الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
التاريخ
تابع ترجمة أبو بكر رضي الله عنه
خبر أهل البحرين
ارتد أهل البحرين فيمن ارتد من العرب بعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم إلا ما كان من عبد القيس فإنها رجعت إلى الإسلام بهمة الجارود بن المعلى العبدي فأرسل لهم أبو بكر رضي الله عنه حين عقد الألوية لقتال أهل الردة العلاء الحضرمي فسار بمن معه من الجند بقصد البحرين فلما كان (بخيال العمامة) لحق به من بني حنيفة وغيرهم مثل عسكره فسلك بهم (الدهناء) حتى إذا كانوا في بحبوتها نزل وأمر الناس بالنزول فنفرت إبلهم بأحمالها فما بقي عندهم لا جمل ولا ماء ولا زاد ولا بناء فلحقهم من الغم مالا يعلم علمه إلا الله ووصى بعضهم بعضاً فدعاهم العلاء وقال ما هذا الذي دخل عليكم من الغم فقالوا كيف نلام ونحن إن بلغنا غداً لم تحم الشمس حتى نهلك فقال أيها الناس لا تراعوا ألستم مسلمين؟ ألستم في سبيل الله؟ ألستم أنصار الله؟ قالوا بلى قال فابشروا فو الله لا يخذل الله من كان في مثل حالكم فلما صلوا الصبح دعا العلاء ودعوا معه فلمع لهم الماء فمشوا إليه فشربوا واغتسلوا فما تعالى النهار حتى أقبلت الإبل تجمع من كل وجه فأناخت إليهم فسقوها وكان أبو هريرة فيهم فلما ساروا عن ذلك المكان قال المنجاب بن راشد لأبي هريرة كيف علمك بمواضع الماء قال عارف به قال قم معي حتى تقيمني عليه قال فرجعت به إلى ذلك المكان فإذا هو لا غدير به ولا أثر للماء فقلت له والله لولا أني لا أرى الغدير لأخبرتك أن هذا هو المكان بعينه وما رأيت بهذا المكان ماء نافعاً قبل اليوم ثم التفتنا فإذا أداوة مملوءة ماء فعرفنا أنه هو المكان وأن الماء من منّ الله وليس بعين. هذه حال من أخلصوا في المجاهدة في سبيل الله يمدهم الله بأنواع من عنايته يفجر لهم الماء في المكان القفر ويجمع لهم الإبل بعد شرودها وينصرهم على عدوهم وهي منقبة عظيمة للعلاء ومن معه وكرامة ظاهرة لا تحتمل التأويل فاللهم اجعلنا ممن يصدق بكرامات أوليائك ولا تجعلنا ممن يرون آياتك فينكرونها وتتجلى لهم الحقيقة فيصدقون عنها ووافقنا للإخلاص في أعمالنا حتى نكون موضع العناية منك أنك سميع الدعاء.
ثم أرسل العلاء إلى الجارود يأمره أن ينازل الحطم مما يليه وسار هو فيمن معه حتى نزل
مما يلي هجر فاجتمع المشركون إلى الحطم واجتمع المسلمون إلى العلاء وخندق كلّ على نفسه وكانوا يتراوحون القتال ويرجعون إلى خندقهم فكانوا كذلك شهراً حتى إذا كانت ليلة سمع المسلمون فيها ضوضاء شديدة في عسكر المشركين فاستطلعوا الخبر فجاءهم بأنهم سكارى فبيتهم المسلمون شربيات ووضعوا السيف فيهم حيث شاءوا حتى هربوا بين مأسور ومقتول وقتل الحطم ثم ركب منهزمون السفن إلى دارين.
فجمع العلاء الناس وخطبهم وقال إن الله قد جمع لكم أحزاب الشيطان وشرَّد الحرب في هذا البحر وقد أراكم آياته في البر لتعتبروا بها في البحر فانهضوا إلى عدوكم ثم استعرضوا البحر إليهم فإن الله قد جمعهم فقالوا نفعل ولا نهاب والله بعد الدهناء هولاً مابقينا فارتحل وارتحلوا حتى إذا أتى ساحل البحر اقتحموه راكبهم وراجلهم ودعا ودعوا فاجتازوا ذلك الخليج بإذن الله جميعاً يمشون على مثل رملة ميثاء فوقها ماء يغمر إخفاق الإبل وإن ما بين الساحل ودارين مسيرة يوم وليلة لسفن البحر في بعض الحالات فالتقوا بهم واقتتلوا قتالاً شديداً حتى أظفرهم الله بهم فلما فرغوا رجعوا عودهم على بدئهم وفي ذلك يقول عفيف ابن المنذر:
ألم تر أن الله ذلك بحره
…
وانزل بالكفار إحدى الجلائل
دعونا الذي شق البحار فجاءنا
…
بأعجب من فلق البحار الأوائل
وكتب العلاء إلى أبي بكر أما بعد فإنَّ الله تبارك وتعالى فجر لنا الدهناء فيضاً لا ترى غوار به وأرانا آية وعبرة بعد غم وكرب لنحمد الله تعالى ونمجده فادع الله واستغفره لجنوده وأعوان دينه فحمد أبو بكر الله ودعاه وقال أن شأن هذا الفيض من عظيم الآيات وما سمعنا به في أمة قبلها اللهم أخلف محمداً صلى الله عليه وسلم فينا وكتب العلاء إلى أبي بكر بالفتح.
