الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تحريم المتعة
3
تابع لما جاء في المجلد الأول ص403
علم مما قدمنا أن مؤلف الرسالة نقل عن صحيح الترمذي أن رجلا من أهل الشام سأل ابن عمر رضي الله عنهما عن متعة النساء فقال هي حلال الخ.
والجواب أن ما نقله مؤلف الرسالة لم نجده في باب المتعة من صحيح الترمذي بل رأينا فيه ما يؤيد خلافه وهو حديث ابن عباس المصرح بتحريم المتعة وقد تقدم ص 407 من هذه المجلة. فعلى مؤلف الرسالة أن يبين لنل موضعه من ذلك الكتاب لننظر فيه.
وأما ما ادعاه من أن أحاديث التحريم مضطربة متناقضة الخ فنجيب عنه بعد أن نبين فساد ما زعمه من التناقض ليتميز السقيم من الصحيح والحق من الباطل وهاك خلاصة كلامه قال أن أحاديث التحريم مختلفة في تاريخ الإباحة والنسخ فان في بعضها أن النسخ كان في غزوة خيبر وكانت في المحرم سنة سبع من الهجرة. وفي بعضها أنه كان في عمرة القضاء وكانت في ذي الحجة سنة سبع من الهجرة. وفي بعضها أنه كان يوم فتح مكة بعد أن أباحها وكان فتح مكة في رمضان ثمان من الهجرة وفي بعضها أنه كان عام أوطاس بعد أن رخص فيها ثلاثة أيام وكانت غزوة أوطاس في شوال بعد غزوة حنين بقليل وفي بعضها أنه كان في غزوة تبوك وكانت في رجب سنة تسع من الهجرة وفي بعضها أنه كان في حجة الوداع بعد أن أباحها وكانت سنة عشر من الهجرة فعلى هذه الروايات تكون قد أبيحت ونسخت سبع مرات لا مرتين فقط كما حكاه النووي فأي اختلاف وتهافت أعظم من هذا. وبين غزوة حنين وفتح مكة نحواً من شهر فتكون قد أبيحت وحرمت في شهر مرتين وبإضافة أوطاس تكون قد حرمت وأبيحت في نحو من شهر ثلاث مرات وما سمعنا في الشريعة بحكم نسخ ثم أعيد ولو مرة واحدة. فضلاً عن سبع مرات أو مرتين فما هذا إلا تلاعب في الأحكام وما هذا إلا شأن المتقلبين المتلونين تعالى عن ذلك رب العالمين فهذا مع ما سيأتي من وجوه الاختلاف يقضي بأن تلك الأحاديث موضوعة مختلقة قصد بكل واحد منها تصحيح ما حرمه عمر ولم يطلع أحدهم على ما وضعه الآخر فوقع هذا الاختلاف إلى أن قال فالأولى الاعتراف بأن تلك الروايات كغيرها مكذوبة موضوعة ثم
قال فلابد من طرحها جميعها والأخذ بما علم ثبوته بالكتاب والسنة وإجماع المسلمين ثم زعم مؤلف الرسالة أن الروايات المتقدمة تدل على إباحة المتعة ثم تحريمها مراراً عديدة وأن النهي ظاهر في التأسيس لا التأكيد الخ ما قاله. . . .
ونقول إما اعترافه بأنه لم يسمع في الشريعة بحكم نسخ ثم أعيد ولو مرة واحدة وأن تكرر النسخ تلاعب في الأحكام فهو دليل على عدم اطلاعه.
