الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فتوى شرعية
في أداء زكاة الأموال لإعانة
الأسطول العثماني
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أفضل خلق الله وآله وصحبه أجمعين أما بعد فقد سئلت عن إعطاء الزكاة للدونانمه (الأسطول) فأحببت بما يأتي مذهب أمام دار الهجرة أن آية المصرف وهي قوله تعالى (إنما الصدقات للفقراء والمساكين والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله وابن السبيل) مسوقة للبيان لا للتقسيم وإن الواو بمثابة أو كأنه قيل والله أعلم إنما الصدقات للفقراء أو المساكين الخ ومعنى ذلك أن الزكاة لا يجوز أن تخرج عن الأصناف الثمانية وممكن أن تدفع كلها الصنف وأحد سيما إذا كان أحوج من غيره فإن تخصيصه بها يصير مطلوباً كما أن المراد بقوله تعالى (وفي سبيل الله) الجهاد في سبيل الله من أعداد المعدات والصرف على الغزاة ومن ذلك بناء الأساطيل على التحقيق من المذهب.
قال في الكبير ما نصه قال مالك رضي الله عنه اللام في قوله تعالى للفقراء لبيان المصرف لا للملك يعني ولو كانت للملك للزم عموم الأصناف الثمانية لأن الملك يكون لكل صنف منهم ثم قال وفي المجموعة آية الصدقة ليس فيها قسم بل أعلام بأهلها فلذلك لو أعطيت لصنف أجزأ وقيده ابن عبد السلام بما عدا العامل وإلا فلا معنى لدفع جميعها له ونص القطب الدردير في أقرب المسالك وندب إيثار المضطر المحتاج على غيره بأن يخص بالإعطاء أو يزاد له فيه على غيره على حسب ما يقتضيه الحال إذا المقصود سد الخلة لا تعميم الأصناف فلا يندب بل متى عطي لأي شخص موصوف بكونه من أحد الأصناف الثمانية كفى.
ونص الدسوقي عند قول الإمام خليل في بيان صرف الزكاة (ومجاهد وآلته ولوغنيا كجاسوس لا سور ومركب) وهذا قول ابن بشير ومقابله لابن عبد الحكم فيجوز عنده عمل الأسوار والمراكب منها ولم ينقل اللخمي غيره واستظهره في التوضيح قال ابن عبد السلام وهو الصحيح ولذا اعترض المواق على المصنف بأنه تبع تشهير ابن بشير وقال أنه لم ير المنع لغير ابن بشير فضلاً عن تشهيره وانتهى من البنانين هذه نصوص السادة المالكية
وبناء الأسطول وإعداد معداته بل إذا نظرنا إلى الاضطرار وشدة الاحتياج نقول لمن وجبت عليه الزكاة يستحب في حقك أن تدفع الزكاة لهذا الجانب لأن الضرورة إليه في هذا الزمان أشد بأضعاف متضاعفة من غيره بل إذا نظرنا لمحيطنا نظر متبصر خالص النية نجد الإسلام قاطبة في حالة هجوم عليه ومفاجأة العدو له ومعلوم أن هاته الحالة توجب وتحتم شرعاً باتفاق المذاهب في سبيل الله ودفع هجمات العدو على أوطان المسلمين ودينهم وحريمهم وذراريهم بالأموال كلها وإلا راح من غير تفرقة بين مال الزكاة وغيره وبين الغني والفقير والكبير والصغير والرجل والمرأة والعبد والحر من دفع زكاته كلها بل دفع ماله كله في الاستعداد للجهاد في هذا الزمن الحرج فقد قام بواجب من أكبر واجبات الإسلام وأعظمها على أنا نعني بالزكاة التي نطالب إخواننا المسلمين بدفعها للأسطول زكوات الدراهم والدنانير الموكولة لأمانتهم وهي بعض قليل من مال الزكاة والقسم الأعظم هو زكاة الحرق والماشية وذلك قائمة بجبايته الدولة فلا كلام لنا فيه وها هي قائمة في الجملة بغالب الأصناف الممكنة بحسب الزمان من تعيين معاشات للفقراء المتعففين عن صناعة التسول ومن إعانة أبناء السبيل ومن نفقة الاستعدادات في سبيل الله والغزاة ومن معاشات العاملين عليها إلى غير ذلك وحيث كان من المقرر المعلوم عند عموم المذاهب إن كل من التزم مذهباً من المذاهب لا ينبغي له أن يخرج عنه لغيره إلا عند الضرورة فيسوغ له ذلك فالعمل بمقتضى هذا الفقه يخاطب به كل أهل المذاهب الأربعة للضرورة التامة الظاهرة التي لا تحتاج إلى إيضاح فلا عذر للمتخلف عن ذلك ورجائي من مقام مشيخة الإسلام أن توافق على هذه الفتوى بعد أن تقف على نصوصها المنقولة في محالها حتى يقنع العموم ويعمل بمقتضاها.
ولا يخفى ما في ذلك من الفوائد الكبرى لأسطول الإسلام ومعلوم أيضاً أن مشيخة السلام ليست مشيخة السادات الحنفية بل مشيخة السادات المسلمين قاطبة فكل المذاهب الأربعة لها حظ فيها وفتواها ترجع إليها كما أن خلافة الإسلام أيضاً لا تتقيد بقول دون قول في تدبير صوالح المسلمين بل كل قول في مذهب من المذاهب الأربعة دعت الضرورة إليه إذا طابق الزمان والحال ولو كان ضعيفاً هو مذهبها ونسأل الله جل جلاله أن يلهمنا الرشد ويعلمنا التأويل ويفقهنا في الدين.
حرره صالح الشريف التونسي
(الحقائق)
قرأنا هذه الرسالة وألسنتنا رطبة بالثناء على حضرة منشئها المصلح الكبير وقد نشرناها خدمة للأمة عساها تصادف من أغنيائها آذاناً واعية ونفوساً تتأثر بما فيها من المؤثرات فتهب من سباتها لتأخذ بيد هذا الوطن من عثرته وترد إليه ما فقده من قوة ومنعة، وليطلع القراء على ما لحضرة مؤلفها الفاضل من الأيادي البيضاء على هذه الأمة وما حباه به مولاه من طول الباع وسعة الاطلاع فقد أفاد الملة بهذا الفتوى وأجاد في تعليلها بما يطابق المنقول والمعقول أكثر الله في هذه الأمة أمثاله من المصلحين.