ردة عمان ومهرة
ولى رسول الله عليه وسلم على أهل عمان حين أسلموا جيفرا وعياذ ابني الجلندي وكان قد نبغ في عمان لقيط بن مالك الأزدي فلما توفي رسول الله صلى الله عليه ادعى النبوة فتبعه كثير من أهل عمان فخافه ابنا الجلندي فبعثا إلى أبي بكر بذلك فأرسل إليهما حذيفة ابن محصن وعرفجة بن هرثمة وعكرمة بن أبي جهل فالتقوا بلقيط واقتتلوا قتالاً شديداً كاد
ينهزم فيه المسلمون لولا أن من الله عليهم بمدد من بني ناجية فنصر الله المسلمين وخذل المرتدين وقتل منهم خلق كثير ثم أقام حذيفة بعمان يسكن الناس وسار عكرمة إلى مهرة فوجد أهلها قسمين مختلفين فكاتب أحد القسمين فرجع إلى الإسلام وبقي الآخر على ردته فقاتله حتى هزمه وسارعوا إلى اليمن للقاء المهاجرين أبي أمية كما عهد إليهم أبو بكر رضي الله عنه.
ردة اليمن ثانية
كان على اليمن أيام الأكاسرة باذان الفارسي فلما فتحها رسول الله صلى الله وسلم أبقاه عليها.
ولما مات قسم عليه الصلاة والسلام عمله على نفر من الصحابة وولى ابنه شهر على صنعاء فقبل وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم ثار رجل باليمن اسمه عبهلة ولقبه الأسود وادعى النبوة فأجابته قبيلة مذحج وتوجه إلى صنعاء فقتل شهربن باذان واستولى على ما بين صنعاء وحضرموت من الجنوب إلى أعمال الطائف من الشمال إلى البحرين من الشرق واستفحل أمره فبلع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأرسل إلى الأبناء (قوم من الفرس أقاموا باليمن) وعماله باليمن أن يقوموا بقتال الأسود وقتله إما غيلة أو مصادمة فقتله فيروز وداذويه من الأبناء بمساعدة زوجته ليلاً وأقام أصحاب الأسود بعده يترددون بين صنعاء وعدن لا يأؤون إلى أحد وتراجع عمال رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أعمالهم وبعثوا إلى المدينة بالخبر فوصل البريد وقد توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فكانت هذه أول بشارة أتت أبا بكر رضي الله عنه.
ولما شاع خبر الوفاة ارتد قيس من عبديغوث وكاتب المنهزمين من جنود الأسود فاجتمعوا إليه فقاتل بهم الأبناء وغدر بداذويه أحد عمال النبي صلى الله عليه وسلم وقتله فاستعان الأبناء ببعض القبائل وقاتلوه وفي أثناء قتاله وافاهم المهاجر بن أبي أمية وعكرمة بن أبي جهل بالجنود فساعدوا الأبناء على قتال قيس حتى هزموه وأسروا قيسا وعمرو بن معد كرب الزبيدي وكان قد ارتد وتبع الأسود العنسي وسيروهما إلى أبي بكر فلما قدما عليه قال يا قيس قتلت عباد الله واتخذت المرتدين وليجة من دون المؤمنين فأنكر أن يكون قارف من أمر داذويه شيئاً وكان قتله سراً فتجافى له عن دمه وقال لعمرو إما تستحي أنك
كل يوم مهزوم أو مأسور لو نصرت هذا الدين لرفعك الله فقال لاجرم لأقبلن ولا أعود ثم رجعا إلى عشائرهما وأما المهاجر فتتبع جنود الأسود وقتلهم بكل مكان حتى لم تقم لهم قائمة وكانت مدة الأسود إلى أن هلك قريباً من أربعة أشهر.
إلى هنا انتهت حروب الردة وكان من نتيجتها أن ثاب العرب إلى السكون والتفوا حول الإسلام ووقعت هيبته في قلوبهم وعرفوا أنه الحق لا يقاوم ولا تقف في سبيله العثرات مهما عظمت أدعى رؤساؤهم القوة فأظهر الله عجزهم وادعى مشعوذوهم النبوة فاتضح كذبهم وافتراؤهم أرم ببصرك نحو هذه الجموع العظيمة كيف ناوأت المسلمين وهم قليلو العدد والعدد وكيف كانت الغلبة لهم على هذه الجيوش الكثيرة والعنصر واحد والمحيط واحد مما يدلنا على أن الله ينصر من ينصره ويؤيد من يدعو لدينه مهما كثر الصادون عن سبيله فاللهم وفقنا لخدمة دينك وأجز أبا بكر عن الإسلام ما هو أهله.