربيين فيدعو إلى التمثيل والخلاعة واللهو والفحش ويطلب الاقتداء بهم في الأزياء ورفع الحجاب وغير ذلك من الأمور الضارة ويترك ما للغريبين من الصنائع والمعامل والاختراعات والاكتشافات ويظهر للناس إن الأمم الغربية لم ترق هذا الرقي إلا بترك الدين الذي هو العقبة الكؤد في سبيل الترقي والنجاح على زعمه الفاسد ويحملهم على الاستخفاف بعلماء الدين ويلصق بهم التهم ويعرض بهم في الجرائد والمحافل لأنهم يحولون بينه وبين ما يريده من دفع الأمة في تيار الفوضى الأدبية والانغماس في الملذات الجسمية السافلة - ومنهم من ينفخ بالأمة روح العصبية الجسمية والنعرة القومية جاهلاً أو متجاهلاً نهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن الدعاء للعصبية - إن مسألة الجنسيات اليوم كادت أن تكون مسألة المسائل ولم يطرأ على الأمة شيء أكثر وأعظم ضرراً من هذه الفادحة التي إذا دامت تتزايد على هذه الصورة المزعجة تكون سبباً في تفريق جماعة المسلمين وفصم عرى الوحدة بين العثمانيين وبذلك يكون الداعون إلى هذه المسألة قد مهدوا السبيل للطامعين في البلاد وذللوا لهم الصعاب - إلا فليتق الله أولئك المفرقون وليعتبروا بما آلت إليه حال المسلمين من جراء تفرقهم واختلافهم وكيف وقعوا في شرك العدو فأذل رجالهم وأفقر بلادهم واضطهدهم في دينهم وعاداتهم.
هؤلاء الذين تقدم ذكرهم لا يبالون بالأمة ارتقت أو انحطت تقدمت أو تأخرت. وإنما يجرون حسب أغراضهم وأهوائهم التي سبق تفصيلها حتى إنا رأينا كثيراً منهم وخصوصاً الصحافيين يتقلبون في المسألة الواحدة مرات عديدة حسبما تدور مصلحتهم ويكون نفعهم. ويوهمون البسطاء من الناس أنهم إنما يريدون بهم خيراً وأنهم ساعون في تثقيفهم وتهذيبهم
ويدسون من وراء ذلك من عوامل الشر والفساد ما يفت في ساعد الأمة ويجعلها في أخريات الأمم وقد استعملوا لتنفيذ مآربهم ونشر مفاسدهم سلاح الوقاحة والكذب فيأتون مثلاً إلى من أطبقت الناس على علمه وفضله فيصفونه بالجهل لمخالفته لهم في الرأي ويأتون إلى أجهل الناس وأحقرهم فيسمونه عالماً اجتماعياً أو زعيماً من زعماء الإرشاد ولا ثمن لتلك الألقاب إلا انصياعه لهم وتقديسه لأعمالهم وهم لا يخجلون إذا ظهر كذبهم وافتضح أمرهم لما اعتادوا عليه من الوقاحة وقلة الحياء (إذا لم تستح فافعل ما شئت) وشر كذبهم ما ينشرونه على صفحات الجرائد من غير مبالاة مع أن واجب على الصحافة أن تتحرى الصدق في أخبارها لأنها ستكون يوماً ما مادة للمؤرخ ومرجعاً للباحث نحن نعتقد أنه يوجد من بين هؤلاء الذين ينادون بالإصلاح رجال أخلصوا لأمتهم وأجهدوا أنفسهم لأن يرقوا بها في معارج الكمال ولكن العالمين من هؤلاء المخلصين قليلون لذلك كان عملهم عقيماً إذا لم نقل أن ضرره أكثر من نفعه.
فالإصلاح يحتاج إلى العمل والجد والإخلاص واحتياجه إلى العلم اشد وافتقاره إليه أكد ولا فائدة من مصلح لا علم له كما لا فائدة من حاكم لا سلطة له فالخسران لأمة تقودها العمي ويصلحها الجهال.
أيها العلماء المخلصون إن زمن السكوت قد انقضى بما منحتم من حرية الكلام والمجاهرة بالرأي فلا تتركوا الأمة تقع في مهاوي الدمار بسب هؤلاء المفسدين. أيها العلماء إن الله محاسبكم غداً عن هذه الأمة المسكينة التي تتقاذفها الأهواء منكل جانب فإنا لا نعلم وظيفة جوهرية لكم غير الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فخذوا بيد هذه الأمة وأنقذوها مما هي فيه.
واعملوا يداً واحدة على إيقاظ شعور المسلمين. علموهم كيف يرجعون إلى أخلاقهم علموهم كيف يكونون أقوياء في دينهم ودنياهم انشروا الآداب الإسلامية بينهم أصدروا الصحف الدينية لتسير في مشارق الأرض ومغاربها اعملوا على أن تقوموا بوظيفة الإرشاد حق القيام فإنكم منذ أهملتم وظيفتكم أخذ دعاة الفساد يسممون الأفكار ويضللون العامة ويتسلطون على الآداب ويطالبون الحكومة مطالبة حثيثة باسم الأمة أن تسير على أفكارهم وتنصاع لآرائهم وفي ذلك من ضرر مالا يخفى عليكم أيها العلماء. هذه الشريعة المطهرة ما اعتصم
بها أحد إلا نجا وفيها ما يوسرنا عليه لفقنا أمم الأرض وهذه كتب الفقه ملئ بالقوانين والمسائل المطابقة لحالة الزمن ولا ينقصها إلا أن تستخرج بأيديكم ألفوا الجمعيات لهذا الغرض الشريف وغيره من الأمور العامة. فإن الأمة معكم ولا تبخل بما لها عليكم ويد الله مع الجماعة أليس من العار أن نسام الخسف ونحن المسلمون وفينا العلماء والصلحاء والكتاب والمؤلفون والمفكرون مع أنه لا ينقصنا إلا أن نجتمع ونعمل يداً واحدة لنفوز في معترك هذه الحياة التي أصبحت بيد غيرنا بسبب ما أحدثوه من الاستعدادات وعلى كلٍ فأول واجب عليكم أن تكموا أفواه هؤلاء الذين يدعون الإصلاح من المتفرنجين والدساسين والساعين إلى أغراضهم حتى لا نكون عاملين على الخير وغيرنا عامل على الشر وفي ذلك من الخير مالا يقدر. وفق الله علماءنا إلى ما فيه لسعاد المسلمين.