إذ قد ثبت تكرار النسخ في استقبال القبلة وأكل لحوم الحمر الأهلية كما هو معروف وأما قوله ما هذا إلا شأن المتقلبين إلى قوله قصد كل واحد منها تصحيح ما حرمه عمر إلخ. . ففيه أولاً أن عمر رضي الله عنه ليس هو الذي حرم المتعة بل إنما حرمها رسول الله صلى الله عليه وسلم كما علم مما بيناه وثانياً أن أهل السنة إنما يروون ما صح عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من غير تحزب لرأي ولا انحياد لمذهب ولم يتعودا النفاق كما اعتاده بعض المبتدعة الذين لم يرقبوا في دين الله إلا ولا ذمة. فالقول بأن أهل السنة قصدوا تصحيح كلام عمر رضي الله عنه ما هو إلا افتراء عليهم إذ لو صح غير ذلك لرووه وبينوه. . . . وأما ما زعمه مؤلف الرسالة من أن أحاديث التحريم متعارضة متناقصة وأن النهي ظاهر في التأسيس لا التأكيد وأن الأحاديث تدل على الإباحة مرارا عديدة فهو زعم فاسد وفساده من وجهين الأول أن النهي لايقتضي سبق الإباحة بل قد يكون لرفع الإباحة السابقة وقد يكون لغير ذلك كالتأكيد ونحوه ويدل لذلك ماورد في كتاب الله عز وجل كقوله تعالى واشكروا لي ولاتكفرون فإن الكفر لم يكن مباحاً البتة ويدل له أيضاً ماأخرجه البخاري وغيره من حديث نفيع رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قعد على بعيره بمنى يوم النحر في حجة الوداع وأمسك إنسان بخطامه أو بزمامه ثم قال أي يوم هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه سوى اسمه قال أليس يوم النحر قلنا بلى قال فأي شهر هذا فسكتنا حتى ظننا أنه سيسميه بغير اسمه فقال أليس بذي الحجة قلنا بلى قال فإن دماءكم وأموالكم وأعراضكم بينكم كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا ليبلغ الشاهد الغائب فإن الشاهد عسى أن يبلغ من هو أوعى له منه فبهذا الحديث الشريف يتضمن النهي عن انتهاك الدماء والأموال والأعراض ولاريب في أن ذلك كله كان معلوما تحريمه عند الصحابة رضي الله عنهم كما هو واضح فنهي النبي عليه الصلاة والسلام
يومئذ عن انتهاك شيء منها إنما هو لمجرد التأكيد، فكذلك النهي على فرض صحة تكراره أكثر من مرتين إنما كان للتأكيد. وأمثال ذلك لاتحصى.
(والثاني) إن ماذكره من الأحاديث ليس كله بدرجة واحدة بل منها الصحيح وغيره فلا تصح دعوى التعارض إذا التعارض هو تقابل الحجتين على السواء وها نحن نبين رتبة كل حديث منها تأييداً للحق وحفظا للشرع خشية أن يغتر بمثل الرسالة المذكورة جاهل من بسطاء العامة فنقول.
أما حديث النهي يوم خيبر عن المتعة فهو حديث صحيح لامطعن فيه ولايصح لمؤلف الرسالة أن يقول أن حمل رواية حنين على الوهم ليس بأولى من حمل رواية خيبر عليه لأن حديث النهي يوم خيبر ثابت من رواية الثقات الإثبات وقد تعددت طرقه رواه البخاري عن مالك بن اسماعيل عن ابن عبينة عن الزهري عن ابن الحنيفة ورواه مسلم عن يحيى عن مالك عن ابن شهاب عن ابن الحنفية ورواه أيضاً عن عبد الله عن جويرية عن مالك بالإسناد المذكور رواه أيضاً عن ابن أبي شيبة وابن نمير وزهير ابن حرب عن ابن عيينة عن زهير عن سفيان عن عيينة عن الزهري عن ابن الحنفية رواه أيضاً عن محمد عن عبيد الله عن ابن شهاب عن ابن الحنفية ورواه أيضاً أبي الطاهر وحرملة عن ابن وهب عن يونس عن ابن شهاب عن ابني الحنفية عن أبيهما عن أبيه على ابن أبي طالب ورواه النسائي أيضاً من عدة طرق ورواه ابن ماجة أيضاً في سننه ورواها الإمام مالك أيضاً في الموطأ ومن قال أن النهى عن المتعة يوم خيبر شيء لايعرفه علماء الأثر الخ لايعول على كلامه لأن المثبت مقدم على النافي ومن حفظ حجة على من لم يحفظ كما هو مشهور وتمسك مؤلف الرسالة بذلك بعد اطلاعه على نقضه لا يفيده بل هو مكابرة ومصادمة للحق فاحفظه وتنبه له.
وأما حديث إباحتها في عمرة القضاء فهو حديث مرسل ضعيف كما قاله الإمام الزرقاني في شرح الموطأ.
وأما حديث إباحتها يوم فتح مكة فهو حديث صحيح ولكن قد نسخ ذلك بعد ثلاثة أيام ووقع التحريم المؤبد كما جاء في باب تحريم المتعة من صحيح مسلم من حديث سيرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن المتعة وقال إلا أنها حرام من يومكم هذا
إلى يوم القيامة ومن كان أعطى شيئاً فلا يأخذه آه والعجب من مؤلف الرسالة كيف أطلع على مارواه الإمام مسلم في تحريم المتعة ونقل عنه كثيراً من الأحاديث ثم تعامى عن الحديث المذكور فزعم أنه لم يجده فيه.
