الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وظائف العلماء
يجب على العلماء نحو الأمة أمور ثلاثة (أولها) العمل بما علموا ليكون ذلك أدعى لقبول ما يأمرون به وإلا حارت الأمة بين أن تقتدي بأعمالهم أو أقوالهم وأحر بالعالم إذا أمر وائتمر ونهى وانتهى أن يقبل قوله ويعمل بإرشاده وإلا فهو (طبيب يداوى الناس وهو سقيم) قال الله تعالى: [أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم وأنتم تتلون الكتاب أفلا تعقلون] وقال عليه الصلاة والسلام: أشد الناس عذاباً يوم القيامة عالم لم ينفعه علمه. واستعاذ عليه الصلاة والسلام من أربع أولاها من علم لا ينفع. وقال صلى الله عليه وسلم: أن أناساً من أهل الجنة ينطلقون إلى أناس من أهل النار فيقولون بم دخلتم النار فوالله ما دخلنا الجنة إلا بما تعلمنا منكم فيقولون أنا كنا نقول ولا نفعل. إلى غير ذلك من الأحاديث الصحيحة التي ظاهرها التغليظ والوعيد الشديد لمن لم يعمل بعلمه على أن ترك العمل بالعلم داعٍ لنفرة الناس وأعراضهم عن الأوامر والنواهي ولله در القائل:
يا أيها الرجل المعلم غيره
…
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنى
…
كيما يصح به وأنت سقيم
فابدأ بنفسك فانهها عن غيها
…
فإذا انتهت عنه فأنت حكيم
لاتنه عن خلق وتأتي مثله
…
عار عليك إذا فعلت عظيم
(الثاني) الإصلاح بنشر العلم والمعنى أن يكون القصد بالنشر القيام بما يجب عليه من إيصال أمانة العلم إلى مستحقيها من غير التفات إلى حب الشهرة أو أمل بنوال شيء من حطام الدنيا أو رغبة بالعظمة والتعالي إلى غير ذلك من شهوات النفس الأمارة (الثالث) الاجتهاد بإيصال هذه الأمانة (العلم) إلى أهلها. وأهلها كل محتاج إليها وجاهل بها وحائد عن طريقها. فينبغي السعي بكل الطرق الممكنة لتعليم الجاهل والأخذ بيد الحائد ليهدى الطريق الأقوم ولا يظن أن قعود العالم في كسر بيته وأجابته الناس عما يسألونه من أمور دينهم يكفي في أداء هذه الأمانة بل فاعل ذلك مقصر في وظيفته وربما استحق وعيد كاتم العلم لأن نشر العلم يفسر في كل زمان بما يلائمه ففي القرون الأولى حيث كانت البدع نادرة وروح الدين مستولية على الأفكار كانت إجابة السائل كافية في نشر العلم أما في هذا الزمن الذي انتشرت فيه البدع وزاد شيوعها وأخذ مروجوها يبعدون بالعامة عن طريق فلاحهم بما يلفقونه لهم من الشبه التي تقف سداً بينهم وبين الدين وأوامره فيتعين حينئذ على
العلماء أن يبثوا علمهم بأنجح الوسائل الممكنة فيقظونهم في المساجد والمدارس، ويغشونهم في منتدياتهم ومجتمعاتهم، ولا يدعون فرصة تذهب دون استمالتهم نحو الأخلاق الفاضلة، وإجلاء ماطرأ على فطرهم السليمة من الصدأ الذي سببه بعدهم عن أوامر الدين وهدايته ومتى قام العلماء بهذه الوظيفة المقدسة التي حملوا العلم لأجلها وأخلصوا بأدائها وعملوا بما علموا لا تلبث أن تبدو أعمالهم مكللة بالنجاح وتظهر كلمة الحق على الباطل، ولا ييأس أولئك الداعون إلى الخير من نجاح أعمالهم لما يصادفون في طريق دعوتهم من العقبات المانعة من تسلط الأشرار المتفرنجين الذين لا يريدون الدين ولا تدين، ويصدون أمة عن سبيله بكل ما في وسعهم فإن داعي الحق مسموع الكلمة مجاب الدعوة مهما حاول أنصار الباطل التنفير منه وتقبيحه.
ومن يتصفح التاريخ ويرى ما لقي الأنبياء عليهم الصلاة والسلام من أممهم من الإعراض عن دعوتهم وتقبيح ما أتوا به من البينات والهدى وتعمد تحقيرهم إلى غير ذلك من ضروب الإيذاء ويرى أنهم عليهم الصلاة والسلام لم يصدهم ذلك عن الدأب على الإرشاد ولم ييأسوا من رد أممهم إلى الصراط السوي بل ظلوا مثابرين على تعهدهم بأنواع العظات وتذكيرهم بالله وآياته وإقامة الحجج على صدق مدعاهم. من ير ذلك كله يحكم بأن العلماء وهم (ورثة الأنبياء) مقصرون بوظائفهم مطالبون من الله تعالى ببث ما آتاهم من العلم محاسبون مسؤولون عن ذلك يوم القيامة. أخرج الترمذي بسند حسن عنه صلى الله عليه وسلم لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس. عن عمره فيم أفناه وعن شبابه فيم أبلاه وعن ماله من أين اكتسبه وفيم أنفقه وماذا عمل فيما علم وفقنا الله جميعاً لامتثال أوامره، واجتناب نواهيه، أنه خير مسؤول كريم.