وأما ذكر النهي يوم حنين فهو وهم تفرد به عبد الوهاب الثقفي كما نبه عليه الإمام القسطلاني واتفق سائر أصحاب الزهري كلهم على لفظ خيبر وأما قول مؤلف الرسالة أن دعوى الوهم غير مسموعة وإلا لما صح الاستدلال بحديث فيرده أن علماء السنة لم يحكموا على تلك الرواية بالوهم إلا بعد استفاضة سائر طرق الحديث المذكور واتفاق الرواة على لفظ خيبر على أنه ليس فيه التعرض للإباحة بل إنما ورد في النهي فقط فعلى تقدير صحته على تأكيد النهي فلا معارضة بينه وبين غيره.
وأما حديث التحريم عام أوطاس بعد أن رخص فيها ثلاثا فهو حديث صحيح والمراد به يوم الفتح لأن غزوة الفتح وغزوة أوطاس في عام واحد وحمل يوم اوطاس على يوم الفتح ظاهر للعالم بلغة العرب فإن المراد باليوم في ذلك مجرد الزمن لاخصوص اليوم الذي حصلت فيه وقعة أوطاس.
وكثيرا ما تستعمل العرب ذلك فيقولون يوم كذا ومرادهم وقت حصوله لاخصوص يوم بعينه على أننا لم نجد في ما اطلعنا عليه من كتب الحديث أنه رخص فيها يوم اوطاس بل الرواية إنما جاءت بلفظ رخص رسول الله صلى الله عليه وسلم عام اوطاس في المتعة ثلاثا ثن نهى عنها رواه مسلم فظهر أن المراد بذلك إنما هو الرخصة التي حصلت يوم فتح مكة إذ فتح مكة وغزوة أوطاس كلاهما في عام واحد كما تقدم.
وأما حديث النهي عنها في غزوة تبوك فهو حديث ضعيف كما نص عليه القسطلاني والزرقاني على أنه ليس فيه تعرض للإباحة فعلى تقدير صحته يحمل على التأكيد ويؤيد ذلك أنه صلى الله عليه وسلم قرن النهي بالغضب كما في رواية الحازمي من حديث جابر ولو لم يكن صلى الله عليه وسلم حرم المتعة قبل ذلك لاقتصر على مجرد النهي كما فعل يوم فتح مكة وأما ذكر الإباحة في حجة الوداع فهو خطأ ولم يرو ذلك أحد من الثقات الإثبات وما رأينا أحداً من المحدثين قال أن ذلك جاء من طريق صحيح بل إنما رواه ابن ماجة في سننه وليست كل أحاديثه صحيحة وعلى تقدير صحة الحديث المذكور لا يصلح
لمعارضة سائر الروايات لأنها صح فيسقط ما يخالفها قال الإمام النووي إذا روى الثقات الإثبات عنه (أي عن سيرة) الإباحة يوم فتح مكة والذي في حجة الوداع إنما هو التحريم فيؤخذ من حديثه مااتفق عليه جمهور الرواة ووافقه عليه غيره من الصحابة رضي الله عنهم من النهي عنها يوم الفتح ويكون تحريمها يوم حجة الوداع توكيداً وإشاعة له وقد صرح الزرقاني بنحو ذلك في شرح الموطأ وبما ذكرنا يظهران حكمهم بالخطأ على رواية الإباحة في حجة الوداع ليس رد للرواية بمجرد التشهي كما زعمه مؤلف الرسالة بل لآن سائر الطرق اتفقت على أن الإباحة إنما ثبتت عن الثقات في يوم الفتح ولا يصح لمؤلف الرسالة أن يقول أن ذلك لا يمنع رواية الإباحة في حجة الوداع لا نقول أن حكمهم على الرواية المذكورة بالخطأ ليس لما ذكرناه فقط بل لما صح من التحريم المؤبد يوم الفتح كما نقله الإمام النووي في شرح صحيح مسلم والقسطلاني في شرح صحيح البخاري والزرقاني في شرح الموطأ وابن تيمية في منهاج السنة وكما رواه الإمام مسلم في صحيحه من رواية سيرة الجهني المتقدمة. ومما يؤيد الحكم على تلك الرواية بالخطأ أيضاً أن أكثرهم حجوا بنسائهم في حجة الوداع ولم يكن يومئذ ضرورة تدعو إلى التمتع وقد وسع الله عليهم بالسبي وغيره وإنما أسقط علماء السنة الرواية المذكورة وقبلوا رواية أبي داود التي في النهي_فقط لأن الأولى قد عارضها ما هو أصح منها فسقطت وأما الثانية فلا معارضة بينها وبين غيرها.
فلم يبق حديث صحيح سوى حديث خيبر ويوم الفتح وعام أوطاس وقد بينا أن ما ورد من الرخصة عام أوطاس إنما المراد به ما وقع يوم الفتح فلم يبق بين ما صح من أحاديث التحريم تعارض ولا تناقص بل ثبت صحة ما قاله محققوا علماء السنة وهو الصواب من أن النسخ والإباحة كانا مرتين فكانت المتعة جلالاً قبل خيبر ثم حرمت يوم خيبر ثم أبيحت في عام أوطاس يوم فتح مكة ثم حرمت يومئذ تحريماً مؤبداً إلى يوم القيامة ومن هنا يعلم صحة ما قرره الإمام النووي والقسطلاني وفساد ما قاله مؤلف الرسالة في رد كلامهما وبعد هذا البيان ما نظن أن أحداً من العقلاء يغتر بما قاله من أن الأحاديث المذكورة تقتضي أن المتعة قد أبيحت ونسخت سبم مرات إذ أصبح كلامه كسراب بقيعة أو كزبد دفعه السيل فذهب جفاء ولم يبق له عين ولا أثر.
وأما الروايات التي جاءت عن سيرة رضي الله عنه في تحريم المتعة تحريماً مؤبداً فقد تعددت طرقها وكثر رواتها. ومن العيب الفاضح أن مؤلف الرسالة لم يستحسن تعدد أسانيدها الذي يزيدها قوة بل جعله من جملة الوجوه التي تدعو إلى عدم التعويل عليها كما صرح بذلك في رسالته ص60 حيث قال ومن وجوه اختلاف أخبار تحريم المتعة ما وقع في روايات سيرة خاصة فإنها مختلفة اختلافاً لا يصح معه التعويل عليها ففي بعضها أنها ما حلت قط إلا في عمرة القضاء. وفي بعضها أن الإباحة والنسخ كانا عام الفتح وفي بعضها أنهما كانا في حجة الوداع وفي بعضها الاقتصار على التحريم في حجة الوداع وفي بعضها لم يعين الوقت وهذه التي لم يعين فيها الوقت منها ما اقتصر فيها على مجرد الإباحة والتحريم ومنها على الأذن والتحريم المؤبد ومنها على مجرد النهي ومنها على النهي المؤبد ثم أخبار فتح مكة منها ما اقتصر فيه على مجرد النهي ومنها ما ذكر فيه الإباحة والتحريم ومنها ما ظاهر أن الأذن كان بعد خمسة عشر يوماً من دخول مكة ومنها ما دل على أنه كان حين دخولهم أو منها ما دل على أنه خرج مع رجل من قومه ابن عم له ومنها ما دل على أنه خرج مع رجل من بني سليم ومنها ما دل على أنه تمتع بامرأة من بني عامر ببرد واحد ومنها ما دل على أنه تمتع بامرأة منهم ببرد ين أحمرين فكم مرة تمتع سبرة في يوم فتح مكة إلخ ما ذكره.
ونقول كأن مؤلف الرسالة ظن أن الأمر إذا تعدد ناقلوه وكثر الذين حفظوه يلزم أن يكون مكذوباً وأن يتعدد وقوعه بعدد من ذكره وما نظن عاقلاً يتوهم هذا خيال والروايات المذكورة عن سبرة ليس بينها اختلاف يقتضي عدم تعويل عليها بل فيها الصحيح وغيره والجمع بين ما صح منها ظاهر وذلك أن الرواية عنه بأنها ما حلت إلا في عمرة القضاء إنما جاءت عن الحسن البصري كما نبه عليه القاضي عياض وقد بينا أنه حديث مرسل ضعيف مخالف للروايات الصحيحة فيجب تركه ولا يبقى معارضاً لغيره من الأحاديث الصحيحة.
والرواية التي فيها الإباحة في حجة الوداع خطأ كما وضحناه قريباً وأما باقي الروايات فلا منافاة بينها إذ رواية التحريم في حجة الوداع سواء كان مطلقاً أم مقيداً بالتأييد لايستلزم سبق الإباحة يومئذ بل إنما كان للإشاعة كما قررناه فيما تقدم أيضاً وللروايات التي لم يعين
فيها الوقت إنما يفيد مجموعها أن المتعة كانت حلالا ثم حرمت تحريماً مؤبداً وهذا هو مطلوبنا وأما أخبار فتح مكة فما دل منها على مجرد الإباحة والنهي فواضح أنه لامنافاة بينه وبين غيره إذ لايستفاد منه إلا مااستفيد مما قبله من أن المتعة كانت حلالا ثم حرمت.
وأما الروايتان اللتان زعم مؤلف الرسالة أن ظاهر إحداهما يدل على أن الأذن إنما كان بعد خمسة عشر يوماً من دخول مكة وأن الثانية تدل على أن الأذن قد حصل حين دخولها فليس بينهما اختلاف يدعو إلى عدم التعويل عليها كما زعم إذ الاختلاف الذي يدعو إلى عدم التعويل إنما هو التناقض الذي هو اختلاف القضيتين بالإيجاب والسلب. وما هنا ليس كذلك وقول سيرة فأقمنا بها خمس عشرة ثلاثين بين ليلة ويوم فأذن لنا الخ لا يقتضي أن الأذن لم يحصل إلا بعد دخولهم بخمسة عشر يوماً إذ الفاء كثيراً ما تستعمل لمجرد العطف من غير تعقيب كما هو مقرر في محله وعلى تسليم أن الأمر كذلك لا منافاة بين هذه الرواية والرواية الثانية التي ظاهرها حصول الأذن حين دخول مكة إذ المراد بالحين المذكور في هذه الرواية هو مجرد الزمن سواء كان ساعة الدخول من غير تراخٍ أو كان بعد ذلك ولو بمدة طويلة وهذا الاستعمال شائع معروف حتى في لفظ يوم الذي هو من ظرف الزمان المحدود له وله نهاية ومع ذلك فقط أطلقوه غير مرة على معنى الزمن المطلق كقولهم يوم الفتح ويوم بدر ونحو ذلك يعنون به جميع الوقت الذي حصلت فيه الوقعة فإذا صح هذا في مثل يوم وهو زمان محدود كما تقدم فصحته في مثل لفظ الحين من باب أولى.
وأما الرواية التي أفادت أن سبرة رضي الله عنه خرج مع رجل من قومه ابن عم له فلا منافاة بينها وبين الرواية التي أفادت أنه خرج مع رجل من بني سليم إذ كثيراً ما يكون الإنسان منسوباً إلى قبيلة من القبائل ثم ينسب لقبيلة ثانية أيضاً لأمر يستدعي ذلك ككون إقامته في القبيلة الثانية أو أن ولاءه لها فتارة ينسبونه إلى القبيلة الأولى لأن نسبه فيها وتارة ينسبونه إلى القبيلة الثانية لأن إقامته فيها مثلاً وكذلك قول الراوي خرج مع رجل من قومه ابن عم له وقوله خرج مع رجل من بني سليم فلا مخالفة بين الروايتين المذكورتين وأما الراوية التي أفادت أن سبرة رضي الله عنه تمتع بامرأة من بني عامر ببرد واحد لا منافاة بينها وبين الرواية التي أفادت أنه تمتع بامرأة منهم ببردين أحمرين إذا
لتنصيص على الشيء لا ينفي ماعداه فقول الراوي تمتع بامرأة ببرد لا يستلزم أنه لم يعطها شيئاً آخر وأيضاً لفظ واحد في الرواية الأولى لم يثبت فيما أطلعنا عليه من الأحاديث بل إنما زاده مؤلف الرسالة للتمويه وقد فعل نظير ذلك غير مرة كما علم مما أثبتناه على أنه يمكن أن يحمل ذلك على تعدد الواقعة إذ الرواية الثانية ليست مقيدة بيوم الفتح ولم يذكر فيها شيء من الخصوصيات المذكورة في الرواية الأولى بل غاية ما يستفاد من الرواية الثانية هو أن سبرة رضي الله عنه تمتع على عهد النبي صلى الله عليه وسلم بامرأة من بني عامر ببردين أحمرين فلم يبق تعارض ولا اختلاف بينهما.
فاتضح مما بيناه أن روايات سبرة رضي الله عنه لم يكن بين ما صح منها اختلاف يستدعي عدم التعويل عليها بل هي ظاهرة جلية لكل منصف فنسئل الله أن يحفظ قلوبنا من الزيغ والزلل ويطهر أفئدتنا من الحقد إنه ولي المؤمنين.
(للكلام صلة)